|
||||||||
متى بدأت رحلتك مع الكتاب؟ بدأت رحلتي مع الصحف منذ كنت طفلاً لا يزيد عمري على 7 سنوات، حيث كنت أساعد والدي في بيع الصحف، فكنت أقوم بتوزيع الجرائد والمجلات على معسكرات الإنجليز المنتشرة آنذاك في القاهرة، خلال فترة الاحتلال البريطاني لمصر. وبالتالي كان نشاطي متركزًا في منطقة وسط القاهرة، أي في ميدان التحرير، وجاردن سيتي، والزمالك، وكان عملي يبدأ منذ الصباح الباكر حتى المساء، ثم أعود إلى كشك التوزيع الخاص بوالدي. أحببت العلم ما الصحف التي كنت تقوم بتوزيعها خلال تلك الفترة؟ بالنسبة للصحف الأجنبية كنت أجلس على الرصيف لأبيع مجلات البرايد، التايمز، نيوز ويك، وهيرالد تريبيون. وكان يقبل عليها الكثيرون من الأجانب وبعض المثقفين المصريين. أما بالنسبة للصحف المصرية فكانت الصحف الأكثر انتشارًا هي المقطم، البلاغ، الأهرام، وصوت الأمة. ولكن الطلب كان يتركز على المجلات الأجنبية بحكم المنطقة التي كنت أعيش فيها، والتي يسكنها غالبية من الأجانب. لماذا أحببت تلك المهنة وقررت الاستمرار فيها؟ هذه المهنة جعلتني أحب العلم أكثر من المتعلمين، فلم أدخل مدرسة، ولكني حاولت تعلم القراءة والكتابة من خلال عملي في التوزيع. ومن هنا قررت الاستمرار بها، حتى جاء عام1951، وقمت أنا وصهري باستئجار كشك بإيجار شهري قدره ثلاثة جنيهات، كنت أعرض فيه الصحف والمجلات، فضلاً عن الكتب التي كان يباع الواحد منها آنذاك بقرش أو قرشين. ومن هنا بدأت التعامل مع عدد كبير من دور النشر مثل دار المعارف، ومكتبة الأنجلو المصرية، ودار الفكر العربي وغيرها، ثم فكرت في كيفية أن أكون أنا الناشر للكتاب. لم تتعلم القراءة والكتابة، وقررت أن تكون ناشرًا..كيف يحدث ذلك؟ كان عندي دائمًا رغبة منذ الطفولة وفي أثناء توزيع الصحف في نشر أعمال أراها ضرورية وتعالج قضايا وطنية مهمة، لذلك قمت بتعليم نفسي بنفسي، فمهنتنا هي مهنة قراءة ، وكان لا بد أن أتعلم لأني أتعامل مع النخبة ، ولذلك أحضرت كتب الشمرلي ، وهي كتب تعليمية ، وتعلمت منها الحروف العربية ، وعرفت اللغات الأجنبية من خلال الجرائد والمجلات التي كنت أقوم بتوزيعها ، كما استفدت من اختلاطي بالأدباء والمفكرين الذين أتعامل معهم وعرفت الكثير من المصطلحات الفلسفية . مغامرة النشر كيف كانت خطوتك الأولى في عالم النشر؟ البداية كانت ببيع الروايات التي كان يقبل عليها طلاب الجامعات بشدة ، وبالفعل عرفوني من خلاله ا. وبدأت أعقد صفقات وأنا في سن الثالثة عشرة ، واستمر العمل هكذا حتى جاء عام 1959 ونشر أول كتاب لي وكان عبارة عن مسرحيات مترجمة ترجمها لي طلاب يدرسون في معاهد اللغات ، وكان هذا الكتاب مغامرة من جانبي ، حيث اخترت الأدب المسرحي لسارتر، لأن الوجودية كانت هي الاتجاه الفكري السائد بين المثقفين في ذلك الوقت . ومن ثم هناك إمكانية للإقبال على تلك الأعمال . ولم يكن ثمن الكتاب آنذاك يتجاوز 25 قرشًا . كما دخلت مرحلة أخرى بعد ذلك هي مرحلة طباعة التراجم ، وقدمت للناس كتبًا عن بعض القادة المشهورين أمثال تشرشل ، وهتلر، وغيرهما من القادة الذين غيروا التاريخ. وكنت أبحث عن الكتب الجديدة في كل مكان من الشرق إلى الغرب.. وظللت أعمل ناشرًا وأنا لا زلت في الكشك الخاص بتوزيع الصحف. ما أسس تقييمك للكتاب حتى تحكم على احتمالات نجاحه أو فشله ؟ هذه موهبة أعطاها الله لي ، بالإضافة إلى الخبرة التي من خلالها أختار الكتب التي أشعر أنها تواكب اهتمام الناس وأقيمها من خلال قراءة للمقدمة والفهرس ومعرفة تقسيم الكتاب. وأي معرض للكتاب أستطيع خلال ساعتين أن أقيم ما بداخله من كتب ، ولي نظرة لم تخذلني أبدًا . فأنا أعمل بهذه المهنة منذ أكثر من خمسين عامًا من أيام الملك فاروق حتى الآن . ما الكتب الأكثر مبيعًا الآن ؟ المؤلفات التي تتحدث عن الشرق الأوسط بكل ما فيه من مشاكل وأحداث هي أكثر الكتب رواجًا، بالإضافة إلى الكتب الخاصة بالميتافيزيقا وعلم الأبراج والتنبؤ بالمستقبل ، وهي كتب هروبية نوعًا ما ، يساعد على رواجها الظروف الصعبة التي يمر بها العالم الآن . وعمومًا الإقبال على الكتب أصبح ضعيفًا جدًا ، فلم يعد هناك وقت مثل الماضي ، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار العالية للكتب ، وكون الشباب الآن لم يعد مثقفًا مثل الأجيال السابقة ، وتزايد منافسة وسائل الإعلام التي حدت من معدل القراءة . ولكن رغم كل ذلك أنا واثق أنهم سيعودون للكتاب مرة ثانية. المهنة الورقية من واقع خبرتك، كيف أثر الكتاب الإلكتروني على الكتاب المقروء؟ التقنية والتقدم العلمي شيء جميل، لكن الكتاب الورقي له متعة خاصة لا تتوافر في الكتاب الإلكتروني الذي ما زال محدود الانتشار حتى الآن.. ومهما تطور الكتاب الإلكتروني فالمهنة الورقية لن تنتهي حتى يوم القيامة. هل تتحيز إلى اتجاهات فكرية بعينها عندما تنشر؟ لا، فأنا حريص على التنوع، فنحن ننشر ونبيع كل أنواع الكتب في كل التخصصات والاتجاهات الفكرية، فتجد عندنا كتبًا منوعة. فمكتبتي أشبه بمائدة فكرية متنوعة. فأنا مثلاً أحب عبدالناصر جدًا، وأعده من بناة مصر، ورغم ذلك أبيع الكتب التي تهاجمه، لأن النشر عندي رسالة ولا بد أن أعرض كل الآراء. من أقرب أصدقائك من الكتاب؟ كلهم أصدقائي من مصر وكل الدول العربية، ولكن أنيس منصور هو أعز صديق وأقربهم لي، ووقف إلى جانبي في أكثر من أزمة، ولا أنسى له مواقفه معي أبدًا. من الكاتب الذي اقتنعت بموهبته ونشرت أعماله قبل أن يسمع عنه أحد؟ هم كثيرون جدًا، أبرزهم جمال الغيطاني، عماد يوسف، وآخرهم علاء الأسواني. والحمد لله كان عندي إحساس تجاههم لم يكذب أبدًا. ما رأيك في مثقفي الجيل الحالي؟ المثقف هو المثقف في كل زمان ومكان، وهو الحماية والدرع للوطن وضميره الحي، فالمثقف صفاته واحدة في كل الأجيال. كنز ثقافي هل تتفق مع القول بأن الناشر تاجر قبل أن يكون صاحب رسالة؟ بالطبع لا، فالمال يأتي في المرتبة الثانية عندي، فأنا أول ناشر يقيم معرضًا في فلسطين، وفي الوقت الذي تأزمت فيه الأمور في العراق خلال حربها مع إيران، وكانت الحالة الاقتصادية سيئة جدًا، أقمت معرضًا للكتاب وبأسعار خاصة جدًا، لأني أعرف أن الشعب العراقي شعب قارئ محب للثقافة، بل ومنتج لها. لماذا حرصت على تعليم أولادك مهنة النشر رغم مصاعبها؟ هذه مهنتي التي ورثتها عن أبي وأورثها لأولادي، وأقول لهم دائمًا إني سأترك لهم بعد وفاتي كنزًا كبيرًا على الرفوف. والحمد لله هم أحبوا تلك المهنة رغم مصاعبها، فهي تحتاج إلى صبر أيوب، وعمر نوح، ومال قارون. |
||||||||
|
||||||||