فرسان..
لؤلؤة البحر الأحمرالمنسية
أغوارها العميقة تحتضن أجمل الشعب المرجانية، وفي شواطئها محمية طبيعية تنفرد بمحتوياتها.
تمتاز بمواسم وعادات فريدة في تركيبتها الاجتماعية

عمرها الجيولوجي خمسة ملايين سنة تغتني بثروات طبيعية تشي بمقومات سياحية واعدة من المناطق الرئيسة لوجود حدائق المرجان وجباله كحبات لؤلؤ انتثرت من عقد بديع الصنعة، تزدان بسحر الطبيعة وعراقة التاريخ، تسمو مع الثروات من كنوزها إلى أعلى درجات الغلاء في أهميتها الاقتصادية ومكانتها الاستراتيجية، وترسم مع النوارس المحلقة فوقها آفاقًا أرحب في عالم المحبة والسلام، أنشودة تغنيها حناجر البحارة ذوي الجباه السمراء، عشاق البحر والمحار.. جزيرة فرسان، أسطورة الطبيعة في الجمال.

تقع جزيرة فرسان غرب مدينة جازان، تبعد عنها حوالي 48 كيلو مترًا، ويبلغ مجموع جزر هذا الأرخبيل 263 جزيرة. وتعد فرسان الكبرى أكبر جزيرة في البحر الأحمر، تشغل مساحتها 38100 هكتار، أما محيطها فيصل إلى 216 كيلو مترًا.

أما الجزر المسكونة فهي ثلاث: فرسان الكبرى، وبها أكبر تجمع سكاني، يوجد فيها جميع المرافق الحكومية، والخدمية، والجزيرة الثانية: «السقيد»، وهي فرسان الصغرى، تبلغ مساحتها 14900 هكتار، وإجمالي طول سواحلها 64 كيلو مترًا، وتقع شمالي غرب فرسان، وأما الجزيرة الثالثة فهي «قماح». وتكتسب هذه الجزر أهمية استراتيجية بحكم موقعها بالقرب من الممر الدولي للبحر الأحمر، وتقع في الجنوب الغربي لفرسان، وتبعد عنها ما يقارب 6 كيلو مترات قبالة ساحل «جنابه». كما تمتاز بموقعها على خط مسار الطيور المهاجرة التي يتوافق موعدها مع النصف الأخير من أبريل والنصف الأول من مايو.

وأما بقية الجزر فهي غير آهلة، وعادة ما تكون محطات استراحة للصيادين وقاصدي التنزه والاستمتاع بالطبيعة.

فرسان في التاريخ

لقد تميزت هذه الجزر بأهمية تاريخية بحكم موقعها الجغرافي على الخريطة العالمية، فهي من المناطق الرئيسة لوجود حدائق المرجان وجباله، والغنية بمصائد المحار، إضافة إلى التنافس الذي كان بين بعض الدول على هذه الجزر على امتداد التاريخ قبل الحكم السعودي، وإبان فترة الاستكشافات الجغرافية وسيطرة البرتغاليين على طرق الملاحة البحرية، ومنها جزر فرسان، وقد رفرف عليها العلم البرتغالي لقربها من الخط الملاحي الدولي للبحر الأحمر المتجهة من الشمال إلى الجنوب.

كما قبعت فرسان تحت الصراع بين بريطانيا وإيطاليا، وكل ذلك تحت الحكم العثماني. والدليل على ذلك وجود القلعة العثمانية، أو قلعة الأتراك، إضافة إلى وجود ثكنات عسكرية ما زالت معروفة حتى اليوم باسم « العرضى» حتى دخلت تحت راية الحكم السعودي المجيد عام 1351هـ.

كيف تكونت فرسان؟

وبحسب الدراسات فإن سطح الجزر الفرسانية مزيج معقد من الأغوار العميقة، والمياه الضحلة، والشعاب المرجانية حديثة التكوين، إذ يقدر عمرها الجيولوجي بخمسة ملايين سنة. ووفق المؤرخ ياقوت الحموي في كتابه الشهير «معجم البلدان»: «فرسان بالفتح والتحريك وآخره نون من نواحي فرسان، ويقال سواحل فرسان، وفرسان قبيلة من تغلب، وكانوا نصارى، ولهم كنائس».

