مناسك الحج

 

 

تصوّرْ.. أنك بنيت حائطاً من الرمال بارتفاع مترين و بسمك متر واحد وعندك كمية من الرمال قدرها خمسة عشر مليون متر مكعب، فكم سوف يبلغ طول هذا الحائط؟

الجواب: سوف يبلغ طوله المسافة نفسها التي تقطع فيها القارة الإفريقية طولياً بين مدينة القاهرة بجمهورية مصر العربية، وبين مدينة كيب تاون الواقعة على رأس الرجاء الصالح بجمهورية جنوب أفريقيا، لقد كانت تلك هي كمية الرمال التي  تم إزاحتها لشق الطريق في الربع الخالي بالمملكة العربية السعودية للوصول إلى حقل الشيبة النفطي، هناك يقبع الحقل في تلك المنطقة القاسية جداً التي تبلغ درجة الحرارة فيها 25 درجة مئوية وتحتضنها الجبال الرملية التي يبلغ ارتفاعها 700 قدم، ليست تلك كثباناً ولكنها جبال رملية، منها ما هو ثابت ومنها المتحرك مع الرياح التي تصـــل ســـرعتـــــها إلى 137 كيلومتراً في الساعة.

 

أعظم حقل

 

ويعتبر حقل الشيبة  أعظم حقل بترول  يُشرع  في استغلاله في تاريخ أرامكو السعودية الحديث أي بعد تحولها إلى شركة سعودية مائة في المائة، وتعتبر طاقته الإنتاجية أكبر طاقة إنتاجية إضافية في العالم حالياً، وكما ذكرنا في مقالنا السابق بأنه منذ عام 1948م الذي تم فيه اكتشاف حقل الغوار العملاق وهو أضخم حقل نفط على اليابسة في العالم، ومنذ عام 1951م  الذي تم فيه اكتشاف حقل السفانية وهو أكبر حقل نفط مغمور في العالم، لم  يتم  اكتشاف أي حقل عملاق آخر في المملكة إلا في عام 1968م عندما تم اكتشاف حقل الشيبة.

 

ورغم أن احتياطي النفط المؤكد في حقل الشيبة يقدر بحوالي 15.6 مليار برميل في حين أن المتبقي من احتياطي النفط المؤكد في حقل الغوار العملاق يقدر بحوالي 70 مليار برميل، واحتياطي النفط المؤكد في حقل السفانية العملاق يقدر بحوالي 35 مليار برميل، إلا أنه وإن كان يقل عنهما من حيث الحجم فإنه يتـــفوق عليهما مــــن حيث جـــودة المنتــــج من ناحيتين: 

 

 

أولاً: الكثافة: فحقل الغوار ينتج الزيت العربي الخفيف المشهور الذي تبلغ كثافته 34 درجة حسب معهد البترول الأمريكي، وينتج حقل السفانية الزيت العربي الثقيل الذي تبلغ كثافته 27 درجة حسب معهد البترول الأمريكي، في حين ينتج حقل الشيبة خام العربي الخفيف جداً الذي تبلغ كثافته 42 درجة حسب معهد البترول الأمريكي، وكما هو معروف أنه كلما ازدادت كثافة خام النفط، ازدادت جودته وارتفع سعره وذلك لأنه سوف ينتج عنه عند التكرير في مصافي النفـــط منتجــــات خفيفة غالية الثمن مثل وقود السيارات والنافثا وخلافهما.

 

ثانياً: الحلاوة: حيث تصل نسبة الكبريت فيه إلى 0.7% فقط، في حين نجد أن الخامين الآخرين ـ سواء كان خام الغوار أو خام السفانية ـ مرّان وذلك بسبب احتوائهما على نسب مئوية أكبر من عنصر الكبريت الذي  يتــــطلب التخلص منــــه حتى لا يسبب أضراراً للأنابيب والناقلات والخزانات والمعدات عندما يتم نقله وتخزينه، وهذا يعني تكلفة أعلى، بالإضافة إلى تحريم انبعاثه في الهواء عالمياً حتى لا يتسبب في تخريب البيئة والإضرار بها.

