من أهم الاكتشافات على الصعيدين العلمي والتاريخي
الساركوسيكس السعودي هل هو حقيقة؟
سلالة
من الديناصورات عاشت في شبه الجزيرة العربية خلال الأحقاب الزمنية الغابرة.

جدة: ياسر رشيد


§ البرنامج الاستكشافي المعد نفذ في منطقة تقع شمال غرب المملكة العربية السعودية
§ الأحافير بجميع أنواعها تمثل البقايا الحيوانية والنباتية المتحجرة من العصور السالفة
§ البدء في إقامة متحف متخصص بالأحافير الفقارية ليكون نواة للمتحف الجيولوجي السعودي
§ تحظى أراضي المملكة العربية السعودية بعمق تاريخي منذ بداية الخليقة

تحظى شبه الجزيرة العربية عمومًا، وأراضي المملكة العربية السعودية خصوصًا، بعمق تاريخي منذ بداية الخليقة، وذلك بتميزها بتكوينات جيولوجية مختلفة تحكي تعاقب البيئات الجيولوجية للقشرة الأرضية على مر العصور، وتسرد قصصًا من الحياة القديمة بما تحتويه من آثار وبقايا فريدة لها.

في أثناء قيام إحدى فرق الاستكشاف الجيولوجية لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية المختصة بإجراء أعمال المسح الجيولوجي على الصخور الرسوبية المحاذية للسهل الساحلي للبحر الأحمر للمنطقة الشمالية الغربية من المملكة العربية السعودية، قام الفريق باكتشاف طبقة من الحجر الرملي وتحديدها، ويتراوح سمكها من متر إلى متر ونصف، تميل في اتجاه الشرق بزاوية تبلغ حوالي 70 درجة، احتوت على أحافير عرف بأنها لأجزاء وبقايا من عظام وأسنان متحجرة لكائنات من فصيلة الفقاريات القديمة (العظميات) مختلطة مع بقايا أشجار ونباتات قديمة، ولم تعرف بداية ما هذه الكائنات.

وحيث إن الأحافير بأنواعها كافة  تمثل البقايا الحيوانية والنباتية المتحجرة من العصور السالفة التي تبين أنواع النباتات والحيوانات التي عاشت على وجه الأرض منذ ملايين السنين ودفنت دفنًا سريعًا، ما أحال بينها وبين الكائنات الدقيقة التي تعيش في الهواء المسؤولة عن تحللها فحفظت بين ثنايا الصخور الرسوبية من خلال إضافات معدنية من المياه الجوفية المشبعة بالمعادن.

وترجع أهمية الأحافير إلى أنها يمكن من خلالها تحديد العمر الجيولوجي للطبقات الرسوبية، ومعرفة البيئة الجيولوجية والجغرافية القديمة لمنطقة الترسيب، ما يستدل معه على الطبقات المحتوية على الخامات الاقتصادية من البترول والمياه والمعادن النفيسة، إضافة إلى مواد البناء والزينة، وبجانب ذلك فإن معرفتنا بهذه الأحافير وكينونتها نرى كيف بدأ الخلق كما أمرنا عز وجل في القرآن الكريم: }وقل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق{ سورة العنكبوت آية «20».

هنا بدأت القصة

بعد هذا الاكتشاف نشأت فكرة التركيز على القيام بالبحث والاستكشاف عن بقايا هذه الأحافير الدالة على العصور القديمة للتعرف على طبيعتها وأعمارها، حيث أظهرت تلك الدراسة الحقلية الأولية أنها قد تكون عظامًا لديناصورات.

ولأهمية هذا الاكتشاف تولت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية وضع برنامج استكشافي متكامل لإجراء دراسة دقيقة على هذه الأحافير المكتشفة لاسيما للبقايا العظمية منها، وتم التخاطب مع عدد من الجهات العلمية المتخصصة في هذا النوع من الأحافير الفقارية والاستعانة بهم في فك طلاسم وجود هذه البقايا المكتشفة في هذه المنطقة، حيث أبدى بعض هؤلاء العلماء تأكيداتهم أن هذه الأحافير العظمية المكتشفة هي فعلًا لبقايا من هياكل عظمية لديناصورات، ما يفتح الباب على مصراعيه على حقيقة غائبة وهي أن الديناصورات قد عاشت في الجزيرة العربية خلال العصر الطباشيري (الكريتاوي) أي منذ حوالي 70 مليون سنة.

