أدب وثقافة

 

 

أدب المكاتبات هو أحد فنون الإنشاء في الأدب العربي، والمكاتبة تعرف أيضاً بالمراسلة، وقد عرفها أحمد الهاشمي، الأديب المصري المتوفى سنة 1362هـ، في كتابه المشهور "جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب" بأنها مخاطبة الغائب بلسان القلم، وقال عنها: إنها ترجمان الجنان، ونائب الغائب في قضاء أوطاره، ورباط الوداد مع تباعد البلاد. والرسائل من حيث الموضوع ثلاثة أنواع: أولها المكاتبات الرسمية أو الرسائل الديوانية التي تتم بين مختلف دوائر الدولة أو بين الدول المختلفة، والثاني الرسائل الأهلية أو الإخوانية وهي التي يكتبها الأدباء في شتى المناسبات، والثالث الرسائل العلمية.

 

في مجال المكاتبات الرسمية لعلنا جميعاً نذكر رسائل الرسول صلى اللّه عليه وسلم إلى ملوك زمانه التي دعاهم فيها إلى الإسلام، فقد كانت رسائل صريحة موجزة خالية من فضول الكلام، بعيدة عن التكلف، لكن عندما اتسعت أركان الدولة الإسلامية صارت المكاتبات فناً مهماً واشتهر في كل عصر عدد من الكتاب، من أمثال عبدالحميد الكاتب، المتوفى سنة 132هـ، وأبو الفضل بن العميد، المتوفى سنة 360هـ، والقلقشندي، المتوفى سنة 821هـ، وهو صاحب كتاب "صبح الأعشى في صناعة الإنشا"، الذي يقع في بضعة عشر مجلداً، وهو أضخم موسوعة في أدب الإنشاء والمراسلات، الذي يصعب حصر ما اشتمل عليه من معلومات ومعارف تتصل بفن المكاتبات.

 

 

أما في باب الرسائل الإخوانية فإن بديع الزمان الهمذاني، المتوفى سنة 398هـ، والذي اشتهر بمقاماته، كان أحد الرواد، وقد ترك لنا تراثاً وافراً من الرسائل في مختلف الموضوعات ليكون بذلك أول رائد لفن المقالة الصحفية في الأدب العربي.

 

أبواب الرسائل

 

يمكن تصنيف الرسائل إلى أبواب عديدة فهناك رسائل الأشواق، ورسائل الهدايا، ورسائل الاستعطاف، ورسائل الطلب، ورسائل الشكر، ورسائل النصح، ورسائل المشورة، ورسائل العتاب، ورسائل الشكوى، ورسائل العيادة، ورسائل التهاني، ورسائل التعازي، ورسائل الوصايا، ورسائل التبرُّءُ والتنصل، ورسائل الاعتذار..إلخ.

وقد أفرد صاحب جواهر الأدب لكل نوع منها فصلاً خاصاً نقل فيه أحلى ما وقع عليه اختياره من هذه الرســـائل عبر تاريخنا، وأغلى ما انتظمت فيـه عقود البلاغة، وأشهى ما أينعت به الأقلام، فكان بحق كما أسماه: جواهر الأدب.

 

رسائل وبطاقات التهاني

 

الأصل في الرسائل كما أسلفت أنها مخاطبة للغائب، ولذا فإن رسائل التهاني بالأعياد كانت تُرسل عبر البريد إلى الغــائبين، أو ترسل من قبل بعض النــــاس للمسؤولين، أما باقي الــــناس فكـانوا يقدمون التهاني بالأعياد من خلال الزيارات في المنازل.

ثم جاء زمان أصبح الناس فيه يتبادلون بطاقات المعايدة عبر البريد، لاسيما لمن كان مقيماً في بلدة غير البلدة التي فيها أهله وأصدقاؤه، وقد كنا نرسل بطاقات المعايدة لتصل قبل يوم العيد بيوم واحد ليكون لها معنى، وفي الغالب فقد كانت بطاقات المعايدة عليها نص مطبوع جاهز للتهنئة، ولا تحتاج إلى كتابة، كان شغلنا الشاغل عندها أن ننتقي أجمل البطاقات والتي عليها أحلى العبارات،لكن بعد أن دخل الهاتف كل بيت، وأصبح الاتصال مباشراً بين المدن أولاً، ثم بين البلدان المختلفة ثانياً، صــارت التهاني تتم عبر الهاتف، ولم يعد هناك داعٍ لرسائل أو بطاقات التهاني بالأعياد.

