رحلة ورحالة |
|
رحلة ورحالة
شهادة تاريخية لمملكة سعت للسلم والأمن ..
فيـلــبي.. حاج في الجزيرة العربية
بقــــــلم :أحمد محمّد محمود◙
فأسلم عام 1930م وأدى فريضة الحج في موكب الملك عبد العزيز .
وضع العديد من المؤلفات في مجالات الآثار بالجزيرة العربية من أشهرها ـ أرض الأنبياء ـ مدين ـ ومغامرته في قطع الربع الخالي سيراً وعلى ظهور الإبل وسجلها في كتابه ـ الربع الخالي ـ وكتب عن اليمن ـ بنات سبأ ـ وألف عن المملكة عدداً من الكتب بالإنجليزية تجعله بحق أغنى من كتب بالإنجليزية عن نشأة المملكة وتطورها وجهود الملك عبد العزيز في تأسيسها وتوحيدها، وساهم في تركيب محطة اللاسلكي بالمدينة المنورة التي تعاقد الملك عبد العزيز عليها مع شركة ماركوني البريطانية. توفي في بيروت عام 1960م".
وضع كتابا" بعنوان ـ حاج في الجزيرة العربية ـ خصص نصف صفحاته للحديث عن رحلته للحج وزيارته للمدينة المنورة لتركيب محطة اللاسلكي بها، وقدم لذلك بمقدمة عن ماضي الجزيرة العربية في التاريخ الإنساني "إن جزيرة العرب، وهي واقعة كما هي في التقاطع الإنساني في منتصف الطريق بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب من العالم المعمور، كانت تشاهد باستمتاع وعزلة كوميديا الصراع الإنساني، فهي كانت أرض البحر للبابليين القدامى، قد أصبحت ولا زالت جزيرة صحراوية، وإن لسانها القديم والأصيل انغرس في أراض كثيرة ليعطينا لغة ـ ثور ـ في كورنوول و- عبير ـ في ويلز. بل إن اســـم أوروبـــا نفسه فيه صـــدى ـ عروبة ـ العرب. "لقد كانت هي التي أنجبت الديانات العظمى التوحيدية الثلاث، وآخرها كانت القوة العظمى في العالم مرتين في أيام سبأ وفي عصر الخلفاء".
حاكم متميز
بنهاية الأسبوع الثالث من إبريل عام 1931م كانت قد وصلت آخر مجموعة من سفن الحج من مصر والسودان، من المغرب وسوريا، من الهند والشرق الأقصى، لقد كان تجمعاً من عدد ضئيل مخيب للآمال، 40,000 حاج التقوا في مكة مما وراء البحار ليتضاعف العدد بما انضم إليه من حجاج الداخل والىمن، ويعزى سبب الانخفاض في عدد الحجاج إلى موجة الكساد العالمي آنذاك، وبعد تحري الهلال أعلن أن الإثنين سيكون يوم التاسع من ذي الحجة الموافق27 من إبريل 1931م، وبدأ الاستعداد لمناسك الحج، فأقام الملك عبد العزيز حفل عشاء تكريماً لضيوف الرحمن دعا إليه 600 ـ 700 من كبار الشخصيات، وتكلم فيه الملك الذي ليس في كل الجزيرة العربيـة ـ الأرض التـــي لا تفتقر إلى الفصاحة ـ من خطيب أكثر منه تمرساً في الخطابة، أو أكثر تواضعاً وبساطة في الأسلوب، ولا أثقل وزناً وأشد تأثيراً، إنه يهيمن على مستمعيه بالتدرج بهم نحو الذروة بتقريرات منطقية مستندة دائماً على أقوال العلماء الثقات المعروفين لسامعيه مثلما هم معروفون له".
