|
||||||||
في الثالث عشر من آذار «مارس» عام 1964، رحل المفكر العربي عباس محمود العقاد، تاركًا منزله بحي مصر الجديدة، الذي كان شاهدًا على فعاليات الثقافة العربية، بما تضمنه من صالون جمع المثقفين الذين كانوا يحرصون على الوجود لتأكيد علاقتهم برجل كان وما زال من علامات الثقافة العربية. هدوء شارع شفيق غربال، الذي كان العقاد أحد سكانه، تخيم عليه حالة واضحة من الهدوء على الرغم من تحول كثير من طوابقه السفلى إلى محلات لبيع الملابس والأجهزة المنزلية الحديثة. ولكن ما زالت تلك الشجرة العتيقة قابعة في مدخل منزل العقاد، وهي التي كانت أول من يرحب به عند أول دخوله للبيت وقبل أن يدلف إلى الداخل. منذ سنوات قليلة كان صالون العقاد لا يزال حيًا، حيث حرص تلاميذه على اجتماعهم الأسبوعي يوم الجمعة، وكأن العقاد لم يزل بينهم، واستمر هذا التقليد لأكثر من ثلاثين عامًا بعد رحيل العقاد، لكنه توقف بعد ذلك. ما تبقى كان لنا موعد مع العقاد ممثلاً في حفيدته عبير عامر العقاد التي وافقت على مرافقتنا في زيارة خاصة لشقة العقاد. تلك الشقة التي كان يرتبط بها بعلاقة ألفة من لحم ودم امتدت في الزمان لأكثر من ثمانية وثلاثين عامًا الأخيرة في حياة العقاد، وتركت آثارها بداخله لدرجة أنه تحدث عنها أكثر من مرة في كتبه ووصف حياته بداخلها بكثير من التفاصيل. من الخارج يبدو المنزل مهيبًا بطرازه الفرنسي الأنيق، وشجرة الكافور التي تستأنس بها البوابة العتيقة، والتي بجوارها كاد العقاد يفقد حياته، عندما أطلق المتظاهرون عليه الرصاص بعد مقال صاخب انتقد فيه مصطفى النحاس باشا، رئيس حزب الوفد المصري وزعيم الأغلبية والشعبية الساحقة في الوقت نفسه. رقم 13 كان العقاد بعقله القوي الناضج لا يترك نفسه أسيرًا للتقاليد والموروثات التي تحولت إلى ثوابت في حياة كل البشر، فكان أكثر ميلاً إلى التمرد على كل ما لا يقبله عقله. فنراه لا ينفر من الرقم 13 الذي يمثل رقم منزله، والذي يتشاءم منه الناس، وكان يقول: «أفضل الرقم 13 فهو يوم أعيشه في كل شهر أصيب فيه أكثر مما يصيب غيري، وهو رقم بيتي، ولا أنفر من البومة فليس من شأنها أن خلقها الله قبيحة في عيون البشر»، بل إنه كان يضع نموذجًا للبومة فوق مكتبه. وتشاء الأقدار أن يكون الرقم 13 هو، أيضًا، يوم رحيله عن الدنيا والعالم! بيته الذي لا نعرفه نعبر الواجهة الخارجية للبيت إلى حديقة صغيرة لم تمتد إليها يد العناية منذ زمن بعيد، وتعد خطواتنا درجات السلم العجوز، وفي الذهن كلمات العقاد التي سطرها في أحد كتبه عندما كان يتحدث عن هذه الدرجات نفسها فيقول: «صعدت سلالم هذا المسكن ثلاثًا ثلاثًا، ثم صعدتها اثنتين اثنتين، ثم ها أنا أصعدها درجة درجة على غير عجلة ولا اكتراث، وهذا المنزل قد نزلت به والشعرات البيض يتوارين في السواد، وما زلت أنزل به والشعرات السود يتوارين في البياض». ويقول الأديب محمد طاهر الجبلاوي، صديق العمر للعقاد: «كنت أعرف بيت العقاد منذ حل به صاحبه، وأحيط بكل ما فيه فقد ترددت عليه طوال سنوات قاربت الأربعين، وشاركت صاحبه كثيرًا من المشاعر. وكان، رحمه