معظم الضحايا من النساء
أمراض الأكل النفسية تؤدي إلى البدانة!
86٪ من المرضى يصابون بالمرض في سن العشرين.
§       مرضى الأنوركسيا قد لا يأكلون لأسابيع
§       الشخص «البوليمي» قد يغتال نفسه سرًا
§       عوامل
ثقافية واجتماعية تؤدي إلى المرض
§       يظل
العلاج الأسري عاملاً مهمًا
يحيا المجتمع البشري في واقع معرفي جديد شكلته ثورة الاتصالات، حيث فرض واقع العولمة نفسه على إنسان القرن الجديد، لكن المدهش والمثير أن هذا العالم بأدواته الثقافية والتقنية الجديدة ساهم في إرباك هذا الإنسان وزيادة مشاكله واضطرابه في تفاصيل حياتية كثيرة، لاسيما في علاقته بصورة جسده ووزنه وطعامه! إذ أدت الثقافة المهيمنة إلى تفشي الأمراض النفسية المرتبطة بالطعام من خلال فرض نماذج حصرية للجمال والقبول، خصوصًا لدى النساء.

تسويق ضار لقالب النحافة
كان أبرز ما رافق ذلك من علل هو تسويق قالب المرأة النحيفة والرشيقة على نحو أضر بقطاع، عريض جدًا، من النساء والرجال، وكانت النتيجة انتشار أمراض الأكل النفسية في الغرب، وتأثر المجتمعات العربية المتصلة بقرية العالم الصغير بحالة الاضطراب النفسي الذي تعيشه ثقافة أخرى وأناس آخرون يلزم التحذير منها.
وقبل الولوج في عالم الأمراض النفسية المرتبطة بالأكل. قد يكون من المفيد الإشارة إلى ظرف تاريخي قديم مرتبط بهذا الموضوع، يعد أقدم حالة اضطراب نفسي معروفة لها علاقة بالأكل. ففي بلاد اليونان القديمة كانت اللذة، وما يتصل بها، تمثل الهم الأساسي والمركب الرئيس لثقافة اليونان آنذاك، وكان لدى اليونانيين عادة غريبة جدًا تفسر هذا الاهتمام الزائد باللذة من خلال الحفلات الكبيرة والموائد العامرة التي كانت القصور الفخمة تشهدها. ففي القصر كان يتم تخصيص غرفة في طرفه بها وعاء كبير فارغ، وبعد أن يتناول الضيف ما لذَّ وطاب من صنوف الطعام، يمشي إلى تلك الغرفة حتى يصل إلى الوعاء الكبير، ثم يضع إصبعه في فمه ليتقيَّأ ما في جوفه، ثم يعود مرة أخرى إلى المائدة العامرة ليبدأ في اختيار وتناول أصناف جديدة، ويعود بعدها لتكرار هذه العملية (المقززة) مرات ومرات في الليلة الواحدة حتى يتمكن من تذوق جميع أصناف الطعام!


مرضان ضدان
الأنوركسيا هو امتناع المريض بإرادته عن الطعام لأيام وأحيانًا أسابيع، ويصاحب ذلك هلع وخوف مرضي من البدانة والسمنة، وسيطرة الوسواس القهري، فيما يتعلق بالأكل، ووزن الجسم والقوام، وعدد السعرات الحرارية لأي طعام. أما البوليميا فهو العكس تمامًا، إذ يقوم المريض بالتهام كميات كبيرة من الطعام دون وعي أو مراقبة مع عدم التحكم في سلوك الأكل أو وقفه، إضافة إلى لجوئه لوسائل تفريغية لمعدته بعد تناول الطعام مباشرة عبر إدخال إصبعه في فمه والتقيؤ أو استخدام المسهلات، وذلك حتى يحافظ على وزنه وقوامه!، إلا أن مريض البوليميا لا يفقد وزنه مثلما الحال مع مريض الأنوركسيا الذي يفقد من وزنه نتيجة تجويع ذاته حتى الهزال، وربما الموت!
وتشير الإحصائيات التي أوردتها الهيئة الوطنية الأمريكية لاضطرابات الأكل النفسية أن غالبية ضحايا الأنوركسيا والبوليميا من النساء والفتيات، خصوصًا في فترة المراهقة، لما يبدينه من قلق حيال البدانة، لا سيما في ظل الصورة الخادعة التي يروجها الإعلام للمرأة، وهي صورة المرأة النحيفة جدًا. وبشكل عام تكون أبرز النساء عرضة للإصابة بالأنوركسيا هن عارضات الأزياء، لكون النحافة هي رأسمالهن، فيسيطر عليهن الخوف من فقدان عملهن، إذا اكتسبن المزيد من الوزن. الفئة الثانية من النساء هي لاعبات الجمباز ورغبتهن بالفوز بذهب الأولمبياد. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى اللاعبة الأمريكية كريستي هنريك التي ماتت من جراء الأنوركسيا بعد نصيحة إحدى قضاة اللعبة لها بضرورة تقليل وزنها إذا أرادت الحصول على ميدالية ذهبية في أولمبياد برشلونة 1992، فما كان من كريستي إلا التوقف التام عن الطعام حتى ماتت عام 1994!


