|
||||||
نفاثات في الحلبات الفـورمـولا واحـد... عالم سحري موازناته ببلايين الدولارات وأرقام عائداته فلكية. بيروت: وديع عقل عالم الفورمولا واحد، عبارة تختصر هذا الحقل الرياضي التجاري الصناعي المثير، حيث الموازنات ببلايين الدولارات، السوق العملاقة للمنافسة المحتدمة، وساحة اختبار تحسينات وابتكارات تقنية تدخل لاحقًا في تصنيع السيارات العادية وأجهزة الاتصال. تبقى الفورمولا واحد قبلة الأنظار، ويتسع نطاقها بعد دخول حلبات وجولات جديدة إلى برنامج بطولتها في السنوات المقبلة مثل الهند وسنغافورة، حيث يتوقع أن يقام سباق ليلي، وأبو ظبي بدءًا من موسم 2009، لتصبح الحلبة العربية الثانية بعد البحرين التي تحتضن في السنة المقبلة نسخة خامسة. وهي قد استضافت الجولة الافتتاحية في 2006، ما ساهم في تحقيق عائدات بقيمة 394 مليون دولار شملت الحركة الاقتصادية بكاملها إلى عائدات استثمارية غير مباشرة، وترويج إعلامي وإعلاني. 57 عامًا من التطوير سيارات الفورمولا واحد «طائرات نفاثة على الحلبات»، شهدت سباقاتها، خلال 57 عامًا، تطورًا مذهلًا على المستويات كلها, وبينما كانت سيارات الأمس تشبه صندوقًا معدنيًا يتحرّك بعجلات، أضحت اليوم رسمًا فنيًا غنيًا بالجمال والانسيابية. إنها قمة هرم سباقات السيارات، ومن هنا تأتي أهمية السرعة والقوة والأمن والسلامة. ولتحقيق هذه الغاية، طوّر المهندسون والمصممون مواد التصنيع. فبعد الحديد والألمنيوم، اعتمدت مواد خفيفة ومتينة من الكربون لتصنّع منها قاعدة السيارة والهيكل الخارجي، كما طوّرت مواد ألمنيوم يصنّع منها المحرّك ليصبح أقل وزنًا وأكثر قوة وأداء وتحملًا للحرارة. لقد خفّ وزن السيارة ليصبح في حدود 600 كيلو غرام، أما السرعة فيمكن أن تتعدى 360 كيلو مترًا في الساعة على الخطوط الطويلة. وأصبح انطلاق السيارة وتسارعها من الثبات إلى 200 كلم/س في غضون 5 ثوان فقط، وهو ما يشبه سرعة الطائرات الحربية. وطُور المحرّك ليصل إلى سرعة دوران خيالية مقدارها 20 ألف دورة في الدقيقة، مولّدًا قوة حصانية لا تقل عن 700 حصان، أي نحو 10 أضعاف السيارة العادية. واستعان المصممون بالأجهزة الإلكترونية والحاسوب في بناء هيكل متين يوفر الأمان والسلامة للسائق، ويتسم بالانسيابية العالية، بحيث يكون أقل احتكاكًا بالهواء، ويخضع لأدق التفاصيل الإيروديناميكية. واقتربت قاعدة السيارة من الأرض لتصبح على ارتفاع 10 سنتيمترات فقط، ما يضمن توازنها وضعف احتمال انقلابها، كما يلعب الجناحان الأمامي والخلفي دورًا كبيرًا في التشبث بالأرض. وللمحافظة على أرواح السائقين أصبح مقعد السائق و«قمرة» القيادة مصممين بحيث يلائمان جسمه، كما قوّي هذا الجزء من السيارة كيلا ينكسر عند حصول حادث. وطوّرت، أيضًا، بوساطة التقنية الحديثة الأجهزة والتقنيات المساعدة للسائق بحيث يمكنه زيادة أدائها ومراقبة أجزائها، خصوصًا المحرّك، والتواصل مع الفريق طوال السباق، وذلك من طريق نظام «تلمتري». وتلعب الإطارات، أيضًا، دورًا مهمًا في سرعة السيارة وأدائها، لذا طوّرت بدورها لتتلاءم مع المناخ إن كان صحوًا أو ماطرًا، حارًا أو باردًا، ومع أرضية الحلبة. ويرتدي السائق ثيابًا تحميه من الحريق لمدة لا تقل عن 3 دقائق، فضلًا عن خوذة غير قابلة للكسر وعازلة للحرارة. وقديمًا كانت الحلبات تخترق الحقول والمدن، وكانت الجماهير تصطف على الأطراف. وباتت اليوم مغلقة، وأكثر عرضًا، وأقل طولًا، وكثيرة المنعطفات، وعصرية التجهيزات والمرافق، وتتضمن مدرجات للمتفرجين وحظائر للسيارات، ومركزًا طبيًا، وبرجًا للمراقبة، ومطاعم وأسواقًا، ومهبطًا للمروحيات، ومجهزة بكاميرات