الله، يتمثل في بيته قول حافظ إبراهيم: كم مر لي فيه يوم لست أذكره ومر لي فيه يوم لست أنساه بل إن العقاد عبر عن أهمية البيت في حياته حين أفرد له كتابًا خاصًا به سماه «في بيتي»، صدر في شهر يوليو سنة 1945». لم يغادره إلا قليلًا لم يغادر العقاد بيته، إذا استثنينا رحلته الشتوية كل عام إلى أسوان، إلا في أسفار قريبة، مرة إلى لبنان ومرة إلى دمشق، ومرة إلى فلسطين. وقد طلب لإلقاء محاضرات عن الأدب العربي في فلسطين، وأطلق عليه الرصاص من شخص ينتمي إلى جمعية فاشية كانت تقيم بالقدس، وكانت حملات العقاد العنيفة على النازية والفاشية سبب هذا الاعتداء. وكان العقاد يرى العالم كله من خلال مكتبة بيته، ويطوف الأرض من أقصاها إلى أدناها ويحلق في سماوات أخرى لا نعرفها ولا نراها.فهذا كتاب يحمله إلى القطب الشمالي، وذلك يحمله إلى قطب الجنوب، وثالث يحمله إلى عالم الكواكب، ويسافر آنًا إلى القرن الأول الهجري، وآنًا إلى القرن الأول للميلاد، وآنًا إلى ما قبل الهجرة والميلاد، خطوة تنقله إلى هوميروس وخطوة تلاقيه بامرئ القيس، وأخرى إلى شكسبير، وأخرى إلى برنارد شو.. رحلات لا آخر لها يقطعها العقاد، وهو لم يبرح بيته ومكتبه.. هذه هي دنيا العقاد الذي لا يرى الدنيا إلا وهي ماثلة حيال فكره وإحساسه! أبيض وأسود نصل إلى الشقة في الدور الثاني إلى يمين السلم.. على الباب لوحة نحاسية صغيرة عليها ثلاث كلمات: عباس محمود العقاد.. ويفتح الباب وقلوبنا مفعمة بأحاسيس مشوبة بالانفعالات، فمن هذا الباب دخل العقاد وخرج آلاف المرات.. وتقودنا الخطوات التالية إلى الداخل، إلى صالة واسعة تنتمي إلى عصر العقاد.. على الجدران لوحات، وصور متعددة تمثل مراحل مخلفة من حياة الأديب الكبير.. وهناك صورة لإمام عصر التنوير الشيخ محمد عبده، وأخرى لأستاذه جمال الدين الأفغاني، وبجوار الشرفة تمثال نصفي صغير للعقاد على يساره ثلاجة صغيرة من طراز عتيق كان قد اشتراها قبل موته بسنوات قليلة، وكانت آخر مظاهر التقنية الحديثة التي أضيفت إلى البيت. ننتقل خطوات فوق مربعات الأبيض والأسود التي تكسو بلاط الشقة العاري القديم.. هكذا كان العقاد ينظر إلى الدنيا بمنظار من لونين: أبيض وأسود، كان واضحًا كالشمس صارمًا كالسيف يكره ضبابية اللون الرمادي، ولا يعرف أنصاف الحلول ولا أرباع المواقف.. وإنما ينطق برأيه في المواقف والرجال بجرأة لا تقبل التأويل.. ومن أجل هذه الصراحة الجريئة دخل العقاد السجن بجريمة العيب في الذات الملكية، عندما قال رأيه بصراحة في ملك مصر الملك فؤاد وموقفه من الدستور.. وكادت الجماهير تفتك به عندما انتقد موقفًا للنحاس باشا زعيم الوفد، رغم أنه كان من كبار الوفديين، ولكنها كلمة الحق التي لا يستطيع أن يكتمها. 