 

وينتج حقل الشيبة ستمائة ألف برميل من النفط الخام يومياً، ويعني هذا أن إنتاجه سيدوم، بحول الله، ما يقرب من سبعين عاماً لو استمر هذا المعدل من الإنتاج. وتجدر الإشارة هنا إلى أننا عندما نقول إن إنتاج حقل الشيبة سيدوم عطاؤه على هذا المعدل من الإنتاج لمدة سبعين عاماً، وعندما قلنا في المقال السابق إن إنتاج حقل الغوار سيدوم عطاؤه لو استمر على معدل الإنتاج الحالي البالغ خمسة ملايين برميل يومياً لمدة ثمانية وثلاثين عاماً، فهذا حساب غير دقيق، ولكنه حساب تقريبي على أية حال، وحسابنا هذا يفترض أن كل قطرة نفط من الخام المقدر وجوده كاحتياطي مؤكد في الحقل سوف يتم استخراجها، بيد أن هذا الافتراض غير صحيح لأن التقانة غير متاحة إلى يومنا هذا لاستخراج كامل خام أي حقل بنسبة مائة في المائة.

 

الحقول النجدية

 

ولعله من المناسب هنا، أن نذكر حقول منطقة حوطة بني تميم التي تقع على بعد 180 كيلومتراً جنوب مدينة الرياض، وهي عدة حقول صغيرة مقارنة بالحقول التي تطرقنا إلى ذكرها فيما سبق وأشهرها حقل الحوطة الذي تم اكتشافه في عام 1989م، وتعرف هذه الحقول بالحقول النجدية وتنتـــج مئتي ألف برميل يومياً من خام النفط العربي الخفيف الممتاز الذي تبـــلغ كثــافته ما بين  45 إلى 50 درجة حسب معهد البترول الأمريكي، وهذا الخام هو من أجود وأغلى أنواع خامات النفط في العالم، وهذه الحقول هي من اكتشافات شركة الزيت العربية السعودية أرامكو السعودية أي بعد سعودة هذه الشركة، لأنها تقع خارج مناطق الامتياز الممنوحة لأرامكو عنــــدما كانت ملكاً للشركات الأمريكية الأربع.

 

خامات النفط وسلة أوبك

 

أشرنا فيما سبق إلى أن أسعار خامات النفط  تختلف حسب تصنيفها من خامات ثقيلة إلى خامات خفيفة ومن حيث كثافاتها، فالخامات ذات الكثافات العالية حسب معهد البترول الأمريكي تكون خامات خفيفة وتكون أسعارها هي الأغلى، وبالعكس تكون الخامات الثقيلة، ويرجع السبب كما ذكرنا إلى أن الخامات الخفيفة تنتج نسباً أكبر من المواد الغالية الثمن كوقود السيارات والنافثا ووقود الطائرات وغيرها، أما الخامات الثقيلة فتنتج نسباً أكبر من المواد الرخيصة الثمن كزيت الوقود والزفت وغيره.

 

 

وعندما قررت منظمة الأقطار المصدرة للبترول أوبك أن يكون لها سعر لخامها، أنشأت ما يسمى سعر "سلة أوبك" الذي بدأ العمل به في الأول من شهر يناير 1987م، وهو متوسط السعر لأسعار سبعة خامات هي: خام العربي الخفيف من المملكة، وخام خليط صحارى من الجزائر، وخام ميناس من أندونيسيا، وخام بوني الخفيف من نيجيريا، وخام فاتح من دبي، وخام تيا وانا من فنزويلا، وخام إزموث من المكسيك، وهذه الأخيرة ليست عضواً في المنظمة، ثم قررت أوبك تغيير خامات سلتها إبتداءً من منتصف شهر يونيو 2005م لتشمل خاماً واحداً من كل دولة من الدول الأعضاء الأحدى عشرة فيها مع الأخذ في الاعتبار الثقل النوعي لمستوى إنتاج الخام وتصديره إلى الأسواق الرئيسية، وبهذا أصبحت سلة أوبك تتكون من: خام "العربي الخفيف" السعودي وخام "خليط صحارى" الجزائري  وخام "ميناس" الأندونيسي  وخام "إيران الثقيل" الإيراني  وخام "البصرة الخفيف" العراقي وخام "تصدير الكويت" الكويتي وخام "السدر" الليبي وخام "بوني الخفيف" النيجيري وخام "قطر مارين" القطري  وخام "موربان" الإماراتي  وخام "بي سي إف" الفنزويلي.

