الدكتور سعد البازعي رئيس النادي الأدبي بالرياض:
الثقافة السعودية دخلت مرحلة الإبداع الروائي
للسوق الثقافية حساباتها المختلفة.. أصبح القارئ يبحث الآن عن الرواية أكثر من بحثه عن ديوان شعر.

§ تم تفعيل النشاط المنبري بالنادي عبر بيت الشعر، وجماعة السرد، والملتقى الطلابي
§ النادي يدعم نشر الكتب من خلال توقيع اتفاقية مع المركز الثقافي العربي ببيروت
§ حققت الرواية قفزات غير عادية في السنوات الماضية
§ المهرجانات وسيلة جيدة لتفعيل دور الثقافة وترويجها


§ للسوق الثقافية حساباتها المختلفة.. أصبح القارئ يبحث الآن عن الرواية أكثر من بحثه عن ديوان شعر.فة السعودية؟
الثقافة السعودية تعيش ازدهارًا لافتًا على مستوى الإبداع الأدبي وبعض وجوه البحث. لكنها لا تزال تعاني ضعفًا على مستوى الإنتاج الفكري، وكذلك في درجة التواصل مع المثقفين العرب. وفي تقديري أن المؤسسات الثقافية السعودية على اختلافها تحتاج إلى مزيد من الدعم المادي والمعنوي من الدولة، فميزانيات هذه المؤسسات لا تزال متواضعة قياسًا إلى غيرها من المؤسسات.
§ تتصدر الرواية المشهد الثقافي على حساب أجناس أدبية أخرى نأمل تسليط الضوء على ذلك؟

حققت الرواية قفزات غير عادية في السنوات الأخيرة، وجاء ذلك على حساب أنواع أدبية أخرى، بمعنى أن القارئ يبحث الآن عن الرواية أكثر من بحثه عن ديوان شعر، علمًا بأننا لا يزال لدينا إنتاج شعري متميز، لكن للسوق الثقافية حساباتها المختلفة.غير أن تميز الرواية، أيضًا، مشوب ببعض الشوائب أهمها الاعتماد المبالغ فيه على الإثارة الحسية غير المبررة، أو على استثارة قضايا مهمة وحساسة لكن دون مبررات فنية تستدعي ذلك.
§ هل واكبت الحركة النقدية مجالات الإبداع المختلفة؟

الحركة النقدية نوعان، نوع أكاديمي يتابع عن بعد، وأحيانًا من علٍ، وآخر صحفي وسريع. الأول بطبيعته بطيء، وأحيانًا معزول ولا يعول عليه كثيرًا، وإن كان أكثر عمقًا في الغالب. في حين نجد النقد الصحفي متابعًا بشكل جيد لكن ينقصه العمق. المطلوب تطعيم كل واحد بما لدى الآخر.كما أن مجال النقد الأدبي يعج مثل غيره بالناشطين الذين تتفاوت مستوياتهم، لكن المرجو أن تستطيع العملة الجيدة طرد الرديئة، وإن كانت في حقيقة الأمر لا تفعل دائمًا، فهذه عبارة تنطوي على تفاؤل كبير لا يدعمه الواقع دائمًا.
§ ما أسباب خفوت دور المسرح السعودي عن الحراك الثقافي؟
المسرح غائب لظروف قاهرة، فالمواهب موجودة والإنتاج موجود لكن الدعم الذي يلقاه ضعيف، وأقصد بالدعم ما يتصل بالمؤسسة من معاهد أو أكاديميات لا تزال غائبة، وما يتصل بدور المسارح التي تكاد تكون غائبة أيضًا.
§إلى أي مدى تساهم المهرجانات والأسابيع الثقافية في إثراء حركة الثقافة العربية؟
ا
لمهرجانات مطلوبة، وهي وسيلة جيدة لتفعيل دور الثقافة وترويجها بين من لا تصل إليهم بين الأقطار العربية، وأتمنى أن تزداد وتيرة تلك المهرجانات، وأن يخف فيها الطابع الرسمي كالاهتمام بالافتتاح، وتبادل الكلمات، وأن يزداد دور الإبداع، ويفتح المجال له أكثر، ليمارس حضوره الطليق.
§ هل نجحت الأندية الأدبية في جذب جمهور المثقفين إليها؟
نجاح الأندية مسألة نسبية تختلف من ناد إلى آخر، ومن نشاط إلى نشاط. هناك نواد حققت اجتذابًا لا بأس به، وأخرى ضعيفة النشاط، لكن لا ينبغي إعطاء مسألة الجماهيرية أكبر مما تستحق. فالنشاط الثقافي ليس جماهيريًا بطبيعته، ليس لدينا فحسب، وإنما حتى في العالم الأكثر تحضرًا، لكن هذا لا ينبغي، من ناحية أخرى، أن يتخذ مبررًا للعزلة أو النخبوية.
§ هل هناك تواصل بين الأجيال، وهل نجحت تجربة احتضان المواهب الشابة؟
أشرت، سابقًا، إلى احتضان النادي الأدبي بالرياض للشبان أو الناشئة، وأرجو أن تعم التجربة وتتطور في جميع الأندية. وأود أن أضيف هنا أن نادي الرياض مقدم على تجربة مهمة، في هذا السياق، تتمثل فيما نسميه النادي المتجول، وسيكون بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، حيث ستطوف سيارة بها كتب، ومتحدثو مدارس منطقة الرياض لربط الطلاب بالحركة الثقافية.
§ ما الأسباب والدوافع لتأليف كتابك «المكون اليهودي في الحضارة الغربية»؟
كنت أعكف على دراسة حول علاقة نظيرات النقد الأدبي الغربية بسياقها الحضاري لإثبات أطروحة تقول: إن تلك النظريات منحازة أساسًا لذلك السياق، وعثرت في أثناء البحث على مقابلة منشورة مع أحد أبرز النقاد الأمريكيين المعاصرين «هوج هلس ملر» سئل فيها عن علاقته بالمفكر الفرنسي جاك دريدا، صاحب المنهج التقويضي «التفكيكي» المعروف، وكانت إجابته أنه يلتقي مع دريدا في خلفيتهما الثقافية المتشابهتين.فالناقد الأمريكي، في إشارته إلى نفسه، ينتمي إلى سياق بروتستانتي بينما ينتمي دريدا إلى سياق يهودي، وأن السياقين يلتقيان في كونهما يعاديان «الإيقونات» قاصدًا بذلك أنهما يحاربان الرموز التي تتحول إلى ثوابت، وبدهيات لا تناقش، كما يحدث للأيقونات التي يقدسها المسيحيون الكاثوليك غالبًا.
لفتت انتباهي تلك المقالة وأثبتها في الدراسة، لكنني لم أعرها أهمية خاصة في حينها، استمر ذلك إلى أن طالعت دراسات أخرى
ذكرتني بما كنت قد قرأت على لسان ملر. فكان من ذلك كتاب للناقد الإنجليزي كرستوفر نورس حول صلة الفيلسوف سبينوزا بنظريات النقد المعاصرة. وسبينوزا كما هو معروف من اليهود المارانيين الذين هاجروا إلى هولندا في القرن السادس عشر، واشتهر في القرن السابع عشر وما تلاه بوصفه فيلسوفًا متمردًا على جماعته اليهودية وانتمائها الديني. ثم طالعت في الوقت نفسه كتابًا لباحثة أمريكية حول السياق اليهودي لمجموعة من المفكرين والنقاد المشهورين في الثقافة الغربية منهم فرويد ودريدا، وصفت فيه تلك المجموعة بأنها متمردة على سياقها، من حيث إن الأفراد الذين تتألف منهم حسب العبارة التي شكلت عنوان الكتاب «قتلة موسى»، بل كان من ذلك، وهو الأهم، نصوص لأولئك المفكرين أنفسهم يتحدثون فيها عن طبيعة انتمائهم اليهودي وأهميته لما توصلوا إليه، على نحو يؤكد ما ذهب إليه الناقد الأمريكي ملر.
تراكم ذلك كله مع قراءات كثيرة على مدى سنوات تبلورت في أثنائها أسئلة وتشكلت إجابات أفضت بدورها إلى أسئلة ومعلومات أخرى، حتى قادني ذلك كله إلى نتائج وقناعات تشكل في مجموعها الخضم الذي أدي إلى تأليف هذا الكتاب.

§ ما الذي يبرر وصف الإنتاج الفكري والعلمي لأشخاص مثل فرويد أو دريدا باليهودية؟
يتصل هذا السؤال بمسألة الهوية اليهودية، وفي حقيقة الأمر أن السؤال أكثر جوهرية وعمومية من أن يكون محصورًا بمسألة البحث في قضايا ثقافية تتصل باليهود وحدهم، فهل يجوز، مثلًا، أن نطلق صفة العروبة، أو الإسلام، أو الأوروبية أو غير ذلك من الصفات الاثنية، أو الثقافية، أو الجغرافية على فكر أو إبداع ما؟ فنحن لا نتردد، مثلاً، في الحديث عن الفكر الأوروبي، والفلسفة اليونانية، والثقافة الإسلامية، والأدب العربي. وقد يتساءل بعضنا أن الربط هنا ليس المقصود به منح هوية جوهرية لذلك الفكر، أو تلك الثقافة بقدر ما أنه تحديد لمصدر أو هوية الجهة الإنسانية والجغرافية التي أصدرت أو أنتجت، لكن الفكر أو الثقافة أو الأدب يظل إنسانيًا أو عالميًا لا تحده انتماءات عرقية أو جغرافية.
غير أن حقيقة الأمر هي أن الانتماء المقصود في نسبة الثقافة أو الفكر إلى تشكيل حضاري أو موقع جغرافي، هو الانتماء
الجوهري، أو الأساسي، والانتماء الذي تعضده وتبرره قسمات الفكر والثقافة والإبداع، ويستمد مشروعيته من الهوية الإنسانية نفسها. ومهما تحدثنا عن نسبية الهوية أو كونها غير خالصة الانتماء إلى مكان أو ثقافة واحدة، أو تحدثنا عن انزلاق الهوية، وعدم ثباتها وتداخل الثقافات، فإننا في نهاية المطاف لا نستطيع أن نتخيل الغياب التام للمرجعيات بغض النظر عن نوعها. قد نشكك في المرجعية العرقية أو نرفضها تمامًا، لكننا لا نستطيع نفي أو حتى التشكيك في المرجعية الثقافية أو الحضارية. وتلك المرجعية هي التي تجعل الأوروبي أوربيًا والعربي عربيًا، وهي التي تجعل أفلاطون وفكره يرجعان إلى اليونان، وليس العالم والصين، وتجعل ابن رشد أو نجيب محفوظ ينتميان إلى العروبة والإسلام