ولئن كان القلم أبلغ في التعبير من اللسان فإن جهاز الفاكس أو الناسوخ كما يحلو لبعضهم أن يسميه كان يحل محل الهاتف في حسن التعبير عن مكنون النفس في التهاني بالأعياد.

 

الرسائل  الإلكترونية

 

ثم ما لبثنا أن جاء عصر الإنترنت وحل البريد الإلكتروني محل كثير من المراسلات التقليدية، وأصبح أحدنا يكتب رسالة معايدة واحدة ثم يرسلها إلى عشرات الأشخاص بضغطه زر، وقد عدنا هنا إلى الكتابة التي لابد أن يعبر فيها الكاتب عن مكنون النفس تجاه المخاطبين،لكن سرعان ما دخلت بطاقات التهاني الإلكترونية، وصار على شبكة الإنتــــرنت مئات المواقع التي توفر البطاقات الإلكترونية المجانية بتصاميم جذابة وعبـــارات أخاذة، وما على الواحد إلا أن يضع عناوين أصحابه ثم يضغط ليتم إرسال البطاقة إليهم دفعة واحدة.

 

 

رسائل التهاني المحمولية

 

لقد غزا الهاتف الجوال العالم إلى درجة أنه لم يكن لدينا الوقت الكافي لوضع ترجمة واحدة لهذا الجهاز، فالعبارات: جوال، نقال، محمول، خلوي، موبايل، بورتابل، كلها مستخدمة لوصف هذه الآلة التي أصبحنا لا نستغني عنها، ولعل مجامع اللغة العربية تتفق فيما بينها على مصطلح واحد يريحنا ويــؤدي إلى أن يفهم العربي في المشــــرق ما يقوله العربي في المغرب، وقد نسبتُ الرسائل إلى الهاتف المحمول فقلت المحمولية، وقد يحلو لغيري أن يقول الجوالية، أو غير ذلك، في انتظار أن نتفق على كلمة واحدة نستخدمها جميعاً لننسب الأشياء لهذا الجهاز.

 

وفي مقالي هذا أود أن أعرض لسمات رسائل التهاني بالمناسبات والأعياد التي وصلتني عبر الجوال أو وصلت لغيري ممن طلبت منهم أن يجمعوها لي، حيث جمعتها من عدد لا بأس به من الناس، ومن الطبيعي أنه لا يستطيع أحد من البشر أن يجمع كل رسائل المناسبات، فقد ذكرت بعض المصادر الصحفية أنها بلغت أكثر من ثمانين مليون رسالة  للتهنئة بالعيد.

 

والجــــدير ذكره أن بعض الناس يطلــــقون على رســــائل الجــوال اســـــمها الإنجلــيـزي المختـــــــصر إس إم إس SMS أي خدمة أو نظـــام الرســــائل القصــيرة. لكن مع دخــــول الوســــائط المتعـــددة إلى الجــــوالات أصــــبح لدينــــا نــوع آخــر من الرســـــــائل التي تحـــــوي صــــوراً وأشــــياء أخرى وتُســــمى MMS والتي تعني Multimedia Messaging Service أي خدمة رسائل الوسائط  المتعددة.

 

 

 رسائل التهنئة المحمولية

 

 الرسائل الموجزة التقليدية:

كـــانت أجهزة الجوال الأولى محدودة في إمكاناتها، ومن ذلك أن الرســائل فيها كانت محكومة بسبعين حرفاً. ولذا فقد كانت العبارات المتبــــادلة بالتهاني قصيرة موجزة، مثل:

 

● تقبل اللّـــه طاعـــتكم وكل عـــام وأنتم بخير.

● مـــــن العـــــايدين الفـــــائـزين إن شاء اللّه.

وغير ذلك من العبارات التي يتناقلها الناس شفهياً، ويُلاحظ في هذا النوع من رسائل التهاني البعد عن التكلف وخـــلوها من ألــــوان البديع والزخـــارف اللفظية.

