الكلفة تتعدى 17 مليون ريال

كسـوة الكـعبـة

الفنون الإسلامية تتنافس في إبراز إبداعها على جسد الكعبة.
جدة: يوسف غريب

 

  • الزخارف الإسلامية والتطريز البارز بالأسلاك الفضية والذهبية للآيات القرآنية لتزيين ثوب الكعبة
  • الكسوة في معظم أجزائها تصنع يدويًا توخيًا للقيمة الفنية عالية المستوى
  • يرتفع ثوب الكعبة إلى 14 مترًا، ووزنه 760 كيلوجرامًا من الحرير الطبيعي، و150 كيلوجرامًا من سلك الذهب والفضة
  • مكائن النسيج صنعت في ألمانيا خصيصًا لعمل ثوب الكعبة، ولا يوجد لها مثيل

 

تمثّل كسوة الكعبة المشرفة مظهرًا من أهم مظاهر التكريم لبيت الله الحرام، لذلك اهتم المسلمون بالكسوة وبكل ما يتعلّق بصناعتها والإبداع فيها، وتسابقوا لهذا الشرف حتى جعلوا يوم تبديلها من كل عام احتفالًا مهيبًا.

مراحل تصنيع الكسوة

يمر ثوب الكعبة بأدق مراحل الصناعة والإبداع الفني التي برع فيها أكبر فناني العالم الإسلامي وهي كالتالي:

المرحلة الأولى:  مرحلة الصباغة: وهي أولى مراحل إنتاج الثوب بالمصنع، حيث يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعي في العالم، ويتم تأمينه على هيئة شلل خام عبارة عن خيوط مغطاة بطبقة من الصمغ الطبيعي تسمى سرسين تجعل لون الحرير يميل إلى الاصفرار، وتزن الشلة حوالي 100 جرام، وبطول حوالي 3000 متر تقريبًا، وبارتفاع 76 سم، وتتم الصباغة على مراحل:

الأولى: مرحلة إزالة الصمغ، وتتم في أحواض ساخنة تحتوي على صابون «زيت الزيتون»، وبعض المواد الكيميائية، ثم تغسل بالماء عدة مرات حتى تعود للون الأبيض الناصع.

الثانية: مرحلة الصباغة، وتتم في أحواض ساخنة تمزج فيها الأصبغة المطلوبة، وهي: الأسود بالنسبة للكسوة الخارجية، والأخضر للكسوة الداخلية.

المرحلة الثانية:  مرحلة النسيج: وهي تحويل الشِّلل الحريرية إلى أكوام ليتم تسديتها على ماكينة السداء، وذلك بتجميع الخيوط الطولية للنسيج بجانب بعضها على أسطوانة تعرف بمطوة السداء، وتسمى هذه المرحلة «التسدية» ثم تمرر الأطراف الأولى بهذه الخيوط داخل أسلاك الأمشاط الخاصة بأنوال النسيج وتسمى مرحلة اللقي. أما الخيوط العرضية اللُّحمة للنسيج فتلف على بَكَر خاص يسمى «بوبينه» التي تثبت داخل المكوك، وهو الذي يتحرك داخل الخيوط الطويلة ليكوّن المنسوج، حيث تأخذ طريقها إلى النسيج اليدوي والنسيج الآلي.

المرحلة الثالثة: وهي مرحلة التصميم، حيث يقوم المصمم بعمل دراسات للزخارف والخطوط في الفن الإسلامي، ثم توضع تصميمات مدروسة ترسم رسمًا دقيقًا في المساحة المطلوبة، ويتم تلوينها وتحبيرها، وتشمل التصميمات الزخارف والكتابات المطرزة على الحزام والستارة، وكذلك تصميم الزخارف النسجية المنفذة على أقمشة الجاكارد للكسوة الخارجية أو الداخلية.

المرحلة الرابعة:  مرحلة الطباعة: في هذا القسم يتم أولاً تجهيز المنسج، والمنسج عبارة عن ضلعين متقابلين من الخشب المتين يُشدّ عليهما قماش خام (البطانة)، ثم يثبت عليه قماش حرير «أسود سادة» غير منقوش، وهو الذي يطبع عليه حزام الكسوة، وستارة باب الكعبة المشرفة. وجميع المطرزات وطباعة التصميمات المراد تنفيذها بالتطريز تتم بأحبار خاصة تعد بالقسم بوساطة «الشابلونات» أي الشاشة الحريرية، وهي تشبه قوالب الطباعة المعروفة. ولا تتم الطباعة إلا بطريقة يدوية نظرًا لاتساع الرقعة المطلوبة، ثم ينقل التصميم المراد طباعته على بلاستيك شفاف بلون أسود معتم ليصبح «فيلم نيجاتيف» ثم يصور هذا الفيلم وينقل على حرير الشابلون ثم يطبع، وعندها يصبح الشابلون قالب الطباعة جاهزًا لنقل التصميم على القماش مئات المرات.