4 حجرات يتألف بيت العقاد من أربع حجرات على النحو التالي: حجرة نوم، وقد حرص فيها على أن تحيط بها الشمس من أغلب الجهات، وحجرة الصالون، وكان يسميها «وادي الظلال»، لأنها كانت ترخى عليها الستائر الخشبية، فلا يتسلل إليها الضوء إلا خطوطًا صغيرة. وهناك حجرة نوم ثانية كان يسميها حجرة «الجبلاوي»، وهي مخصصة لإقامة صديقه طاهر الجبلاوي، وتشتمل على سرير نحاسي، وخزائن تحوي مجموعة من الكتب العربية. ثم حجرة المكتبة وبها مكتب، لم يكن العقاد يجلس عليه إلا في أخريات عمره، لأنه كان يكتب مقالاته وهو مستلق على ظهره بحجرة نومه، وعندما كان يهاجم الحكومة والملك، قيل له ذات مرة: إن مقالاتك أحدثت ضجة في الدوائر الوزارية، رد باسمًا، وقال: «ألا يعلمون أني أكتبها، وأنا نائم؟!» كان بيتًا للفن الجميل كان بيت العقاد عامرًا باللوحات الفنية فيرى الداخل بحجرة الجلوس صورة له من رسم الفنان أحمد صبري، إلى جانبها صورة للإمام محمد عبده، وهو من الرجال الأفذاذ الذين أحبهم، واقتدى في حياته بسيرتهم، وفي أحد الأركان وضع تمثال نصفي من الحجر للعقاد. وتتحلى باقي جدران الحجرة بلوحات فنية لقصر «أنس الوجود» للفنان هدايت، وأخرى لشاطئ الزمالك للفنان شعبان زكي، ولوحة لشاطئ أبى قير من رسم الأستاذ لبيب تادرس، ولوحة لترعة المحمودية للفنان صلاح طاهر، وهو من تلاميذ العقاد ومريديه، وله صور كثيرة للعقاد ترسمه في شتى المواقف والانفعالات. وكان من أعجب اللوحات في بيت العقاد لوحة من رسم الفنان الكبير محمد حسن، وضعت في حجرة المكتب وقد رسمها في مخيلته، وهو على وشك الغرق بين الحياة والموت، فلما نجا، وكتبت له الحياة، رسم تلك الصورة ويبدو فيها ضريحه، وقد وُضع عليه أصيص من الأزهار، ووقفت حياله زوجته وقد أحنت رأسها في أسى وخشوع، وأمسكت في يدها بمنديل صغير رمزًا إلى انتحابها، وقد كتب العقاد عن هذه الصورة مقالاً مسهبًا في كتابه: «ساعات بين الكتب». في صالون العقاد نحن الآن في صالون العقاد، حيث كان يعقد في هذا المكان أشهر صالون أدبي وثقافي في تاريخ مصر الحديث في شكل ندوة أسبوعية تعقد صباح كل يوم جمعة، يحضرها العشرات من جميع طوائف الشعب، ويشترك فيها كثير من أعلام الأدب، وعيون الفكر، في حوار يديره عملاق الفكر عباس العقاد. تتجول أعيننا في أثاث الغرفة القليل.. هنا وعلى هذه الأريكة كان يجلس العقاد جلسته المعتادة واضعًا ساقًا على ساق، ويده اليمنى في جيب «الروب» بسبب آلام الحجاب الحاجز التي كانت تداهمه فيلجأ إلى الجلوس بهذا الوضع حتى يضع يده على موضع الألم دون أن يشعر به أحد من الموجودين. وكان العقاد يختار هذا الموضع بالذات للجلوس، لأنه يستطيع من خلاله أن يكشف باب الشقة، ويرى كل من يدخل إليها فيقوم لاستقباله مرحبًا.. حتى لو كان طفلاً صغيرًا جاء إلى الندوة بدافع من الفضول الصبياني. وعلى مقاعد الصالون الباقية كان تلاميذ العملاق وأصدقاؤه يجلسون حوله وعندما كانت الغرفة تكتظ بالزوار والمريدين وعشاق الثقافة، كان الباقون يجلسون في الصالة المقابلة يجهدون أسماعهم لالتقاط كل كلمة ينطق بها الأستاذ، ويرشفون في خشوع أكواب الليمون المثلجة التي كان «عم أحمد» طباخ العقاد يدور بها على الجميع، وهو يجاهد لكي يدبر لكل واحد منهم مقعدًا حتى ولو اقتضى الأمر استعارة بعض المقاعد من الجيران. «سارة» واللوحة المشهورة ما زالت أعيننا تتجول بلهفة في غرفة صالون العقاد تسير النظرات فوق الجدران المزينة بالعديد من الصور