لكن بعد أن تطورت أجهزة المحمول صار بالإمكان كتابة النصوص الطويلة وإرسالها في رسالة واحدة، مع العلم أن شركات الاتصالات مازالت تحاسب الناس على عدد الأحرف، فإذا تجاوز عدد الأحرف حداً معيناً فإنك تدفع عن رسالتين أو ثلاث رسائل أو أكثر وذلك حســــب عـــدد الأحرف، وإن أرسلتها في رسالة واحدة، وهنا استمرت الرسائل التقليدية لكن طالت عباراتها، ومن أمثلة ذلك:

● أسعد اللّه قلوباً طاهرة إن وصلناها شكرت، وإن قصــرنا عذرت، فإليكم أعطر التهاني وأعذب الأماني بمناسبة حلول العــــيد وكل عام وأنتم بخير.

● من زقاق الحارة المكاوية، وبعد أكل السمبوسة والمقلية، وشرب السوبيا والتمر هندية، ورمضان ، وقيام لياليه الوترية، وعيد الفطر وأيامه الهنية، أقدم لكم لعيد الأضحى أحلى هدية، بوسة مني عيدية. من العايدين ومن الفـايزين إن شاء اللّه.

ويلاحظ في الرسالة الأخيرة أنها تتعلق بالمنطقة التي يسكن فيها من أرسلها، فقد ذكر فيها أنواع الأطعمة والأشربة في مكة المكرمة، كما يلاحظ فيها السجع المتكلف الذي اضطره لأن يذكر قيام الليالي الوترية فقط دون ليالي العشر الأواخر، فلعل ذاكرته لم تسعفه لأن يأتي بسجع يتناسب مع باقي العبارات.

 

رسائل الوعظ:

اتسمت كثير من رسائل التهنئة بالعيد ببعض المواعظ من باب {فإن الذكرى تنفع المؤمنين}. ومن أمثلتها:

● قد مضى العمر وفات، يا أسير الغفلات، فاغتنم الفرصة وبادر بالتقى قبل الممات.

● كل عام وأنت إلى اللّه أقرب، ومنه أخوف، وبه أعرف، وإلى دار كرامته أسبق، ولنبيه أتبع، ولقرآنه أحفظ، وللمسلمين أنفع.

● ليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن نجا يوم الوعيد.

 

رسائل الدعاء:

لا تكاد تخلو رسالة من دعاء، في التهنئة بالمناسبات، والأمثلة كثيرة في هذا النوع، منها:

● اللهم يا باعث النور، ويا باني البيت المعمور، ويا سامع من في القبور، أسعد ووفق واحفظ قارئ هذه السطورلحج مبرور.

● عيدكم بالخير ربي يعيده، وسرور وهناء يزيده، وتكونوا بصحة وعافية ومن عواده.

● هناك اللّه بالقبول، وأسكنك الجنة مـــع الرسول، ورزقك في العـيد بهـــجة لا تزول.

وهي أدعية بعضها غير متكلف وإن كان مسجوعاً، وبعضها فيه تكلف وزخرف من القول وفضول من الكلام.

 

رسائل المحبة:

كثرت عبارات المحبة والأشواق في تهاني العيد بشكل خاص، وهي عبارات لا تدري أهي خارجة من القلب أم من الفم. ومن أمثلتها:

● في قلبي حطيتك، وبالتهاني خصيتك، وعلى النـــاس أغلـيتك، وبالعيد هنيتك.

● العيد في السنة مرتين، لكن مثلك بالكون ما في اثنين.

● أحلى ما في العيد ثلاثة: كثرة الخيرات، وتبــادل الزيارات، وقارئ هذه العبارات.

وهنا الصنعة واضحة، واستخدام اللغة العامية أوضح، إضافة إلى بعض الركاكة واللحن.

 

رسائل الإخوة:

تختلف رسائل الإخوة عن رسائل الأشواق في بعدها عن ألفاظ الأشواق المتصنعة، ومن أمثلتها:

● أسأل اللّه أن يجعلني وإياكم ممن يقال لهم: ادخلوها بسلام آمنين، وممن قال فيهم: ونزعنا ما في صــــدورهم من غل إخـــواناً على سرر متقابلين.

● إلهي قد تحاببنا وفيك الحب والعهد، فنرجو فوقنا ظلاً حين الحر يشتد، لنا ولإخواننا عفواً ومنك العفو يمتد، ومغفرة ومنزلة في جنان ما لها حد.