مشاهد الرحلة
"في يوم التروية: تحرك الحجاج إلى منى، وبقي الملك تأتيه التقارير الميدانية عن سير النفرة يوجه أوامره لحل ما يعترض من مشكلات ويصرف أمور الدولة حتى الظهر عندما توجه إلى منى، وقمت برحلتي إلى منى في سيارة وزير المالىة، ورأيت الجمل النجدي في الطريق نافراً من هدير السيارات بينما أخوه الحجازي قد وطّن نفسه علىها منذ فترة طويلة، كانت هناك سيارة أو أكثر عالقة في البقع المتفرقة من الرمال وأخرى انقلبت لسرعتها فوق الحجارة المغروزة في الرمال، ووصلنا بسلام إلى منى وقد تفتق واديها عن مدينة من الخيام، وبعد العشاء في خيمة الملك تجولت بمنى، ولم يكن الأمر سهلاً للجماعات المتحركة من الناس والِجمال، وكان القمر يضفي على المنظر سحراً، ووضعت سريري قرب الطريق الرئيسي وبينما أنا أغفو لأنام تحت النجوم بلا غطاء فوقي سوى ملابس الإحرام، مرّ بي القطار المرعب في طريقه إلى عرفات، فضج الليل كله بهمهمة شاكية، ما بين الرغاء للجمال، وأصوات وأبواق السيارات ولم يكن هناك أكثر من 500 سيارة، في مثل هذه المناسبة في الشرق ليس هناك ساعات معلومة للنوم. "وحين بدأ ضوء النهار يخترق ضباب الوادي، بدأ إنهاض الجمال الباركة أمام باب القصر، وفي لحظة كنا جميعاً على أقتابها، وتحركت مجموعة الملك نحو أسفل الوادي وسرعان ما انضمت القوافل الأخرى في موكب مهيب، لم يكن هناك أقل من 10,000 جمل خلف الملك ذلك الصباح، يوم الحج ـ عرفة ـ وفي هدوء سار الموكب في الوادي كالسيل، ودخلنا وادي المأزمين في مزدلفة فوادي عرنة، فأنخنا ونزلنا إلى الخيام المنصوبة في سهل عرفات، وأمامنا غير بعيد جبل الرحمة وراحت حرارة الجو ترتفع، لقد كان الماء كثيراً، بل والثلج أيضاً، وبعد تناول الغداء في خيمة الملك، مشينا عبر رقعة الرمال التي كانت كالنار للأقدام الحافية، مما اقتضى لبس الصنادل إلى مسجد نمرة لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً والاستماع إلى خطبة الحج، لم يكن في المسجد مكان لسجود المصلين عندما أقيمت الصلاة من شدة الزحام، واستمعنا للخطبة التي فجرت بكاء بين الحجاج الخاشعين، لقد كانت الخطبة أيام الأتراك والأشراف تلقى من على ظهر جمل أو من على جبل الرحمة أو بالقرب منه، وفي وسط المحمل وغيره من المراسم ومظاهر العظمة الدنيوية التي غدت في طي النسيان". "عدنا إلى خيامنا وجاء للسلام على الملك بعض الحجاج، ثم ركب الملك حصانه ومعه حاشيته متجهاً إلى مكان وقوفه بعرفة، ووصل الملك إلى الحشود الواقفة في الفضاء ومعه مرافقوه براياتهم الخضراء، وكانت بين الجموع الهوادج المغطاة للنساء محجوبة عن عيون الرجال، وظلت الحشود واقفة من الثانية بعد الظهر إلى غروب الشمس، تدعو دعاء متصلاً لا نهاية له بالعفو وغفران الذنوب، وقد آثر البعض البقاء في خيامهم تجنباً للشمس شديدة الحرارة، وكان الحجاج الأفقر حالاً قد جاؤوا معهم بسعف النخل وغطوها بأكياس فارغة يستظلون بها". "ورأيت حجاجاً أمضوا سنوات عديدة منذ مغادرة بلادهم لأداء الحج، فهذا رجل وزوجته أبلغاني أنهما بدءا رحلتهما ومعهما طفل واحد فصارت بعد 14 سنة في المشعر أسرة من 6 أشخاص، وهذا آخر ادعى أن عمره - 120 سنة - قضى ما لا يقل عن 70 منها في طريقه من لاغوس لأداء الحج واستثمرها في تلقي العلوم حيثما مر، وقد كان في الخرطوم يوم قتل جنود المهدي الحاكم البريطاني غوردن باشا".