تصوير في الزوايا والمنعطفات بحيث يمكن مراقبة أحداث السباق من بُعد. وأصبحت الفرق تملك المرافق اللازمة ومصانعها الخاصة لصناعة السيارة والمحرّك، ولتحسين أدائها، والقيام باختباراتها طوال الموسم. توقيت دقيق.. ومراقبة لصيقة وقد يتساءل متابعو سباقات الفورمولا واحد عن كيفية احتساب الوقت لكل سيارة على انفراد في أثناء خوضها السباق، أو في أثناء دخولها الحظيرة، أو المسافة الفاصلة بينها وبين سيارة أخرى، أو عدد من السيارات متقدمة كانت أم متأخرة عنها. كما يتساءلون: كيف يمكن للمهندسين الميكانيكيين والتقنيين مراقبة كل ما يحدث داخل السيارة على رغم سرعتها العالية عند المرور من أمامهم؟! ونجد خلف هذا العمل الدقيق والمهم شركة سيمنس الألمانية التي تواكب السباقات على مدار الموسم، والتي خلفت نظيرتها تاغ هوير السويسرية منذ موسم 2004. وللحدّ من احتمالات الخطأ، تستخدم سيمنس نظامي توقيت مستقلين ومختلفين لضبط الوقت في السباق. ويتكون النظام الأساسي للتوقيت من نظامين منفصلين (الرئيس والمزدوج). ويعمل كل نظام على حدة، هذا النظام يتألف من 18 مجسًا للاستشعار، تُوزع حول الحلبة في ثلاث مناطق محددة لضبط الوقت والسرعة بدقة متناهية. ويمكن للمشاهد ومن دون الاستماع إلى المعلق الرياضي أن يتابع السباق في حينه بالتفصيل بفضل المعلومات التي تُعرض على الشاشة من توقيت، وترتيب، وفروق الأزمنة، ولولا وجود التوقيت في السباق لاستحال علينا متابعة الوقائع وفهمها. وتستخدم الفرق جهازًا تلمتريًا بإشراف المهندسين التقنيين لمشاهدة كل ما يحدث داخل السيارة ومعرفته في أثناء السباق أو التجارب، وبات هذا النظام جزءًا لا يتجزأ من هذا النوع من السباقات. باختصار، إن نظام التلمتري هو بث معلومات تسجّل بوساطة أجهزة تحسس منتشرة في أجزاء من السيارة من طريق موجات الراديو. يحتوي هيكل سيارة فورمولا واحد على نحو 50 جهازًا للتحسس موزعة بطريقة محكمة، وذلك لقياس السرعة، وتزايد السرعة والجهد الميكانيكي. وبجمع هذه البيانات يمكن معرفة الأداء الديناميكي للسيارة. هكذا، أصبح بإمكان المهندسين متابعة ما يحصل داخل السيارة وخارجها بدقة كبيرة في كل متر من السباق, كما يمكن للمهندسين بوساطة هذا النظام المقارنة بين قيادة سائقي الفريق الواحد، وذلك بمعرفة ما إذا كان السائق داس على الفرامل بسرعة، أو على دواسة الوقود بقوة. إذًا لم يعد للسائق مجال أن ينكر أو يخبئ شيئًا قام به وإلقاء اللوم على السيارة. عنصر حيوي ارتبطت علاقة شركات الإطارات بالفورمولا واحد منذ انطلاق هذه الرياضة موسم 1950، ولا تزال هذه العلاقة متواصلة حتى يومنا هذا. وخلال 57 موسمًا تناوبت ما لا يقل عن 9 شركات عالمية على تزويد الفرق بالإطارات، سعيًا إلى حصد الألقاب والترويج للشركة لزيادة المبيعات، وبالتالي كسب ثقة أكبر عدد من المستهلكين وانتشار الشركة عالميًا. ووصل التنافس في بعض المواسم إلى ذروته بوجود ست شركات في الوقت ذاته. لكن الإطارات وحدها لا تكفي لتحقيق الألقاب، بل ينبغي أن تتوافر معها سيارة جيدة وسائق جيد، وبمرور الزمن تقلّص عدد الشركات ولم تبق في الأعوام الستة الأخيرة سوى شركتين هما بريدجستون، وميشلان. وكان لشركة غوديير للإطارات نصيب الأسد من البطولات، فحصدت 25 بطولة في 35 موسمًا، ثم تأتي بعدها شركة دنلوب التي حققت 9 بطولات على مدار 14 موسمًا. وهيمنت بريدجستون في شكل واضح على البطولات في وجود شركة ميشلان التي تداركت الموقف في موسمي 2005 و2006 فتمكنت مع فريق رينو من حصد اللقبين الأخيرين، ثم أعلنت نهاية الموسم الماضي مغادرتها النهائية للفورمولا واحد، بعد 13 عامًا مليئة