|
||||||||
§ مكتبات لحفظ لتراث العربي والإسلامي وفق أحدث المعايير العالمية تزخر العاصمة السعودية بعدد من المراكز الحضارية والتراثية والثقافية التي أقيمت من قبل الدولة أو أقيمت بالجهود الشخصية ، ومنها مركز سعود البابطين الخيري للتراث والثقافة في الرياض، والذي أنشئ لخدمة شتى مجالات المعارف والعلوم. وبحسب أمين عام المركز الدكتور ناصر بن عبداللطيف البابطين فإن فكرة إنشاء المركز جاءت على مرحلتين: الأولى نتيجة شغف مؤسس المركز عبداللطيف بن سعود البابطين بالتراث العربي والإسلامي، والذي بدأ ينمو منذ فترة مبكرة من حياته. وبمرور الزمن ونظرًا لتكون حصيلة كبيرة من المخطوطات والمراجع العربية والإسلامية التي لا تقدر بثمن برزت فكرة إيجاد وسيلة لحفظ هذا التراث، واستغرق الأمر نصف قرن وشمل ذلك المخطوطات والمسكوكات إضافة إلى أمهات الكتب، التي ألفها كبار علماء المسلمين في شتى مجالات المعارف والعلوم، فكانت المرحلة الثانية وهي إنشاء المركز فقد انبثقت بهدف إبراز دور الأمة الإسلامية والعربية في الحضارة الإنسانية في مختلف مجالات الحياة. أما أهداف المركز فتتركز في عدد من النقاط المهمة منها: • إنشاء مكتبة لخدمة التراث العربي والإسلامي، والحفاظ عليه من خلال جمع أكبر عدد ممكن من المخطوطات واقتنائها، وذلك في شتى العلوم والفنون والآداب ومن جميع أنحاء العالم. • القيام بالدراسات والأبحاث ذات الصلة بنشاط المركز بما في ذلك تحقيق المخطوطات النادرة ونشرها. • إنشاء قسم خاص للوثائق التاريخية يحتوي على وثائق ورقية قديمة، ومسكوكات، وطوابع، وعملات، وغير ذلك بما يخص الأمة العربية والإسلامية بعامة والجزيرة العربية بخاصة، خدمة للدارسين والباحثين في التاريخ العربي والإسلامي. • إنشاء قاعدة معلومات حاسوبية للبحث العلمي مرتبطة بالعديد من المراكز الثقافية والعلمية والمكتبات في العالم تسهيلاً للباحثين والدارسين. • تشجيع حركة البحث العلمي وتطويرها من خلال تقديم الخدمات البحثية، والدعم المالي للدراسات التي تقدم للمركز من قبل العلماء والأدباء والباحثين. • دعم أي نشاطات ثقافية تسهم في تحقيق أهداف المركز وتشجيعها، ومنها اللقاءات، والمحاضرات، والندوات الثقافية، والمعارض التثقيفية. ويتكون المركز من دور سفلي «القبو»، وتبلغ مساحته 1484 مترًا مربعًا، ثم الدور الأرضي وتبلغ مساحته 2633 مترًا مربعًا، ثم الدور الأول وتبلغ مساحته 1576 مترًا مربعًا، ومن ثم الدور الثاني والذي تصل مساحته إلى 1236 مترًا مربعًا لتصل المساحة الإجمالية للمركز إلى أكثر من ستة آلاف متر مربع. فيما تبلغ مساحة الأرض المقام عليها المركز 10 آلاف متر مربع، وقد صمم وفق أحدث الاتجاهات المعاصرة للمكتبات والمراكز الثقافية. وتم تخصيص مرافق للسيدات ولذوي الاحتياجات الخاصة، وخصصت قاعات للمطالعة للسيدات، كما تم تجهيز المركز بمختلف وسائل الحماية الأمنية والإلكترونية، وأنظمة خاصة بالسلامة ضد أخطار الحريق والسرقة. وتضم خزانة المخطوطات والوثائق والكتب النادرة وتتسع لأكثر من 80 ألف كتاب، وتتسع المكتبة المغلقة لأكثر من 60 ألف كتاب، وخلال تجوالنا لفت انتباهنا مجموعة من العاملين تقوم بمهمة تعقيم المخطوطات وترميمها وتضم عدة أجهزة منها الماسح الضوئي، والتجليد، وخدمات التصوير، إضافة إلى الخدمات المساندة. ويحتل مسرح كبير