النفرة من عرفات
"وما إن غربت الشمس حتى بدأ الموكب العظيم في النفرة، وحسب علمي ما من كاتب وصف النفرة من عرفات : فعندما تحركت في ركب الملك وأدرت لحاظي في المنظر: كان منظر الجمال هو الذي راعني، ففي الوادي الفسيح كله كانت صفوف الجمال وفيالقها هي التي اســـترعت انتباهي، لابد أن هناك ما لا يقل عن 50,000 جمل كلها سائرة إلى الأمام في خطواتها السريعة الصامتة التي تميزت بها وسيلة النقل الرئيسية في الجزيرة العربية، وما إن ازداد الغسق، وارتفع الغبار من حفيف الأخفاف حتى بدأت فيالقنا تفقد واقعيتها وتبدو كأنها جنود البشائر السماوية تتحرك بصمت وخفة في الضوء الخافت المعلق الآتي من القمر من فوقنا ومعه المريخ والمشتري، وفي ذيلهما الشعرى الىمانية ومنكب الجوزاء والعيّوق، لقد كان مدهشاً حقاً ونحن في الضباب لا نكاد نرى شيئاً أن تتحاشى الجِمال بفطرتها كل العقبات التي في طريقها بشرية كانت أو غير ذلك، والتي سرعان ما خلفتها جحافلنا وراءها." "بعد تجاوز الأعمدة الحجرية المحددة لمنطقة الحرم : انفجرت أمامنا مدينة ضخمة بآلاف الأنوار والأقواس المضاءة في صفوف منتظمة، وفوانيس صغيرة معلقة فوق الأعمدة، لم يكن لهذه المدينة من أثر عندما مررنا علىها في الصباح، لقد نبتت فجأة في الوادي منذ الغسق، لقد كانت هذه مزدلفة والتي حططنا فيها رحالنا وجمعنا حصيات لرمي الجمرات، "لقد كانت همهمة الجمال في كل مكان، وكذلك نداءات الرجال لأصحابهم الضائعين فرقة موسيقية حقيقية متنافرة الأنغام، الملك عسكر في الفضاء على أبسطة فرشت على المنحدر الرملي، وجيء بالعشاء في صَوان ضخمة نشرت على بساط طويل لمتعتنا، فأكلنا وأمر الملك مساعديه بالذهاب لدعوة الحجاج للعشاء، فجاؤا بالمئات ليأكلوا من مائدة الملك . ثم انصرفوا بدعوات عالىة، ثم نمنا". "صحوت فيما يبدو أنه منتصف الليل على أصوات محركات السيارات، ورغاء الجمال. وكان الملك على بعد خطوات غارقاً في تلاوته ثم اصطففنا لصلاة الفجر، وركبنا متجهين للمشعر الحرام في منى، حيث توقفنا ونحن لا نزال راكبين ندعو الله ونشكره بما هو مأثـور من دعاء عن النبي صــلى اللــه علىه وسلم". "وبينما بدأ ضوء النهار يسطع علىنا، واصلنا سيرنا نحو منى، وهنا أو هناك كانت جمالنا تجفل مما يعترضها في الطريق، كجمل سقط أو مات، وأقر هنا أنه خلال موسم الحج وإلى هذه النقطة بل حتى إلى عودتي لمكة لم أر أية علامة أخرى لأي إصابة في ذلك الحشد الذي ربما كان 100,000 حاج". "وبعد خروجنا من مزدلفة ركب الملك حصاناً ليكمل الطريق إلى جمرة العقبة، وبقيت أنا على جملي حتى اقتربت منها فنزلت سيرًا على الأقدام لرمي العقبة، لأجد زحاماً رهيباً، لقد كان مستحيلاً الاقتراب كثيراً لرمي العقبة، وربما استقرت حصياتي التي رميتها على الروؤس التي لم تحس بوقعها للذين كانوا أمامي يرمون". "وبعد رمي العقبة وجدت الأمير عبد الله، أخا الملك، عائداً إلى مكة في سيارته لطواف الإفاضة وكنت محظوظا لأجد مكاناً في سيارته، وفي أقل من نصف ساعة كنت في بيتي