فنـــون

 

 

بقلم: أ. د. أحمد عبدالكريم *

مركز الملك فهد الثقافي هو مجسم معماري على أطراف مدينة الرياض يمدها بالعلوم والفنون والآداب، مجسم معماري يوحي لك قبل الاقتراب منه أنه أحدى قلاع الرياض التي تحمي العقول بما حوته من نظم معمارية فخمة وأعمدة شاهقة ومياه تجري تحت أقدامك تذوب فيها مشاعرك الثقافية، كما أن اللون الذهبي الذي يجري في خطوط مستقيمة يظهر المدى الذي توصل إليه مصمم هذه العمارة من أدب جم يدل على زهده اللوني إلا أنه صرح عبقري جميل. وما أن تستقر داخل هذه العمارة إلا وتجد نفسك تحت أضخم علم أخضر يرفف فوق رأسك (لا إله إلا محمد رسول اللّه).

 

ورغم أن مادة صناعته من الزجاج المعشق والذي يتخلله الضوء فيرفرف بأضوائه على محتويات المدخل بدرجاته المتنوعة، ولكن سرعان ما تناديك بانوراما الفن التشكيلي السعودي المعاصر حيث الألوان والمجسمات وحفل الافتتاح، وكما عودنا سعادة الدكتور عبدالعزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام على فضيلة الإيثار فقد دعا المفكر السعودي (صاحب دعوة إلى الحداثة) الدكتور عبداللّه الغذامي لافتتاح هذه البانوراما السعودية للفنانين التشكيليين، مما يؤكد عضوية العلوم والفنون والأداب في بوتقة الثقافة التي تخدم كل فكر إنساني حضاري رشيق، وبدخولنا إلى المعرض وجدنا مظاهرة لونية بين الأعمال ثنائية الأبعاد المتمثلة في الأعمال التصورية والحفــر والرســم والأعمــال ثلاثيــة الأبعـــاد من مجسمـات جمالية.

 

الأعمال الفائزة

 

الجائزة الأولى:

الفنان "طه الصبان" صاحب الجائزة الأولى في مجال التصوير التشكيلي، وهو أحد الرموز المستقرة في الحركة الفنية التشكيلية السعودية، حيث يمتلك حواراً خاصاً لا ينتهي مع العمارة الحجازية ورموزها الشعبية التي تزين جدرانها وتلتحم مع من يمر من أمامها لتغازل بصيرته وتقول له أنا بنت هذه الديار أقف في هدوء واحترام وتبجيل، استقبل عوالم العالم طوال العام هل عرفت من أنا أنا الديار الحجازية، أما البحر وما حوى فإنه يسكن وجدان "طه الصبان"، خاصة عندما تقف الطيور محلقة بين السماء والأرض، إنها لوحة "الصبان" ذات الذاكرة البصرية والتي تنم عن تراكم ثقافي لا حدود له، حيث امتزاج الزمان والمكان في (زماكانية الوجود الإنساني) إنه الفنان "طه الصبان".

 

الجائزة الثانية:

كانت لفنان الأحياء الشعبية في الرياض "سمير الدهام"، خبرة ثقافية متنوعة، يمارس التصوير التشكيلي بهدوء دون افتعال يثق في نفسه وفي الآخرين، يعمل في صمت ولا تجد على وجهه سوى الابتسامة العريضة التي تجعلك كأنك تعرفه قبل سنوات طويلة، تقف أعماله في المعرض تحدثك بلغة التباين الواضح بين حوارات الأشياء. العمارة الشعبية في حديث مع الصحراء، النخيل يلتحم كوسيط تشكيلي بين الصحراء والعمارة النجدية، العمارة النجدية تساند النخيل، يسطع الضوء من الشبابيك، تنهمر الألوان مسكوبة على اللوحات بسخونة شمس الرياض على معمارية الدرعية طوال النهار فتتلون منذ شروقها حتى غروبها في اطمئنان وتقول هاهنا أعمال "سمير الدهام".

