عندما تسكن الحياة داخل علبة.. وغلاف

«تهادوا تحابوا»

ابتكر الإنسان المناسبات وعدّد طرق ممارسته للفرح.

الرياض: أميرة المالكي

 اختيار الهدايا وأسلوب تقديمها مهمة ليست سهلة!
من اللطيف جدًا إضفاء جو المفاجأة لحظة استلام الهدايا
الرجال أقل جنونًا بالهدايا من النساء
مع مرور الوقت ابتعدت الهدية عن مضمون سد الحاجة إلى اكسسوارات

 

تعتنقك الحيرة كلما أردت أن تزين حياتك بابتسامة أحدهم، وتتعدد خياراتك كلما عقدت العزم على تلوين سماء آخرين بلون الرضا. تستوقفك المحبة وتسألك بخجل كيف ستجعلني أسكن أفئدة من تريد؟ يجيبك  قولٌ نبوي عميق: «تهادوا تحابوا».. فيمنحك وصفة سحرية  تدرك بعدها أن الهدايا بُراق الألفة.. نمتطيه لنعرج إلى القلوب، ونفتح نوافذ اللقاء. الهدايا شرفات مشرعة لتأكيد المحبة وتوثيق العلاقات، الهدايا هي نقطة البداية.. للوصول إلى نهاية  الهجر والخلاف.

 

للهدايا نواميس ولتقديمها طقوس

ما إن نجد الوسيلة لإضفاء السعادة إلى قائمة أمنياتنا الحياتية، حتى نعود لدائرة الحيرة مجددًا، تُرى ما الهدية الملائمة؟ وعلى ماذا يعتمد انتقاؤنا لها؟ وما الوقت المناسب لتقديمها؟ وكيف نجعلها شيئًا جميلًا يفرح به الآخرون؟

الإنسان مولع بالمفاجآت، محب للفتات الرقيقة التي تأتي دون استجداء، والتي لا يخالطها تكلف ولا مباهاة. وله مشاعر تدغدغها الكلمة الطيبة، وإحساس يستفزه العطاء، لذلك فإن اختيار الهدايا وأسلوب تقديمها مهمة ليست بالهينة وهي فن يتقنه بعض الناس ويجهله الكثيرون.

فعند اختيار الهدية يجب مراعاة جوانب تخص المهدى إليه «عمره، جنسه، ثقافته، هواياته» ومراعاة المناسبة والوقت الملائم شيء لا يقل أهمية عما سبق. وعلى هذا الأساس ستنحصر الخيارات، وتتضح الرؤية.

ومن المفترض الاهتمام بشكل الهدية، أي غلافها الخارجي، فيجب أن يكون جذابًا، لأن إهمال تزيين الهدية سيجعلنا نخسر حماس المهدى إليه واهتمامه، ولربما فقدنا فرحته بها. إذن نغلفها بحرص، ونرفق معها بطاقة لطيفة يحبذ كتابتها بخط اليد، وبكلمات خاصة غير منقولة، لضمان الخصوصية والتفرد. وأن يكون ذلك بأسلوب لطيف وبشكل ودود، والكتابة لا تغني عن التهنئة الكلامية طبعًا بحسب المناسبة «نجاح أو عيد ميلاد أو زواج» ودعوة صادقة بدوام الفرح، ولا مانع من بعض الإطراء للمعني بالهدية وإظهار الرغبة في أن ينال ما قُدم له رضاه.

يجب أن تكون الهدية مناسبة جدًا للمستوى المادي والثقافي للمهدى إليه، حتى يكون لها أثرها الجميل، فلا تنتقص من قدر صاحبها إن كانت بخيسة الثمن ولا تعنيه، ومن جهة أخرى لا ترهقه بسعرها المرتفع فيشق عليه الأمر عند التفكير في رد الجميل ومجاملة من أهداه، ويصبح الأمر وكأنه دين ثقيل مُنهك.

وبالمقابل فعلى مُستقبل الهدية واجب التعامل بذكاء، وإضفاء جو التقدير والاهتمام، والحرص على استقبال الهدايا بابتسامة تدل على الامتنان والسعادة بهذه البادرة، والحرص على النظر إلى عينيه وشكره بعمق يستحق الموقف، لأن الهدف الرئيس من هذه الهدية هو التواصل، وبناء الجسور، وتقوية العلاقات.

