قصص الأطفال

أصعب فنون الأدب

في حياة الطفل أربع مراحل تحدد سمات الثقافة الموجهة له.

شهد أدب الطفل خلال الفترة الماضية اهتمامًا ملحوظًا من قبل الأدباء والناشرين، في ظل الإقبال من الطفل العربي على شراء القصص الغربية، وسط مخاوف من تأثر هوية الأطفال بما يقرؤونه عن الغرب، ما دفع الكتاب لتوجيه معظم نتاجاتهم لهذا الطفل، بما يتفق وسيكولوجيته، واستيعابه وذكائه، وكذلك درجة التشويق التي يرتقي لها وجده، وبالشكل الذي ينمي حواسه.. فهل نجح الأدباء في مداعبة عقلية الطفل العربي وإقناعه بجدية ما يكتبون, أم أن السطحية ما زالت السمة الطاغية لأغلب قصص الأطفال على اختلاف مراحلهم العمرية؟

§       طفل المهد يحتاج إلى الأدب الدافئ
§       في السادسة.. تثار مهاراته اللغوية
§       حتى العاشرة.. تحليق في آفاق الخيال
§       يبدأ بطرح الأسئلة طلباً للإجابة

«مايسة توفيق»، أم لطفلة 6 سنوات، تبذل مجهودًا مضاعفًا للحصول على قصص تناسب طفلتها فتجدها تافهة بعد عناء طويل، وليس لها أي مضمون، وتستطيع نفسها أن تؤلف ما هو أفضل وأكثر منها قيمة.

أما «مصطفى السيد»، نائب مدير دار الشروق، فيرى أن المشكلة الحقيقية في أدب الطفل أننا أمة لا نقرأ، وبالتالي لا نشتري لأطفالنا ما يشجعهم على القراءة، لذلك فإن عدد القراء لم يزد رغم اختيار داره أفضل مضامين القصص الموجهة للأطفال.

ومن جهة أخرى، يؤكد «د.نبيل فاروق»، أحد الكتُّاب المتخصصين في أدب الطفل، أن الكتابة للطفل لم تكن معروفة من زمن بعيد، ليس فقط في عالم الشرق، بل في الغرب أيضًا، إلا بعض المقطوعات الشعرية البسيطة الصغيرة التي كانت تُغنى في دول الغرب. وكانوا يطلقون عليها «الأغاني الساذجة» وأولى هذه المقطوعات كان نشيد «لامار سابيز الفرنسي» الذي أُلف في أثناء الثورة الفرنسية 1789. أما في العالم العربي فكان هذا الاتجاه غريبًا، فالطفل لم يكن في بلادنا يحظى بأهمية كما في الغرب، بينما اليوم أصبحت الكتابة للطفل ضرورة وأساسًا لتنشئته ورعايته، ورغم كثرة الكتابات والقصص المتاحة للأطفال إلا أن معظمها بسيطة تخاطب عقول أطفال قدامى وليس أبناء هذا العصر، ما جعلهم يبتعدون عنها ليتوجهوا للحاسب والتقنية، وبالتالي تظل الفجوة بين الكتُّاب والأطفال متسعة حتى إشعار آخر.

ولأن قصص الأطفال تعد أصعب فنون الأدب، فقد أجريت العديد من الدراسات النفسية وأبحاث الطفولة للوصول إلى الصيغة المناسبة لعقلية الطفل في كل مرحلة.. وأكدت أن أولى مراحل نمو الطفل التي يجب التركيز عليها وفهم عقلية الطفل خلالها قبل الكتابة له، هي مرحلة المهد التي تبدأ منذ لحظة ولادته وحتى سن ثلاث السنوات، وتكفيها أغنيات الأم، وحكايات الجدة الخيالية وقصص الحيوانات التي تتجمع وتتعاون لتقدم العون للآخرين.. وقد تستغني الأم بشريط التسجيل، ليحل محلها أو مكان الجدة، لكن هذا البديل ليس مقبولاً دائمًا. فالطفل بحاجة إلى أدب دافئ، تجسده أهازيج وحواديت بين أحضان الأمهات والجدات مصحوبة بموسيقا ورقص، وكل ما هو حسن.

وبحسب الدراسات يمكن تدريس هذا اللون الأدبي للطالبات من خلال معلمي «أدب الأطفال» وذلك على النحو التالي: الوحدة التي يدور حولها الدرس «أغنيات ماما زمنها جاية»، «وقصة أرنوب»، وإحدى حكايات «افتح يا سمسم» أو بعض المغامرات.. وبعد ذلك تذاع الأنشودة أو الحكاية على الطالبات، لتبدأ كل واحدة بترديد مقاطع الأغنية ليوجه المعلم فيما بعد أسئلته عن مضمون وتوجهات هذه الأعمال، لاستخلاص أهم الأفكار وشرح المعاني وبلورة الاتجاهات التربوية، التي تستهدفها الوحدة. أما الخطوة التالية فتتمثل في تقديم الطالبات أنفسهن، لألوان أدبية على غرار تلك الأعمال ليتمرن على إبداع مثل هذه المواد، وقد تدخل ضمن موضوعات التعبير، التي يطالبن بالكتابة فيها، وذلك مع حفظ عدد كاف من أغنيات، أو قصص تدور حول معاني الأمومة والطفولة والأخوة والأطفال، مع اهتمام ببساطة كلماتها، وعروبتها المستعملة في بيئات طفولة هذه المرحلة. كما ينبغي الاستعانة بوسائل تساعد في تشكيل الوظائف الأساسية للمادة الأدبية وتنميتها، والتي تحاول تقديم متعة وحاجة مفتقدة إلى الطفل.. والمعلم مطالب بتحقيق هذا بأساليب تبرز هذه التوجهات وتؤمن إيصالها وتحديد مفهومها لإثراء خبرة الطفل الأولى.