أستمتع بفطور خفيف قبل إكمال بقية الشعائر من الطواف والسعي، وعندما بدأت الطواف كان هناك 50,000 شخص في الحوض المغطى بالرخام، إنه مشهد رائع للإسلام ذي البلدان المتعددة، ثم شربت من ماء زمزم، وأنتهز هذه الفرصة لأقول إن جميع من كتبوا عن الحج قد أساؤوا لهذا الماء ـ زمزم ـ بلا وجه حق، وعلــى خـــــلاف ما ذكروه فلـــه طعم جميل ومنعش ومفيد للجسم، وقد نثر الزمزمي آخر قطرات الماء في الكوب الذي شربت منه فوق رأسي ووجهي". "قضيت الوقت هادئاً في منزلي بمكة ولم أتحرك للمبيت بمنــى إلا عند العصر، إن الفضاء في الوادي بين السلسلتين الجبليتين السوداوين (لثبير والمفجر) قد امتلأ بمدينة فعلىة من الخيام غطت مساحة منى، وأصبح الشارع الرئيسي بها سوقاً مزدهرة حقاً، ونشر الباعة بضائعهم من كل لون وقيمة على الأرض، وكان كل خامس أو سادس من الجالسين من البائعين: تاجر صرافة يشتري أو يبيع الروبيات والفلوس والعملات مقابل الريال الفضي والهللات النحاسية. فمكة والمدينـــة بطبيعة الحال كانتا في عطــلة وقــــد أغلقت كل محلاتها التجارية وتوقــف العمل التجـــاري، بينما أصبحت منـــى في الوقـــت الحالى هي القلب التجاري للحجاز". "في الشرق من الوادي وراء تجمع خيام الحجاج، جلس ـ ابن سعود (الملك) "إن الأسلوب المنظم الذي كان علىه الحج المكي في ظل حكم الملك عبد العزيز كان بحق شاهداً على قدر كبير من النجاح أمكن تحقيقه، فالحاج آمن على أي حال، في راحة، راض، في وفرة تامة من الماء والعناية الصحية، محرر من أية رعاية باهظة وابتزاز مؤدب، "وفي يوم التعجل عندما تدافع جمع من مرافقي الملك في المخيم للنفرة إلى مكة مما سيزيد الزحام، أرسل الملك إليهم أمراً بالرجوع إلى خيامهم، وفي هذه الأثناء تدفقت الجموع من منى إلى أسفل الوادي، نهر لا ينقطع من الرجال والنساء والأطفال، راجلين أو راكبين، مرهقين لكنهم سعداء، وفوق ذلك كله طاهرين من آثام الماضي ـ ذلك العبء الثقيل الذي كانوا جميعاً يحملونه، حتى تلك الأيام ."
في المدينة المنورة
وفي رحلته للمدينة المنورة في مهمة لتركيب محطة للاسلكي قدم وصفاً مفصلاً لمهاجر رسول الله صلى الله علىه وسلم، "فكتبي بقدر ما قرأت عن مدينة رسول الله صلي الله علىه وسلم، فإني أقر بأني لم أكن مهيئاً أبداً لسحرها ولا لمعناها، كانت أيامي في المدينة ممتعة حقاً فوق التوقعات التي كان أوحى بها انطباعي الأول من قراءاتي، فالذي لا شك فيه أنها مدينة لها روح، إن جاذبيتها للروح لا للعقل، إن عاطفة الارتباط بالمكان ـ الذي نمّته ورعته قرون طويلة من التقدير والإجلال المحلي تتخلل كل جو المدينة بالقدر نفسه الذي تهيمن فيه قبة مسجدها على المنظر الطبيعي فيها". "ودخل الرحالة المدينة من بوابتها الغربية حيث "باب العنبرية" و "محطة السكة الحديدية "وعند البوابة سد الكتبة المدققون الطريق مسلحين بأقلام الرصاص والسجلات لتسجيل أسماء الوافدين". "أمير المدينة هو عبد العزيز بن إبراهيم، شخصية نجدية ذات مكانة، خدم في أبها والطائف ثم