المرحلة الخامسة:  مرحلة التطريز: وهي التطريز بالأسلاك الفضية والذهبية للأشياء المكتوبة، حيث تمر هذه المراحل تحت المختبر الذي يقيس درجة ثبات اللون، ودرجة سُمك القماش، ودرجة قوة الخيط أو القماش، ودرجة مقاومة القماش للحريق، ودرجة الاحتكاك، ودرجة ثبات اللون ضد الغسيل، ومرحلة تجميع الكسوة تكون وفقًا لما ينتج من ماكينة الجاكارد، حيث تُنتَج قطع كبيرة على حسب المقاسات المطلوبة للكسوة، وذلك بتفصيل كل جانب من جوانب الكعبة على حدة حسب عرض الجانب، ومن ثم يتم تبطينها بقماش القلع «القطن» بنفس العرض والطول. وعند التوصيلات تتم حياكتها وتثبيتها بكينار متين مصنوع من القطن بعرض 7 سم ليزيد من متانتها.

وتبدأ عملية التطريز بوضع خيوط قطنية بكثافات مختلفة فوق الخطوط والزخارف المطبوعة على الأقمشة المشدودة على النسيج حتى تشكّل بروزًا عن مستوى سطح القماش ثم يقوم الفنيون بطرزها بخيوط متراصة من القطن المصبوغ باللون الأصفر في اتجاهات متقابلة وبدقة بالغة، ليتكوّن الهيكل الأساسي البارز للتصميم ثم يغطى هذا التطريز بأسلاك من الفضة المطلية بالذهب. ويتكون في النهاية تطريز بارز يصل ارتفاعه فوق مستوى سطح القماش إلى سنتيمترين، وهذا العمل يستحيل تنفيذه بأي ماكينة نسيج على الإطلاق.

ستارة باب الكعبة

وتشتمل الكسوة على ستارة باب الكعبة المصنوعة من الحرير الطبيعي الخالص، أيضًا، والمعروفة بـ«البرقع»، ويبلغ طولها 7.5 متر وعرضها 4 أمتار، وتتكون من خمس قطع مكتوب عليها عدد من الآيات القرآنية بالخط الثلث المركب مع زخارف إسلامية ومطرزة تطريزًا بارزًا مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب وهي مبطنة أسوة بثوب الكسوة بقماش قطني خام ومتين. وقد وضعت ستارة باب الكعبة لأول مرة على باب الكعبة المشرفة عام (810هـ) 1407م. وفي عام 1417هـ أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بتجديدها سنويًا مع ثوب الكعبة، وأصبحت تجدد في كل عام.

حزام كسوة الكعبة

يوجد في الثلث الأعلى من ارتفاع كسوة الكعبة حزام الكسوة بعرض 95 سنتيمترًا، وهو مكتوب عليه بعض الآيات القرآنية، ومحاط بإطارين من الزخارف الإسلامية، ومطرز بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب، وتتكون قطعة الحزام التي تؤطر ثوب الكعبة الخارجي من 16 قطعة جميع أطوالها نحو 47 مترًا، بالإضافة إلى 4 قطع «صمدية» توضع على الأركان و6 قطع آيات قرآنية تحت الحزام، حيث توجد سورة الإخلاص مكتوبة داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية. ومن النقوش الموجودة، أيضًا، بطريقة الجاكارد  عبارات: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، «الله جلّ جلاله»، «سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم».

باب الكعبة

أما بالنسبة لصناعة باب الكعبة فقد تم تحقيق الانسجام بين التصميم الجديد للباب وستارة الباب لاستخدام خط الثلث كعنصر مميز مع الزخرفة للمحافظة على الشكل المعهود للباب في التركيب. كما تم اختيار نسبة بروز الزخرفة وحجمه في التصميم ومطابقة ذلك على الموقع، وبدأ العمل بالحفر والنقش على الذهب باستخدام قليل من الفضة، وقد تم خلال الصناعة التوصل إلى عدة اقتراحات للأسلوب المقترح في الزخرفة.

