|
||||||||
متى يتم جمع تلك المتاحف وجعلها تحت سقف واحد؟ متاحف لوفرية في حائل المتاحف بشتى أنواعها تسعى جاهدة لجمع ما يسهم في حفظ تراث بلادها واقتنائه.
إن الولع بالمتاحف بشتى أنواعها، لا ريب، يدل على سعةأفق القائمين عليها، لا سيما إذا ما كانت بمجهودات شخصية تسعى جاهدة لجمع ما يسهم في حفظ تراث بلادها الثقافي والصناعي والفلوكلوري والطبيعي واقتنائه، وبذل الأموال الطائلة في سبيل ذلك. دهشت عندما زرت مدينة حائل الواقعة في شمال غرب المملكة العربية السعودية، والتي تبعد عن الرياض العاصمة ما يقارب سبع مئة ميل، بكثرة المتاحف الشخصية بها مثل: متحف «الميدان»، والذي يملكه الأستاذ ميدان حمود الميدان العلي، و«متحف حائل التراثي»، ويملكه الأستاذ خالد الجميل، ومتحف «باخريصه»، ويملكه الأستاذ علي باخريصة، ومتحف «الرديعان»، وهو ملك للشيخ إبراهيم الرديعان وغيرها الكثير. سأبدأ معكم بمتحف «الميدان» الذي استقبلني صاحبه الأستاذ «ميدان الميدان» في ليلة مقمرة بعيد صلاة العشاء بكل حفواة وحسن ضيافة، كما هو معروف عن أهل حائل، ودلفت إلى مجلسه التراثي فائق الروعة، حيث التشكيلات، والزخارف الجبسية، والرفوف التي ملئت بالأباريق، ودلال القهوة العربية، فضلًا عن الكانون، أو مشب النار، الذي بني بطريقة تنم عن ذوق صاحبه الرفيع، ولفت انتباهي عدد من المرايا الجميلة التي علقت على أحد جوانب المجلس، ذكر لي فيما بعد أنها كانت تخص جلالة الملك سعود، رحمه الله. ولفت انتباهي تلك الساعات الثمينة التي يعود بعضها للملك المؤسس، طيّب الله ثراه، وللملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، رحمهم الله، وهي في حالة جيدة، ولا تزال تعمل بكفاءة، والأختام العثمانية، وغيرها الكثير. وعندما سألت الأستاذ «ميدان» عن بداية مشواره في هذا المجال الحيوي، وكيف تسنى له جمع كل تلك المقتنيات التي تضاهي بندرتها أكبر المتاحف العالمية، ابتسم وقال إن بداية مشواره تعود إلى ما يربو على العشرين سنة أي منذ سنوات المراهقة، واستمر على ذلك بتشجيع من والديه وأقاربه حتى تكونت عنده تلك الثروة التي لا تقدر بثمن، حيث تلقّى عدة عروض لشراء متحفه وبملايين الريالات، إلا أنه لم يأبه لذلك ورفضها جميعًا، حسب قوله. وعندما سألته عن أطرف المواقف التي شهدها متحفه ضحك ضحكة خفيفة، وقال إنه في إحدى الليالي قام بزيارته السفير الأمريكي الأسبق «سنة 1998»، وأبدى دهشته وإعجابه بالمحتويات، وعرض عليه شراء «أشدة جمال»، والشداد هو الراحلة التي توضع على ظهر الجمل، وكانت مصنوعة من الخشب الفاخر المرشوم أو المطعم بالفضة قبل ما يربو على المئة وأربعين سنة في جبة «وجبة مدينة صغيرة تابعة لحائل تبعد عنها ما يقارب المئة ميل»، إلا أنه اعتذر له بأدب، وبيّن له عدم استطاعته بيعها كونها نادرة جدًا، إلا أنه أصر على شرائها بأي ثمن بيد أن محاولاته باءت بالفشل واضطر إلى إهدائه قطعًا أخرى نادرة، إلا أنها مكررة. ولم يفته أن يسأله