جهز وفق أحدث النظم المعمول بها في المسرح عالميًا مساحة كبيرة في المركز، ويتسع لحوالي 420 شخصًا، كما يحتوي المركز على مسجد يتسع لحوالي 250 مصليًا، وأقيم على مساحة قدرها 310 أمتار مربعة. ويحتوي المركز على عدد من الخدمات المساندة داخل المسرح ومنها الترجمة الفورية، والتصوير، والعرض السينمائي، بالإضافة إلى قاعة للاجتماعات، وقاعة مخصصة للإنترنت وتتسع لحوالي 40 مستخدمًا. ويضم المركز في دوره الأول مكتبة تتسع لأكثر من 120 ألف كتاب، إضافة إلى قاعات للمطالعة ومراجع وكتب ودوريات تستوعب نحو 150 مطالعًا. وهناك غرف خاصة للباحثين الذين يجرون أبحاثًا تتطلب قدرًا من الخصوصية. ومن بين المرافق التي يحتويها المركز قاعة باسم «قاعة الخليج والجزيرة العربية» وتحتوي على كل ما كتب عن الجزيرة والخليج العربيين. وفي إطار اهتمام المركز بالجزيرة العربية وما يخصها من أبحاث ودراسات تم إنشاء قاعة لدراسات الجزيرة العربية والخليج تتسع لأكثر من 50 مستفيدًا، حيث جهزت بأحدث التقنيات، كما تضم مكتبة ضمت إليها المصادر والموسوعات المختلفة التي تهم الباحث والمستفيد، إضافة إلى اهتمام خاص بجميع الإصدارات القديمة والحديثة التي تتصل بسيرة مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، إلى جانب تاريخ بلاد الحرمين وعمارة الحرمين الشريفين، إضافة إلى المواقع التاريخية المهمة. كما تحوي المكتبة أهم المصادر الجغرافية، والبيئية، والثقافية، والطاقة، وقصة النفط وغيرها. كما تم تجهيز قسم خاص بمصادر ومراجع عن دول مجلس التعاون الخليجية، وذلك خدمة للباحثين، والدارسين، والراغبين في الاستزادة من الاطلاع على تاريخ المنطقة وما يخصها في المجالات المختلفة. وانطلاقًا من رسالة المركز وأهدافه يقدم خدماته العلمية من خلال عدد من المصادر المخطوطة والمطبوعة وعبر شبكة الإنترنت، حيث يحتوي على عدد من القنوات العلمية، ومنها المكتبة التراثية الثقافية، والتي تضم عددًا كبيرًا من نفائس الكتب ونوادرها في مجالي التراث والثقافة، ومنها علوم القرآن الكريم، والسنة النبوية، والحديث، والفقه الإسلامي، والعقيدة، إلى جانب علوم اللغة العربية وآدابها، والعلوم الكونية، والتطبيقية، والتجريبية، وبخاصة الفلك، والرياضيات، والطب، والصيدلة، والكيمياء، والزراعة، وعلوم النبات والحيوان، إضافة إلى العلوم الإنسانية ومنها الجغرافيا، والتاريخ، والسير، والتراجم، إلى الكتب المعنية بالفنون والآداب. وفي أثناء جولتنا توقفنا أمام أحد أجزاء المركز والذي بهرنا بما يضمه من نفائس.. إنه قسم المصاحف ويضم أكثر من 100 مصحف، كتبت على الرقوق والورق بخطوط عدد من الملوك والسلاطين والخطاطين الذين ذاع صيتهم. واللافت في الأمر أن معظم تلك المصاحف مزخرف بالذهب وموشى بالنمنمات الإسلامية، كما غلف معظمها بجلودها الأصلية، حيث جمعت من عدد من العواصم العربية والإسلامية والعالمية، ومن بين تلك المصاحف ما كتب في الصين، ويعود تاريخ عدد منها إلى القرنين الثاني والثالث الهجريين. وفي الجناح الخاص بالمخطوطات يشعر الزائر بأصالة الماضي العربي والإسلامي. ويزيد عدد المخطوطات الموجودة في القسم إلى حوالي 8000 مخطوط أصلي في جميع مجالات العلوم والمعارف. وهناك كثير من المخطوطات التي ما زالت تنتظر دورها للنشر في مختلف العلوم والفنون. وتزخر مكتبة المركز