جهود خلاقة للمحافظة على الحياة الفطرية
توطين المها العربي في الجزيرة العربية
وضعت المملكة العربية السعودية مجموعة من البرامج لإعادة توطين المها العربي في مناطقه.
§ا لأمير بندر بن سعود: برامجنا آتت ثمارها في تحقيق غاياتها
§د.عوض الجهني: لا بد من إيجاد بيئة طبيعية آمنة للمها
§د. محمد شبراق: الجامعات المحلية أسهمت في دعم برامج الحماية للمها العربي
§د.إبراهيم عارف:المها العربي النوع الوحيد الموجود في الجزيرة العربية

ارتبط المها العربي بشكل وثيق بملامح الجزيرة العربية، حتى غدا مرتبطًا بأشعارسكانها وجزءًا لا ينفصل عن موروثهم التاريخي، ولكن هذا الحيوان الذي يختال في مشيته يؤول للانقراض بفعل الصيد الجائر وقلة الاهتمام، ما حدا بالمملكة العربية السعودية إلى وضع برامج علمية لإعادة توطينه في مناطقه بدعم من رجل البيئة الأول صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، رئيس مجلس إدارة الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، الرئيس الفخري للجمعية السعودية لعلوم الحياة، في واحدة من أنجح محاولات المحافظة على الحياة الفطرية في العالم بأسره.. مجلة «أهلاً وس هلاً» تستشرف تفاصيل هذه التجربة الناجحة للمملكة من خلال استضافة عدد من المسؤولين والمهتمين والمختصين بالشأن البيئي واستبيان حجم الجهود المبذولة في هذه السبيل.

§ المها في الجزيرة العربية
بحسب الأمير بندر بن سعود بن محمد آل سعود، أمين عام الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، فإن اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز، بالحفاظ على الحياة الفطرية وبيئاتها الطبيعية نابع من شريعتنا الغراء، وأصالتنا العربية، ونص عليه النظام الأساسي للحكم، وكرسته الخطط التنموية المتعاقبة. والجهود التي تبذلها الدولة، للحفاظ على المها العربي وإكثاره تحت الأسر ثم إعادة توطينه في بيئته الطبيعية تأتي في هذا الإطار.
والمها العربي هو أحد أبرز الأنواع العاشبة الأساسية المميزة لبيئة شبه الجزيرة العربية منذ القدم، كما يمثل أحد أكبر الثدييات الفطرية والظباء في المملكة، وكان مع غيره من أنواع الطيور والزواحف، مثل الضب، مصدرًا أساسيًا للبروتين الحيواني للمواطنين خلال الأزمنة الماضية، عندما كان إنسان شبه الجزيرة العربية يتعامل بحكمة مع الموارد الطبيعية الحية في البيئة من حوله، وهو ما يعرف اليوم بالاستخدام المستدام والمرشد، والذي أدى إلى المحافظة على هذه الأنواع في الماضي.
ولذلك كان من المهم وضع برامج علمية مدروسة لإعادته إلى بيئته الطبيعية في المملكة مرة أخرى، لأنه جزء منها، ومن الأنواع المتوطنة التي لا توجد إلا في الجزيرة العربية. واختفاء هذا الحيوان بسبب الصيد الجائر سوف يؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في التوازن بالمنطقة
§
رمز الجمال والقوة
ووفق أ.د.إبراهيم بن عبدالواحد عارف، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم الحياة وأحد أبرز المهتمين في هذا
الجانب، فإن أهمية المها العربي في بيئتنا المحلية تتجسد في كونه النوع الوحيد من المها الموجود في الجزيرة العربية ولا يوجد في البيئات الأخرى. فهو رمز لها، حيث يعد المها العربي أكثر الأنواع رشاقة، وأجملها وأقدرها على تحمل ظروف الصحراء.
وتعد مقدرته على العيش على قدر ضئيل من الغذاء وعدم الحاجة إلى الماء لفترات طويلة من أهم العوامل التي ساعدته على البقاء في بيئات جافة قليلة الأمطار والنباتات مثل صحراء النفود، والدهناء، والربع الخالي. كما أن له مقدرة على تحمل ارتفاع درجة الحرارة خلال الصيف، وأظلافه دائرية وعريضة، ما يمكنه من الحركة في الرمال.والمها العربي موروث شعبي، فهو رمز للجمال والقوة والتحدي، وكم تغنى الشعراء بجماله ورشاقته!  لذلك انصبت الجهود والعمل المتواصل على مدى السنين الماضية لإعادة توطين المها العربي في بيئته الطبيعية، وذلك من خلال اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمين بالبيئة والحياة الفطرية بشكل عام، فأنشئت الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها من أجل تكثيف الجهود الوطنية للحفاظ على ما تبقى من أحياء فطرية هددتها عوامل كثيرة مثل الصيد والاحتطاب الجائرين، فتم إنشاء محميات طبيعية لإعادة توطين المها وإكثاره وغيره من الأحياء الفطرية، وكذلك تأهيل البيئات والنظم البيئية المتدهورة في إقامة 15 محمية تشرف عليها الهيئة.وقد آتت هذه الجهود ثمارها، حيث بلغت أعداد المها أكثر من 700 في محازة الصيد، و170 عروق بني معارض، و240 في مركز أبحاث الحياة الفطرية بالطائف. وهذا إنجاز يستحق التقدير والإعجاب محليًا وإقليميًا وعالميًا. ويؤمل في اندراجها ضمن توصيات المؤتمر العالمي عن المها العربي في الجزيرة العربية، إضافة إلى الحلول والأفكار التي تسهم في إكثار أعداد المها في محميات المملكة.


