قصر الكندرة

كان فندق «قصر الكندرة» علامة جدة السياحية عندما جئت إليها في المرة الأولى.

بقلم سمير عطا الله

وقد وصلت على طائرة ذات محركين غير نفاثين من طراز «كونفير»، كانت يومها أضخم ما في أسطول «السعودية». وكان «قصر الكندرة» ذلك العام، 1965، قريبًا من المرفأين: البحري والجوي. وكلاهما كان صغيرًا وأكاد أقول بدائيًا، بالنسبة إلى شاب آت من بيروت ومطارها المزدحم بالرحلات الدولية. وكنت, أيضًا, قد عرفت مطارات أوروبا، المليئة بالطائرات النفاثة الحديثة، وأشهرها آنذاك «الكوميت», و«الشهب» البريطانية الصنع. وهكذا بدا لي مطار جدة غير ذي شأن، وأقل شأنًا منه بكثير كان مطار الطائف، الذي سأذهب إليه بعد أيام.

لكن فندق «قصر الكندرة» كانت له صفات وملامح فنادق الدرجة الأولى في المنطقة. ولم يكن أقل غرفًا وخدمة وراحة وحداثة من فنادق بيروت والقاهرة. فقد كانت غرفه تزيد على الثلاث مئة، وكانت ردهاتها عريضة واسعة. وكانت صالة الاستقبال فيه هي مقهى جدة الكبير، إليها يأتي رجال النخبة في العصر ويلتقون ويتسامرون. أما المقاهي الأخرى فكانت شعبية معلقة على مصاطب جل زبائنها وروادها من أهل اليمن.

هذه المرة وصلت إلى جدة بطائرة بوينغ 777. ونزلت في الهيلتون على البحر عند نهايات الكورنيش الذي امتدت إليه جدة الحديثة وبنت حوله. ويحد جدة حدان: الجبال والبحر، وإذ اصطدمت الحركة العمرانية المذهلة بالجبال المعدنية القاسية، اتجه الناس مع سهولة الشاطئ على امتداد البحر الأحمر، وقامت مدينة أخرى وعالم آخر لا علاقة له بذلك العالم الذي عرفته في «فندق قصر الكندرة» عام 1965 عندما جئت مع عشرات الصحافيين لتغطية زيارة الرئيس جمال عبدالناصر، يوم أتى ليوقع مع الملك فيصل المعاهدة الشهيرة حول اليمن.

ذهبت في هذه الرحلة إلى «قصر الكندرة»، فإذا هو مغلق ومن حوله سور من الأشجار، ولا تزال محفورة على زاوية صورة ثلاث نخلات جميلة. ولم يعد قائمًا في وسط المدينة الحديثة التي عرفتها، بل أصبح في وسط المدينة القديمة العتيقة المكتظة بالمطاعم الصغيرة، والمحلات الشعبية، وخياطي الأقمشة المصنوعة في الهند واليابان. ومن هناك، في اتجاه التوسع الحديث، تمتد جدة مسافة 40 كيلو مترًا على الأقل. والأراضي التي كانت صحارى مهجورة أصبحت الآن في سعر أراضي باريس أو لندن. وعندما يبدأ الصيف تكتظ جدة بالقادمين من أنحاء المملكة، برغم رطوبة البحر الأحمر، لكن البحر يعطي سحره ويمنح إقامة للناس القادمين من قلب البلاد وأطرافها الصحراوية، ولا ننسى أن جدة هي أيضًا بوابة مكة الكبرى.

وإذا كان كل من خرج من مكة قد قسم الدنيا إلى يمين ويسار «اليمن والشام»، فإن جدة هي ميناؤها الجوي والبحري. وبعض الناس تأتي إليها وتبقى، وهناك نحو مليوني إفريقي وإفريقية يندسون في رحابها. وعندما ذهبت أتفقد «قصر الكندرة» من أجل هذا المقال رأيت أنهم أصبحوا تقريبًا من معالم المدينة القديمة.