الإبل..

حليبها دواء لغير داء

أشهر أنواعها المجاهيم، والمغاتير، والشعل، والصفر، والحمر.

الرياض: محمد جابر
تصوير:  هشام شما

§       مهرجان أم رقيبة يرفع قيمة الإبل إلى الملايين
§       ذات السنامين تسمى جمال العصر القديم
§       وسم وجه الإبل يدل على أصوله
§       حليب الإبل يزيد في مناعة الجسم

تمثل الإبل إحدى دعائم الحياة عند العرب قديمًا، لما حباها الله، سبحانه وتعالى، من قدرات عالية على تحمل قسوة الصحارى والسفر فيها، من أجل ذلك أطلق على الجمل تسمية «سفينة الصحراء». يبلغ تعداد الإبل، حاليًا، على مستوى العالم حوالي 19 مليون رأس، تملك المملكة العربية السعودية وحدها حوالي 5% منها، أي ما يقرب من المليون رأس.

وأشهر أصناف الإبل وأكثرها انتشارًا هي المجاهيم التي يصل وزن الناقة فيها بين 500 إلى 800 كجم، وهي ذات لون أسود مائل للحمرة، وتستخدم في إنتاج اللبن، ثم المغاتير أو البيض، وهي ذات لون أبيض. وهناك الصفر، والشعل، والزرق، والقمر، والحمر، والساحلية، والحضانة، والعوادي، والهجن، والعمانية، والحرة، والسودانية. وتستخدم الهجن في المملكة العربية السعودية ودول الخليج في سباقات الهجن التي تعقد بانتظام على مستويات عالية من الإتقان وترصد لها جوائز قيمة.

إضافة إلى ذلك، فإن لحوم الإبل وألبانها تلقى إقبالًا كبيرًا لدى شرائح عريضة من الشعوب العربية وغيرها، ما زاد اهتمام العلماء بإجراء مزيد من البحوث على الإبل أملاً في زيادة إنتاجها من اللحوم الحمراء والحليب كمصادر غذائية مهمة للإنسان في تلك البلدان.

وتنتمي الإبل إلى العائلة الإبلية، والتي تحتوي على نوعين من الإبل، العربية أو وحيدة السنام والبخارية وذات السنامين، وتسمى الأخيرة جمال العصر القديم.

وقد ورد ذكر الإبل في القرآن الكريم في عدة مواضع منها قوله تعالى: }أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ| (17) سورة الغاشية، ما يدل على تفرد هذا الحيوان بصفات دون غيره من الحيوانات. وللإبل تاريخ قديم جدًا، يضرب بجذوره في أعماق تاريخ الحياة. فالعرب عرفوا الإبل منذ فترة تزيد على أربعة آلاف سنة.

وبحسب سعد بن بطي السهلي الذي يملك ما يقارب من مئة جمل وناقة في صحراء فيضة نورا بالرياض، فإن العرب ربوا الإبل منذ فترة تزيد على 4000 سنة، واهتموا بها أكثر من غيرها من الحيوانات لأهميتها الكبيرة في حياتهم اليومية، وكان أهم حيوان أعانهم على احتمال حياتهم الصعبة المجهدة.

واستمر ذكر الإبل بمثل هذه الصفات حتى بعد الإسلام، لذا انتشرت الإبل في قطاع واسع من الدول العربية، ولكل قوم أسماؤهم الخاصة بإبلهم وبيئاتهم. وتسمى الإبل الموجودة في المملكة العربية السعودية حسب الأماكن التي جلبت منها، وأسماء القبائل التي كانت تملكها في بداية تربيتها. وتسمى الإبل كذلك بألوانها فمنها البني الغامق، والأسود، والأزرق، وخليط البني والأسود، والأحمر والأبيض. كما يتم وسم الإبل وفق أصولها حتى يتم تميزها عن غيرها في القبائل الأخرى، والوسم عبارة عن وضع علامة مميزة على الإبل بطريقة الكي غالبًا أو القطع أو الحز.

كما أعطى العرب مسميات كثيرة لكل حالة من حالات الإبل، ومن تلك المسميات، ما يصنف حسب الجنس، فالجمل، وهو ذكر الإبل، ويطلق عليه ذلك إذا بلغ أربع سنوات، البعير وهو اسم يطلق على الذكر أو الإنثى، والشائع أن البعير يقصد به الذكر من الإبل، أما الناقة فهي أنثى الجمل.

أما أسماء قطعـان الإبـل فمتعددة، بحسب أعداد الإبل فمثلاً الذود، يتراوح عدد أفراده بين 3 إلى 10، والصرمة، ويطلق على القطيع من الإبل الذي يتجاوز عدد أفراده الذود إلى الثلاثين، والهمجة، وهو القطيع الذي يتجاوز عدد أفراده الأربعين ويقل عن المئة، أما الهنيدة، وهو ما تجاوز عدده المئة.