المدينة المنورة، كان جاداً مصيباً إلى درجة عالىة من المراسم الرسمية والدينية، ودوداً، حاسماً ". "واختار لي الأمير سكناً مع الفريق الفني المرافق في الفيروزية، بستانا وداراً خارج الأسوار الذي كان جذاباً، ولم نحتج إلا لدقائق لنستقر فيه، "ثمة شيء في إدارة مكان كالمدينة يتسم بالبساطة والكفاءة، فكل شيء يقع في موقعه الصحيح من إشارة البداية، السرعة التي تم بها اختيار سكننا، الشاي والقهوة جاءا بسرعة، وأُغرقنا بسيل من الاقتراحات لزيادة راحتنا، وقبل أن أستفسر عن كيفية تحقيق غرض زيارتي كان ـ أحمد الجنيني ـ واقفًا يسألني متي أرغب في زيارة مسجد رسول الله والسلام عليه صلى الله علىه وسلم، واختفت ملابسنا المتسخة من الرحلة للغسيل، لقد كان كل شيء تلقائياً ينجز نفسه بنفسه، ولم أعلم إلا بعد حين أن العبقري المشرف على راحتنا كان أسعد أفندي المدير المحلي للضيافة الحكومية، وهو رجل مدني دائم الابتسام. ويقدم الرحالة وصفاً للمدينة المنورة: تقسيماتها بين ـ المدينة ـ المعسكر ـ الملحق - العنبرية -، مزارعها أحياؤها، ضواحيها، والسور المحيط بها، أسلوب المواصلات فيها، حيث يتم في الغالب بالجمال والحمير وأحياناً الخيول، الشارع التجاري: العينية ـ المؤدي من مخيم الحجاج والتي أخذت اسمها من مقر اللجنة المكلفة بالإشراف على تزويد المدينة بالماء ـ المناخة ـ إلى الحرم النبوي، جسر أبوجيدة الذي يمر فوق المسيل رابطاً العنبرية بوسط المدينة. " قلب المدينة هو المنطقة المسورة من كل نواحيها، موقع المسجد النبوي مركز الحركة لكل المقيمين والذي أعاد بناءه السلطان العثماني عبد الحميد مستخدماً الحجارة من جبال الجماوات في الضفة الىسرى لوادي العقيق، والذي هو بالفعل المعلم الهندسي الرئيسي لا للمدينة فحسب وإنما لكل الجزيرة العربية، درب الجنائز المؤدي لمقبرة البقيع، باب الشامي، قباء، وغيرها". "تظل حياة المدينة تدور حول حدائقها وبساتين نخيلها، لقد زرت عدداً من الضياع وقضيت ساعات ممتعة مع مضيفيّ المختلفين لتزجية الوقت، وهم يجدون متعة في اصطحاب ضيوفهم إلى الحدائق لزيارة الآبار وغرف الماكنات، موضحين كيف أنهم نجحوا محلياً في تحويل ماكينات الزيت لتعمل بالغاز الناتج عن حطب الوقود. "وتمور المدينة مشهورة في كل الشرق الإسلامي لمزاياها الخاصة ولارتباطها الديني معاً، ويتوافر المشمش والعنب والخوخ وغيرها من الفواكه وكذلك الورد والحناء ويسمع تغريد البلبل ـ النغري ـ في كل الأوقات". "إن السيارة الخاصة تكاد تكون ترفاً غير معروف في المدينة، للأمير سياراته، والسيد يحيى مدير البريد، ولآل الخريجي، ولناصر بن عقيل، ويزداد العدد في موسم الحج بما يفد من سيارات من خارج المدينة. "بعد الصلاة في المسجد النبوي وإتمام السلام علىه صلى الله علىه وسلم وعلى صاحبيه رضي الله عنهما، زار مكتبة عارف حكمت الشهيرة، ومديرها إبراهيم بن أحمد حمدي زاده الخربوطي، الذي كان عاكفًا على دراسة الأبجديات، وكانت لأبجدية آدم وشيث الصدارة فيها بحكم التسلسل التاريخي".
