|
||||||
التحلية في ملامسة حقيقية لواقع الشباب السعودي نجد الارتباط وثيقًا بمشاهد ارتياده شارع التحلية وسط العاصمة الرياض.. مقاهي الأرصفة تمثل في حياته محطة يومية لمسامرة الأصحاب في استقراءات للآمال والطموحات تداعبها نفحات من المرح. ازدحام لافت.. عشرات العربات انتظمت في توقف لا إرادي تنتظر فرصة إعلان المسير، فتضيق المساحات رغم اتساعها. تحفها بلمسة دافئة من العراقة سعف أشجار النخيل التي تبرز معالمها في سواد الليل بضياء يشع باللونين الأخضر والأصفر، وقد ارتفعت على بساط وردي يفصل الشارع إلى اتجاهين يعجان بسيارات تروح وتغدو.. والمواقف لا تلبث أن تخلو من زائريها حتى يحل عليها ضيوف جدد يرتادون المحطات الخدمية والتجارية المزدانة جميعها بروح حيوية، تغذيها حركة نشطة لا تنخفض وتيرتها مع تقدم ساعات النهار، بل تزداد حدة في تلاحم القدم البشرية مع أرض المكان كلما اقترب المساء.. وقد احتلت الأرصفة من المساحة اتساعًا كبيرًا تتخلله الجزر الطرقية وقد توزعت بشكل مدروس ومنظم لتسهيل حركة المرور ومواطن الوقوف. تلك المساحات كانت أساسًا لبنيان مقاهي الأرصفة التي اشتهر بها شارع التحلية كمصدر جذب للشباب، تداعب أمزجتهم المتحلقة حول أطباقها العالمية، ولا مفاضلة بينها إلا بما يقرب منها للشارع.. فهو مسرح الاستعراض الكبير المنتظر. الشرفات الأرضية تتقدم واجهات تلك المقاهي تحدها حواجز حجرية منخفضة تبدو محطة راحة بعض الشباب في أثناء السير، ونجد الطبيعة تزين المكان بأحواض زرع اختلفت أحجامها وأشكالها منسجمة مع تصاميم البحيرات المائية الصغيرة إبداعًا للوحات فنية صنعتها اليد البشرية، لا تقل في حسنها عن بعض حدائق المرجان التي تناثرت بعشوائية أكسبت المحيط عفوية الجمال تعلوها أعمدة إنارة مرتفعة تضيء الأجواء مع بداية الغروب، وتحلو معها سهرات الشباب حتى ساعات الفجر المتأخرة، مع استعراضات شبابية تتيح الفرصة للمراقبة والتعليق، بينما يكون السبات في المواقف طويلاً لبعض السيارات ذات الماركات الحديثة. وفي غمرة من الدهشة مع أول خطوة تعدو المكان وأنت تختار طاولتك، ما تلبث أن تتحول لمحطة تستقطب جملة الإحساس بما حولك، الحضور تبعثروا في مجموعات لعل الجميع يعرف بعضه بعضًا، أو أن رباطًا من الألفة يجمعهم، ربما ألفة المقهى ذاته. في هذا المكان يتملكك شعور غريب وكأنك غادرت الرياض بعيدًا في لحظات، تتلمس ثقافة مجتمع آخر لا تستطيع اكتشاف معالمه، ربما كان في إحدى العواصم العربية، أو في مدينة أوروبية، تنبعث الحياة فيه من أرواح شابة في ريعان العمر، ضحكات وصيحات تتعالى وتنخفض، تعترض حواراتهم التي نظمتها لغة عربية كسرت بقوة ودون استئذان بمفردات أجنبية، لقد أدركت المعنى, كل شيء بات يعبر عن ذاته، بعض الشباب يرتاد المقاهي لتكون ملتقى لجميع الأصدقاء، يروحون فيها عن أنفسهم ويتبادلون سامرات الأحاديث في مناقشة أمورهم، واهتماماتهم، وآمالهم المستقبلية، بعيدًا عن تعقيدات الحياة وهموم المجتمع. بعضهم خلع دشداشته وارتدى من صيحات الموضة أحدثها كبنطال الجينز بألوانه وتصاميمه المختلفة، واكتسى صدره بقمصان اجتمعت فيها تناقضات الألوان، وربما رسوم تعبر عن ميول صاحبها، وأما الرؤوس فقد فارقتها (الأشمغة) وتزينت بقصات شعر غريبة وطريفة.. تقليعات لا حصر لها، ربما كانت صورة مستنسخة عن شخصية غريبة ما، أو أنها ابتكار جديد يتماشى مع شكل اللحن التي ارتسمت خطوطه بطريقة غاية في الدقة. وأنت في المكان تشغلك تداعيات الرؤيا عن احتساء القهوة، تتناول أول رشفة وسط الضجيج الصاخب الذي أسكته صوت عجلات لسيارة مسرعة أعلنت توقفها بغتة أمام المقهى، لم ينزل منها أحد، وإنما هي نداءات يطلقها سائقها وصديقه على النادل فيخرج مسرعًا يسألهما طلبهما، ثم ينتقل إلى سيارة أخرى لخدمة ركابها. |