بما يزيد على مئة ألف كتاب في مختلف فنون المعرفة، وبعضها من نوادر الكتب، ومنها كتب الطباعة الحجرية، وهي كتب عربية قديمة تعد من أوائل ما طبع بطريقة الطباعة الحجرية. ومن بين ما تحويه من كتب تلك التي طبعت بطريقة الطباعة البارزة، وهي مجموعة من أوائل الكتب التي طبعت بطريقة صف الحروف التي تترك أثرًا بارزًا على ورق الكتابة. ومن بين ما تشمله المكتبة مجموعات من الكتب النادرة، حيث يوجد العديد من الكتب العربية النادرة التي طبعت في أوروبا وغيرها بكميات محدودة، ومن بين ما تشمله المكتبة الدوريات، حيث تضم مكتبة المركز دوريات نادرة قديمة وحديثة تزيد على 2000 دورية كاملة في أغلبها، وتضم معظم الدوريات التي صدرت في المملكة إلى جانب دوريات من العالم العربي والعالم، وتعد من أنفس الدوريات، إذ إن بعضها توقف عن الصدور. ونصل بجولتنا إلى قسم المخطوطات التي تبدأ في المركز من القرن الرابع الهجري حتى بداية العصر الحديث. ومن النفائس التي يحتويها المركز نسخ من القرآن الكريم منذ العهد المملوكي والفاطمي والأيوبي، إلى جانب مؤلفات نادرة بأيدي مؤلفيها ومنها مخطوط بيد شيخ الإسلام ابن تيمية في أثناء وجوده في سجن القلعة في دمشق، إضافة إلى مخطوطات كتبت بأيدي تلامذة مؤلفيها، ومخطوطات كتبت على يد نخبة من الخطاطين المهرة، ومنها مخطوطات في الطب، والهندسة، والفلك، والرياضيات، والكيمياء، والزراعة ونظم الري. ويضم قسم المسكوكات قاعة خاصة بها نماذج لمسكوكات من عدة عصور وعدد من الأمم مثل عملات في عهد لوط عليه السلام، والعصور الإغريقية والرومانية، إضافة إلى الدول الإسلامية مثل الأموية، والعباسية، والمرابطين، والفاطميين، والأيوبيين، والسلاجقة، ودول الطوائف والعثمانيين، والعصر الحديث. كما توجد مسكوكات تعود إلى عهد الأشراف في مكة المكرمة، وربع جنيه من عهد الملك عبدالعزيز آل سعود. ونتوقف عند قسم يقوم بواحدة من أهم مهام المركز إنه معمل ترميم وصيانة المخطوطات والوثائق. ويهدف هذا المعمل إلى الحفاظ على المخطوطات والوثائق العربية والإسلامية من خلال ترميمها بصورة مستمرة، كما يسعى القسم إلى تقديم خدمة للحركة الفكرية في المملكة والعالمين العربي والإسلامي، والمحافظة على ما يحتويه المركز من كتب ومطبوعات من التعرض للحشرات. ونتعرف من الدكتور ناصر العبد اللطيف، أمين عام المركز، على المراحل التي تمر بها عملية ترميم المخطوطات والوثائق وصيانتهما، وهي على النحو التالي: • مرحلة تعقيم المخطوطات حيث يتم من خلال تلك العملية التخلص من جميع الحشرات والفطريات والبكتيريا التي تصيب المخطوط، حيث تتم هذه العملية بواحدة من أربع طرق هي طريقة الرش بالمبيدات السائلة، ويتم بعد عملية الرش يتم تعفير المكان بمادة كيماوية. • تستخدم طريقة التضبيب الحراري ويستخدم خلالها أي مبيد من المبيدات السابقة، مع إضافة مادة الكيروسين النقي إلى جهاز الضباب، وتبخر جميع الأماكن المراد تضبيبها. • طريقة التبخير الكيماوي، وهي الطريقة الأكثر شيوعًا، حيث توزع أقراص فوسفيد الألمنيوم على جميع الأماكن المراد تعقيمها حسب حجم المكان، مع إغلاق المكان بإحكام، ومن ثم يتصاعد غاز التعقيم باتحاده مع هيدروجين الهواء الجوي وهو اتحاد له أخطار جسيمة. • ويستخدم المركز تقنية خاصة لتعقيم الكتب تعتمد على استخدام غاز الأوزون، حيث تستخدم