ويحتفظ الجمل بمميزات عديدة، في رأي السهلي، جعلت منه صاحب التميز والتفوق على غيره من الحيوانات في ظروف البيئة الصحراوية. فالشفة العليا للجمل مشقوقة طوليًا، والسفلى متدلية وتعملان معًا على التقاط الأجزاء الغضة من النباتات الشوكية. كما أن السطح الداخلي لفم الجمل مغطى بغشاء يحتوي على حلمات مخروطة الشكل تتجه إلى الخلف، وهو الأمر الذي يمكّن الجمل من تحمل التغذية على النباتات الشوكية. كما يوجد في سقف حلق الجمل طبقة مخاطية ناعمة تعمل على ترطيب الفم، وتعد عاملاً مساعدًا يقلل من شعوره بالعطش. كما توجد له أنياب قوية وطولية، وهو الأمر الذي يمكنه من الدفاع عن النفس.

بالإضافة إلى أن العينين واسعتان، وتغطيهما أهداب طويلة وذلك لحمايتهما من رمال الصحراء والعواصف الترابية، والأنف يبطنه من الداخل شعر كثيف، والمنخران مزودان بعضلات قوية للتحكم في فتحتيهما وإغلاقهما عند الضرورة، وتتمثل في وجود جيوب في الجزء السفلي من بطن الجمل تحاط فتحاتها بعضلات قوية، وهذه الجيوب تحتوي على سائل مخاطي، وقد وجد أن حجمها حوالي 7 لترات وكانت تسمى قديمًا بأكياس الماء.

وقد ساد الاعتقاد لفترة طويلة بأنها عبارة عن مخازن الماء في الجمل، وأنها تساعده على تحمل العطش لأيام طويلة، ولكن ثبت عكس ذلك، نظرًا لطبيعة السائل الموجود بها، والذي يماثل اللعاب في تركيبه.

وللجمل رقبة طويلة (حوالي 155 سم» وهي ميزة تمكنه من التغذية على الأشجار المرتفعة، ووجود السنام كمخزن استراتيجي للمواد الدهنية الزائدة عن حاجة الجمل، ويستخدم هذا المخزون الدهني عند النقص الغذائي.

ويمتلك الجمل وسائد، هي عبارة عن قطعة جلدية خشنة ومتينة تساعده على تحمل الصدمات لكونه حيوانًا ضخمًا ويمكنه البروك بمساعدة الوسائد دون أضرار.

كذلك الخف، وهو مفلطح وإسفنجي ومغطى من أسفل بقطعة جلدية صلبة، ويزداد حجمه عند السير، الأمر الذي يساعد الإبل على عدم الغوص في الرمال.

ويستطيع الجمل أن يغير درجة حرارة جسمه، ففي الصباح الباكر تكون بين 34 إلى 35 درجة مئوية، تزداد عند الظهيرة، لتصل إلى 40 إلى 41 درجة مئوية بزيادة قدرها 6 درجات مئوية عند عدم توافر الماء.

وتصل الزيادة في درجة حرارة الجسم تحت الظروف السابقة نفسها إلى درجتين مئويتين فقط عند توافر ماء الشرب، فإذا كانت درجة حرارة الجسم ثابتة فإنه يلزم بالطبع إحداث تبخير للتخلص من الحرارة الزائدة. وفي هذه الحالة تزداد حاجة الجمل إلى مزيد من ماء الشرب. وبالتالي، فإن ارتفاع درجة حرارة الجسم عند عدم وجود الماء يمكّن الجمل من تحمل الظروف القاسية للبيئة الصحراوية.

ويمتلك الجمل أقوى كليتين بين الأنواع الحيوانية قاطبة، ما يجعله يقوم بالمحافظة على ماء الجسم عن طريق تركيز البول. وتساعده طول الأرجل على السير لمسافات طويلة، وتعمل على إبعاد الجسم بقدر الإمكان عن الإشعاع الحراري المنبعث من الأرض. كما أن الجمل يفقد 30% من وزنه ماء دون أن تتأثر نسبة الماء الموجودة بالدم، ولذلك فإن الإبل تعد من أنسب الحيوانات لظروف المناطق الصحراوية، حيث أنها في اتزان دائم مع البيئة، وذلك لمقدرتها على السير لمسافات طويلة وتنوع مصادر غذائها، وتحملها للعطش، والنقص الكمي والنوعي للغذاء، وغير ذلك من مصادر التأقلم الفسيولوجي.

وتتمتع الإبل، أيضًا، بمقدرة فائقة في شرب كميات كبيرة وبسرعة، حيث تشرب ما بين 10 لترات إلى 15 لترًا من الماء في الدقيقة الواحدة، وتستطيع إذا تعرضت للعطش أن تشرب ما يعادل ثلث وزن جسمها مرة واحدة.

