|
|||||||
العديد من المطاعم في بريطانيا شكلت لنفسها مع مرور الزمن هوية خاصة. |
|||||||
أصبحت لندن، وبرأي العديد من النقاد، «عاصمة الطعام» بلا منازع، بالرغم ما يقال عن العواصم الأوروبية الأخرى، مثل باريس أو روما أو مدريد. وقد أعدت المجلة، التي تعد أحد المراجع الأساسية في تقييم المطاعم في العالم، عددًا خاصًا من أكثر من 180 صفحة عن العاصمة البريطانية، وقال رئيس تحريرها التنفيذي جون ولفبي: «لقد كان تأثيرها على نقادنا كبيرًا»، لذلك قررت المجلة المجيء إلى لندن، لتكتشف بنفسها ما قيل حديثًا حول ظاهرة الطعام في هذه المدينة، والجيل الجديد من الطباخين العاملين في مطاعمها، وسوقها المفتوحة التي يصلها الكثير من مكونات الطعام الطازج، ومن جميع البلدان. وهذا هو الفارق بين لندن وغيرها من المدن الأخرى، ناهيك من التميز في نوعية الطعام وفي كل الأبواب والمستويات. وهذا التنوع طبعًا، سببه التكوين العرقي والثقافي والديني، الذي يعكس نفسه، ليس فقط بالمظهر واللباس والمعتقدات، وإنما، أيضًا، بطريقة الحياة التي تشكل المأكولات إحدى ركائزها. وهناك أكثر من 250 لغة محكية في لندن، حسب آخر تقرير لبلدية لندن. وكانت لندن اشتهرت في السابق بعدد حاناتها، أما اليوم، فهناك الآلاف من المقاهي والمطاعم، وهناك المئات من المطاعم التي لا تعكس فقط تنوع لندن الثقافي والعرقي، وإنما تنوعها الطبقي أيضًا. لكن اللافت للنظر في لندن، أن العديد من المطاعم التي، مع مرور الزمن، شكلت لنفسها هوية خاصة، ارتقت بها إلى خارج نطاق فئة أو طبقة محددة، وهذا بسبب وسطيتها، أي من ناحية تكلفة تناول وجبة فيها، وليس من ناحية النوعية. لذلك، فمن المحزن أن تقتصر تجربة من يزور لندن على ارتياد المطاعم التجارية المعروفة، والتي تتمركز في الشوارع السياحية وحسب.. فمن يبحث عما يرضي حسه المرهف وذوقه فيما يخص المأكل والمشرب فعليه أن يبتعد عن الشوارع الكبرى، ويبحث عن مبتغاه في أحياء لندن المخفية، حيث قد تجد طوابير من كبار الشخصيات يصطفون أمام مطعم يبدو من الخارج صغيرًا ومتواضعًا، أو حتى مهملاً، ولكنه يضم بين جدرانه الأربعة تاريخًا يروى، ووصفات لأطباق قد لا تأكل مثلها في أي مكان آخر. ساتاي هاوس.. لوحة آسيوية حيّة من الضروري أن يكون قد وصل هذا المطعم العصري المتواضع، الكائن في منطقة سكنية في أحد الشوارع الخلفية في منطقة بادينغتون في غرب لندن، إلى مستوى لائق وطعامه الشهي، ليدرج على قائمة زبائنه أفراد عائلة مملكة بروناي، ورئيس وزراء ماليزيا السابق الدكتور مهاتير محمد وزوجته الدكتورة ستي حسما محمد علي. وإن سألت عن السبب الذي يجعل الدكتور مهاتير محمد يحضر مع عائلته للعشاء إلى هذا المكان (الزيارة الأخيرة كانت له خلال ربيع العام الماضي)، فقد ترد عليك النادلة ببساطة لأن الطعام جيد. أما صاحبة المطعم فاتيسا شوال، وهي ابنة جعفر شوال وزهرة هاشم، اللذين أسسا المطعم عام 1973، فقد أضافت إلى كلام النادلة قائلة: رئيس الوزراء ليس الزائر الوحيد، يمكنني أن أقول لك: إن الحكومة الماليزية كاملة أكلت هنا. فاتيسا شوال تمثل الجيل الثاني من العائلة نفسها التي بدأت المشروع، عندما كانت لندن لا تزال تفتقر إلى هذا النوع من المطاعم. وقد أخذت فاتيسا على عاتقها إدارة المكان بنفسها بعد أن انتهى العقد الذي ربط الإدارة السابقة بأصحاب المطعم، وجددت المطعم بديكور عصري لم يعكس نفسه فقط على الإضاءة والألوان والطاولات وأماكن الراحة، وإنما على إعداد الأطباق وطريقة تقديمها، وحتى على الطاقم الجديد من العاملين. وتريد فاتيسا أن تسير على خطى والدها الذي توفي قبل سنوات. ولهذا تقوم على خدمة الزبائن بنفسها، وتراها أحيانًا تجلس مع ابنتها الصغيرة، عائشة، على إحدى