|
||||||||
§ المستشرقون أطلقوا عليها اسم المدينة الضائعة سلطت الأضواء مجددًا على مدينة البتراء بعد اختيارها ضمن قائمة عجائب الدنيا السبع، وهي أكثر المواقع الأثرية في الأردن والعالم تفرّدًا، ولهذا وضعت منظمة اليونسكو مدينة البتراء الأثرية كإحدى أهم مواقع التراث العالمي، لاحتوائها على مزيج فريد من التراث العالمي الذي ينتمي إلى حضارات متنوعة يذكر منها آثار الآدوميين، واليونانيين، والأنباط، والرومان، والبيزنطيين، والصليبيين، والمماليك. الموقع الجغرافي للمملكة النبطية ازدهرت مملكة الأنباط، وامتدت حدودها جنوبًا، لتصل إلى شمال غرب المملكة العربية السعودية، حيث توجد مدينة مدائن صالح، وقد مدّ الأنباط نفوذهم كي يصل إلى شواطئ البحر الأحمر وشرق شبه جزيرة سيناء ومنطقة سهل حوران في سوريا حتى مدينة دمشق، فكان يحيط بالمملكة النبطية وعاصمتها البتراء العديد من الممالك والحضارات منها: الحضارة الفرعونية غربًا، وحضارة تدمر شمالًا، وحضارة بلاد ما بين النهرين شرقًا. لذا كانت المملكة النبطية تتوسط حضارات العالم القديم، وتشكل بؤرة التقاء مختلف الحضارات العالمية وتواصلها. وتقع البتراء، عاصمة المملكة النبطية، على بعد 230 كيلو مترًا إلى الجنوب من مدينة عمان، حيث تحتضنها سلسلة جبال الشراة في موقع يشرف على وادي عربة. قصة اكتشاف البتراء بعد احتلال الرومان البتراء عام 106م تم إنشاء عدد من المعالم البارزة التي لا تزال آثارها ماثلة حتى الآن مثل: المدرج الروماني، وقوس النصر. وفي العصر البيزنطي أصبحت البتراء مركزًا أسقفيًا مهمًا، حيث أنشئت فيها الكنائس والأديرة. وخضعت البتراء، منذ القرن السابع الميلادي، للحكم الإسلامي، إلا أنها لم تمثل أية نقطة ارتكاز لهم. وخلال القرن الثاني عشر قام الصليبيون ببناء قلعتين في البتراء هما الوعيرة، والحبيس، وبقيت البتراء مزدهرة إبان حكم الأيوبيين والمماليك. وبخضوع المنطقة لنفوذ الدولة العثمانية عادت البتراء إلى عالم النسيان مرة أخرى لمدة 300 عام، إلى أن اكتشفها العالم الغربي الرحالة السويسري بيركهارت عام 1812 من خلال رحلة استكشافية في كل من بلاد الشام، ومصر، والجزيرة العربية لحساب الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية.لذلك يطلق العديد من العلماء والمستشرقين على البتراء «المدينة الضائعة»، وذلك لتأخر إظهارها إلى العالم. وبصدق، فإن تأخر ظهور البتراء إلى العالم أسهم في عدم وجودها ضمن قائمة عجائب الدنيا السبع القديمة، إلا أن هذا الأمر تغير مؤخرًا بعد أن أخذت البتراء حقها من خلال اختيارها ضمن عجائب الدنيا السبع. أبرز ما يقال حول البتراء المستشرق السويسري بارديل قال: إن مدينة البتراء تشكل عنصرًا فريدًا قائمًا على التكامل بين المقومات الطبيعة من جهة والمقومات البشرية من جهة أخرى، ما انعكس على إيجاد طراز عمراني فريد لا يوجد له مثيل في العالم. الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية ترى أن المملكة النبطية وعاصمتها البتراء تشكل جسرًا مهمًا في تواصل حضارات العالم القديم والتقائها. وقد أسهم الموقع الجغرافي للمملكة النبطية في جعلها مركزًا مهمًا في التحكم بطرق التجارة القديمة. مؤسسة هاردخست السياحية في النمسا، تضع هذه المؤسسة مدينة البتراء في الأردن ضمن أهم عشرة مواقع أثرية وسياحية في العالم يمكن زيارتها. الدكتور كيس عميد كلية السياحة والفندقة في هولندا قال عند زيارته لكلية الأردن الجامعية للتعليم السياحي والفندقي: إن مدينة البتراء تشكل