وقد تعودت الإبل، وحيدة السنام، على تعامل الإنسان معها، وهي إبل ذكية وهادئة، ولا تميل إلى العض أو الرفس إلا عند إيذائها، ويمكنها أن تتدرب بسرعة فعند ترك الإبل حرة في مناطق المراعي الطبيعية أو الأماكن المفتوحة، فإنها تعود إلى مكان إيوائها السابق بعد انتهاء الرعي إن طالت أو قصرت مدته، كذلك لا تنسى الإبل أماكن مياه الشرب في مناطق المراعي المفتوحة.

كما يستخدم في تقييد حركة بعض الإبل في المراعي الطبيعية الحبال المصنوعة من الألياف، حيث يصل طول الحبل المستخدم حوالي متر واحد، وتقيد الأرجل الأمامية، وقد يلجأ رعاة الإبل إلى قيد إحدى الأرجل الأمامية بثنيها إلى الخلف، بحيث يقف الحيوان على ثلاث أرجل، وتتم طريقة القيد هذه ليلًا للسيطرة على حركة القطيع، حيث تتوقف الإبل عن الرعي بعد غروب الشمس.

ويستخدم اللجام أو إمساك الأنف أو الشفاه أو الذيل لإحكام السيطرة على الإبل، وسهولة التعامل، وقد تؤدي هذه الأساليب إلى احتجاج الحيوانات في صورة أنين مستمر أو قذف لبعض محتويات الكرش، وبقوة من جانب الفم، وقد يحدث إسهال للحيوانات نتيجة للخوف والقلق والتغيرات المفاجئة في الرعاية وحالة الجو.

والحيوانات الصغيرة من الإبل تهرب سريعًا إذا ما رأت شيئًا لم تألفه من قبل، وتتحرك قطعان الإبل في تجمعات صغيرة يحكمها ذكر واحد إن وجد، حيث تحترمه إناث حيوانات القطيع، وإذا وجد أكثر من ذكر في القطيع فغالبًا ما يَحدث صراع فيما بينهما ينتهي بهزيمة أضعفهما، وفي هذه الحالة ينزوي هذا الذكر عن القطيع.

وبصفة عامة، فذكور الإبل غير مضمون التعامل معها، وخصوصًا في أثناء موسم التناسل، نظرًا لشراستها. وهناك ظاهرة شائعة الحدوث بين الإبل للتعبير عن الغضب، وذلك بعدم الحركة والبقاء على وضع واحد لفترة طويلة «حرون الإبل» وهذه الظاهرة تنشأ بعد المعاملة القاسية للحيوانات من جانب المربي، حيث تبرك الإبل وتظل على هذا الحال لساعات طويلة ترفض خلالها الأكل والشرب، ولا تجدي معها أي محاولة لتحريكها، لذلك فإن الأسلوب الذي يجب اتباعه لإخراج الحيوان من هذه الحالة هو وضع الغذاء على بعد أمتار قليلة منه وابتعاد أي إنسان عنه مع ضرورة وجود إبل أخرى في المكان نفسه، حيث يساعد ذلك على إخراج الإبل من هذا السلوك.

وعمومًا وباستثناء قاعدة الطاعة، فإن العناد غالبًا ما يحدث، ويعزى ذلك إلى سوء المعاملة، وجهل الرعاة، وهناك عادات سيئة وسلوك يصاحب إيواء الإبل في الحظائر المغلقة، وهي ظاهرة مضغ السياج، والمشي المستمر حول أسوار الحظائر.

ويبدأ في تدريب الإبل وحيدة السنام على الرسن، وعلى النقل، والسباق، والركوب عندما تبلغ من العمر ٢ إلى ٣ سنوات، وأهم ما يتم التدريب عليه هو البرك، وذلك بأوامر شفهية أو بالتشجيع الهادي لجعل الحيوان في وضع معتدل، وذكور الإبل لا تصلح للعمل قبل أن تبلغ السادسة من العمر. وعندما تقوم الإبل بأسفار طويلة مجهدة، فإنها تواصل السير بما تحمله دون توقف حتى تسقط ميتة.