الاستكشاف

خلال عام 2004 تم البدء في تنفيذ البرنامج الاستكشافي المعد لإجراء دراسات تفصيلية عن وجود الأحافير الفقارية لهذه الكائنات الضخمة والكائنات الأصغر منها المصاحبة لها من حقب الحياة المتوسطة في منطقة تقع شمال غرب المملكة العربية السعودية، وبدأ العمل باستكشاف المنطقة تفصيليًا والتعرف على جيولوجيتها، واستلزم العمل الاستكشافي تقسيم فريق العمل إلى مجموعات للتجول وجمع كل ما يؤدي إلى توضيح الصورة من عينات لتتبع الطبقة المحتوية على أحافير العظام وأفضل مناطق المنكشف السطحي، والسبيل إلى ذلك كان بالعثور على الفضلات الإخراجية المتحجرة Coprolite للحيوانات التي عاشت في تلك الفترة وبقايا كسر دروع السلاحف القديمة Turtle shell التي وجدت منتشرة بكثرة في سطح هذه الطبقة التي تحتوي على أحافير العظام, بالإضافة إلى جمع عينات الأحافير الصغيرة وأجزاء العظام المكسورة وفقرات مختلفة من هذه العظام وعدد من العظام الأخرى لسلاحف، وأسماك، وسحالي، وتماسيح، والتي من خلالها تم تحديد الطبقة التي تحتوي على الأحافير الفقارية والمواقع المميزة التي سيتم الشروع بالعمل فيها، بالإضافة إلى جمع كل البيانات التي تتعلق بصخور المنطقة، نظرًا للصعوبة التي اعترضت فريق العمل لعدم توفر بيانات سابقة عن المنطقة، وذلك لندرة الدراسات التي تناولتها.

ومن خلال هذا العمل الاستكشافي تم تقسيم الموقع ورفعه مساحيًا وتحديد اتجاه المدفن واتجاه كل عينة به، كما حددت أبعاد الموقع الأول لطبقة الأحافير المكتشفة بطول 12 مترًا باتجاه شرق- غرب وبعرض 6 أمتار في اتجاه الشمال. وقسم الموقع بوساطة شبكة مربعات بواقع 50 سم x 50 سم, والهبوط إلى طبقة الأحافير العليا لتسجيل وضع كل أحفورة في الفراغ بقياس مضربها بالنسبة للشمال الجغرافي ورفع أكثر من 100 عينة في الجزء الأول من العمل مع ترقيمها بالأرقام الحقلية المناسبة.

واستمرت عمليات الاستكشاف التي بشرت بالمزيد من العينات الكبيرة التي قد تثبت  حقيقة أصول هذه العظام والتي وصل عددها بنهاية الموسم الاستكشافي إلى أكثر من 300 عينة، تم رفعها مساحيًا وتحديد موقعها حتى تتضح الصورة جيدًا لتحديد وضع العظام بالنسبة لبعضها بعضًا لعمل تصور لوضع ترسيب هذه العظام المكتشفة.

وتوالت الرحلات الاستكشافية المكثفة للبحث عن مواقع جديدة حاوية هذه العظام، وبتوفيق من الله تم تحديد مزيد من المواقع الحاملة لمثل هذه العظام وأحافير أخرى مصاحبة لها, حيث تم استخراج أكثر من (200) أحفورة إضافية، وتم وضع التعريف الأولي لها، ثم حفظها داخل الأغلفة الخاصة بها، وذلك بعد ترقيمها حسب المعايير المتبعة في جمع العينات، وتم عمل الكتالوج الحقلي لها.