عما يطلق عليه استملاحًا أكثر منه اصطلاحًا بـ«ثلاجة القدماء»، واسمها القديم «العرزالة»، حيث أشار بيده، وهو يضحك، إلى هرم خشبي بحجم المكيّف، تقريبًا، قد تدلى من سقف المتحف. وفي اليوم التالي، قمت بزيارة متحف «حائل التراثي» لصاحبه الأستاذ خالد الجميل، حيث استقبلني بشخصيته اللطيفة وروحه المرحة، وبعد تناول القهوة والشاي، أوصلني إلى متحفه الذي يعجّ بمختلف المقتنيات والتحف القديمة، وقد بدت عليه العشوائية على العكس من متحف الميدان فائق الترتيب، إلا أن ضيق المكان وكثرة الموجودات تجعل من الصعوبة بمكان الوصول إلى تلك الدرجة من الكمال، ما يعطيه بعض العذر. إلا أن ما يلفت الانتباه ويستحق الإشادة في متحفه المميز تلك المحنطات الكثيرة لحيونات مشهورة في بيئتنا العربية مثل: الذئب، والضبع، والثعلب، والأرنب البري، والكثير من الطيور. كما أن الأستاذ «خالد» أكثر نشاطًا في ناحية جمع السيارات القديمة، وله باع طويل في ذلك، حيث وصل عدد ما اقتناه منها إلى إحدى عشرة سيارة، حسب قوله، وقد قمت بتصوير بعضها، كما أنه يهتم باقتناء بعض المخطوطات كالمصاحف القديمة. وعن بداية مشواره يقول الأستاذ خالد الجميل إنه بدأ تلك الهواية منذ ما يقارب الستة والعشرين سنة حتى تكون لديه أكبر عدد من المقتنيات في حائل، وساهم في فعاليات رالي حائل والجنادرية. في اليوم الذي يليه ذهبت لزيارة متحف «باخريصه»، حيث استقبلنا الأستاذ علي باخريصة في استراحة له واسعة، أشجارها وارفة، حيث المسطحات الخضراء، والحدائق الغنّاء، وتفيأنا أنا وإياه وأحد الأصدقاء ظلال بيت من الشعر ضرب في أحد جوانب الاستراحة، وغمرنا بحسن ضيافته، ودماثة خلقه، ولذيذ تمره وقهوته. ولم يكن متحفه الذي أتحفنا بزيارته بأفضل من المتاحف السابقة، إلا أنه يتميز عنها بوجود حجريات فائقة الجمال مثل جذوع الأشجار المتحجرة التي تعود إلى العصور الجوراسية أي إلى عشرات الملايين من السنين، وبعض الأحجار الكريمة ذات الأحجام الكبيرة، فضلًا عن بعض الصخور التي نقشت عليها بعض الكتابات والرسومات السبئية، والثمودية. وقد اطّلعت على ذلك الجذع المتحجر، وهو بحجم رجل مستلق، ودهشت لجماله وانصقال طبقته الخارجية ولمعانها، وقد بيّن لي الأستاذ علي باخريصه أنه قام بنقله إلى الرياض، عندما شارك في مهرجان الجنادرية، وتولت جامعة الملك سعود آنذاك فحصه بأحدث الآلات المتقدمة، ووجد أن عمره يقارب المئتي مليون سنة. كما أن من أبرز مقتنياته سيفًا يعود إلى أكثر من ألف سنة. وعن بداية مشواره ذكر لنا الأستاذ على باخريصة أنه بدأ بجمع المقتنيات المميزة منذ نعومة أظفاره، وقد بذل في سبيل ذلك الكثير من المال، واضطر إلى قطع أبعد المسافات لجمع تلك الفرائد من شتات. والسؤال الذي يصر على طرح نفسه: متى يتم جمع تلك المتاحف وجعلها تحت سقف واحد في متحف متطور يضاهي المتاحف العالمية وفق تطلعات هواة جمع الأثريات، والمقتنيات النادرة، والموروثات المتميزة؟
|
||||||||
|
||||||||