واللوحات وبجوار الباب تسرق كل الانتباه لوحة صلاح طاهر الشهيرة «طبق العسل»، والتي رسمها بناء على طلب العقاد بنفسه بعد قصة حبه الفاشلة مع السيدة التي كتب حكايته معها في روايته الوحيدة «سارة»، وتمثل اللوحة «فطيرة حلوة يشتهيها الجائع والشبعان، بل يشتهيها المتخوم والمكظوظ وعليها صرصور وذباب يحوم، وفي القدح الذي يفرغ عليها الحلاوة عسل يضطرب عليه بعض الذباب ويموت فلا يأكل من هذه الفطيرة الحلوة على هذه الصورة شبعان ولا جوعان بل تعزف النفس حين تراها عن كل طعام».. إنها لوحة تصويرية عن الجمال والصبا عندما يسقط فيتهافت عليه الرجال بطريقة مقززة مثل الذباب. وتكسر السيدة صفية العقاد، ابنة شقيق الكاتب الكبير، جدار الصمت، لتروي كيف جاء أحد الأثرياء العرب من هواة جمع التحف بعد وفاة العقاد بسنوات قليلة، ليضع بين يدي العائلة شيكًا على بياض، في مقابل هذه اللوحة بالذات.. «ولكن لم يوافق أحد بالطبع على هذه الصفقة، لأننا نعد كل متعلقات أستاذنا الراحل كنوزًا لا تقدر بثمن، ولا يمكن التفريط فيها بأي حال من الأحوال.. ولكن ذلك لم يمنعنا من أن نستجيب لأحد المخرجين التلفازيين، عندما طلب استعارة اللوحة حتى يستخدمها في تصوير مسلسل خاص عن حياة العقاد تحت عنوان: العملاق». الشيوعية والنازية في النافذة بحسب السيدة صفية العقاد, فإن هذه اللوحة لم تكن في الأصل معلقة في المكان.. حيث لم يكن هناك أي جدران «عارية» على أيام العقاد، وإنما كانت رفوف الكتب تحتل كل مساحات الجدران من الأرض إلى السقف حتى المطبخ والحمام كانت توجد فيهما كميات كبيرة من الكتب.. وكانت مكتبة العقاد العملاقة التي تضم آلاف الكتب في جميع فروع المعرفة، تنافس الأثاث، وتتكدس في كل مكان بالبيت، لذلك لم يكن في منزل العقاد أثاث كثير. كذلك كانت شرفات المنزل, أيضًا, مكدسة بالكتب، خصوصًا تلك الكتب التي تتحدث عن الشيوعية والنازية، فكان يقول ساخرًا: «إن كتب الشيوعية بالذات لا مكان لها إلا في الشرفات حتى تتنسم بعض أنفاس الحرية التي تفتقدها.. كما أن وجودها بالشرفة له ميزة أخرى، حيث تكون معرضة للسرقة على يد أحد هؤلاء اللصوص الذين يتسلقون النوافذ، ويسطون على ما في الشرفات.. ولعل أحدهم يصنع معروفًا ويسرقها، ويريحني منها، فإن أمنيتي أن يزيلها الله من على الأرض جميعًا، وليس من مكتبتي فقط حتى تستريح البشرية من هذه الأفكار المسمومة والداء الوبيل!». لم يكن عدوًا للمرأة وتشير السيدة عزيزة مصطفى، أرملة الراحل عامر العقاد، إلى إهداء رقيق بخط العقاد كتبه لها على غلاف أحد كتب عبقرياته وتضيف قائلة: «غير صحيح ما أشيع عن أن العقاد كان عدوًا للمرأة يناصبها العداء والكراهية.. بل على العكس تمامًا، كان مجاملاً، وكان يبدو في كثير من الأحيان كثير الرقة، وكان يحترم المرأة جدًا، ويقدر دورها في المجتمع والأسرة، ولكنه لم يكن من أنصار خروج المرأة إلى العمل، حيث كان يرى أن البيت هو مملكتها الخاصة، وأن رعاية الزوج وتنشئة الجيل الجديد هو عملها المقدس». في عيون تلاميذه عن أخلاق العقاد الخاصة يتحدث صديق عمره الفنان الكبير صلاح