الأسرة هي أولى المؤسسات التربوية وأخطرها التي تؤثر في تربية الأبناء.. ففي سنوات عمره الأولى يكون الطفل صفحة بيضاء، وعلى استعداد تام ليكتسب كل معارفه وسلوكياته من الأسرة، وبالتالي فإن أسلوب التربية الخاطئ يعود بنتائج عكسية عليه وعلى الأهل أنفسهم.. فما تلك الأساليب الخاطئة التي يتبعها الوالدان في تربية الأبناء؟ وما الأسس السليمة التي يجب اتباعها؟
§ انزعاج أسري
تقول ميرفت محمد (أم لطفلتين): بسبب انشغالي وزوجي في أعمالنا، لم نكن نعطي طفلتينا الاهتمام الكامل، وكنت أعتمد كثيرًا على والدة زوجي في مراعاتهما، وبعد سنوات، لاحظت عليهما بعض السلوكيات التي أرفضها، كاللجوء إلى البكاء والصراخ إذا لم أستجب لبعض ما تطلبانه، وهو ما يضعني في مواقف محرجة أمام الجيران والأقارب، وأعتقد أن ذلك يعود إلى تدليل جدتهما لهما بشكل مفرط، وهو ما أحاول أن أعالجه حاليًا.
أما هشام حسني (موظف) فيقول: كنت دائمًا على خلاف مع زوجتي حول طريقتها في تربية ابننا، فهي تخشى عليه أن يتعرض للضرر أو الإصابة بالعدوى نتيجة اقترابه من الأطفال الآخرين، بل كانت تمنعه من الخروج لمقابلة من يأتون لزيارتنا بسبب خوفها عليه من الحسد، ولكن بعد مرور سنوات بدأ الابن يميل إلى العزلة والانطواء. وما يزيد من شعوري بالحزن عدم وجود أصدقاء له برغم وصوله إلى المرحلة الثانوية.
§ التدليل والقسوة
يرى د.جبر محمد جبر، أستاذ علم النفس، أن الوالدين يلعبان دورًا كبيرًا في العملية التربوية، خصوصًا في السنوات الأولى من عمر الطفل، وهذا الدور له تأثير في تكوينه النفسي والاجتماعي وبناء شخصيته.. فإن أخطأ الوالدان في التربية ارتد ذلك على الطفل سلبًا. وغالبًا يقوم الآباء بإفساد شخصية أولادهم دون أن يشعروا من خلال تصرفاتهم وقرارات يظنون واهمين أنها صائبة وهي في الحقيقة تؤثر في التكوين النفسي والتربوي للطفل.
وأبرز هذه الأساليب الخاطئة التدليل الزائد عن الحد، فكثير من الأسر تستجيب لجميع رغبات أبنائها مع عدم توجيههم لتحمل أي مسؤوليات، وهذا ينتج عنه أن يصبح الطفل اتكاليًا وذا شخصية قلقة ومترددة، وغير قادر على تحمل المسؤولية.
وفي المقابل، فإن لجوء الأسرة إلى القسوة والصرامة، واستخدام أساليب العقاب البدني والنفسي مع الأبناء أبرز مظاهر التربية الخاطئة، حيث يترتب عليه أن يحمل الطفل شخصية متمردة ناقمة على الأسرة والمجتمع، وقد تتحول إلى شخصية عدوانية، فيلجأ الطفل إلى العدوان لتفريغ إحباطه.. وهذه المشاعر العدوانية إما أن ترتد سلبًا على الأسرة، أو تكون موجهة ضد المجتمع الكبير الذي يعيش فيه الطفل. وهنا تكمن المشكلة الكبرى حيث يكون رد فعل المجتمع نحو هذا العدوان هو تجنب هذا الفرد، ما يجعله يشعر أن المجتمع يلفظه، وهو ما يؤدي به إلى الانعزال والشعور بالوحدة.
ويرى أنه عندما تظهر سمات التربية الخاطئة على الطفل يمكن للأسرة تصحيح تلك السلوكيات باتخاذ بعض الإجراءات. فعلى سبيل المثال يمكن أن تعالج العدوانية بتفريغ طاقة الطفل في ممارسة هوايات مفيدة مثل الرسم أو الرياضة.
§ مسؤوليات مهملة
ويلاحظ أن مظاهر التربية الخاطئة تعود إلى أسباب عدة، أهمها تخلي الزوج والزوجة عن مسؤولياتهماالتربوية تجاه أبنائهما أو عدم تحديد الدور المناسب لكل منهما حسب رأي د.وسام بلابل، أستاذ علم الاجتماع، فالزوجة قد تتنصل من بعض مسؤولياتها نتيجة عملها مثلاً، فتهمل أطفالها، والأب في الغالب يكون مشغولاً بتأمين سبل العيش، فيتخلى عن بعض مسؤولياته، وهنا يحدث خلل في تربية أطفالهما نتيجة الإهمال من أحدهما أو كليهما.
ولم يعد من المجدي مبدأ الثواب والعقاب كما كانت الحال من قبل، فالذي تربى عليه الأب والأم في الماضي تبدل حاليًا، وأصبحت هناك مساحة زائدة للحرية، ولدت لدى الأبناء شعورًا بعدم المسؤولية و(اللامبالاة) دفعتهم إلى التمادي في الخطأ. ولا ننسى في المقابل أن مبالغة بعض الآباء بالصرامة مع أطفالهم يسبب لهم الخوف الشديد، ويدفعهم إلى التمرد أو الشعور بالكره وتجنب المواجهة مع المحيطين بهم، وسواء اتبع الأبوان الحرية أو الصرامة فهي أساليب تربوية خاطئة تختلف مع إرادة الطفل ورغباته الخاصة.
ويتأثر الأبناء بأساليب التنشئة الخاطئة في عاملين اثنين، أولهما: «الانحراف الأخلاقي» الذي يترك أثره على الفتاة أكثر من الصبي، فالزواج العرفي المنتشر بين الشباب في هذه الأيام، على سبيل المثال، هو نتيجة هذا الانحراف. أما العامل الآخر فهو «الإدمان» الذي يلجأ إليه الشباب لأسباب نفسية، أو بسبب رفقة السوء، وكلاهما نتيجة مباشرة للتربية الخاطئة.
§ قواعد التربية السليمة
ويحدد الاختصاصيون بعض أساليب التربية السليمة التي قد تساعد الأسرة في تربية الأبناء في النقاط التالية:
• يجب أن يكون الثواب والعقاب على قدر الخطأ، دون قسوة أو تدليل. فالتربية السليمة تعتمد على الحزم مع الحنان في الوقت نفسه.
• نجاح التربية يعتمد على ما يتلقاه الطفل من حب ورعاية من أبويه، على أن يعطى هذا الحب بقدر محسوب، حتى لا يؤدي إلى نتائج عكسية.
• يزداد تأثر الأبناء بالتربية الخاطئة في سنوات العمر الأولى مقارنة بالمراحل التالية مثل فترة المراهقة، لذا يجب على الأسرة منذ الصغر تربية أطفالها تربية صحيحة قبل الوصول لمرحلة الشباب التي يصعب تعديل السلوك فيها.
• يجب أن تكون الرعاية أساس العلاقة بين الآباء والأبناء، أما إهمال أحد الأبوين أو كليهما فإنه يحيل الأبناء إلى الانطواء وعدم احترام الذات.
• على الأسرة أن تتجنب تفضيل طفل معين أو تمييزه على سائر إخوته، بأن تخصه بالعطف والمحبة.. فهذا يعمل على غرس مشاعر الغيرة بين الإخوة.
|