 

الجائزة الثالثة:

صاحب هذه الجائزة مجرب من هناك، من مدينة الدمام إنه الفنان "عبداللّه المرزوق" - متأمل محاور يقرأ ما بين السطور، يرى في الصحراء ما لا يراه الآخرون، يرى قوس قزح الصحراء بألوانه السباعية التي يعرفها الجميع، ولكن محاولته لصياغة صوت صمت الصحراء بهدوء لوني تجعلك تذهب إلى سطح لوحاته لاكتشاف هذه القزحية الجيدة، إنها خامات وبقايا تكنولوجية عصرية تداهمك طوال النهار، إنها الترانسستور ذلك القزحي في الراديو والتلفاز والجوال، إنها قزحية الصحراء، ويعالج الفنان التوازن من هنا وهناك تحت وطأة اللون والشكل في البناء إنه  الفنان "عبداللّه المرزوق".

 

 

الجائزة الرابعة:

كانت للفنانة "حنان حلواني" وهي فنانة اتخذت من التجريب الفني مدخلاً واسعاً في مجال التصوير التشكيلي رغم إجادتها لفن الحفر على "اللينو" منذ تخرجها من قسم التربية الفنية بجدة، وبعد محاولات عديدة على سطح العمل الفني تمكنت من السيطرة على الخامات المتنوعة وإخضاعها لفكرة محورية بين الغائر والبارز، وشفافية جمالية تجعلك شاخصاً أمام أعمالها لتنقب تارة عن الرموز والعلامات وارتباطها بعالم الأسطورة الخاصة بالفنانة، وتارة أخرى حول الكيفيات التقنية للعمل وكيفية ارتباط كل منهما بالآخر في عضوية مع الزخرفة الهندسية، والذي قام بعامل مشترك أعلى بين الشرائط الأفقية للعمل ويقف عمل "حنان حلواني" بحجمه الكبير لامرأة سعودية بين أعمال الرجال قوياً متحديـاً لكل الأحجـام الماديـة للأعمـال في هدوء.

 

الجائزة الخامسة:

وهي بعنوان "حوار" للفنان "سامي الحسين"، وظف الفنان خاصية الشفافية كمدخل من مداخل التصوير التشكيلي بهدوء ورزانة في عناصر بيئية متداخلة على سطح اللوحة، في حضور الألوان الساخنة الشفافة لإبراز الهيئات المجسمة التي تؤكد عنوان عمله في حوار بين الأجسام البشرية الملفوفة في نسيج العمل مع العناصر المعمارية والنباتية إلى أن تستقر عيونك على التفاحة الخضراء، وهي المسؤولة عن كل أنواع الحوارات داخل العمل الفني، كما استخدم الفنان شفافية اللون الأبيض للتعبير عن شفافية الحوار بين العناصر المتنوعة.

 

الجائزة السادسة:

وهي بعنوان "طائر من الشرق" للفنان "نايل ملا"، استطاع الفنان في هذا العمل توظيف الملامس الملونة كأحد عناصر العمل الفني في تحقيق إيقاعيات لونية متنوعة، وجاء هذا التنوع نتيجة استخدام الألوان الزيتية بصبر وهدوء مع بعض الخامات الصناعية وبقايا الأجهزة الكهربائية والصفيح والنحاس والعملات إلا أن كثرة هذه الخامات المتراصة في هدوء على السطح أدت لطمس وتفعيل كل منهما مع الآخر، الأمر الذي لا يستطيع اكتشافه من أول وهلة، بل لابد من تأمل العمل أكثر من مرة للكشف عن كنه تلك الملامس. ولتكتشف أن هذا الطائر الشرقي هو الألوان الدافئة التي تعبر عن سطوع الشرق المشمس.

 

 

الجائزة السابعة:

وكانت من نصيب الفنان "عبداللّه حماس"، والذي استطاع تبسيط عناصر البيئة المحيطة به في تكوين هندسي من المثلثات والمربعات والدوائر دون أن تفقد العناصر مسمياتها، فهذه امرأة، وذلك منزل، وتلك نباتات، وهذه هي الصحراء، كما أنه استطاع تبسيط وتوظيف الألوان الصريحة بين الأبيض والأحمر والأخــضر والأسود والأزرق دون افتعال يذكر إلا أن العمل كشكل يعبر عن حالة التجريد التي يقصدها "عبداللّه حماس".

 

الجائزة الثامنة:

للفنان "محمد سيام" ذلك الفنان الذي استطاع فجأة وبدون مقدمات أن ينتقل من استثمار معطيات المدرسة المستقبلية إلى عمل النحت البارز في صياغات شبه واقعية لا تمت بصلة إلى أعماله المشهورة، وعندما أطلق اسم "بلادي" على العمل لم ينس شيئاً، كما لو كانت لوحته تسجيلية عن المملكة، بداية من الحرم الشريف حتى برجي الفيصلية والمملكة بالرياض فجاء العمل معبراً عن مقصده لبلاده.