طاهر قائلاً: «إن أبرز ما كان يميز العقاد المفكر هو إيمانه المطلق بقيمة الحرية والجمال. أما العقاد الإنسان فقد كانت الراحة والجرأة والجدية الشديدة وشدة الاعتداد بالنفس هي أبرز صفاته». ويقول الدكتور مصطفى الشكعة، أحد تلاميذ العقاد الأوفياء وعميد كلية آداب عين شمس الأسبق: «كان العقاد في موقف مضاد دائمًا للسلطة، حيث كان إيمانه المطلق بالحرية، بالإضافة إلى صراحته وشجاعته في التعبير عن رأيه سببًا في دخوله معارك مستمرة ضد أطراف السلطة رغم تغيير رموز السلطة من عصر إلى عصر.. فالعقاد الوفدي المتحمس المقرب من سعد زغلول، والذي يحكم عليه بالسجن بسبب العيب في الذات الملكية، ومناصبته العداء للملك فؤاد شخصيًا. هو العقاد نفسه المتمرد على النحاس باشا الذي يكشف أخطاءه، ويعترض على بعض مواقفه، لدرجة تدفع الجماهير للفتك به لتطاوله على زعيمها الكبير! وبعد الثورة، أيضًا، لم يتغير موقف العقاد المتحفظ والمتحفز للهجوم على السلطة والدفاع عن قضايا الحرية بشجاعة ليس لها نظير». موعد مع الجوع! بمناسبة موقف العقاد من ثورة يوليو يروي ناشره الخاص أحمد حمدي إمام عن الأزمة المالية الخاصة التي كان يمر بها العقاد في شهر يوليو من كل عام، حيث كان يعيش طوال هذا الشهر على بيع الكتب من مكتبته، حيث كان ينتقي الكتب التي يملك منها أكثر من نسخة بطبعات مختلفة، ويعيد بيعها إلى المكتبات حتى يدبر نفقات معيشته طوال الشهر. ففي شهر يوليو يتوقف تمامًا عن كتابة مقالاته لداري الهلال وأخبار اليوم التي يتقاضى عنها أجرًا شهريًا.. والسر في أزمة يوليو السنوية تعود إلى أن صفحات الجرائد والمجلات طوال هذا الشهر كانت محجوزة لمقالات المدح والثناء بعيد الثورة.. وكان العقاد يرفض تمامًا أن يشارك في هذه الأجواء لكونها، على حد تعبيره، «مصطنعة وغير أمينة»، فكان يفضل أن يبيع مكتبته كتابًا كتابًا على أن يترك أحدًا يملي عليه ما يكتب! آيل للسقوط من يصدق أن كل الذكريات العتيقة التي تعيش بين جدران منزل العقاد أصبحت آيلة للسقوط منذ شهر أكتوبر 1992، وطوال هذه الفترة والتصدعات والشروخ تضرب في جسد المنزل الأثري حتى تحولت إلى سرطان مخيف يهدد كل ذكريات العقاد الباقية بالاندثار. كان الكثير من المثقفين العرب قد طالبوا بأن تضع وزارة الثقافة يدها على شقة العقاد، لتحولها إلى متحف خاص أو مركز ثقافي لإحياء تراث الفكر العربي المعاصر الذي كان العقاد أحد أعلامه البارزين، كما يحدث في بلاد العالم المتقدم، وكما فعل الألمان بمنزل جوته، والإنجليز بمنزل شكسبير، والنمسا مع بيت بيتهوفن، والفرنسيون بالبانسيون الذي أقام فيه «فيكتور هوجو»، لكن هذه المطالب لم تجد ذلك الصدى المنتظر لدى القائمين على وزارة الثقافة. ولعل من المفارقة أن تقوم وزارة الثقافة المصرية بشراء فيلا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من الورثة، لتحوله إلى متحف ومنتدى ثقافي تعقد فيه الندوات، ويضم كتبه ومقتنياته، ليتحول إلى متحف يتوجه إليه الزوار من العرب والأجانب، بينما لم تفعل حتى الآن الشيء نفسه مع بيت العقاد. |
||||||||
|
||||||||