|
|||||||
جهود خلاقة للمحافظة على الحياة الفطرية |
|||||||
ارتبط المها العربي بشكل وثيق بملامح الجزيرة العربية، حتى غدا مرتبطًا بأشعارسكانها وجزءًا لا ينفصل عن موروثهم التاريخي، ولكن هذا الحيوان الذي يختال في مشيته يؤول للانقراض بفعل الصيد الجائر وقلة الاهتمام، ما حدا بالمملكة العربية السعودية إلى وضع برامج علمية لإعادة توطينه في مناطقه بدعم من رجل البيئة الأول صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، رئيس مجلس إدارة الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، الرئيس الفخري للجمعية السعودية لعلوم الحياة، في واحدة من أنجح محاولات المحافظة على الحياة الفطرية في العالم بأسره.. مجلة «أهلاً وس هلاً» تستشرف تفاصيل هذه التجربة الناجحة للمملكة من خلال استضافة عدد من المسؤولين والمهتمين والمختصين بالشأن البيئي واستبيان حجم الجهود المبذولة في هذه السبيل.
وفي السياق نفسه يوضح عوض بن متيريك الجهني، أستاذ علم البيئة والتنوع الإحيائي بكلية العلوم بجامعة الملك سعود، الأهمية التي يمثلها المها العربي لبيئة الجزيرة العربية في نقطتين مهمتين هما أن هذا الحيوان هو النوع الوحيد من جنس المها الموجود في الجزيرة العربية، وأنه لا يوجد في أي بيئة أخرى في منطقة انتشار جنس المها في آسيا وإفريقيا، وهذا ما يسمى بالحيوانات المتوطنة. وحول ما تبذل الجهات المعنية بحماية المها العربي بالمملكة السعودية من جهود كبيرة في سبيل تحقيق أهدافها، يشير الأمير بندر بن سعود إلى ما يواجه الحياة الفطرية بشكل عام والمها العربي بشكل خاص من صيد جائر، وتدهور لبيئته الطبيعية خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي. ولولا فضل الله، ثم الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة الهاشمية بالتعاون والتنسيق مع الجهات العالمية ذات العلاقة، ما أمكن الحفاظ على المجموعات القليلة المتبقية في حدائق الحيوان أو المجموعات الخاصة، كالتي وجدت في مزرعة الملك خالد ابن عبدالعزيز، يرحمه الله، التي تحولت إلى مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية بالثمامة بعد إنشاء الهيئة عام 1406هـ، حيث قامت الهيئة بإكثار هذه المجموعة في برنامج خاص بالمركز الوطني لأبحاث الحياة الفطرية بالطائف. وتم اتخاذ جميع إجراءات الرعاية الطبية والصحية لتخليصها من مرض السل الذي أصاب بعض أفرادها، ومن ثم إجراء الفحوصات الطبية والوراثية، حيث يتم تجديد دماء القطيع من آن لآخر لتجنب المشكلات الوراثية، حتى تم إنتاج قطيع مؤسس جيد في المركز بالطائف. ثم جرى إكثاره ونقل أعداد من الحيوانات إلى مسيجات تمهيدية لما قبل الإطلاق في بعض المناطق المحمية المناسبة لحياته ومعيشته، وذلك لمنح الحيوانات فرصة للتأقلم والتكيف مع البيئة الطبيعية، بعدها تم إطلاق الحيوانات لتعيش مستقلة معتمدة على نفسها. وفي محمية محازة الصيد المسيجة 1410هـ، وبعد النجاح الذي تحقق واعتماد المها على نفسها وتأقلمها وتكاثرها تم التوسع واتخاذ خطوة أخرى بإطلاق المها العربي في محمية عروق بني معارض عام 1415هـ بالربع الخالي لتعيش حرة طليقة دون سياج، أو تدخل من قبل البشر. وقد تزايدت أعدادها بصورة طيبة، وتكررت عمليات إعادة الإطلاق في المحميتين عدة مرات حتى تكون أكبر قطيع من المها في شبه الجزيرة العربية. |
|||||||