§
لحيوانات المتواطنة

وفي السياق نفسه يوضح عوض بن متيريك الجهني، أستاذ علم البيئة والتنوع الإحيائي بكلية العلوم بجامعة الملك سعود، الأهمية التي يمثلها المها العربي لبيئة الجزيرة العربية في نقطتين مهمتين هما أن هذا الحيوان هو النوع الوحيد من جنس المها الموجود في الجزيرة العربية، وأنه لا يوجد في أي بيئة أخرى في منطقة انتشار جنس المها في آسيا وإفريقيا، وهذا ما يسمى بالحيوانات المتوطنة.

§ جهود حماية المها العربي

وحول ما تبذل الجهات المعنية بحماية المها العربي بالمملكة السعودية من جهود كبيرة في سبيل تحقيق أهدافها، يشير الأمير بندر بن سعود إلى ما يواجه الحياة الفطرية بشكل عام والمها العربي بشكل خاص من صيد جائر، وتدهور لبيئته الطبيعية خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي.

ولولا فضل الله، ثم الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة الهاشمية بالتعاون والتنسيق مع الجهات العالمية ذات العلاقة، ما أمكن الحفاظ على المجموعات القليلة المتبقية في حدائق الحيوان أو المجموعات الخاصة، كالتي وجدت في مزرعة الملك خالد ابن عبدالعزيز، يرحمه الله، التي تحولت إلى مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية بالثمامة بعد إنشاء الهيئة عام 1406هـ، حيث قامت الهيئة بإكثار هذه المجموعة في برنامج خاص بالمركز الوطني لأبحاث الحياة الفطرية بالطائف. وتم اتخاذ جميع إجراءات الرعاية الطبية والصحية لتخليصها من مرض السل الذي أصاب بعض أفرادها، ومن ثم إجراء الفحوصات الطبية والوراثية، حيث يتم تجديد دماء القطيع من آن لآخر لتجنب المشكلات الوراثية، حتى تم إنتاج قطيع مؤسس جيد في المركز بالطائف. ثم جرى إكثاره ونقل أعداد من الحيوانات إلى مسيجات تمهيدية لما قبل الإطلاق في بعض المناطق المحمية المناسبة لحياته ومعيشته، وذلك لمنح الحيوانات فرصة للتأقلم والتكيف مع البيئة الطبيعية، بعدها تم إطلاق الحيوانات لتعيش مستقلة معتمدة على نفسها.

وفي محمية محازة الصيد المسيجة 1410هـ، وبعد النجاح الذي تحقق واعتماد المها على نفسها وتأقلمها وتكاثرها تم التوسع واتخاذ خطوة أخرى بإطلاق المها العربي في محمية عروق بني معارض عام 1415هـ بالربع الخالي لتعيش حرة طليقة دون سياج، أو تدخل من قبل البشر. وقد تزايدت أعدادها بصورة طيبة، وتكررت عمليات إعادة الإطلاق في المحميتين عدة مرات حتى تكون أكبر قطيع من المها في شبه الجزيرة العربية.


