التدابير الصحية اللازمة لمريض السكري في الحج

أ.د.عبدالقادر الحبيطي

أستاذ في جامعة أم القرى بمكة المكرمة «سابقًا»

 

هل يمكن لمريض السكري أن تُضْمَنَ له السلامة من الأخطار الصحية التي يحتمل أن يتعرض لها في أثناء أدائه مناسك الحج؟! وما الإجراءات التي يجب عليه أن يتدبرها ويلتزم بها ليسلم من تفاقم مرضه أو أن يصيبه خطر على حياته؟

التدابير الضرورية لمريض السكري في الحج

إن مرض السكري ليس مرضًا طارئًا, بل هو مرض ملازم للمريض مدى الحياة, وعليه أن يضمن لنفسه عدة أمور جوهرية لدوام صحته وسلامته وهي:

• أن يكون تحت إشرافٍ طبي مستمر يقرر له الدواء الذي عليه أن يتناوله ومقاديره وأوقاته, وألا يشوب استعماله للدواء نقص ولا اضطراب ولا تهاون, وأن يكون المريض واعيًا وعيًا تامًا بضرورة الالتزام بالتعليمات الطبية المتعلقة بدوائه, سواء أكان حبوبًا تؤخذ بالفم أو كان زرقات من الأنسولين بمقادير وأوقات محددة حسب حالته، وأن يلتزم بذلك مهما كانت الظروف التي يمر بها.

يجب عليه أن يصطحب معه كميات كافية من الدواء تغطي فترة الحج كلها مع فترة الذهاب والإياب, وألا يكل ذلك لظروف يجهلها, ولا سلطان له عليها. كما يجب أن يحفظ الدواء في حافظات خاصة تضمن بقاء الدواء بدرجات حرارة منخفضة دائمًا لئلا يتعرض لحرارة أجواء الحج فيفسد, إذ لو استعمل دواءً فاسدًا لكان في ذلك خطر على حياته.

يجب أن يكون معه جهاز لقياس سكر الدم, وأن يحسن استخدامه فيبقى واعيًا لأوضاعه الصحية حذرًا من نقص مستوى الجلوكوز أو زيادته في دمه، إذ إن كلًا من الحالتين فيهما خطورة عليه، إذ يخشى أن يدخل في غيبوبة السكر Coma. والزيادة خاصة قد تكون سببًا في ظهور اختلاطات وتعقيدات المرض السكري، إذ تصاب عيونه أو كليتاه باعتلالات خطرة أو يصاب قلبه وأوعيته الدموية، وخصوصًا أرجله بأذى بالغ لا قبل له به.

أن يلتزم مريض السكري بالحمية الغذائية التي يقررها له طبيبه، فلا يأكل أي طعام يقدّمه له، إذ لا يناسبه إلا طعام خاص به.

• يجب على مريض السكري ألا يبذل جهدًا كبيرًا، لا تؤهله له حالته المرضية، فأداء المناسك في أجواء الحج الحارة في كثير من الأحيان، ومع الازدحام الشديد قد يتعذر على مريض السكري أن يقوم بها، إذ قد يكون آنئذٍ معرضًا لنقص مستوى الجلوكوز، ما قد يدخله في الخطورة التي تبدأ بالغيبوبة Coma، وتنتهي بالموت.

وقد رأيت بنفسي مريضًا سكريًا دخل في غيبوبة نقص الجلوكوز بدمه، فكاد يموت لولا أن تداركته رحمة الله، إذ سارع صاحبٌ له يعرف حالته بوضع ملعقة عسل، كانت معه، في فمه. ومرت دقائق كنا في أشد القلق عليه، ولما تماثل للوعي كان في حالٍ يثير الشفقة والحزن وشكرنا الله على نجاته.

إن هذا الرجل لم يكن على وعي تام بمستوى السكر في دمه بالقياس المتكرر، ولم يجلب معه وسائل لإسعافه. كما لم يصطحب معه مرافقًا يعنى به إذا أصابه مكروه.

وإن شرط الاستطاعة البدنية يستلزم أن يتدبر مريض السكري أمره، بحيث لا يؤدي قيامه بالمناسك إلى تفاقم مرضه أو تعرضه لخطر على حياته وسلامته، فشرائع الإسلام كلها مبنية على اليسر والحكمة في مراعاة ظروف الإنسان المختلفة رحمةً بالإنسان ورأفةً به لئلا يصيبه ما يكره.

الأخطار الصحية في الحج

يواجه الحجاج مشكلات صحية مختلفة في أثناء الحج، ففي الجو البارد تكثر أمراض التهابات الجهاز التنفسي والتهاب الحلق والقصبات والربو القصبي الحاد، وفي الجو الحار تكثر الجلطات القلبية والدماغية والقصور الكلوي. كما يزداد تفشي الأمراض التي يحملها الحجاج الآفاقيون كالملاريا، والتهاب السحايا، والإنفلونزا، والتهابات الحلق والرئتين. ومن الأمور المهمة انشغال الحجاج بأداء مناسك الحج، وإهمالهم المراقبة الصحية الذاتية.

ويعد مرض السكري من الأسباب الكبرى للتعرض للأمراض والمضاعفات وحدوث الوفيات في أثناء الحج. وهناك عوامل خاصة تزيد من خطورة وضع مريض السكري، منها السفر، وما يكتنفه من مشقة، والأمراض السارية كأمراض الجهاز التنفسي، وضربات الشمس، والإسهالات المسببة للجفاف، واضطراب الشوارد. وبسبب زيادة الجهود الجسمية، وعدم الالتزام باتباع الحمية الغذائية قد تحدث حالات من نقص سكر الدم. كما أن عددًا لا بأس به من المرضى لا يجلبون معهم كميات كافية من أدويتهم الخاصة بالسكري. كما قد تحدث حالات من فرط سكر الدم تنجم غالبًا عن عدم التزامهم بأدويتهم وبالحمية الغذائية في أثناء الحج أو من الإصابة بضربات الشمس أو الالتهابات والعدوى الجرثومية الناجمة عن الازدحام الشديد.

وليس ما بيّناه، آنفًا، إلا عرضًا مبسطًا للظروف والملابسات التي يتعرض لها مريض السكري، ليكون على بيّنة من أمره قبل أن يقدم على أداء هذه الفريضة، وما جعل الله علينا في الدين من حرج.