فرسان واللؤلؤ

إن البحر فرض على سكان فرسان طبيعة خاصة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية، فاتجهوا إليه يصارعون أمواجه، ويغوصون في أعماقه، يستمتعون بقضاء سويعات لياليه المقمرة، والسفن الفرسانية تسافر إلى الغوص في مواسم معينة بحثًا عن اللؤلؤ في مصائده التي توجد بالقرب من الشواطئ، ثم تعود محملة بالخير الوفير، ليباع على أيدى قلة من تجار اللؤلؤ المشهورين في فرسان، وما إن تتوفر لديهم كمية كافية يسافرون به إلى عدن عندما كانت سوقًا مفتوحة، أو إلى الخليج، خصوصًا البحرين.

وقد كانت هذه المياه مفعمة بالشاعرية والوجدانية في تحدٍّ مهيب للمعاناة والكفاح الجميل، ورغم هذا التعب وحرارة الشمس التي تلفح سمرة الوجه، كان هؤلاء البحارة دائمي الغناء والرقص، تجرهم هذه المعاناة إلى آفاق أرحب في أجواء يسودها الود والحب. وفي هذه الرحلة، ومع معادن الغوص، يقضون الشهور بعيدين عن الأم، والزوجة، والأخت، والأهل جميعًا.. في ذلك الزمن المليء بالشجن.

لقد أثرت هذه الحياة «حياة الغوص»، واشتغال الفرسانيين بتجارة اللؤلؤ، في معظم منازل فرسان، وقلما وجد منزلًا لا تزينه النقوش، والزخارف، وإن كانت هناك في الجزيرة معالم بارزة شاهدة على الترف والثراء. ويقف منزل منور الرفاعي كتحفة معمارية، تم بناؤه وتشييده عام 1341هـ، يزدان بالزخارف، والنقوش، والآيات القرآنية، واستغرق بناؤه سنة تقريبًا. وكذلك مسجد النجدي الذي لا يقل أهمية، وهو مستطيل الشكل، شيده إبراهيم النجدي الذي قدم من حوطة بني تميم سنة 1347هـ، ويذكر أن المحراب والمنبر جلبا من الهند وبهما الكثير من الزخارف والنقوش البالغة الصنع، ودقة التصميم، بالإضافة إلى ذلك وجود معالم أخرى من الفن المعماري في فرسان، لعل أهمها تلك المواقع الأثرية التي لا تزال حية كشواهد على ما تمتاز به هذه الجزيرة، ومن ذلك «القريات» وتقع غرب محافظة فرسان بحوالي 19 كيلو مترًا، والموقع أساسات لمبان متفرقة. وكذلك «منطقة غرين الأثرية»، ويوجد بها بئر يحيط بفوهتها ثلاث حجارات ضخمة عليها كتابة بخط مسند جنوبي. كما توجد منطقة تسمى «الكدمي» في قرية القصار الواقعة في جنوب المحافظة بحوالي خمسة كيلو مترات، وهي قديمة، استخدمت حجارتها للمباني القائمة حاليًا، بالإضافة إلى الأعمدة الأسطوانية، وبعض الكتل الحجرية المنقوش عليها بعض الحروف بخط المسند. أما جبل لقمان، أو قلعة لقمان، فيتصدر مكانًا مرتفعًا، وتظهر آثار أطلال لبرج أو حصن دفاعي، وربما تعود إلى فترة إسلامه المتأخرة.
وهناك آثار في قرية المحرق، حيث توجد ست آبار منحوتة في الصخر بطريقة عجيبة، وفن زخرفي، وكذلك ثلاثة مواقع أثرية في وادي مطر، الأول: مبان حجرية مشيدة بالحجارة البحرية، وهي مبان ضخمة، ووضعت بشكل طولي، ويوجد عليها بعض الخطوط. الموقع الثاني عبارة عن أساسات مبان حجرية، وهو «مقبرة إسلامية» بنيت كقبور متلاصقة، تستفيض هذه الآثار بكثير من المعالم التي تحتاج إلى من يفك رموزها وطلاسمها.
ومن الشواهد، أيضًا، «بيت الجرمل» الذي تم بناؤه عام 1901 في جزيرة «قماح» في أثناء التحالف التركي الألماني، وهو عبارة عن مستودع للفحم الحجري لتزويد البواخر العابرة للبحر الأحمر بين قناة السويس وباب المندب.