ومن اللطيف جدًا إضفاء جو المفاجأة غير المرتقبة، وفتح الهدية أمام مقدمها، والإطراء عليها، وعدم إهمالها، والتحدث بغير مبالغة عن جمالها، وإيضاح أهميتها بارتدائها إن كانت خاتمًا مثلاً، أو ترتيبها سريعًا في آنية ووضعها في مكان واضح إن كانت أزهارًا، أو وضعها في مكان يلائمها إن كانت كتابًا أو تحفة فنية. المهم في الأمر عدم وضعها جانبًا وكأنها لم تنل رغبة من قُدمت له وإعجابه.

توجد مناسبة.. إذن هناك هدية

ابتكر الإنسان المناسبات، وعدّد طرق ممارسته للفرح، ففي كل مجتمع نرى مناسبات تخصه، وأيامًا محددة للاحتفال، فأنشأ أسطولاً كبيرًا من المناسبات منها الرسمية والعالمية، والمناسبات الوطنية، والأيام المعنوية لإحياء ذكرى سعيدة, وربما لمساندة قضية ما، أو ظاهرة أو الاحتفاء بمهنة وتقدير أصحابها مثل اليوم الوطني، ويوم الأم، ويوم العمال، وأيام عدة ليتحقق الهدف من مكافأة فئات تستحق.

طبعًا لابد أن ترافق هذه المناسبات هدايا متنوعة، ليكون لها نكهة الاستمتاع، وليبقى مذاقها عالقًا بالذاكرة مع مرور الزمن.

وكان للهدايا تاريخ أصيل، رغم اختلاف هيئتها من جيل إلى جيل. فعندما كان اهتمام البشر بمحاربة الموت جوعًا كانت الهدايا والعطايا تأتي على هيئة أطعمة وحبوب منتقاة بعناية، وكانوا يفرحون بتقديمها وتدل على الاحتفاء والتقدير. ولبساطتهم كانوا يختارونها مما يعدّونه كنوزًا من خيرات أراضيهم ومن العزيز عليهم من قطعانهم الوفيرة.

ثم تطور الأمر مع مرور الوقت وابتعدت الهدية عن مضمون سد الحاجة إلى اكسسوارات يزين بها الفرد احتياجاته شبه المتكاملة، وتنوعت من تحف، ولوحات، إلى عطور وكماليات، ووصلت إلى حد مرتفع من الأناقة المعنوية كالزهور والطيور. ولربما توقفت الخيارات عند كلمة حنونة تكتب بطريقة جميلة على بطاقة جذابة.

وكم هي رائعة تلك الهدية التي ترافق مناسبة ما، وأروع منها تلك الهدية التي لا ترافق أي مناسبة، والأجمل من كل ذلك الهدية التي تذكرنا بمناسبة كنا قد نسيناها!

هدايا بنكهات متنوعة

الرجال أقل جنونًا بالهدايا من النساء، وهن غالبًا الكفة الأرجح في الاهتمام بالهدايا وهن الأكثر عشقًا لها، ونكاد نجزم أنهن الأعظم حيلة لصنع المناسبات، وخلق الأوقات المليئة بالمفاجآت.

تقول جواهر إبراهيم: أكبر هدية حصلت عليها هي تذكرة سفر بصحبة زوجي وكانت في الاحتفال بذكرى زواجنا، أحببت مفاجأته لي وحصوله على أيام خاصة بنا رغم انشغالاته، وكانت هديتي له متواضعة بالمقابل لما قدمه لي.. فقطعت وعدًا بأن أتفوق عليه بهدية أجمل في يوم عيد ميلاده.

وتخبرنا وفاء محمد عن أجمل ما قدم لها فتقول: كان «بوكيه» الورد الكبير الذي استقبلني به إخوتي عند الدخول للبيت بعد خروجي من المستشفى، وهذا شيء مميز أشعرني بحبهم واهتمامهم

وبشقاوة الصغار يخبئ طلال لعبته الإلكترونية التي حصل عليها هدية من أخيه الأكبر.

أما د.طارق علي فما زالت بطاقة الشكر التي قدمها أحد مرضاه الهدية الأجمل في مجال مهنته الإنسانية.

والسيدة أم خالد تتحدث عن عودة ابنها من خارج الوطن، وكيف كانت مفاجأة سارة رتب لها زوجها وعدّتها أروع هدية حصلت عليها، خصوصًا أن موعد عودته رافق نهار عيد الفطر المبارك. كل ذلك.. نكهات مختلفة لمذاق الهدية.. وطرائق عدة تؤدي إلى بوابة الفرح.

هدية مغلفة

خذوا دقائق من أوقاتكم..للتفكير فيمن حولكم.. أشعلوا شموع الوصل بينكم.. بزهور الحب تهادوا، وبأريج الود تقاربوا.. وبأجمل الحروف تعانقوا.. فلا خير في حياة يهجرها الفرح.