|
||||||||
§ للنقد دور فاعل في طور تصحيح الشعر الشعبي تجوب الخاطرة في أروقة شعره شغفًا، وشوق يعتري النفس في حب الوطن، في القافية ترانيم تستحضر عزة الأجداد، وتضرب على أوتارها حكايات الأمجاد. الأميرالشاعر عبدالعزيز بن سعود.. يستشرف إشراقات الأدب في الشعر الشعبي. الشعر فضاء واسع، كيف بلغت آفاقه الرحبة؟ دائمًا تمثل البدايات الأولى النبع الرقراق الذي تستقي منه القريحة الشعرية ملامح التشكيل المعرفي والثقافي والروافد الخصبة التي لا تنضب، وتدفع الموهبة للمضي قدمًا في اتجاهها الصحيح، فقبل الولوج لعالم الشعر بدأت بتعلم حب الشعر، وما زلت أنهله وأبحث عن معرفة أسرار عالمه وممتلكاته وجغرافيته وما الخالد منه، وأشكال التعبير فيه، ورغم كل هذا ما زلتُ في الخطوة الأولى أبحث عن نص قصيدتي المفقودة. للشعر الشعبي رؤىً متباينة، بأي المقاييس تقيِّمها؟ الساحة الشعرية مليئة بهموم كثيرة دائمة التجدد، ولكنه ليس ذات الهم الذي تخلفه أحداث الذات. فالهم المعتاد الذي ينتج عن النقص الحاد في المعطيات المادية..همّ جميل يتحاور مع الطموح على ساحة الإبداع وليس أجمل مما كان إلا ما سيكون حتى يضيء بالمعطيات الثقافية مستقبلًا. ولكن المجلات الشعبية تعج بالرث والثمين، أليس كذلك؟ تقصد «الغث» آه من هذه المفردة لقد أهلكوها بعدما تعلَّموها وأصبحت الشماعة لتعليق الأخطاء، ولكن يجب أن نفهم أن للسلبيات أحقية، لأنها تبرز الإيجابيات وبالتالي أصبح لها فضل، والمهم قبل كل شيء أن لا تسجل سقطة في مضمار الركض الدائم للبحث عن التميز والشعر الأصيل. عبر رؤيتك الشعرية، من هم الشعراء الذين استوقفتك تجربتهم؟ دون شك، تزخر الساحة بتجارب شعرية مميزة في شعرنا العربي القديم.. أمثال شعراء المعلقات فشعرهم كالمسك، كلما قرأته فاح أريجه، وعم عبيره الطيب. كما أدركني شعر ابن المقرّب العيوني والمتنبي وأبو القاسم الشابي بشعور الإعجاب والتميز. أما على صعيد الشعر الشعبي فهناك والدي الأمير محمد بن سعود الملقب بشاعر القرن، والأمير عبدالله الفيصل، ومن ثم كل شاعر مبدع يستطيع أن يقف نصه الشعري على قدميه بشموخ الجبال، وعطاء النخيل، وضياء الكواكب. بعقد مقارنة بين الشعر الشعبي والفصيح، أيهما أكثر ذائقة لدى الجمهور؟ ولماذا؟ اللغة العربية الفصحى لها قداستها والتعامل مع هذه اللغة يتطلب أدوات ثقافية وفكرية لن تتسنى لمن يريد ذلك إلا بعد دراسة طويلة.. ولكن الإبداع لا هوية له، ولا لغة، ولا وطن، ولا زمان ،ولا جنس..لأنه حالة تنطلق من الفطرة، وتكبر مع المبدع، لذا يكون الشعر الشعبي أقرب للجمهور من قصيدة النخبة المثقفة. فالقصيدة الشعبية أكثر جماهيرية لأنها مفهومة لعامة الناس والنخبة في آن واحد. تفيض ربوع الشعر الشعبي بروادها، بم تفسرهذه الظاهرة؟ بطبيعة الحال اللغة العربية تختلف اختلافًا كبيرًا عن اللهجة العامية، وللغة الفصيحة قدسيتها الخاصة، وقواعدها النحوية والبلاغية، وذلك كافٍ للتسليم بأن الشاعر الفصيح شاعر شعبي، والعكس غير صحيح، لأن الشاعر الشعبي يتحدث باللهجة الدارجة. وماذا عن قراءتك لحضور المرأة في الشعرالشعبي؟ تمثل تجربة المرأة في مجال الإبداع الشعري رافدًا مهمًا في ساحة الشعر الشعبي. فأحفاد الخنساء ونورة وبخوت وغيرهنّ من الشاعرات المبدعات يأخذن مكانتهنّ المميزة في المشهد الشعري، وذلك لأنهنّ يبرزن فيما يكتبن صدق العاطفة المفقودة أحيانًا عند بعضهن، إلا أن، وبشكل عام، تجربة الرجل أكثر حضورًا ونضجًا بالإضافة إلى أن عدد الشعراء الرجال يفوق بكثير عدد الشاعرات. تماهت الفصحى والعامية في بعض النماذج الشعرية، فهل تنوي كتابة الفصحى؟ تطور ثقافة المفردة كفيل بردم الفجوة بين الفصيح والعامي..ولأنني عرفت شاعرًا شعبيًا لا أنوي تغيير جلدي بعد مسيرة شعرية طويلة في حقل الشعر الشعبي. لقد عرفني الناس من خلال هذا اللون الفني، وأحبوا أشعاري من خلال هذا الشكل، لذلك لن أحيد عنه مهما كان. الشعر الغنائي، أين موقعك منه؟ وما أثره في نفسك؟ كان الرضا عما كتبت للأغنية مطلقًا، وأود القول بأن الشعر الشعبي كله يرتبط بالإيقاع ولذلك يسهل التغني به.. وكل ما كتبته وغني قريب إلى نفسي وحقق شهرة عالية، لكنني قاطعت الغناء بعد أن بين لي أحد الشيوخ حرمته، فقد نزلت آيات قرآنية في ذلك، ومنذ تلك اللحظة عقدت العزم على عدم غناء شعري مهما كانت الأسباب والدوافع. ماذا عن إصداراتك الشعرية؟ وأيها أقرب إليك؟ أصدرت العديد من القصائد ولا زال الكثير منها، وبعد استحداث الموقع أجد الحاجة ماسة إلى إطلاقها، سيما أني كتبتها في ظروف مختلفة. أما أقربها إلى نبضي فتلك التي نظمتها في مقام مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، واسم القصيدة «صفوة ملوك المسلمين من كون آدم والسلام». بالإضافة إلى قصائد عديدة في جلالة الملك، حفظه الله، والبيت الملكي، فهي تعزز الانتماء لهذا الوطن والتعبير عن محبته والإخلاص له، وتقديرًا لرجاله المخلصين في خدمة الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وأما آ خر قصائدي فكانت في سمو سيدي ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز، بعنوان «سلطان نور» حبًا وإجلالًا له.. تشهد أمسيات الشعر الشعبي حضورًا واسعًا، كيف تقرأ ذلك؟ لأن الشاعر الشعبي يتحدث بما يفهمه العامة والخاصة.. سيما أن اللسان الدارج قوّض الإقليمية، وأصبحت اللغة الدارجة متقاربة في جميع أنحاء الجزيرة العربية، كما أن ثورة المعلومات والاتصالات وانتشار الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة، كل ذلك ساعد، بشكل كبير، على انتشار الشعر الشعبي ووجود قنوات متخصصة في هذا المجال تهتم بالفلكلور والتراث، وكل ما له صلة بالجذور والهوية الشعبية وكأنها توثيق لتلك الفنون البديعة. أين تجوب فاعلية النقد في الساحة الشعرية «النبطية»؟ من المؤسف أن ردهات الشعر البرحة تفتقر إلى ناقد بحجم الدكتور عبدالله الغذامي، أو راشد بن جعيثين، أو البازعي والمعيقل وغيرهم من الأقلام الجادة والآراء النقدية الواعية التي تسهم بشكل أو بآخر في دفع الحركة الشعرية إلى آفاق أرحب. لأن للنقد دورًا مهمًا وفاعلاً بهذه المرحلة التصحيحية التي تشهدها ساحة الشعر الشعبي. اللهجة المحلية، هل تعاني عثرة التلقي لدى بعض الدول العربية؟ الأغنية باللهجة الدارجة لها فضل كبير في تجسيد المفردة بالثقافة المعاصرة، ما سهل بعض اللهجات الإقليمية. فالشعر الشعبي موجود في كل الدول العربية في مصر، والسودان، وليبيا، وليس هناك شك أنه السائد ويخاطب الجميع بلغة سلسة. كما أن الشعر الشعبي «الخليجي» يصل إلى الدول العربية بسهولة ويسر، وليس هناك حواجز معينة أو موانع ما.. بالعكس هناك تلهف له. لقد دعيت لأمسية شعرية في الأردن وأمسيات ثقافية أخرى في مصر وسوريا وبلدان عربية عديدة، وهذه دلالة واضحة على انتشارها. فالناس تتقبل اللهجة الشعبية بشكل كبير..أما الفصحى فهي لغة القرآن الكريم، وهي اللغة الباقية والرائعة، ولها مستوى ثقافي معين. تسود ظاهرة بيع الإنجازات الأدبية أوسلبها بين الشعراء، كيف ترونها؟ بيع القصائد سلوك مشين إذا وجد بيننا، خصوصًا أن هناك من تبنى هذه الظاهرة الخطيرة إذا كانت واقعًا. وقد يجد الشاعر في ذلك دعاية له تدخله من أوسع الأبواب إلى عالم الشهرة.. أما أنا فلا أصدق أن الشعر يباع ويشترى كأي سلعة استهلاكية، لأنه يرقى لمستوى أسمى من ذلك. أتوافقون على اتهام الإعلام بتسليط اهتمامه على الأمراء والوجهاء فقط؟ إن التركيز على الوجاهة في بداية مراحل الشعر الشعبي صراع من أجل البقاء، ولكن الشاعر المبدع يستطلعه الذوق العام ويفرضه دون معرفة اسمه، وهناك أمثلة على ذلك كثيرة. فالموهبة هي العامل الأكبر في نبوغ الشاعر إلى الأضواء وعالم الشهرة. توجه أنامل الاتهام إلى الشاعرالشعبي لإفراطه في التعبيرعن ذاته وإغفاله قضايا وطنه، فما تعليقكم؟ هذا صحيح، وهذا ما يحدث بالفعل، ولكن في توقعي أن أمور الوطن أمور سياسية ويجب أن تترك لرجال السياسة، لأن تهيج الشارع غير مطلوب.. فالعنف لن يجدي بشيء ولن يدرك الغاية المرجوة. أما السياسة العقلانية التي أمر بها الإسلام، فهي الأجدى حيث قال رب العزة والجلال لرسوله الكريم في محكم التنزيل «وجادلهم بالتي هي أحسن». وأنا أعتقد أنها في حالة الضرورة القصوى تصبح مفروضة ولا خيار عنها. أما في الوضع الراهن فلسنا بحاجة إليها. أقمتم مسابقة شعرية بمناسبة مرور خمسين عامًا على تولي الأمير سلمان بن عبدالعزيز إمارة الرياض، هلا سلطتم الضوء على هذه البادرة؟ في ظل هذه الاحتفالية، تلقينا القصائد الموزونة المقفاة والتي وصل عددها إلى 1200 قصيدة، ومن الملاحظ أن عدد الشعراء يتفوق على عدد الشاعرات الذي لم يتجاوز العشرة فقط من حجم القصائد المتسابقة. وقد وزعت الجوائز على الفائزين وتم تغطية الحدث إعلاميًا ليظهر هؤلاء الشباب أمام الجمهور ويأخذوا حقهم من الإنصاف الأدبي. ويندرج هذا الحفل في إطار تحفيز جيل الشباب وتشجيعهم على الإجادة في كتابة الشعر وطرح موضوعات مبتكرة في جاديتها وطرق معالجتها الفنية، وبعث روح التحدي والتميز في مجال الكتابة الشعرية، وحثهم على تنمية مشاعر الانتماء لهذا الوطن ورجاله الأوفياء. ويبرز في هذه المسابقات شعراء مجهولون لم يظهرهم الإعلام أو يسلط عليهم الضوء بالقدر الكافي.. معنى ذلك أن هناك شعراء موهوبين ولكنهم مغمورون، فكانت هذه المسابقات متنفسًا جيدًا لخروج هؤلاء الشعراء المميزين، حيث يشارك معهم كبار الشعراء ويتفوقون عليهم. وهذا دليل بين على حجم موهبتهم الأصيلة. على صعيد القراءة، في أي الربوع تسرح خاطرتك؟ لي قراءات دينية، وسياسية، وأدبية متنوعة.. وهناك كتّاب أفضل القراءة لهم بشكل منتظم، ومنهم الشيخ عبدالعزيز التويجري، نائب رئيس الحرس الوطني رحمه الله، فقد شدتني مقالاته وطروحاته الفكرية المستنيرة، والموضوعات التي يتطرق لها وطرق معالجته للقضايا بوجه عام. للإلقاء دور مهم في وصول الشعر إلى الجمهور، كيف ذلك؟ أوافقك الرأي، فهناك شاعر أقل مستوى عن غيره من الناحية الفنية، ولكن طريقة إلقائه تشد المتلقي بقوة تمكنه من التفاعل معه، وفي المقابل يعجز شاعر آخر يتمتع بمستوى فني مميز عن بلوغ ذروة التخاطب الوجداني مع جمهوره بسبب سوء الإلقاء عنده، فيفضل الجمهور سماع الشاعر الأقل مستوى، لكنه عندما يتناول قصائدهما بعين القراءة في روية وتمعن فإنه يرقى في اختياره للشاعر الكبير لقوة شعره ويأسف لإلقائه. في ختام القول، بماذا تخاطب جيل الشباب من الشعراء؟ أنصح الشعراء الشباب بالمثابرة على نهج آبائهم وأجدادهم في مجال كتابة الشعر الشعبي، دون الانجراف مع تيار الحداثة أو الكتاباب الجديدة التي تسمى بالشعر الحر.. أو قصيدة النثر. فالقصيدة غير المقفاة والمفتقرة إلى الوزن الشعري ليست بقصيدة، لأن للأذن العربية ذائقة موسيقية تعشق الإيقاع وتطرب له أيما طرب قبل كل شيء. |
||||||||
|
||||||||