وبحسب عبدالله بن سالم، أحد ملاك الإبل بصحراء فيضة نورا بالرياض، فإن جميع مربي الإبل ينتظرون مهرجان أم رقيبة كملتقى سنوي لأكبر تجار الإبل وملاكه. فتحقيق أحد المراكز الأولى في المسابقة يكفي لرفع قيمة الرأس الواحد من الإبل إلى فلك الملايين من الريالات، فإن هناك صفقات تجري بطريقة مباشرة بين الطرفين، إما بالسعر النقدي أو عن طريق المقايضة، وذلك في مواقع يجتمع بها الملاك، وكبار التجار عند أحدهم في بعض أيام الأسبوع، وتجمع بينهم وبين كبار ملاك دول الخليج العربي من أبرزها الإمارات، والكويت، وقطر. كما أن هناك صفقات أخرى تجري في العلن، وفي مزادات داخل السوق أو عند حظائر أحيطت بلوحات قماشية إعلانية للتعريف بالمباع يزيد قيمتها على الخمس مئة ألف ريال. فقد قدم من نجران لأم رقيبة بعض ملاك الإبل وتجارها اصطحبوا معهم فحولًا وبكارًا نادرة اجتذبتهم سمعة السوق، واستغلوا اجتماع كبار التجار والملاك من خلال هذا الملتقى، وجاؤوا بها من نجران لعرضها للبيع، ومن ضمنها فحل «أملح» وإناثه. ووصل سعر الفحل إلى مليون وست مئة ألف ريال وإحدى إناثه نصف مليون.

من ناحية أخرى، فإن الإبل تحتوي على كنوز طبيعية لا يستطيع الإنسان تعويضها بأي شكل، ويكفي أن حليب الإبل «الخلفات» يتميز بالكثير من الصفات الطبية التي لا توجد في حليب بعض الحيوانات الأخرى مثل الأبقار والغنم، حيث لوحظ أن حليب الإبل يحتوي على بعض المكونات بنسبة أكبر، فـ«لبا» الإبل أغنى من البقري في كمية البروتين، ولا يحتوي على نسبة عالية من الدهون، ويلاحظ أن هذه الزيادة في البروتين تساهم في زيادة مصدر المناعة في «لبا» الخلفات.

كما أن نوع البروتين «الكازين» يكون أعلى في حليب الإبل، كما أن بروتينات الحليب تؤدي إلى زيادة المناعة، وزيادة تصنيع المواد الكيموحيوية داخل الجسم مثل الإنزيمات، والهرمونات، وغيرها.

ولقد لوحظ عند تحليل حليب الإبل، أنه يحتوي على نسبة جيدة من فيتامين «ج» مقارنة بحليب البقر، والذي في العادة يكون وجوده في البادية «الصحراء» قليلاً لعدم توافر مصادر فواكه وخضراوات في هذه البيئة، لذلك تم التوازن بزيادة تركيزه في حليب الخلفات الحيوان الذي يتغلب على الظروف الصحراوية.

ومن ميزات حليب الإبل، أنه مصدر جيد للحديد، فهو غني بالحديد مقارنة بالمعروف عن جميع أنواع الحليب من الحيوانات المختلفة، وحتى حليب الأمهات.

ومن المكونات التي يمكن أن يكون لها صفة نسبة جيدة لحليب الإبل أنه يحتوي على جيدة من الأحماض الدهنية غير المشبعة، والتي تؤدي دورًا جيدًا في سلامة القلب والشرايين مقارنة بالدهون المشبعة التي تساهم في زيادة تصنيع الكوليسترول في الكبد، ما تجعل الشخص عرضة للإصابة بتصلب الشرايين وأمراض القلب. فالدهون المشبعة تكون أكثر ضررًا من الدهون غير المشبعة أي بمعنى آخر إن الدهون التي تأتي من حليب الخلفات أكثر فائدة من الدهون التي تأتي من مصادر حليب حيوانات أخرى مثل الجاموس، والبقر، والغنم.



من أجل ذلك يعد حليب الإبل من النعم العظيمة التي أنعم الله بها، سبحانه وتعالى، على أهالي الصحراء. فهو الغذاء المتكامل لأصحاب الإبل في الحضر والسفر. كما يمكن أن نستخلص من مزج حليب النوق بالعسل فوائد عديدة منها أنه يساعد على الهضم المريح، ويقضي على الأرق، ويجلب النوم المريح عند المساء، وأكثر إفادة للجهاز التنفسي والمشاكل الصدرية من ربو وكحة، ومخفض للسكر إذا ما خلط مع عسل القيصوم أو الطلح أو السمر.

بالإضافة إلى أن حليب الإبل له أهمية علاجية لبعض الأمراض، وقد يكون السبب في ذلك إلى كون الإبل غالبًا ما تتغذى على أعشاب ونباتات طبية في المراعي البرية، إضافة إلى احتواء الحليب على نسبة عالية من بعض المركبات التي تمنع نمو البكتيريا.

ومن العجيب في آسيا الوسطى والهند أن حليب الإبل يستعمل لمعالجة داء اليرقان، والاستسقاء، وأمراض الطحال، والسل، والربو، والأنيميا «فقر الدم»، والبواسير، ومرض السكر، والسرطان.