ويلاحظ أن بعضها منظوم وإن لم يكن صحيح الوزن، في حين حوى بعضها آيات من التنزيل الحكيم.

 

رسائل الدعابة:

بعض المهنئين يحبون أن يضيفوا دعابة إلى عباراتهم، فمن ذلك:

● بمناسبة العيد حبيت أكون أول واحد يقولك عندك سـلـفة؟ قصدي عيدك مبارك.

● يبدو أن علاقتنا لازم تنتهي لأني للأسف ما أقدر استمر معك وما في انسجام! لكن رح أعطيك فرصة أخيـرة فأنا سأعود بعد عام المرسل: رمضان.

روح الدعاية واضحة. لكن بصراحة فإن الأخيرة هذه هزتني عندما بدأت أقرأها، فقد أرسلها صديق عزيز، وبدأت أحاسب نفسي قبل الوصول لآخرها ما الذي فعلته معه حتى أراد أن يقطع علاقتي به.

 

رسائل المجاملات:

هذه رسائل يرسلها الناس في الغالب لمن هــــم فـــوقــهم في المرتبة، ومنها:

● ترى في القلب دارك، وفوق الرأس مقدارك، أدعو لك صبحاً ومساءً يجعل عيدك مبارك.

● إن سبقتني بالتهنئة بالعيد فذلك لكرم أخلاقك، وإن سبقتك بها فذاك لقدرك ومكانتك، فلك مني أجمل تحية، ومن قلبي أصدق دعاء.

● قد لا أكون أول المهنئين بالعيد، ولكني أتمنى أني أصدقهم مشاعر.

وواضـــح فيها تخيــــر الألفــاظ وســـبك العبارة حتى لا تـــؤدي إلى عـــكس مفعولها.

 

رسائل من مناسبة رمضان:

وهــــي نوع من رســائل الدعابة، ولكنها مليئة بذكر أنواع الأطعمة لاســـيما الأطعمة التي تكرر في رمضان يأتي:

●  أهديك سمبوستين، الحرف الأول والثـــــاني لعدوك، والبــاقي على خدودك.

● يا مشــــمش قلبي يا بلــح حـياتي يا كنـافة عمــــري: كل ســــنة وأنت قمر الدين.

وهنا اللحن والعامية أكثر ما يميز هذا النوع من الرسائل.

 

رسائل لكل الأمة:

بعض الرسائل لم تخص المخاطب بالدعاء بل شملت الأمة الإسلامية كلها. فمن ذلك:

● أعاد اللّه عليكم العيد وقد أعز الإسلام وأهله ورفع شأنهم ومكانتهم، وأذل كل منافق ومعاد لدينه القويم، وأهلك المستهزئين برسوله ودينه، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.

● هذا سلامي في لقاء العيد، يهديكم حبي مع الترديد، أن يعلو الإسلام ديناً خالداً، يحيي الأنام بخالص التوحيد.

وهي أدعية شاملة لكل المسلمين يعبر فيها أصحابها عن أماني الأمة الإسلامية لتعود لمكانتها التي كانت عليها في زمن الحضارة الإسلامية التي سادت العالم ونشرت النور والعدل والسلام في العالم.

 

وفي الختام

 

فهذا غيض من فيض أشرت فيــه إلى ما يدور في أذهان الناس ومكنون نفوسهم، وإلى اهتماماتهم التي تظهر جلية واضحة من خلال ما يعبرون عنه في رسائلهم التي يتبادلونها عبر الجوال، وعلى العموم فإن هذا النوع الجديد من الأدب العربي جدير بالدراسة والتأصيل، لاسيما وأنه يشمل كل شرائح المجتمع ولا يقتصر على الأدباء الذين قد يشاركون في صياغة بعض الرسائل، فتنتـــشر عبــــر موجات المايكروويف في أصــقاع المعمورة، وفي الحقيقة فـــإن كثيراً من الرسائل التي وصلتني قد تكررت من أناس مختلفين مما يدل على أن كثيراً منها يُعاد إرسالها وليست من صياغة من أرسلها

 

* جامعة الملك عبدالعزيز

جدة، المملكة العربية السعودية

nahasm@yahoo.com

 

  © يناير 2007 مجلة " أهلا وسهلا ".