عنصرًا مهمًا في صناعة السياحة في الأردن، وهي بمنزلة كنز حقيقي لو أحسن استثماره بشكل مستدام. ذكر ملك ماليزيا بعد زيارته لمدينة البتراء في عام 1993 وبعد مشاهدته للآثار الرائعة داخلها «أن السياحة في الأردن يمكن أن تتحول إلى نفط الأردن»، بل هي أفضل من النفط إذا عرف الأردنيون كيفية استغلال هذا المورد السياحي الفريد وتسويقه في أسواق السياحة والسفر. قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند زيارته للبتراء أتمنى أن تكون البتراء ضمن عجائب الدنيا السبع، لأنها بالفعل تستحق أن تكون ذلك لما تتميز به من إبداع معماري فريد لا يوجد له مثيل في العالم. وصفها الشاعر الإنجليزي «بيرجنت» بأنها: «المدينة الشرقية المذهلة المدينة التي لا مثيل لها». وهناك الكثير من زعماء العالم من العلماء والباحثين الذين تحدثوا عن المدينة الوردية. وتعد البتراء من أشهر المواقع الأثرية في العالم بسبب طبيعة معمارها المنحوت في الصخر الوردي. وتحتوي البتراء على مزيج من تراث الحضارات القديمة التي تنتمي إلى حضارات متنوعة يذكر منها آثار الآدوميين، واليونانيين، والأنباط، والرومان، والبيزنطيين، والصليبيين، والمماليك. والبتراء هي مثال فريد لأعرق حضارة عربية «حضارة الأنباط»، حيث قام العرب الأنباط بنحتها من الصخر منذ أكثر من 2000 عام خلت، وهي تعد إحدى عجائب العالم القديم وشاهدة على أكثر الحضارات العربية القديمة ثراء وإبداعًا. تتمتع منطقة البتراء بجمال طبيعي أخاذ، فالألوان المختلفة في صخور الحجر الرملي الكامبري والأوردفيشي تزداد عند انعكاس الشمس على واجهاتها لدرجة أنها سميت بالمدينة الوردية. كما أن جبالها وتلالها المقببة التي هذبت وصقلت بفعل عوامل التجوية الطبيعية تدخل البهجة في النفوس، ويزداد المرء إعجابًا بذلك الممر الضيق «السيق» الذي يعد المدخل الطبيعي للمدينة. تعد البتراء مدينة أثرية متكاملة تضم شوارع، ومعابد، وكهوفًا ومساكن، علاوة على الشواهد الأثرية التي تدل على تقدم سكانها في الزراعة، ما يتسنى للزائر الاطلاع على حضارة متكاملة من خلال مدينة البتراء، لا بل تعد متحفًا أثريًا مهمًا يمكن التعرف على أحوال الحضارات ومخلفاتها التي تعاقبت على البتراء. وقد بلغ عدد المواقع الأثرية المكتشفة في البتراء نحو 850 أثرًا تنتشر على جميع أرجاء المدينة، ما يجعل وقت الزيارة يمتد لعدة أيام. هذا، وقد ساعدت الظروف الطبيعية والبشرية على المحافظة على آثار البتراء واستدامتها. يعتقد العلماء أن المكتشف من المدينة الحالية لا يشكل أكثر من 15% من الحجم المتوقع الذي ما زال تحت التراب. لذلك لا تزال البتراء تحوي الكثير من الحقائق والأسرار المتعلقة بالأنباط لم تكشف لعدم وجود تاريخ مدون لها. وتعد البتراء أهم المدن التراثية الكلاسيكية في العالم وتنفرد بكونها مدينة أثرية متكاملة منحوتة في الصخر الرملي، ما أعطاها القدرة الكبيرة على جذب السياح الباحثين عن الثقافة ودراسة التاريخ. وتعد مدينة البتراء موقعًا سياحيًا متكاملًا بخدماته الفندقية المتنوعة ومطاعمه واستراحاته ومحلات التحف الشرقية وشركات السياحة والسفر، ولذلك يستطيع السائح الإقامة في الموقع لبضعة أيام للاطلاع على حضارة الموقع. المنافع الاقتصادية للبتراء يحتل قطاع السياحة في الأردن أهمية كبيرة في بنية الاقتصاد الأردني، فقد احتل في عام 2007 المركز الثاني، من حيث حجم الواردات بالنقد الأجنبي. كما أسهم بما نسبته 12% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى توفير 30 ألف فرصة