 

الجائزة التاسعة:

للفنانة "حميدة السنان" يقع تصنيف عمل الفنانة بين الواقعية والسريالية، واقعية معالجة العناصر التشكيلية وسريالية الفكر، فالصخور والورود والأيادي في تركيبة جمالية معاصرة، وأعماق البحار في شفافية مفرطة، ولكن الفنانة استطاعت السيطرة على قيمة التوازن بين العناصر والألوان في تناسق جميل.

 

 

الجائزة العاشرة:

للفنان "عبدالعزيز الناجم"، يستلهم هذا الفنان أعماله من العمارة وانبعاث الأضواء منها ليلاً بتقنية بسيطة ذات دلالات بصرية قوية من جراء استخدام الألوان الصريحة، والتي تخيم عليها ضبابية تنسيق اللون فتخرج الألوان رغم صراحتها وتباينها في توافق إيقاعي منغم بسيط، وتنبعث من أعمال الفنان الناجم فرحة لونية تسعدك لحظة تأملها وتأخذها ذاكرتك إلى أماكن الطفولة والبراءة.

 

الجائزة الحادية عشرة:

للفنان الشاب "فهد خليف" الذي استطاع تحويل المربعات الشطرنجية ذات السواد والبياض إلى مربعات ذات ألوان وموضوعات ملونة في بهجة لونية جمالية أنيقة، كما لو كان يقدم سيرته الذاتية الفنية عن ما يمتلك من أساليب وتقنيات وموضوعات في عمل واحد، فاستخدام الخطوط العربية والطبيعة الصامتة والطيور والأسماك والفواكه موضوعاً ذا سياق تجريدي وزخرفي، وبذلك استطاع التأكيد على عنوان لوحته بعنوان هواجس، بل هي هواجس الفنان "فهد خليف".

 

الجائزة الثانية عشرة:

وهي من الأعمال ثلاثية الأبعاد بعنوان "القناع" للفنان الشاب "صديق واصل" الذي استطاع أن يحرز تقدماً تقنياً وتشكيلياً في مجال استخدام النفايات وبقايا الأشياء الحديدية ويحولها إلى مجسمات جمالية تجمع الأبعاد الثلاثية والنحت البارز في فترة زمنية قصيرة، رغم عدم تخصص دراسته بالفنون التشكيلية، وفي عمله بعنوان "القناع" اســـــتطاع "صديق واصــل" أن يخرجه بطريقة النحت، بالإضافة إلى تقنية اللحام الحراري، وهو أحد الأساليب النحتية الأكاديمية رغم حداثة الفكرة والتصميم.

 

الأعمال البارزة

من الأعمال البارزة في البانوراما التشكيلية مجموعة من الأعمال النسائية، كرمتها هيئة تنظيم المعرض بعرضها ضمن النتيجة السنوية لوزارة الثقافة والإعلام وهمن: تغريد البقشي، علا حجازي، وسمية العيشوى، مسعوده قربان، وأضم إليهن الفنان علي الصفار، محمد المصلي، محمد المنيف، ناصر الموسى، إبراهيم بوقس، عبدالرحمن السليمان، محمد العميد، علي الطخيس، عبدالعزيز الرويضان، أحمد الدحيم، نبيل نجدي، عبدالرحمن العجلان، والدكتور محمد الفارس.

 

الندوات الثقافية

نظمت لجنة المعارض برعاية الفنان الدكتور "محمد الرصيص" ندوتين:

جاءت الأولى لكل من الفنان عبدالعزيز عاشور والناقد الصحفي الأستاذ سيد الجزايرلي، بعنوان "قراءة فنية في معرض الفن السعودي المعاصر" وأدار الندوة الفنان ناصر الموسى، وجاءت الندوة الثانية لكل من الفنان الدكتور محمد الرصيص، بعنوان "الفنان السعودي وتجربته الخارجية"، والدكتور أحمد عبدالكريم، بعنوان "المنجـز التشكيلي السعودي المعاصر".

علمـــاً بأن المعـــرض ســـــينقل مرتــين في هذا الموسم الثقافي إلى كلٍ من جدة والدمام

 

* أستاذ أسس الفن الإسلامي قسم التربية الفنية- جامعة الملك سعود

 

 

 
  © فبراير 2007 مجلة " أهلا وسهلا ."