بالإنجازات، تاركة الساحة لبريدجستون التي ستحتكر البطولات للسنوات المقبلة في غياب أي منافس. ولن يعطي اقتصار الإطارات على شركة واحدة في موسم 2007 أفضلية لأي فريق، إذ إن الإطارات بالمواصفات ذاتها متوافرة للفرق وعلى مدار السباقات كلها، ليجعل الفورمولا واحد أكثر عدلًا وأمانًا وأقل كلفة. كما يضمن تفادي بعض المشاكل كتلك التي حصلت في أميركا خلال موسم 2005، عندما انسحبت الفرق التي تتزود بإطارات ميشلان في السباق الرئيس بعدما اتضح أن الإطارات ليست آمنة رجوعًا إلى الحادث الذي تعرض له رالف شوماخر، وفي ضوء انفجار أحد إطارات سيارته وارتطامه بالجدار. كبح جماح ستدخل تعديلات عدة على المنافسات بدءًا من موسم 2008، وبدأ الاتحاد الدولي العمل عليها منذ مطلع عام 2005، وجاء هذا التحرك في ضوء مأزق التكاليف المرتفعة والتفاوت الشاسع في ميزانيات الفرق، إذ إن معظم الفرق الصغيرة لا تتجاوز موازنتها في الموسم الواحد أكثر من 100 مليون دولار، في حين أن الفرق الكبيرة مستعدة لإنفاق أكثر من 300 مليون، ما يقلل من قدرة الصغار على منافسة الفرق الكبيرة والمنحصرة عمومًا بثلاث شركات أو أربع شركات، لذا يجد الاتحاد الدولي في التعديلات التي أخذت مجراها منذ الموسم الماضي دورًا أساسًا في تخفيض الكلفة وزيادة المنافسة، فمثلاً خفضت سعة المحركات إلى 8 أسطوانات (2.4 ليتر) عوضًا عن عشر أسطوانات (3 ليترات)، ومنع استخدام بعض التقنيات ذات التكلفة العالية. أما التركيز الأساسي في 2008 فسيكون من ناحية التقنية المتقدمة أولًا، إذ يُسمح لأي فريق يكتشف وسيلة تقنية جديدة من استخدامها لموسم واحد فقط، لكي يتجنّب أن تلجأ إليها الفرق الأخرى في الموسم الذي يليه، ما يرفع الكلفة مجددًا. ويتعلق التعديل الثاني بالعامل الانسيابي وهو مرتبط بالجناح الخلفي، إذ ستُجبر الفرق على استخدام جناح من قسمين، ما يسهّل عملية التجاوز بعد أن تستفيد السيارة التي في الخلف من الممر الفارغ التي تسببه تلك في المقدمة. كما سينخفض وزن السيارات من 605 كيلو غرامات إلى 550 كلغم، وبالتالي توفر الفرق 55 كلغم من المواد العالية التكلفة. وحددت قدرة دوران المحرك بـ19 ألف دورة في الدقيقة، ما يطول من عمر المحرك وبالتالي يزيد من عامل جدارة التشغيل. وتتناول التعديلات الأخرى الإطارات، وهيكل السيارات، وعلبة السرعة. وطلب ماكس موزلي، رئيس الاتحاد الدولي لرياضة السيارات «فيا»، من الفرق المشاركة في بطولة العالم الاستعداد لتغييرات كبيرة خلال السنوات القليلة المقبلة بهدف تطابق رياضة الفئة الأولى مع قوانين البيئة، مقدرًا أن التغيير الأساس سيكون مرتبطًا بالوقود، خصوصًا خلال فترة التجارب من أجل تخفيف انبعاث ثاني أكسيد الكربون الذي يتسبب في ضرر كبير للبيئة، مضيفًا أن «أحد الاقتراحات المتداولة تقصير فترة التجارب 5 دقائق في مقابل السماح للفرق باستخدام 4 إطارات إضافية». كما تطرق موزلي إلى معضلة الأموال التي يحق للفرق أن تنفقها في تطوير سياراتها، مع تأكيد الالتزام بجدول تخفيض الإنفاق والميزانيات. وقال: «ما نشعر به هو أنه يجب ألا يتجاوز عدد كادر الفريق الواحد أكثر من 200 موظف، وأن يكون الفريق قادرًا على المنافسة بقوة بميزانية لا تتجاوز 100 مليون دولار. هذا هو الهدف الذي نسعى إليه». وأردف «إنه تغيير أساسي، ما يعني أننا سنغيّر وبصورة جذرية الطريقة التي ندير فيها القوانين، والتخفيف من إنفاق الأموال على التقنية المتقدمة». وتعدّ هذه التغييرات من الأهداف الرئيسة التي وضعها موزلي أمامه ودفعته للبقاء على رأس هرم «الفيا» بعدما أعلن سابقًا أنه سيتخلّى عن منصبه في حزيران (يونيو) 2004. تفاصيل
|