فرسان المواسم والمواقع السياحية

وعلى صعيد آخر تشتهر جزر فرسان بجمال شواطئها التي أصبحت تشكّل منطقة جذب سياحي، وتمتاز هذه الشواطئ بصفاء رمالها، وطول هذه السواحل التي يرتمي في أحضانها الزائر أمام نصاعة المياه الملونة، وجمال الخلجان، وهي مزار مهم لهواة الغوص والسياحة.
ولعل من أبرز هذه السواحل الشريط الساحلي الجنوبي المسمى بخليج «أبو جنانه» قبالة مدينة فرسان، ويقصده الكثير من الزوار والسياح، وينفرد بالأحياء المائية، وعلى ساحله يقع أحد فنادق فرسان الذي جهز على أعلى مستوى.

أما شاطئ رأس القرن، فهو من أجمل شواطئ الجزيرة، من حيث نظافة رماله وصفاء مياهه، ويعد من أفضل مناطق السباحة والسياحة في فرسان.
بينما تقع منطقة «القندل» في شمال فرسان، وهي غابة من أشجار الشورى والمانجروف تتخللها الممرات المائية، والخلجان التي تهب المنطقة سحرًا وجمالًا آسرًا، وإلى شمال «الحسين» شاطئ الفقهوه تميزه أشجار النخيل، والآبار، أخذت جباله شكل مظلات، ويرتادها سكان الجزيرة لصيد الأسماك بالشباك، والتمتع بمناظرها الخلابة. وفيما يخص مصيف أهل فرسان قديمًا فهو قرية القصار، الشهيرة بوفرة المياه الجوفية العذبة، وهي واحة تكثر فيها أشجار النخيل أيضًا.
ولأهل الجزيرة ذكريات جميلة مع هذه القرية التي هُجّرت، وبالقرب منها قرية المحرق ذات السواحل الرائعة، سيما ساحل «عبرة»، وهي منطقة ساحلية يقصدها سكان الجزيرة لصيد الأسماك، تجسد أبرز المواقع السياحية التي يحرص الزوار على قضاء أجمل الأوقات فيها.

فرسان الوجهة السياحية المنتظرة

وفي هذا السياق، يجدر الذكر بأن فرسان تمتلك ثروات طبيعية هائلة، ومقومات سياحية لا ينقصها سوى الاستثمار الاستراتيجي، فمنها تنطلق الفرص الاستثمارية، حيث تنفرد بحياة نباتية خاصة، من خلال الصخور المرجانية في البحر الأحمر إلى جانب الحياة النباتية البرية، والتي تتضمن النباتات العطرية كالبشام، والمونس، ونباتات أخرى كالمانجروف. أما غزالها الشهير المسمى «غزال فرسان الأدمي»، فهو من أجمل أنواع الغزلان وأشهرها، ومثير للدهشة والجمال إلى جانب الأحياء المائية، والطيور البحرية التي تنفرد بها المحمية. ولعل من أشهر طيورها النوارس، والبجع، والحنكران، وكذلك الطيور المهاجرة التي تفد إليها.

كما تشتهر فرسان بعدد من المواسم، والعادات، والتقاليد الفريدة في تركيبتها الاجتماعية، ومنها موسم الشدة، وانتقال الناس إلى قرى النخيل، وما يصاحب ذلك من طقوس تتمثل في الألعاب الشعبية والأهازيج، كذلك موسم الشعبانية، وموسم هجرة الطيور إلى جزيرة قماح، وجزيرة فرسان، حيث يتم اصطياد هذه الطيور، وإقامة فنون لها. لكن الموسم الأهم، الحريد، وهو مهرجان سنوي بدأ يأخذ شهرة واسعة، ويحظى بدعم أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز، خصوصًا بعد أن أقر كأحد مهرجانات الهيئة العليا للسياحة.
والحريد واسمه العلمي «ببغاء البحر» لم تتضح الرؤية فيه هل هو مهاجر أم يتوالد؟ ويظهر مرة واحدة في العام بين شهري أبريل ومايو في منطقة معينة تسمى «حصيص». وللفرسانيين طريقة معينة ، ومراسم لاصطياده يشاركهم فيها ضيوف المهرجان، وتقام خلاله فعاليات مصاحبة من ألوان فلكلورية وتراثية فرسانية إلى جانب برامج وأمسيات شعرية.
ويسعى المسؤولون- برعاية كريمة من أمير جازان- إلى تطوير هذا المهرجان سنة بعد أخرى، سيما مع تطور عبارات جديدة وسريعة ووصولها، والتي تشرف عليها وزارة النقل، والتدفق الهائل للسياح الذي تشهده فرسان، والذي سيزداد في حال تقديم الدعم الخدماتي للجزيرة من قبل الشركات والقطاعات السياحية المتخصصة، واستغلال مكنونات هذه الجزر واستغلال ثرواتها الكبيرة.