جبل أحد
ومع توسع الرحالة في تاريخ أحياء ومواقع الآثار بالمدينة يعقد فصلاً للحديث عن جبل أحد " ومن قمته يمكن أن يرى المرء أجمل منظر عام للمدينة، وأعتقد أنه يحق لي الادعاء بأني الأوروبي الوحيد الذي وصـل أو حاول الوصول إلى قمته، كان ذلك بعد زيارتنا لقبر سيد الشهداء حمزة عام 1931م مصاحباً للسيد محمد السقاف الذي كان قد عاد للحجاز بعد 40 عاماً قضاها في القسطنطينية، ومن هذه القمة يرى المرء المسجد النبوي في إطار من النخيل، ومحاطاً بيدين صارمتين من الحمم البركانية المنتشرة جنوباً وشرقاً في فضاء لا تحصره العين. " وإلى الشمال من القمة انبسط وادي ـ نقمي ـ الرملي وخلفه الأسوار العالىة من ـ وعيرة ـ ونعيرية ـ وجبل البيضاء والذي يلتقي بوادي العقيق في الطرف النائي لأحد بين زراعة الزبير المروية بالبئر ونخيل ـ الغابة ـ وطرفائها." " كان المنظر أمامنا مهْداً لعقيدة عظيمة يدين بها ثلث الجنس البشري: وعاء لحركة إنسانية عظيمة أثّرت تأثيراً عميقاً في تاريخ ثلاث قارات بين المحيطين الهادي والأطلسي". "ومن المعالم البارزة خارج المدينة ـ المطار ـ الذي بناه الأتراك العثمانيون في سلطانة، لقد كان مهجوراً منذ الحرب ـ العالمية - ولكنه عام 1936م زارته طائرات شركة بنك مصر لترى إمكانية تقديم خدمات جوية للحجاج المصريين، وأمكن قطع الرحلة من جدة للمدينة في ساعتين، مقارنة برحلة الجمال 11 يوماً، وثبت إمكان تقديم خدمة جوية، وتشرفت الأميرة خديجة عباس حلمي أخت خديوي مصر السابق في مارس من العام نفسه بأن تكون أول من يحج بالطائرة مقلعة من جدة للمدينة ومنها إلى مصر. "وغير بعيد من سلطانة يوجد حصن الصحابى سعيد بن العاص، وفي وسط السهل مسجد رومة، وقريباً منه مسجد القبلتين ولعله أشهر أثر منفرد في كل منطقة المدينة". كما يعقد الرحالة فصلاً خاصاً عن مسجد قباء "وله منظر رائع لوقوعه وسط حدائق، وما من بقعة في المنطقة أكثر شعبية لدى الحجاج من قباء، فالطريق قصير والثمرة عظيمة". ويعقد فصلاً آخر لضواحي المدينة : العوالى وقربان، منطقة الخندق الذي يمتد في شكل قوس ضحل يصل حرة الشيخين البارزة بمكان المجمع الحالى لمحطة اللاسلكي، ويستمر هناك متجاوزًا الطرف الشمالي لثنيات الوداع إلى الطرف الشمالي النائي من جبل سلع، ومنه إلى الطرف الشمالي من اللسان الغربي للحرة في المنطقة المجاورة للقبلتين.
"وبخروج المرء من باب العنبرية بمحاذاة فناء
السكة الحديد إلى الحرة يأتي بعد كيلين ونصف مسجد عروة، ويقال أن ماء البئر
الكبيرة أطيب ما في المنطقة كلها، وإن وجهاء المدينة يبعثون بمن يأتيهم
بالماء منها، وعلى بعد 8 كيلومترات تقع آبار علي ومنها إحرام أهل المدينة
للحج والعمرة، وغير بعيد منه جنوباً حول ـ حمراء الأسد ـ عسكر القنصل
البريطاني ـ س. ر. جوردان - أواخر عام 1926م للمفاوضات الأولى الفاشلة حول
اتفاقية بين المملكة العربية السعودية وبريطانيا العظمى، وفي السنة التالىة
أبرمت الاتفاقية التي عرفت باتفاقية جدة"
◙ كاتب سعودي
المرجع : حاج في الجزيرة العربية ـ تألىف ـ هاري سانت جون فيلبي ـ ترجمة أ. د. عبد القادر محمود عبد الله ـ الناشر ـ مكتبة العبيكان ـ الرياض . عام 1421هجرية 2001م
|
© يوليو 2005 مجلة " أهلا وسهلا ". |