عمل بشكل مباشر، و135 ألف فرصة عمل بشكل غير مباشر، لذلك تعد السياحة في الأردن من الصناعات المُدّعِمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وشهدت مدينة البتراء تناميًا ملحوظًا في أعداد السياح لم تشهده المناطق الأردنية الأخرى, فقد ارتفع عدد السياح من 110 آلاف سائح عام 1993 إلى 300 ألف سائح عام 1995 «وزارة السياحة، 2004». وقد أدت هذه الزيادة الكبيرة في عدد السياح إلى توسع كبير في المنشآت السياحية كالفنادق، والمطاعم، والمكاتب السياحية، وغير ذلك من الأنشطة السياحية الأخرى، ما زاد من قدرة المشاريع السياحية على توفير فرص العمل، بحيث أصبح 75% من أرباب الأسر في إقليم البتراء يعملون في قطاع السياحة. تحتل البتراء من خلال دراسة أجرتها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي عام 1998 في تقييمها للمناطق السياحية في الأردن المرتبة الأولى، من حيث الدخل السياحي، والتوسع في الأسواق والخدمات السياحية فيها، وخلق عمالة محلية، ومنطقة جذب سياحي للمشاريع المحلية المدرة للدخل، ومنطقة جذب للقطاع الخاص، كما أنها شكلت فئة متوسطة بالنسبة للبيئة والمشاريع الحكومية. البتراء حجر الزاوية في صناعة السياحة الأردنية إن دخول البتراء كإحدى عجائب الدنيا السبع، يؤدي إلى نمو الحركة السياحية، ما ينعكس إيجابًا على الأردن. فالبتراء حقيقة تشكل حجر الزاوية في صناعة السياحة الأردنية، فتكتسب التنمية السياحية أهمية متزايدة، نظرًا لدورها المهم والبارز الذي تلعبه في نمو الاقتصاد الأردني، كونها تؤمن موارد مالية إضافية للسكان، وتعمل على تحسين ميزان المدفوعات. فهي تمثل إحدى الصادرات المهمة غير المنظورة، كما تمثل عنصرًا أساسيًا من عناصر النشاط الاقتصادي، وترتبط بالتنمية ارتباطًا كبيرًا، وتعمل على حل بعض المشكلات الاقتصادية التي تواجهها الأردن، ومنها على سبيل المثال مشكلة البطالة التي تعمل التنمية السياحية من خلال دخول البتراء ضمن قائمة عجائب الدنيا السبع على تخفيف حدة نسب تفاقمها، وذلك بقدرتها على خلق فرص عمل جديدة، علاوة على دورها في تطوير المناطق والمدن التي تتمتع بإمكانات سياحية من خلال توفير مرافق البنى الأساسية والتسهيلات اللازمة لخدمة السائحين والمواطنين على السواء. ويترتب على دخول البتراء إلى قائمة عجائب الدنيا السبع مجموعة من التأثيرات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والسياسية في الأردن، ويمكننا تسليط الضوء عليها بإيجاز كما يأتي: أولًا: زيادة حجم الإنفاق السياحي زيادة حجم الحركة السياحية وتدفقها في الأردن، ما يؤدي إلى زيادة حجم الإنفاق العام على السلع الاستهلاكية، وبالتالي إلى ارتفاع معدلات الادخار، ما ينشط الخدمات المتصلة بصناعة السياحة، سواء بالطريق المباشر أو غير المباشر، الأمر الذي يتولد عن ذلك الإنفاق اتساع نطاق العمل في هذه ا لصناعات والخدمات المرتبطة بها والمتصلة بصناعة السياحة. ومن المسلم به في نظرية الاقتصاد أن كل استثمار جديد يولد عنه إنفاق جديد فينشئ دخولاً جديدة. كما يوجد نوع آخر من الإنفاق ليس من جانب السائحين، وإنما من قبل المستثمرين القادمين إلى الأردن كالإنفاق على إنشاء المشروعات السياحية مثل الفنادق، وقرى الإجازات، والمنتجعات الشاطئية، ومدن الألعاب الترفيهية..