 

   

وتجــــدر الإشـــارة هنا إلى أن الفرق بين نوعــــية الخام في سلة منظمة أوبك الجـــــديدة وبين نوعيته في ســـلتها القــــــديمة ثـــلاثة أمـــور مهمة هي:

 

● أصبحت الســـلة تمثل أحد عشر خـــاماً من الدول الأعضـــاء في المنظمة بدلاً مـــن ستة خامات من الـــدول الأعضاء وخام واحد من خارج المنظمة.

● أصبحت السلة أثقل خاماً وبالتالي أرخـــص ســعراً، وكذلك أعلى في نسبة الكبريت.

● أخذ في الاعتبار كمية الإنتاج ووصول ذلك الإنتاج إلى الأسواق العالمية الرئيسية.

 

والفقرة الأخيرة مهمة جداً وضرورية بيد أنها كانت مهملة من قبل زمناً طويلاً، فليس من المنطقي أن يُحسب خام يُنتج منه مثلاً ستة ملايين برميل يومياً بنفس النسبة التي يحسب بها خام ينتج منه مليون برميل يومياً أو أقل، أو يحسب خام يصل إلى الأسواق العالمية الرئيسية ويؤثر فيها مثل خام آخر، إما أنه يستهلك محــــلياً في بلــده أو يباع في أسواق هامشية.

 

 

خامات القياس

 

لا أعتقد أن حديثنا عن أسعار النفط سوف يكتمل إن لم نتحدث عن خامات القياس المهمة وهي في الوقت الحاضر خامان: خام نفط مزيج برنت، وخام نفط غرب تكساس المتوسط، وأهميتهما أنهما نقطتا ارتكاز عالمية تسعّر بقية خامات النفط الأخرى في الأسواق بالنسبة إليهما. فيقال مثلاً إن سعر برميل خام النفط  في أوروبا ـ أو أي سوق نفطية أخرى ـ يساوي سعر برميل خام نفط مزيج برنت ناقصاً أو زائداً س من الدولارات وكذلك خام نفط القياس الآخر، وهما  خامان تتحرك أسعارهما صعوداً وهبوطاً حسب آليات الأسواق العالمية للنفط التي تتحكم فيها بشكل رئيسي إمدادات النفط والطلب عليه.

 

المنتج المرجح

 

ولقد أدى خام العربي الخفيف السعودي في يوم من الأيام دور خام القياس عندما تم تثبيت سعر محدد لبرميل النفط عليه، وهذا خطأ اقتصادي  كبير وفادح تم الوقوع فيه، فقد كان محاولة خاسرة لتجاهل آليات السوق، وقد تحملت تبعات ذلك المملكة بأن أدت دور المنتِج المرجِح، فكانت تزيد الإنتاج وتخفضه دفاعاً عن السعر المحدد، وفي هذه الأيام تزيد المملكة إنتاجها وتخفضه حسب وضع السوق والإمدادات فيها، فيبدو للبعض أنها ما تزال تقوم بدورها القديم، إلا أنه شتان بين ما تقوم به الآن وبين ما كانت تقوم به في الماضي، فالمملكة اليوم لا تدافع عن سعر ثابت كان قد تم تحديده بقرار سياسي، وإنما تدافع عن استقرار السوق التي تعمل حسب آلياتها الاقتصادية، فليس من صالح المملكة ولا من صالح الدول المنتجة للنفط ارتفاع سعر البرميل إلى مستويات عليا غير منطقية، وكذلك ليس من صالحها تدهور السعر إلى مستويات متدنية جداً، وهذه إحدى مسؤوليات المنتج الأكبر التي اقتنعت المملكة بأن تتحملها راضية.

 

ولما أصبحت أسعار النفط ملتهبة جداً في الأسواق العالمية بسبب نقص الإمدادات في العالم وبسبب زيادة الطلب عليه وبأسباب أخرى، لم تعد المملكة وحدها تقوم بهذا الدور وإنما منظمة أوبك وجميع أعضائها أيضاً، بيد أنه بلا شك يقع الحمل الأكبر على المملكة لسببين:

 

أولاً: لأنها المنتج الأكبر فيها.

 وثانياً: لأنها الدولة الوحيــدة في العالم التي تمتلك طـــــاقة إنتاجية فائضة مؤثرة

 

* أديب وشاعر سعودي

مختص بالشؤون البترولية

 

  © يناير 2007 مجلة " أهلا وسهلا ".