بالنسبة للمرحلة الأولى، فهي تشمل الدراسات المتوفرة على النوع، واختيار المنطقة وتهيئتها، والعدد الكافي المهيأ جينيًا للإطلاق، والدراسات الاجتماعية والتوعوية في مواقع الإطلاق. والمرحلة الثانية هي مرحلة العناية الصحية، والحصول على الموافقات اللازمة، وعمل برامج للمتابعة تتطور مع الوقت والتوعية. أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة ما بعد الإطلاق وتشمل المتابعة الطويلة المدى، والدراسات البيئية للنوع، وتطوير طرق الإطلاق والحماية الدائمة والمستمرة للقطيع والمواطن، كذلك إدارة القطيع عند زيادته أو نقصه، مع استمرار برامج التوعية. |
|||||||
§ البيئة الطبيعية الآمنة أما أ.د.عوض بن متيريك الجهني فيعبر عن رغبته في إيجاد أفكار ومقترحات يمكن أن تساهم في برنامج إعادة توطين المها العربي وبقية الكائنات الأخرى النباتية والحيوانية، وذلك بتوفير البيئة الطبيعية الآمنة التي يستطيع أن يمارس نشاطه وتكاثره دون التعدي عليه من سهام الصيادين، أو تدمير موطنه، أو قطعه، أو الرعي الجائر. وهناك العديد من المحميات الطبيعية التي توفر هذه الفرص للكثير من نباتات الجزيرة العربية وحيواناتها النادرة والمهددة بالانقراض, ولا زالت الحاجة إلى المزيد منها قائمة، وخصوصًا في المناطق الجبلية على امتداد سلسلة جبال مدين، والحجاز، والسروات لوجود العديد من الحيوانات التي تحتاج إلى حماية مثل النمر العربي. وحول الموضوع نفسه يشير د.عوض الجهني إلى أن ضرورة وعي المواطن بأهمية المها العربي وبقية الكائنات الحية لبيئات المملكة هي ما يمكن أن يعول عليها لدعم جهود الدولة، والمؤسسات الأخرى المهتمة بالحفاظ على الحياة الفطرية، بما تجعله يتوقف عن قتل الحيوانات، أو تدمير بيئاتها، أو تلويثها، أو قطع الأشجار، والرعي الجائر للمراعي، وغير ذلك مما يهدد بقاء الكائنات الحية في بيئاتها الطبيعية. وبالنسبة لاستثمار المحميات الطبيعية للمها العربي في المجال السياحي فيرى الأمير بندر بن سعود أن هذه الفكرة ليست بالجديدة، فهي مطبقة في عدد من الدول الأخرى. والهيئة من جانبها تدرس إمكانية الاستفادة من بعض المناطق المحمية فيما يعرف بالاستثمار المستدام في مشروعات التنمية التي تفيد المواطن وتعود بالنفع على جهود المحافظة، وذلك من خلال استثمار عدد من المناطق المحمية في مشروعات السياحة البيئية، والسياحة الصحراوية. وتعد محمية عروق بني معارض، ومحمية محازة الصيد في مقدمة المناطق المحمية تحت الدراسة. وهناك دراسات متعددة تمت على تلك المناطق من داخل المملكة وخارجها. ويشير د.محمد بن يسلم شبراق إلى أن الهيئة بدأت تعاونها مع الهيئة العليا للسياحة في إدراج المحميات التي بها المها العربي للاستفادة منها ليس في السياحة والاستفادة المادية، ولكن لزيادة التوعية في حماية الحياة الفطرية بالمملكة، وهذا هو الأهم. أما ما مدى نجاح لك فهذا يعتمد على ثلاثة محاور، هي: المواطن بالمحافظة على المنطقة ونظافتها، والموقع بتهيئته بما يحتاج إليه، وكذلك مشاركة السكان المحليين للاستفادة في مثل هذه البرامج، وأخيرًا المستثمرون الذين عليهم الصبر وعدم الاندفاع وراء الرزق السريع. في حين، يعلق د.عوض بن متيريك الجهني على أن الاستثمار السياحي للمحميات الطبيعية يمكن الزوار والسياح من دخول المحميات والتعرف على الكائنات الحية الموجودة بها، ومنها ما هو موجود في كثير من المحميات على مستوى العالم، ولكن بصورة منضبطة ودقيقة ومدروسة تحقق للسائح الهدف الذي ينشده، وفي الوقت نفسه لا يؤثر في هذه الكائنات وبيئاتها، وهذا يحتاج إلى الكثير من الجهد في وضع الكيفية التي يتم فيها تحقيق هذه الأهداف.
|