فبالنسبة لإطار الباب اختير الحل المتمثل في طريقة التزيين التي تغطي المساحة، وهي مستوحاة من التراث الفني الإسلامي نظرًا لإمكانات تنفيذه بالحفر على الذهب. أما المساحات الباقية في الوسط فقد أخذت روح فن الزخرفة الإسلامي نفسه، حيث وضعت في وسطها دوائر لكتابة الآيات الكريمة بالطريقة المعتادة مع إضافة زخرفات في الزوايا العلوية، ليكون شكل الباب مقوسًا دائريًا يحيط بالآيات القرآنية المكتوبة حسب الترتيب الموضوع لها.

معلومات وأرقام

الثوب الواحد للكعبة يستهلك 670 كيلو جرامًا من الحرير الطبيعي و150 كيلو جرامًا من سلك الذهب والفضة، ويبلغ مسطحه الإجمالي 658 مترًا مربعًا، ويتكون من 47 لفة قماش، طول الواحدة 14 مترًا وبعرض 95 سنتيمترًا. ويكلّف الثوب الواحد نحو 17 مليون ريال سعودي. (4.5 مليون دولار تقريبًا). وتبلغ المساحة الإجمالية للكسوة (650) مترًا مربعًا، أما محيط حزام الكعبة فيبلغ 14 مترًا، وعرضه 95 سنتيمترًا. ويبلغ عدد العاملين في إنتاج الكسوة 250 عاملًا وموظفًا وفنيًا وإداريًّا.

أقسام المصنع ومكائن النسيج

يتكوّن المصنع من ستة أقسام وهي: الحزام، والنسيج اليدوي، والصباغة، والنسيج الآلي، والطباعة، والستارة الداخلية للكعبة. أما مكائن النسيج في المصنع فهي مصنوعة في ألمانيا خصيصًا لعمل ثوب الكعبة، ولا يوجد لها مثيل، وهي تعمل بطريقة «الجاكارد»، وتنتج الماكينة الواحدة نحو 14 مترًا يوميًا.

كسوة الكعبة في العصر الإسلامي

لم يتح لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، كسوة الكعبة إلا بعد فتح مكة في العام الثامن للهجرة، فكساها هو وأبو بكر الصديق بالثياب اليمنية، ثم كساها عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان بـ«القباطي المصرية»، وهي أثواب بيضاء، رقيقة كانت تُصنَع في مصر، وتابع ذلك الخلفاء وملوك الإسلام في شتى العهود باعتبار ذلك واجبًا دينيًا وشرفًا عظيمًا. وفي عهد معاوية بن أبي سفيان بدأ يكسو الكعبة مرتين سنويًا مرة بالديباج يوم عاشوراء، وأخرى بالقباطي في آخر شهر رمضان المبارك، ثم كساها بالديباج يزيد بن معاوية، وعبدالله بن الزبير، وعبدالله بن مروان. وكانت الكسوات تتراكم فوق بعضها لدرجة أنه خُشي أن يتضعضع البنيان بسبب ثقل الأقمشة، ولما حجّ المهدي العباسي عام 160هـ أمر بألا يبقى عليها سوى كسوة واحدة، وهو المتبع حتى الآن.

وقد حظيت مصر بشرف صناعة كسوة الكعبة منذ أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حيث كتب إلى عامله في مصر لكي تحاك الكسوة بالقماش المصري المعروف باسم «القباطي» الذي كان يصنع في مدينة الفيوم. وقد تعددت أماكن صناعة الكسوة مع انتقال العاصمة في مصر من مدينة إلى أخرى حتى انتهى الأمر إلى مدينة القاهرة المُعزِّيَّة، وتأسست دار كسوة الكعبة بحي «الخرنفش» في القاهرة عام 1233هـ، وهو حي عريق يقع عند التقاء شارع بين الصورين وميدان باب الشعرية، وما زالت هذه الدار قائمة حتى الآن، وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة المشرفة داخلها، واستمر العمل في دار الخرنفش حتى عام 1962م، إذ توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.

صور تاريخية لكسوة الكعبة

كسا الخليفة المأمون الكعبة مرتين في السنة الأولى بالديباج الأحمر يوم الثامن من ذي الحجة والثانية بالقباطي البيضاء في الأول من رمضان، ثم كساها الخليفة العباسي الناصر بالثوب الأخضر ثم بالثوب الأسود، ومنذ ذلك التاريخ احتفظ ثوب الكعبة باللون الأسود. وبعد انقضاء دولة العباسيين كساها الملك المظفر ملك اليمن عام 659هـ واستمر يكسوها بالتعاقب مع ملوك مصر.