§
مرحلتان لإطلاق المها

من جهة أخرى، يؤكد مدير عام المركز الوطني لأبحاث الحياة الفطرية وإنمائها بالطائف د.محمد بن يسلم شبراق ضرورة إيجاد حلول علمية لما يعيق برامج إعادة توطين المها في المملكة، وهناك أمور عديدة يمكن القيام بها. فمثل هذه البرامج تحتاج إلى وقت طويل ومتابعة، ويمكن أن تظهر مشكلات تتطلب التدخل لوضع حلول، لأن برنامج إعادة التوطين يتكون من ثلاث مراحل ما قبل الإطلاق، ومرحلة وسطية وهي خلال الإطلاق، والأخيرة هي بعد الإطلاق.

بالنسبة للمرحلة الأولى، فهي تشمل الدراسات المتوفرة على النوع، واختيار المنطقة وتهيئتها، والعدد الكافي المهيأ جينيًا للإطلاق، والدراسات الاجتماعية والتوعوية في مواقع الإطلاق. والمرحلة الثانية هي مرحلة العناية الصحية، والحصول على الموافقات اللازمة، وعمل برامج للمتابعة تتطور مع الوقت والتوعية. أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة ما بعد الإطلاق وتشمل المتابعة الطويلة المدى، والدراسات البيئية للنوع، وتطوير طرق الإطلاق والحماية الدائمة والمستمرة للقطيع والمواطن، كذلك إدارة القطيع عند زيادته أو نقصه، مع استمرار برامج التوعية. وهناك أمور، ومقترحات، ودراسات يمكن عملها.. فمثلًا أدت مشكلة صيد المها في عمان إلى التدخل السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وجمعه في مسيجات حتى تحل المشكلة.

§    البيئة الطبيعية الآمنة
أما أ.د.عوض بن متيريك الجهني فيعبر عن رغبته في إيجاد أفكار ومقترحات يمكن أن تساهم في برنامج إعادة توطين المها العربي وبقية الكائنات الأخرى النباتية والحيوانية، وذلك بتوفير البيئة الطبيعية الآمنة التي يستطيع أن يمارس نشاطه وتكاثره دون التعدي عليه من سهام الصيادين، أو تدمير موطنه، أو قطعه، أو الرعي الجائر.

وهناك العديد من المحميات الطبيعية التي توفر هذه الفرص للكثير من نباتات الجزيرة العربية وحيواناتها النادرة والمهددة بالانقراض, ولا زالت الحاجة إلى المزيد منها قائمة، وخصوصًا في المناطق الجبلية على امتداد سلسلة جبال مدين، والحجاز، والسروات لوجود العديد من الحيوانات التي تحتاج إلى حماية مثل النمر العربي.

§
مؤتمر عالمي ورئاسة فخرية
وفي ذات السياق، يعرض أ.د.إبراهيم بن عبدالواحد عارف دور الجهات العلمية في إنجاح برامج إعادة التوطين، وأن مساهمة الجمعية السعودية لعلوم الحياة فعالة من خلال نشاطاتها وبرامجها في دعم الجهود الرسمية للمحافظة على المها العربي، حيث تحظى الجمعية السعودية لعلوم الحياة بشرف الرئاسة الفخرية من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام, لذا فقد حرصت على أن يعقد اللقاء الثالث والعشرون الذي أقيم مؤخرًا لها تحت عنوان: «المؤتمر العالمي عن المها العربي في الجزيرة العربية» انطلاقًا من اهتمام سموه الكريم بالحياة الفطرية في المملكة، إذ شارك في المؤتمر مختصون من داخل المملكة وخارجها تحدثوا في مواضيع كثيرة ترتبط بالمها العربي منها بيئته الطبيعية وتكيفاته معها، والوراثة، وسبل المحافظة، والإدارة، وإعادة التوطين.