وتم في النهاية تصنيف العينات الصغيرة والدقيقة وفرزها، والتي من خلالها يمكن التعرف على الأزمنة التي عاشت فيها، حيث تم حفظها في الأغلفة المخصصة لها. أما العينات الكبيرة فقد غلفت بحافظات جبسية (جاكت) في الموقع للتأكد من عدم تعرضها للكسر أو التفتت في مرحلة النقل.

وبعد إنهاء الدراسة الحقلية نقلت العينات إلى مختبر الأحافير بمقر هيئة المساحة الجيولوجية السعودية بمدينة جدة، حيث قسمت العينات تبعًا للوضع التصنيفي لها، وفصلت كل مجموعة على حدة، ثم بدأت عملية تجهيز العينات وتحضيرها لدراستها معمليًا (مختبريًا) وتجهيز تلك النتائج لإضافتها إلى قاعدة البيانات الخاصة بها.

الحقيقة

أضافت العينات المجمعة المزيد من المعلومات عن طبيعة الكائنات التي عاشت في هذه المنطقة وأعمارها التي قدرت بحوالي 75 مليون سنة، كما دلت بعض العينات المكتشفة على أن لها علاقة بسلالات وأجناس من الزواحف آكلة اللحوم. وبدراسة المواصفات المبدئية لها ومضاهاتها بمثيلاتها من خلال التعاون العلمي العالمي مع جهات متخصصة في هذا المجال تبين أن هذه النوعية من المحتمل أن تصنف من سلالة الديناصورات الشبيهة بالتماسيح العملاقة (Crocodyliformes) من جنس الساركوسيكس (Sarcosuchus) التي يبلغ طولها حوالي (12 مترًا) وتشبه تلك الأحافير التي اكتشفت بالنيجر بغرب إفريقيا (1964).

ويعد هذا الاكتشاف من أهم الاكتشافات على المستوى الإقليمي على الصعيدين العلمي والتاريخي، وقد ينتج عنه تغيير جوهري في نظرية لم تثبت من قبل وهي أن سلالة من الديناصورات قد عاشت في شبه الجزيرة العربية خلال الأحقاب الزمنية الغابرة.

ولكن بناء على السياسة التي تتبعها هيئة المساحة الجيولوجية السعودية في أداء دورها في توفير المعلومات في مختلف مجالات علوم الأرض وهي ضرورة توخي الدقة في توفير المعلومة العلمية الصحيحة والراسخة، فإنها ما زالت تعد هذا التعريف تصنيفًا مبدئيًا ولا يعد جازمًا حتى يتم إجراء المزيد من الدراسات المعملية الدقيقة والتباحث مع المزيد من العلماء من مختلف الجهات العالمية المتخصصين في تصنيف السلالات والأجناس الأحفورية الشبيهة، لاسيما أن بعض العلماء من أستراليا الذين تباحثت معهم الهيئة في هذا الشأن كان لهم رأي من أن هذه العظام المكتشفة قد تكون لزواحف عملاقة عاشت خلال العصر الترياسي منذ ما يزيد على (190) مليون سنة، أي قبل فترة العصرين المعروفين بأنهما عاشت خلالهما سلالات الديناصورات المختلفة ومنها هذه السلالة وهما عصرا الطباشيري (65-140) مليون سنة والجوراسي (140-190) مليون سنة.

وبغض النظر عما تسفر عنه النتائج النهائية لتصنيف بقايا هذه الكائنات العملاقة، فإن هذه النتائج المتحققة التي توصلت إليها هيئة المساحة الجيولوجية السعودية كانت مشجعة للغاية وفتحت آفاقًا واسعة في البحث والدراسة، خصوصًا أن ما تم التوصل إليه كان في ظل ندرة المتخصصين في مجال الأحافير الفقارية في المملكة العربية السعودية والعالم العربي، ما شجع هيئة المساحة الجيولوجية بأخذ المبادرة في انخراط المختصين لديها في هذا العلم والتخصص والإلمام به، وقامت بإنشاء قسم خاص له والبدء في إقامة متحف متخصص بالأحافير الفقارية الذي سوف يكون، بمشيئة الله، النواة للمتحف الجيولوجي السعودي.