أما مرحلة الطفولة المبكرة فتتراوح من (3-6) سنوات، أي سنة دخول المدرسة، حيث يبتعد الطفل عن إطار الوالدين، والأسرة قليلاً، ويبدأ في التعرف
على المجتمع من حوله والكون المحيط به وتنمو بداخله غريزة حب الاستطلاع، فيبدأ في طرح الأسئلة طلبًا للإجابة، ويميل إلى الأدب في إطاره الجماعي، وإلى القصص الخرافية والحكايات الشعبية والحواديت الفلكلورية لكن في محيط البيئة وواقعها.. وهنا يتطلب الأمر التركيز واستفزاز المهارات اللغوية لدى الطفل، وإكسابه القدرة على تصوير بعض المواقف، من خلال القصص المختلفة فلابد في هذه المرحلة من التركيز في القصص المقدمة على مثيرات الخيال وتوجيه الطفل نحو استنفار عواطفه وخياله تجاه الأشياء المحيطة والتعاون معه في الرد على كل تساؤلاته، وتوجيهها بشكل يتفق والكشف عن قدراته الإبداعية، وتقديم نماذج أدبية، تساعده على التذوق، والتغني بها، ومساعدته في تلحينها، وترديدها فرديًا أو مع جماعته. ولخصوصيه هذه المرحلة (3-6 سنوات)، ينبغي على كتُّاب القصص أن يعيدوا من خلال كتاباتهم صياغة قدرات الأطفال اللغوية في أشكال إيقاعية وفنية، وأن يكشفوا عن ميولهم الإنسانية واتجاهاتهم نحو الحيوانات الأليفة والطيور والكائنات الصغيرة والأزهار والأشجار، ليؤكدوا على تلك الميول ويبلوروها بصفتها مؤشرًا على شخصية الطفل الإبداعية والفنية والأدبية وميله إلى الابتكار.

وتتفق دراسات حديثة في أن الطفولة من «6-10» سنوات مرحلة مهمة في حياة الإنسان، حيث يتجه اهتمام الطفل خلالها إلى ما وراء الأشياء، وتذهب به إلى آفاق فسيحة من التأمل، وتعمق له الظاهر، وتدعوه لكشف الباطن الخفي، حيث تكون عقلية الطفل أقرب إلى الخيال واصطناع الحلول الخرافية للمشكلات. ويتمثل دور الأدباء هنا في تقديم أدب يشبع رغباته ونهم وجدانه للرؤى الحالمة، مع أخذه بمنهج عقلاني يمجد الفعل الإنساني، بديلاً لغيبة الحل الخرافي والاتجاه به عبر أدب قصصي إبداعي وغنائي للتقدم في مسار الأدب الخيالي تحقيقًا للمتعة وإغناءً للعواطف والأحاسيس وتقوية للذهن ووصولاً إلى معرفة عقلية يكشف عنها هذا الأدب، حتى يكون طريقًا إليها، وفي خدمتها وتحقيقها، أو إلى قيمة فنية جمالية أو أخلاقية. المهم أن يكون هذا النوع من الكتابة وسيلة لا غاية، أما الغاية فهي تعزيز الإرادة والفعل وسبغ التجربة بالخبرة وتزويد الشخصية بالمعرفة، وإشباع الحاجة، وبث الفضيلة، مع قوة التصور الذي تنميه كل مرحلة من مراحل عرض الدرس الأدبي. ويمكن حينئذ اختيار قطعة أدبية تساعد على تقوية الخيال، وتمنح الطفل فرصة للتذوق، أو أن يتناول قصة تتميز بخيالها الحر، وبقدرة البطل على التجاوز، والامتداد في المجهول، ثم يعود حاملاً ثمار مغامراته.

والمرحلة التي تتخذ فيها معالم الشخصية وفق الدراسات، هي الطفولة من (10-14) وعلى كتُّاب الأطفال الاستفادة فيها من الروافد المغذية النابعة من التربية والتعليم والأسرة والمجتمع والنظام الاجتماعي وفلسفته السائدة، ومن المناخ العام الثقافي والحضاري والاقتصادي والسياسي، حيث يتضح فيها نزوع الأطفال نحو الفردية «الأنا» وحب السيطرة والظهور وشدة التملك. لذا فإن الأدب الذي يُقدَّم، ليكون ملائمًا لهذه المرحلة بكل تعقيداتها وتركيبها، هو أدب البطولات الشعرية والقصصية والمسرحية الملتزم بقضايا الحرية والدفاع عن الأوطان والمعتقدات، والتغني بالأبطال الحقيقيين، ومع هذا اللون يمكن الاهتمام بالأدب الاجتماعي والإنساني. وفي التاريخ القديم والمعاصر والمشكلات الحضارية والاجتماعية الحديثة معين خصب لإرواء ظمأ أطفال هذه السن.
فينبغي لمن يقومzبتأليف قصص الأطفال في هذه المرحلة الاهتمام:
بتوجيه النزوع إلى السيطرة وحب المقاتلة إلى الحوار العقلاني الهادف، والدعوة إلى السلام بصفته قاعدة الحياة العامة، إلا إذا هدد الوطن أو الأمة أو المعتقد، فلا بديل للسلام إلا الشجاعة والبسالة في سبيل الأوطان والشعوب والمعتقدات.
كذلك توجيهه في مرحلة المغامرة والبطولة، كما يجب أن تكون الأعمال المقدمة للأطفال مفعمة بالحيوية وقادرة على التسلل إلى عقولهم وقلوبهم ووجدانهم، لتصنع حسًّا فنيًا وأخلاقيًا تجاه كل الأشياء.