وفي عام 810هـ أوقف الملك الصالح إسماعيل بن الملك قلاوون ملك مصر وقفًا خاصًا لكسوة الكعبة الخارجية السوداء مرة كل سنة، ولكن الخديوي محمد علي باشا حل ذلك الوقف أوائل القرن الثالث عشر الهجري، وأصبحت الكسوة تصنع على نفقة الحكومة، واختصت تركيا ومن يتولى السلطة من آل عثمان بكسوة الكعبة المشرفة، وكذلك كسوة الحجرة النبوية الشريفة. وأصبحت كسوة الكعبة المشرفة تمر بصراعات تاريخية بين حكام الدول الإسلامية، واتخذت كنوع من التفاخر واكتساب الشرعية الدينية من خلال خدمة البيت العتيق والحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

وأورد المؤرخ السعودي حسين سلامة في كتابه «تاريخ الكعبة المعظمة»، نقلاً عن عدد من المصادر التاريخية، أن الخلفاء العباسيين كانوا يعملون كسوة الكعبة المشرفة في مدينة «تنيس» المصرية، وكانت لها شهرة عظيمة في المنسوجات الثمينة. ونقل عن البتنوني صاحب كتاب «الرحلة الحجازية» قوله: «فلما استولت الدولة العلية على مصر اختصت بكسوة الحجرة النبوية الشريفة في المدينة، واختصت مصر بكسوة الكعبة الخارجية». واستمرت الكسوة تصنع في عدد من الأمصار والأقطار الإسلامية، كمصر، وتركيا، والهند، ما أدخلها في مزايدات سياسية لا تليق بالمقدسات الإسلامية. انتهى ذلك على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود حين أصدر أمره بإنشاء مصنع كسوة الكعبة الشريفة في غرة شهر محرم عام 1346هـ بجوار البيت العتيق، ليكون أول مصنع في التاريخ يقوم بعمل الكسوتين، ويدار بأيد سعودية مدربة.

كسوة الكعبة في العهد السعودي

في عام 1346هـ/ 1926م أصدر الملك عبدالعزيز آل سعود أمرًا ملكيًّا بتشييد مصنع أم القرى الخاص بصناعة الكسوة الشريفة، وأحضر له أبرع الفنيين، وفي عام 1382هـ صدر مرسوم بتجديد المصنع، واستمر إنتاجه حتى عام 1977م، ورغبة في إتقان هذا العمل وإظهاره بالصورة التي تتلاءم مع قدسية الكعبة المشرفة قام الملك فيصل بتجديد مصنع الكسوة عام 1397هـ، وتم افتتاح المبنى الجديد بأم الجود وزود بماكينات النسيج الآلية، وتم استحداث قسم للنسيج الآلي. ورغم أن المصنع قد تطور تطورًا هائلاً، وأصبح يضم أحدث التجهيزات الآلية في صناعة السجاد والنسيج والبسط اللازمة، إلا أن الكسوة في معظم أجزائها لا تزال إلى الآن تصنع يدويًا لما لذلك من قيمة فنية رائعة وعالية المستوى، ولتكون الكسوة في أعلى درجات الإبداع. فالإنتاج اليدوي ما زال يحظى بالإتقان والجمال الباهر، حيث يتفوق في الدقة واللمسات الفنية المرهفة والخطوط الإسلامية الرائعة. ولا زال المصنع يواكب عجلة التطور، ويحيى التراث العريق في آن واحد لينتج كسوة الكعبة في أبهى صورها.

مراسم تغيير ثوب الكعبة

في كل عام عقب جميع مراحل إعداد ثوب الكعبة يقام في موسم الحج احتفال سنوي في مصنع كسوة الكعبة المشرفة، يتم فيه تسليم كسوة الكعبة المشرفة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام، ويقوم بتسليم الكسوة الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. وتتم عملية تغيير الثوب الجديد وتركيبه على الجوانب الأربعة للكعبة المشرفة في كل عام في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة (يوم عرفة) لتظهر بكسوتها الجديدة في يوم الحج الأكبر، يوم عيد الأضحى المبارك. ويتسلم كبير السدنة مع ثوب الكسوة الجديد كيسًا خاصًا لمفتاح الكعبة مصنوعًا من الحرير الأخضر المطرز بنقوش وعبارات بارزة بالفضة والذهب، وهو يصنع يدويًا على «أنوال» في كل واحد منها 4500 فتلة من الحرير الطبيعي، ويحتاج لصناعته على أيدي عاملين في القسم إلى مدة 25 يومًا، حيث لا يتم إنجاز أكثر من 20 سم فقط في اليوم الواحد كونه يحتاج إلى دقة كبيرة في العمل.