مراهقات أمريكا
يبين تقرير الهيئة الوطنية وجود 1٪ من المراهقات في الولايات المتحدة الأمريكية يعانين الأنوركسيا، ويقمن بتجويع أنفسهن حتى الموت أحيانًا، بينما هناك 4٪ يعانين البوليميا. وبحسب التقرير نفسه، فإن هناك سبعة ملايين امرأة أمريكية، ومليون رجل أمريكي يعانون جميعًا الأنوركسيا والبوليميا من جميع الطبقات الاجتماعية، حيث أوضح التقرير أن هناك 86٪ من المرضى يصابون بالمرض في سن العشرين، بينما 10٪ في سن العاشرة وأقل، و33٪ فيما بين سن الحادية عشرة والخامسة عشرة، و43٪ يصابون باضطرابات الأكل النفسية فيما بين سن السادسة عشرة والعشرين عامًا. أما عن دورة المرض ونسبة الوفيات، فيشير التقرير إلى أن 77٪ يستغرق المرض لديهم من سنة إلى 15 سنة، بينما 30٪ من سنة إلى خمس سنوات، وهناك 31٪ من المرضى تمتد فترة المرض بهم من 11 سنة إلى 15 سنة، بينما هناك 6٪ من الحالات الحرجة يتعرضون للوفاة جراء هذه الأمراض.
ومن الناحية البيولوجية، هناك عوامل تشمل الجينات الوراثية والهرمونات قد تساهم في الإصابة بالمرض، إضافة إلى ظروف طارئة مثل الالتحاق بمدرسة جديدة أو التوظيف في مهنة ومكان جديدين. كما أن الأسرة التي يعاني أحد أفرادها الأنوركسيا تكون أكثر عرضة لانتقال المرض لفرد آخر فيها. كما أن الآباء الذين يحرصون على مظهرهم الخارجي، ويتبعون الحمية بقسوة وينتقدون أجساد أبنائهم قد يساهمون دون قصد في أن يتحول أطفالهم إلى أنوركسيين!

ويبين تقرير منظمة الصحة العالمية أن مريض الأنوركسيا يفقد 15٪ من وزنه دون الوزن المتوقع، بقسمة الوزن بالكيلو جرام على مربع الطول بالمتر، كما أن مريض الأنوركسيا يفقد وزنه من خلال تجنب الأطعمة التي تؤدي إلى السمنة، إضافة إلى القيام بالعديد من الأفعال منها: افتعال القيء وتفريغ البطن من الطعام عبر استخدام الحقن الشرجية، والإكثار من التمرينات الرياضية واستخدام مفقدات الشهية أو مُدرات البول. كما يسيطر على المريض فكرة مشوهة عن جسده تدفعه للخوف من البدانة، الأمر الذي يفرض فيه المريض على نفسه حدودًا منخفضة للوزن. كما يحدث اضطراب في الغدد يؤدي إلى انقطاع الدورة الشهرية لدى المرأة، وفقدان الرغبة والقدرة الجنسية لدى الذكر، إضافة إلى سقوط الشعر وجفاف الجلد، والشعور الدائم بالبرد، وتقلب المزاج، وسيطرة فكرة الطعام عليهم دائمًا.

