.صلاة المسافر ركعتان ما عدا المغرب فهي ثلاث من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه، لقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر». وفي رواية زيد في صلاة الحضر، قال أنس بن مالك، رضي الله عنه: «خرجنا مع النبي، صلى الله عليه وسلم، من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين، ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة». لكن إذا صلى مع إمام يتم الصلاة أربعًا، سواء أدرك الصلاة من أولها، أم فاته شيء منها، لعموم قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا». فعموم قوله: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» يشمل المسافرين الذين يصلون وراء الإمام الذي يصلي أربعًا وغيرهم. وسئل ابن عباس: «ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعًا إذا ائتم بمقيم؟» فقال: «تلك السنة».

فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

وحول ما يلزم لأداء الصلاة في الطائرة، سواء كانت المسافة قريبة أم بعيدة، وسواء كان الوقت يمتد إلى وقت هبوط الطائرة أو لا يمتد ويخرج الوقت قبل النزول، فإنه إذا حان وقت الصلاة والطائرة ما زالت مستمرة في طيرانها، وكانت من الصلوات التي لا تجمع مع ما بعدها، كصلاة الفجر، أو العصر أو العشاء، ويخشى المسافر خروج وقت الصلاة إذا أخر أداءها حتى تهبط الطائرة وينزل منها، فإنه لا يجوز له تأخيرها حتى يخرج وقتها، بل يجب عليه أداؤها في الطائرة قبل أن يخرج وقتها، حسب الاستطاعة، فإن استطاع أداءها قيامًا مع الركوع والسجود في مكانه أو في أي مكان من الطائرة، فإنه يجب عليه ذلك، وإن لم يستطع القيام وكان في ذلك مشقة عليه، فإنه يصلي جالسًا ويومئ بالركوع والسجود، ويكون السجود أخفض من الركوع. أما الاتجاه إلى القبلة في صلاة الفريضة فإنه يجب على المسافر الاتجاه إليها في جميع الصلاة، حسب الاستطاعة، فإنه إذا انحرفت الطائرة عن القبلة في أثناء الصلاة فإنه يتوجه للقبلة كلما دارت، لأن استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة، وإن لم يستطع الدوران للقبلة فلا حرج عليه وصلاته صحيحة، إن شاء الله. وبإمكان المسافر معرفة اتجاه القبلة من قائد الطائرة ومساعديه، فإن لم يتمكن من معرفة اتجاه القبلة فإنه يجتهد في تحريها.

وكذلك إذا كانت الصلاة تجمع مع ما بعدها، ولا يمكن للمسافر أداؤها بعد النزول من الطائرة في آخر وقت الثانية، بحيث يستمر السفر حتى يخرج وقت الثانية، فإنه يجب عليه أداء الصلاتين قصرًا في الطائرة كما سبق، ويجوز له الجمع في وقت إحداهما ولا يجوز تأخيرها حتى يخرج وقت الثانية. أما إن كانت الصلاة تجمع مع ما بعدها، كالمغرب مع العشاء والظهر مع العصر، ويمكن أداؤها بعد النزول من الطائرة في آخر وقت الثانية، فإن الأفضل تأخيرها حتى يصليهما على الأرض، لأن وقت الثانية وقت للأولى في هذه الحالة، ولأن في ذلك أداء للصلاة بالصفة الكاملة. وكذلك إذا كان السفر قصرًا لا يستغرق وقت الصلاة، بحيث يتمكن من أداء الصلاة في وقتها بعد انتهاء السفر فإن الأفضل تأخيرها في آخر وقتها حتى تؤدى على الأرض، لكن لو صلى المسافر الصلاة التي دخل وقتها على الطائرة في أول وقتها، حسب الاستطاعة، فلا بأس بذلك.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

ولا تسقط صلاة الجماعة عن المسافر، لأن الله تعالى أمر بها في حال القتال، فقال: }وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة، فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك| «النساء 102». وعلى هذا فإذا كان المسافر في بلد غير بلده وجب عليه أن يحضر الجماعة في المسجد إذا سمع النداء، إلا أن يكون بعيدًا أو يخاف فوت رفقته، لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة.

وأما التطوع بالنوافل، فإن المسافر يصلي جميع النوافل سوى راتبة الظهر والمغرب والعشاء، فيصلي الوتر وصلاة الضحى وراتبة الفجر وغير ذلك من النوافل غير الرواتب المستثناة. أما الجمع، فإن كان سائرًا، فالأفضل له أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إما جمع تقديم أو جمع تأخير حسب الأيسر له، وكلما كان أيسر فهو أفضل. وإن كان نازلاً فالأفضل ألا يجمع، وإن جمع فلا بأس لصحة الأمرين عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

وأما صوم المسافر في رمضان، فالأفضل الصوم، وإن أفطر فلا بأس، ويقضي عدد الأيام التي أفطرها، إلا أن يكون الفطر أسهل له. فالفطر أفضل لأن الله يحب أن تؤتى رخصه.

حديث شريف

عن أنس, رضي الله عنه, قال: جاء رجل إلى النبي, صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, إني أريد سفرًا فزودني. قال: «زودك الله التقوى» قال: زدني، قال: «وغفر ذنبك»، قال: زدني بأبي أنت وأمي، قال: «ويسر لك الخير حيثما كنت».

دعاء السفر

«الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفةُ في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل».