|
||||||||
ابنة الساحل والبساتين في مدينة القطيف نشأت محملة بالألوان والرؤى المختلفة.. شغفت بفن البورتريه، إذ وجدت في الوجوه البشرية صفحة بيضاء ترسم عليها ما تريد.. إنها الفنانة التشكيلية السعودية خلود آل سالم، التقتها «أهلاً وسهلاً» فجاء الحوار التالي: كيف بدأت انطلاقتك مع الفن التشكيلي؟ كانت بدايتي مع الفن التشكيلي عندما التحقت بإحدىذ الدورات التشكيلية التي ينظمها مركز الخدمة الاجتماعية في منطقة القطيف، حيث تلقيت التدريب في أساسيات التصوير الزيتي على يد الفنانة سهير الجوهري. وقد كان لهذه الدورات الفضل الكبير في اكتسابي للكثير من المهارات، والتقنية الفنية اللازمة لممارسة العمل التصويري، أيضًا أتاحت لي هذه الدراسة الولوج في أرض الساحة التشكيلية، والتفاعل معها من خلال المعارض التي كانت تقام بعد كل دورة تدريبية. وهي الفرصة التي ينتظرها كل موهوب لعرض أعماله على الجمهور، وخصوصًا أصحاب الاهتمام بهذا المجال من النقاد والفنانين، ومن ثم تقيّيم موقعك كموهوب يشق طريقه في عالم الفن، وبالفعل تلقيت هذا التشجيع الذي دعم مسيرتي الفنية. هناك فجوة بين الفن التشكيلي والجمهور ما السبب في ذلك؟ يرجع ذلك لعدة أسباب منها: قلة اهتمام الناس بالتحصيل المعرفي والثقافي في مجال التشكيل، والاكتفاء بالمعلومة الجاهزة السهلة التي يتلقاها من الفنان أو اللوحة التشكيلية المباشرة في مضامينها وأسلوبها الفني. أيضًا قلة القراءات النقدية من قبل النقاد، وقلة انتشار الكتاب الذين يتناولون بالتحليل والدراسة تجارب الفنانين والفنانات في منطقة الخليج خصوصًا. فأسلوب الإعلان عن المعارض التشكيلية أسلوب بدائي، ولا يلقى الدعم من قبل الجهات الإعلامية بأنواعها وهذا أكبر إجحاف في حق الفن والفنانين. هل أتاحت معارض الفن التشكيلي فرصًا لوجود المرأة السعودية والخليجية بشكل فاعل؟ إذا كنت تقصد قاعات العرض الخاصة، فقاعات العرض هي ظاهرة ضرورية للفنان أو الفنانة، ولها دور كبير في تنشيط الحركة التشكيلية وإثراء العرض الفني بشكل عام، وبالتالي تسهم في وجود المرأة كفنانة. ولكن لا يتحقق هذا إلا بمدى قدرة الفنان من الناحية المادية، وقدرته على تحمل التكاليف الباهظة لإقامة معرض على مستوى راقٍ ومرضٍ، وهذا أمر يجعلنا نطرح التساؤلات عن مستوى الخدمة من قبل القاعات الخاصة، وما ساهمت به من دعم ورعاية للفنان والفن، والنتائج التي يخرج بها الفنان بعد عرضه بها؟ نرى فن البورتريه حاضرًا في أعمالك، فما الذي يدفعك لرسم الوجه الإنساني؟ منذ بداياتي اهتممت برسم البورترية وأعطيته اهتمامًا بالغًا بالدراسة والتحليل، وذلك لأنني أرى في الوجه الإنساني الكثير من الجماليات التي لا نراها ولا تتكرر في الأشياء الأخرى من حولنا. فهو المترجم الصادق الذي لا يخطئ في إيصال ما خبئ، من المشاعر والعواطف الإنسانية، في ثنايا الروح. والفنان في طبعه الانفعال والتفاعل، فيرى هذه الوجوه من حوله وهي تضج بالتعابير المختلفة، حيث يستنبط منها دلالات لقيم ومعان إنسانية سامية قد تتمثل في أمور متناقضة من فرح، وحزن، وراحة، وألم وغيرها، وبما أن الإنسان هو محور هذا الكون وسيده، لذا كان ملهمي الأول لكثير من مضامين أعمالي. معروف أن البيئة تترك بصماتها على الفنان، فكيف أثرت فيك بيئتك فنيًا؟ أنا أعيش في بيئة ساحلية وزراعية تجمع بين رحابة أفق الساحل البحري وألوانه الصافية الزرقاء الباردة في بدء النهار، وألوانه الدافئة المشبعة بالحمرة في آخر النهار، وخضرة بساتين النخيل الباسقات الشامخة في عنان السماء. كل هذا الغنى في اللون أمامي أراه أينما أجول ببصري، فقد أثر فيّ وقوّى إحساسي باللون، فجاءت ألواني صافية.. هادئة ومتأملة تحلم بصفاء مياه البحر وإشراقة سمائه، كما أن لمجتمعي المحافظ أثرًا في تأملاتي الفكرية والروحية، وقد ظهر ذلك بارزًا في بعض مضامين أعمالي. هل الحركة النقدية في مستوى إبداع التشكيليات السعوديات؟ لدينا حركة نقدية جيدة، لكنها تحتاج إلى الكثير من الجهد من قبل النقاد، فنحن نقرأ، ونتابع في الصحف والمجلات عن بعض القراءات النقدية التي تصاحب المناسبات التشكيلية من عروض تشكيلية، وكأنها قراءات موسمية لا تطفو على السطح إلا بوجود مناسبة، فلماذا لا يكون هناك اهتمام من قبل النقاد بمتابعة مستوى تجارب الفنانين وتقيم ما يستحق منها، ومن ثم المبادرة للتواصل معهم؟ وهذا هو الأهم بالنسبة للفنان، حيث يحصل على الدعم النقدي طبعًا النقد الهادف، والجاد، ومن ثم الكتابة عن تجاربهم بوجه عام، وليس من خلال معرض أقيم هنا أو هناك. كما أرى نقصًا في وجود الكتاب النقدي عندنا، ومعظم كتب النقد هي كتب مترجمة، فلماذا؟ فأنا أطرح هذا التساؤل لعله يلقى اهتمامًا من المعنيين بحركة النقد. أين موقع التشكيليات السعوديات في خارطة الفن التشكيلي العربي والخليجي؟ التشكيليات السعوديات لم يتخذن موقعهن اللائق بهنّ على خارطة التشكيل العربي، وما زالت تجاربهنّ شخصية، وأعني بذلك أنها على مستوى العرض الفردي، وغير معروفة عربيًا. ويرجع السبب في ذلك لظروفهنّ الاجتماعية تارة أو لعدم نيلهنّ الدعم اللازم من قبل الجهات المعنية لخدمة الحركة التشكيلية في المملكة كجمعية الثقافة والفنون، ووزارة الإعلام والثقافة تارة أخرى.وقد يكون هناك أسباب أخرى، طبعًا هذا لا ينفي أن بعضهن، وهنّ قلة تعد على أصابع اليد، استطعن بمجهودهن الشخصي أن يصلن بتجربتهن إلى خارج المملكة، وأتمنى مجيء ذلك اليوم الذي نحصل فيه بدعم حقيقي من وزارة الإعلام والثقافة لمساندة التجارب التشكيلية النسائية. كيف تنظرين إلى الجوائز الثقافية في مجال الفن التشكيلي؟ وما المعايير التي تخضع لها؟ بالنسبة لي أرى أن هذه الجوائز، من خلال ما لمسناه على الساحة التشكيلية، يحيطها الكثير من الغموض، وهي تختص بأسماء معينة.فالجوائز ذات القيمة الموضوعية، ومن خلال متابعتي، لا ينالها ولا يفوز بها إلا أسماء تتكرر في كل عام، وكأن الساحة التشكيلية تخلو إلا من هذه الأسماء، هذا بالإضافة إلى أن بعض الفنانين لا يتلقون الدعوات أصلاً للمشاركة في هذه المعارض، ولا حتى يعلن عنها بشكل مكثف في الصحف وبوقت كافٍ ومستمر، ما يضيع الفرص على الفنانين من المشاركة بها. وهذا كله مسؤولية الجهات المنظمة لتلك المسابقات. وبعدها يلقون باللوم على الفنانين، ويتهمونهم بالغياب عن الساحة التشكيلية. الذائقة البصرية العربية، هل تحتاج إلى مزيد من الوعي والثقافة لنشر جماليات الفن التشكيلي؟ بالتأكيد، خصوصًا ونحن اليوم نرى أهمية الصورة وهيمنتها ودورها في نشر العلم والمعرفة، وكيف صارت لغة العالم أجمع. فإذا لم نملك الوعي والثقافة اللازمين لن نفهم هذا الدور الذي تلعبه الثقافة البصرية في نشر الثقافات والأيديولوجيات المختلفة بين الشعوب. وقد رأينا كيف استخدمت الصورة كوسيلة لحرب ثقافية واستغلالها لضرب معتقداتنا ورموزنا المقدسة من قبل الغربيين المخالفين لنا في الدين والعقيدة، كما حصل في الدنمارك منذ فترة. فالوعي بحقيقة الدور الذي تلعبه الثقافة البصرية وفهم طبيعته واجب علينا تحصيله، والعمل على نشره والارتقاء به، ليس فقط لنشر جماليات الفن التشكيلي فقط، بل لاستيعاب دور الفن وأهميته في حياة الشعوب، والعمل على تفعيلة في شتى مجالات الإنسان الخاصة والعامة. ألم يحدث لك أن قرأت قصيدة شعر أو قصة قصيرة ورسمت على إثرها لوحة؟ قد يحدث هذا إذا كان للقصيدة أثر في النفس، وتركت انطباعًا في مشاعر الفنان المتلقي في هذه الحالة، فعبر عن ضروب الصورة الفنية الشعرية وحولها لصورة بصرية على اللوحة. وقد يحدث أن يرسم الفنان لقصائد الشاعر من خلال ديوان، أو كتاب شعري، أو حتى قصصي، وقد كانت لي تجربة في هذا المجال. هل الفن التشكيلي تسيطر عليه ريشة الرجل أم ريشة المرأة؟ قياسًا للقيمة الفنية لتجربة الفنان والفنانة لا، فهناك تجارب نسائية تفوق تجربة الرجل، وهذا أمر لا يتدخل فيه نوع الجنس (ذكر أو أنثى)، بل إن هناك فروقات شخصية في القدرات والمهارات لا دخل لها كون الفنان ذكرًا أو أنثى، ولكن الرجل أكثر حضورًا من المرأة، وأكثر نصيبًا من الشهرة والبروز الفني، وأكثر سيطرة على زمام الساحة التشكيلية. يلاحظ تعاقب الأسماء التشكيلية النسائية، وحضورها للوهلة الأولى بشكل قوي في المعارض، ووسائل الإعلام لكنها سرعان ماتختفي.. لماذا؟ التجارب الفنية الصادقة تبقى شاهدة على جمالية الفن.. وصدق الفنانة التشكيلية في لحظات إبداعها هو المعيار الحقيقي للفنانة، كما أن عمق التجربة ومعايشتها تكسبانها البقاء، أما التجارب العابرة فهي التي تزول سريعًا، سواء تجارب نسائية أم رجالية. |