مريض سري
يذكر تقرير منظمة الصحة العالمية أن مريض البوليميا ينشغل دومًا بالأكل، ويلتهم كميات مفرطة  منه في فترات قصيرة من الوقت دون الإحساس بلذة ما يأكل، ويستمر في الأكل إلى درجة تفوق الشبع إلى حد شعوره بالتخمة والاشمئزاز من نفسه، والندم على ما أكله، ثم يحاول مقاومة زيادة الوزن المترتبة على الطعام بواحد أو أكثر من الأساليب التالية: افتعال القيء، سوء استخدام الملينات (المسهلات)، استخدام الأدوية كمثبطات للشهية. ويقوم البوليمي بالأكل والتقيؤ سرًا، لذلك يصعب كشف حالته، وهو  ليس بالضرورة شخص بدين، بل إن وزنه، غالبًا، طبيعي لكنه يرفض زيادته. والبوليمي يتعمد تناول الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية والسكريات مثل: الآيس كريم، والفطائر، والمخبوزات، والجاتوه. وتتراوح مرات التقيؤ ما بين مرتين إلى عدة مرات يوميًا.
وعن أعراض البوليميا يبين الأطباء النفسيون أن البوليمي يأكل دون وعي وبسرعة، ويتقيَّأ عقب الطعام مباشرة، ويتبع حمية قاسية، ويمارس الرياضة بصرامة. كما أنه يكثر من استخدام دورة المياه، وينشغل تمامًا بمسألة وزنه، ويعاني تقلب المزاج، والاكتئاب، والتخمة، والإمساك، والتهاب الحلق، والضعف العام، وعدم انتظام الحيض لدى النساء. وطبقًا للأطباء المتخصصين، فإن البوليميا تؤدي إلى متاعب صحية وأوجاع عديدة منها: قرحة المعدة وارتجاع المريء، وتورم الغدد اللعابية والجفاف، وعدم انتظام ضربات القلب،
وضعف القدرة الجنسية، وتنامي دوافع الانتحار، فضلاً عن تآكل مينا الأسنان، وحساسيتها المفرطة لحرارة الطعام وبرودته، وذلك بسبب كثرة تعرضها لأحماض المعدة جراء كثرة التقيؤ.
وكلما بدأ العلاج مبكرًا كانت النتائج أفضل بالنسبة لمرضى النوعين السابقين. وينقسم العلاج إلى شق نفسي، وآخر غذائي، إضافة إلى الشق المعرفي المتعلقة بتوعية المريض بخطورة مرضه، وإفهامه أن رأيه في مسألة زيادة وزنه خطأ وأن المحاولة عبر هذه الطرق، وبهذا القدر أمر خاطئ بالمرة. كما يجب إخضاع مريض الأنوركسيا للعلاج الطبي عبر إدخاله المستشفى إذا كان وزنه أقل من الوزن المثالي بأكثر من نسبة 30٪، وذلك لمده بالأمصال والمقويات لتعويض النقص الحاصل في الفيتامينات والمعادن والكالسيوم. ويقوم الأطباء، أيضًا، بوصف أدوية لتخفيف الشهية لدى البوليمي حتى لا يأكل دون جوع أو فوق مرحلة الشبع.
وبالنسبة للعلاج النفسي يبحث الطبيب المختص في الأسباب والدوافع الكامنة وراء المرض محاولاً تغيير سلوكه عبر تنمية الاتصال معه، وتشجيعه على زيادة الوزن مقابل مكافآت، وميزات خاصة تمنح له حال الالتزام بالمتفق عليه.
وأخيرًا يظل العلاج الأسري عاملاً مهمًا جدًا، وقبل ذلك يجب مراقبة سلوك الأولاد في فترة المراهقة المربكة، خصوصًا مع التأثير المرعب والمتزايد لوسائل الاتصالات في سلوك الشباب العربي، لا سيما الفتيات.