هذه التقنية بأحدث الإمكانيات، لننتقل بعدها إلى المرحلة التالية وهي: • مرحلة المعالجة الكيميائية للمخطوط، وتتم هذه العملية وفق 9 خطوات وهي: • عملية اختبار نوعية الأحبار للمخطوط ومنها على سبيل المثال حبر كربوني، وحبر حديدي، وأحبار ملونة ومذهبة. • تحضير المحاليل المستخدمة في معالجة المخطوط مثل المحاليل العضوية، ومحاليل التنظيف، ومحاليل إزالة الحموضة، ومحاليل تبييض، ومحاليل للتطرية. • تحضير الصبغات الطبيعية لصبغ الورق المستخدم في الترميم مثل: الشاي، والبن، والحلبة، والكركم، والكركديه، وورق البصل. • تحضير اللواصق المستخدمة في الترميم. • ويجرى الترميم بطريقتين آلية وأخرى يدوية، وتجرى تلك العملية المثيرة والشيقة كما رأيناها بعدة خطوات كما يلي: • يتم تنظيف المخطوط من الغبار والأتربة العالقة بعد تعقيمه. • تقيم المخطوط حسب التعقبية، أو الأرقام الموجودة عليه لإعادته إلى مكانه الصحيح إلى المكتبة بعد انتهاء عملية الترميم. • فك المخطوط من الكعب والخياطة بحرص، مع تنظيف الكعب من الغراء. • تقسيم المخطوط إلى ملازم، ويتم صبغ ورق المخطوط بلون ورق المخطوط وشكله وحجمه، وذلك بالصبغات الطبيعية. • يتم سد الثقوب الموجودة في ورق المخطوط بعجينة من الورق بلون ورق المخطوط نفسه. • يتم ترميم القطوع والشروخ باستخدام الورق الياباني وتقنية تعرف باسم «الإسبيتولا» الكهربائية. • يتم عمل إطار من الورق المصبوغ إذا كان المخطوط بحاجة إلى ذلك. • يتم كبس الملازم بعد الانتهاء من ترميمها، وتتم مراجعة أوراق المخطوط وترتيبها، والتأكد من صحة الترميم. • أما فيما يتعلق بالغلاف الخارجي فيتم ترميمه ومعالجته، ثم إعادته إلى المخطوط مرة أخرى، دون إضافة أي من المواد الحديثة عليه للاحتفاظ بأثريته. وفي قسم آخر من أقسام المركز نتعرف على عملية لا تقل أهمية عن سابقتها، إنها عملية تجليد الكتاب، والتي شاهدنا بعض مراحله، ولكن يمكن تلخيصها في الخطوات التالية: يفك الكتاب من الخيط القديم، ويتم تنظيف الكعب من الغراء، ودق الملازم في أماكن التدبيس، ثم يعاد ترتيب الملازم والتي يجب أن تتناسب مع سماكة الكتاب، ويتم توزيعها على مسافات مناسبة وتكون خيوطها سميكة، أو شرائط رفيعة من القماش متينة، ثم يؤتى بالمنشار لتحز به الورق عند الخيط لعمق لا يزيد على 2 مم ليحاك الكتاب على إطار الحياكة، وتضبط مواضع الخيوط بحيث تمر في الحزوز التي عملت بالمنشار، ويراعى أن تفتح الملزمة الأولى من الوسط وتوضع اليد اليسرى لإبقائها مفتوحة ولتثبيتها، حيث تدخل الإبرة وفيها خيط عادي رفيع أبيض اللون في الحز الطرفي الأول من الخارج إلى الداخل حتى نصل إلى الخيط الأول، فتمرر الملزمة عند الحز المطابق لهذا الخيط، وتدخل في الموضع نفسه من على يمين الخيط بعد أن تلف حوله، ثم تمرر الإبرة داخل الملزمة حتى نصل إلى الخيط الرأسي الثاني. وتتوقف درجة متانة حبك الكتاب على إحكام الربط والحياكة الجيدة لكل ملزمة. ويحسن ربط الملازم المتقدمة بالمتأخرة ثم يطرق كعب الكتاب بالمطرقة ليزول تضخم الكعب ويغرى الكعب ويوضع في مكبس الدق ويدق من جميع جوانبه حتى تبرز حواف الكعب على الجانبين. وكانت المراحل جانبًا من عملية تجليد كتاب لتنتهي رحلتنا داخل المركز الذي يعد أحد المراكز الحضارية والثقافية التي تزخر بها السعودية. |
||||||||
|
||||||||