إلخ، والإنفاق على مشروعات البنى الأساسية ومرافق الخدمات العامة، وهذا الإنفاق يؤدي إلى تنشيط الحركة الاقتصادية في الأردن، إذ يمثل انتقال أموال من الدولة وأصحاب المشروعات السياحية «المستثمرين» كدخول للأفراد والمقاولين وغيرهم. ثانيًا: مصدر للعملات الصعبة إن ناتج النشاط السياحي هو قيمة بيع المنتج السياحي الأردني المباع إلى أعداد السائحين المنتمين عادة لدول أخرى، والذين يدفعون بالعملات الصعبة، نظير إشباع رغباتهم السياحية، سواء كانت ثقافية، أو ترفيهية، أو علمية، أو بيئية.. إلخ. لذا فإن دخول البتراء عجائب الدنيا السبع يعد مصدرًا من مصادر الدخل الأجنبي. ثالثًا: زيادة موارد الخزينة العامة للأردن دخول البتراء إلى قائمة عجائب الدنيا السبع سيؤدي إلى إنعاش خزينة الدولة من خلال الضرائب المستوفاة، والتي تتمثل في الضرائب على المواد الغذائية، وضرائب الأرباح التجارية والصناعية والمشروعات السياحية، وضرائب الدخول التي تتزايد حصيلتها بتزايد دخول المشتغلين وأرباحهم بجميع الأعمال المتصلة بصناعة السياحة، ورسوم التراخيص بمزاولة المهن والأعمال المتصلة بصناعة السياحة. إضافة إلى رسوم تقديم خدمات الكهرباء، والمياه، والاتصالات، والبريد.. إلخ. رابعًا: القدرة على امتصاص البطالة إن دخول البتراء إلى قائمة عجائب الدنيا السبع يؤدي إلى خلق فرص عمالة متعددة، سواء في القطاع السياحي نفسه مثل شركات السياحة، المطاعم، الفنادق، شركات النقل السياحي، محلات بيع الهدايا، محلات بيع المصنوعات التقليدية اليدوية.. إلخ، أو في الأنشطة والقطاعات التقليدية.. إلخ. فبناء غرفة فندقية جديدة في الأردن يخلق ثلاث فرص عمل مباشرة وغير مباشرة. إضافة إلى تحفيز القطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي على الاستثمار السياحي في الأردن، ما سوف يضاعف من فرص العمالة الجديدة، وستتحول العديد من المواقع السياحية النائية إلى مناطق جاذبة للعمالة في المجتمعات المحلية في هذه المناطق، بعد أن كانت هذه المناطق طاردة للعمالة. لذلك نجد أن دخول البتراء قائمة العجائب تزيد من فرص العمالة المباشرة وغير المباشرة، وتؤدي إلى امتصاص البطالة بين الشباب من خلال ترابطها الأمامي والخلفي وتكاملها مع القطاعات الأخرى مثل الصناعات الغذائية والمشروبات، وصناعة الأثاث الفندقي، وقطاع المصارف والتأمين..إلخ. ويبدو من الطبيعي والمنطقي أن زيادة حجم الحركة الفندقية في الأردن نتيجة ارتفاع معدل تدفق السائحين إلى المواقع السياحية في الأردن تعني زيادة حجم العمالة، لأن الرواج الفندقي ينتج عنه تشغيل أعداد متزايدة من المواطنين بنسبة كبيرة، ولذلك تنخفض نسبة البطالة، وهو ما يحقق هدفًا من أهداف الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أية دولة. خامسًا: التنمية الاجتماعية في الأردن تعمل على رفع مستوى معيشة المجتمع الأردني، وتحسين نمط حياتهم، وتعمل على خلق تسهيلات ترفيهية وثقافية وإيجادها لخدمات المواطنين، إلى جانب الزائرين، وتساعد على تطوير الأماكن والخدمات العامة في الأردن كمقصد سياحي، وتساعد على رفع مستوى الوعي بالتنمية السياحية لدى فئات واسعة من المجتمع الأردني. وبشكل عام، دخول البتراء إلى قائمة العجائب تؤدي إلى تنمية الانتماء والوعي لدى المواطن الأردني وشعوره بالانتماء إلى وطنه، وتزيد من فرص التبادل الثقافي والحضاري بين كل من أفراد المجتمع الأردني المضيف والزائر. سادسًا: التنمية الثقافية في الأردن إن دخول البتراء إلى قائمة عجائب الدنيا السبع سيؤدي إلى تنمية الوعي الثقافي لدى المواطنين في الأردن، وتنمية عملية تبادل الثقافات والخبرات والمعلومات بين السائح والمجتمع الأردني، والذي يمكن أن نطلق عليه مصلح «الحوار بين الحضارات». |