§    تفعيل دور المواطن لحماية المها العربي
وفيما يتعلق بدور المواطن لحماية المها العربي، يؤكد الأمير بندر بن سعود أن المحافظة على المها العربي هي مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطنين من أجل الصالح العام، وذلك لمعرفة الدور الذي يمكن أن يقوم به المواطن السعودي لدعم جهود الجهات الرسمية في هذا الشأن، والتي تعمل بحرص على تفعيله وهو قائم بالفعل بينها وبين المواطن، لأن المحافظة على المها وغيره من الأنواع الفطرية هي أولاً وأخيرًا من أجل مصلحة الوطن والمواطنين بأجيالهم الحاضرة والمقبلة إن شاء الله.
وأما د.محمد بن يسلم شبراق فيوضح الدور الفعال الذي يمكن أن يلعبه المواطن لدعم جهود الدولة من خلال الالتزام بالأنظمة في المحافظة على هذا الحيوان والحياة الفطرية بالمملكة، وأن استراتيجية الهيئة بالمرحلة الأولى في حماية المها العربي هي إعادته في ثلاث مناطق محمية، وقد تم إطلاقه في منطقتين وبقيت منطقة بالشمال، ولكن بسبب الصيد الجائر للأنواع الفطرية فقد توقف خوفًا من فقد هذا النوع.

وحول الموضوع نفسه يشير د.عوض الجهني إلى أن ضرورة وعي المواطن بأهمية المها العربي وبقية الكائنات الحية لبيئات المملكة هي ما يمكن أن يعول عليها لدعم جهود الدولة، والمؤسسات الأخرى المهتمة بالحفاظ على الحياة الفطرية، بما تجعله يتوقف عن قتل الحيوانات، أو تدمير بيئاتها، أو تلويثها، أو قطع الأشجار، والرعي الجائر للمراعي، وغير ذلك مما يهدد بقاء الكائنات الحية في بيئاتها الطبيعية.

وبالنسبة لاستثمار المحميات الطبيعية للمها العربي في المجال السياحي فيرى الأمير بندر بن سعود أن هذه الفكرة ليست بالجديدة،  فهي مطبقة في عدد من الدول الأخرى. والهيئة من جانبها تدرس إمكانية الاستفادة من بعض المناطق المحمية فيما يعرف بالاستثمار المستدام في مشروعات التنمية التي تفيد المواطن وتعود بالنفع على جهود المحافظة، وذلك من خلال استثمار عدد من المناطق المحمية في مشروعات السياحة البيئية، والسياحة الصحراوية.

وتعد محمية عروق بني معارض، ومحمية محازة الصيد في مقدمة المناطق المحمية تحت الدراسة. وهناك دراسات متعددة تمت على تلك المناطق من داخل المملكة وخارجها.

§    توثيق التعاون بين جميع الجهات
وفي هذا الرواق، يشيد أ.د.إبراهيم عارف بالتعاون القائم بين الجهات المسؤولة عن البيئة والسياحة لاستثمار محميات المها العربي، وأنه يمكن استثمار المحميات الطبيعية للمها العربي وغيره من الأحياء الفطرية في الشأن السياحي عن طريق توثيق هذا التعاون، وخصوصًا مع وزارة الزراعة، والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، والهيئة العليا للسياحة، والقطاع الخاص. وهناك دراسات في هذا الشأن لعلها تثمر وتمكن المواطنين من التمتع برؤية تنوع الأحياء الفطرية في بيئتنا المحلية، على أن يحافظ المواطن على هذا التنوع.

ويشير د.محمد بن يسلم شبراق إلى أن الهيئة بدأت تعاونها مع الهيئة العليا للسياحة في إدراج المحميات التي بها المها العربي للاستفادة منها ليس في السياحة والاستفادة المادية، ولكن لزيادة التوعية في حماية الحياة الفطرية بالمملكة، وهذا هو الأهم. أما ما مدى نجاح لك فهذا يعتمد على ثلاثة محاور، هي: المواطن بالمحافظة على المنطقة ونظافتها، والموقع بتهيئته بما يحتاج إليه، وكذلك مشاركة السكان المحليين للاستفادة في مثل هذه البرامج، وأخيرًا المستثمرون الذين عليهم الصبر وعدم الاندفاع وراء الرزق السريع.

في حين، يعلق د.عوض بن متيريك الجهني على أن الاستثمار السياحي للمحميات الطبيعية يمكن الزوار والسياح من دخول المحميات والتعرف على الكائنات الحية الموجودة بها، ومنها ما هو موجود في كثير من المحميات على مستوى العالم، ولكن بصورة منضبطة ودقيقة ومدروسة تحقق للسائح الهدف الذي ينشده، وفي الوقت نفسه لا يؤثر في هذه الكائنات وبيئاتها، وهذا يحتاج إلى الكثير من الجهد في وضع الكيفية التي يتم فيها تحقيق هذه الأهداف.