الطاولات. والوجبات التي يقدمها المطعم تعكس إلى حد كبير الخلطة الثقافية التي تشكل الدولة الماليزية الحديثة بأقلياتهاالمختلفة الصينية، والهندية الجنوبية، والأكثرية المسلمة(المالية)، برأي صديقة ماليزية من أصل صيني ومتزوجة من رجل إنجليزي. وبحسب الصديقة روث أنغ، فإن الوجبات هي في الواقع انصهار التأثيرات الثلاثة في المطبخ الماليزي. ومع أن هناك الكثير من المطاعم الماليزية في لندن، إلا أن روث تعتقد أن أطباق ساتيه هاوس هي الأفضل بلا منازع، وخصوصًا أسياخ الساتيه، التي يأخذ المطعم اسمه منها. وفي الصيف الماضي عندما دعت بعض الأصدقاء إلى حفلة شوي (باربكبيو) في الحديقة طلبت روث من المطعم 120 سيخًا من ساتيه الدجاج غير المطبوخ، وهذه تقدم مع صلصة لذيذة جدًا تحضر من الفستق السوداني والتوابل، وتكون حارة وحلوة المذاق قليلاً، وهذا ما يجب أن تبدأ فيه عند زيارتك لهذا المطعم. وبشكل عام، يقدم المطعم أطباق اللحوم بأنواعها (باستثناء لحم الخنزير، طبق اللحم المفضل في المطبخ الصيني). ومن اللحوم هناك طبق «راندانغ» (ضأن أو بقر) المطبوخ بحليب جوز الهند والتوابل، و«الغورينغ» المطبوخ بالصويا، و«المايسوري» المطبوخ بصلصة الطماطم والتوابل، وهذا كان الأفضل على الإطلاق في أطباق اللحم. ومن أطباق مكرونة الشعيرية (النودل) الرفيعة جدًا (فيرماتشيلي) كان طبق «مي هون غورينغ» الأفضل، وهذا يطبخ مع البهارات، وشرائح اللحم الرفيعة والخضراوات والروبيان. ويقدم الأرز بأشكال مختلفة، ليس فقط كطبق ثانوي مع الوجبات الأخرى، وإنما كطبق في حد ذاته مثل «ناسي لاماك» الذي يحتوي على أرز مطهي مع حليب جوز الهند ويقدم مع السمبال، وهي صلصة تحضر من الروبيان الذي يدق مع التوابل، وسمك الانشوغا الصغير المقلي، والبيض المسلوق. ومن الدجاج كان طبق «ايام غورينغ باوانغ بوتيه» المقلي مع الثوم هو الأفضل، ولكن يمكن اختيار أطباق من الدجاج شبيهة بأطباق اللحم من ناحية طريقة التحضير والتوابل، وهذا ينطبق، أيضًا، على أطباق الروبيان، والقريدس التي تطهى، أيضًا، بالطريقة نفسها مع بعض الاختلافات البسيطة. ولكن من الأسماك كان طبقا «ايكا غورينغ بيرلادا» المقلي مع الفلفل الطازج الحار، و«ايكان ماساك كيتشاب» المقلي مع صلصة الصويا هما الأفضلين. وكذلك الحال بالنسبة للحبار (سكويد) الذي يحضر بطرق شبيهة بتحضير أطباق السمك. وبالنسبة لأطباق الخضراوات، فإن «تيرونغ غورينغ بيرلادا» باذنجان مقلي بالفلفل الحار، كان من أطيب أطباق الباذنجان التي أكلتها.أما طبق «روجاك بوا» فكان شيئًا آخر، فهو وجبة في غاية الغرابة واللذة، وهو عبارة عن طبق بارد من الخضراوات والفواكه مثل الأناناس، والخيار، و«البين كيرد» (المصنوع من حليب الصويا). وهذه تخلط مع بعضها بعضًا ويضاف إليها صلصة حلوة من الروبيان والفستق السوداني. وبحسب أصدقائي الماليزيين، فإن هذه أكلة شعبية يتناولها الناس في الشارع مثلما نتناول نحن الترمس أو الفلافل. ولا تنس أن تطلب طبقًا من الروتي، أي الخبز، الذي يقدم مع صلصة خاصة، أو طبق المرتباك، وهو نوع من الخبز المحشي بالخضراوات. بالنسبة للحلويات، فيرى الكثيرون أن هذا الجانب من المأكولات لم تنجح المطابخ الآسيوية جميعها فيه، ونادرًا ما تتناول شيئًا يسيل لعابك له، ليس في المطبخ الماليزي فقط، وإنما في الصيني وغيرها من دول جنوب شرق آسيا، إلا أن «بوبر كاتشانغ» المعمول من حبوب المانج، وحليب جوز الهند، والسكر البني، ويقدم دافئًا، كان جيدًا ولذيذًا. وبالنسبة للقهوة، فهذه فرصتك للتعرف على القهوة الماليزية، ولا أقصد هنا طريقة التحضير، وإنما حبوب القهوة نفسها، والتي تنقسم حسب السوق العالمية إلى «أرابيكا» و«روباستا». أما الحبوب الماليزية، فهي خارج هذا التصنيف العالمي. |