|
||||||||
أكبر سوق للتمور وربما الأقدم في العالم بريدة عاصمة التمور هذه السوق قلما يوجد لها مثيل في العالم، حيث السيارات المحملة بالتمور تقف بالمئات في صفوف مرتبة في مشهد مهول. استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي
}والنخل باسقات لها طلع نضيد{ هذه الصورة الجميلة التي يصورها القرآن الكريم للنخلة وطلعها باختزال فريد ومدهش وبأقل المفردات، وكأنما هو ملف صور رقمية مضغوط بأيقونة جذابة تأخذه أنت لتفرده في خيالك وفي عالمك الافتراضي، فتتراءى لك آلاف الصور والأطياف الخلابة لشجرة النخيل.. وهذا بالضبط ما يحدث لك في عالم الواقع عندما تستحضر تلك الآية القرآنية العظيمة في ذاكرتك، وتدلف بوابة بلاد القصيم وترى الآلاف من أشجار النخيل الحقيقي بأم عينك، فيختلط بذلك عالمك الافتراضي بعالم الواقع، ليتدفق بعدًا رابعًا في مخيلتك، وتتداعى معه صور الشجرة المباركة بوهجها الأخاذ، وتنتشي روحك بعبير طلها وطلعها مع أول نسمة من صبا نجد تصبو إليك وتدغدغ وجنتيك، وتصبغ «بالجلوكوز» و«الفركتوز» لسانك وشفتيك لا تملك بعدها إلا أن تتلمظ وتبتلع رضابك. إنك في القصيم أرض الماء والصفاء والنماء والعطاء، أرض تمرغ التاريخ في كثبانها ليرتاح من عنت الأيام وأكدارها، واغتسل وتطهر من غدرانها، وتذوق تمرها، وتفيأ أشجارها وآثرها على بقاع الأرض واختارها. وتتميز كل عام بمهرجان التمور المقام فيها. وقد وصلت إليها في اليوم الرابع من سبتمبر قبيل المغرب، حيث تسنى لي تصوير مكان المهرجان والسوق الكبيرة قبل اكتظاظها بالزوار، وأخذت عدة لقطات مسائية لخيمة الفعاليات ولبعض باعة التمور، وتوجهت لخيمة الفعاليات الكبيرة وجلست في صدر مجلسهم بأحد جوانب الخيمة ، وسرعان ما قدموا لي طبقًا عامرًا بأفخر أنواع التمور، تبعه فنجان من القهوة العربية تسللت رائحة الهيل منه إلى أنفي قبل أن يصل يدي، وانتشت لنكهته خلايا دماغي قبل أن أتذوقه بلساني، وفي مجلسي معهم تساءلت: لماذا سمي التمر السكري بهذا الاسم ؟ فرد أحدهم فورًا وكأنه كان بانتظار من يسأل هذا السؤال قائلاً: إن عائلة الجمعة، وهي من العائلات المشهورة ببريدة، هي أول من أطلق مسمى السكري على تلك النوعية من التمر، كونها أول من أنبتته في مزارعها وأطلقت العائلة عليه هذا المسمى لشدة حلاوته، وخاصية تبلور دبسه داخل لحمته عند اكتمال الإتمار، وشبهه الكبير بكتل السكر. ومسميات التمر تأتي عادة على أسماء من كان لهم الأسبقية في إنباتها، كنبتة علي، على سبيل المثال، ونبوت سيف، والرشودية، ونبتة راشد وغيرها. وفي نحو الساعة الرابعة صباحًا استيقظت لصلاة الفجر بعدها غادرت الفندق متوجهًا إلى مقر المهرجان ووصلت في الساعة الخامسة صباحًا، أي قبيل شروق الشمس، لأجد السوق والساحات تعج بالباعة، والزوار يروحون ويغدون بكل حيوية ونشاط، وقد اكتظت السوق بأرطال السيارات والشاحنات المحملة بأنواع التمور تقف في صفوف منظمة في مواقف مخصصة لهذا الغرض. وما هي إلا لحظات حتى وصل موكب الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز، نائب أمير القصيم ، ليفتتح مهرجان التمور، وما إن دلف لخيمة الفعاليات حتى بادرته عدسات الصحافة والفضائيات بومضات «فلاشاتها» المتتابعة تكاد تخطف الأبصار وتنقل سموه في أرجاء الخيمة مطلعًا على ما حوته مما لذ وطاب من أنواع البلح والتمور وأنواع أخرى من الأغذية التي يكون التمر من مكوناتها الرئيسة، فضلاً عن بعض الأدوات التراثية والصناعات الحرفية، مبديًا إعجابه وملاحظاته اللطيفة التي تدل على سعة اطلاعه وثقافته، وما إن غادر الأمير موقع المهرجان حتى تجمهر الباعة والمحرجون للبدء في بيع التمور بالجملة وبالمفرق في ما تعد أكبر سوق للتمور وربما الأقدم في العالم. هذه السوق العظيمة قلما يوجد لها مثيل في العالم، حيث السيارات المحملة بالتمور تقف بالمئات في صفوف مرتبة في مشهد مهول تقف له الأنفاس. ويصل حجم مبيعات السوق إلى حوالي المليار والنصف من الريالات سنويًا وهذا ما يجعل السوق مركزًا اقتصاديًا له ثقله في المنطقة. بعدها أخذت أتجول في السوق لأتعرف عليها عن كثب، سألت شيخًا في السبعين من عمره، جلس القرفصاء تحت مظلة بجانب شاحنته الصغيرة وقد تكدست بسلال التمر عن أفضل أنواع التمور، عن رأيه فرد عليّ مبتسمًا: قد تظن أنني أعتقد أن السكري هو الأفضل فأقول لك لا، بل إن الرشودية هي الأفضل كونها ألذ طعمًا، وأقدر على تحمل الحفظ لمدد طويلة دون أن يطالها السوس، وأبناء البادية يفضلون الرشودية والمكتومية على جميع التمور. وسألني عما أفضله من تمور فأجبته على الفور إنني أفضل السكري رطبًا، والبرحي بلحًا، والرميثية كنزًا.. والرميثية نوع من أنواع حلوة حائل. ومن أشهر تمور القصيم وأبرزها السكري «الأصفر والأحمر». برحي، شقراء، خلاص، نبتة علي، رشودية، المرشدية، أم الخشب، نبتة راشد، ونانه، عسيلة، مكتومي، لاحمية، أم كبار، بريمي، حوشانة، منيفي، حلوة واسط، خضري، مطواح، قطارة، سالمية، سباكة. لم أشأ أن أترك القصيم دون زيارة أكبر مشروع نخيل على وجه الأرض. نعم إنه في بريدة التي أضحى التفرد سمة تلازمها طوال التاريخ، فهي أكبر مدن القصيم وبها أكبر سوق للإبل في العالم، وبها ما يزيد على خمسة ملايين نخلة، فحق أن يطلق عليها عاصمة التمور. ويتربع أكبر مشروع نخيل في العالم، حسب تصنيف كتاب غنيس للأرقام القياسية، على ما يربو على الألفي هكتار، أي ما يعادل 20 كيلو مترًا مربعًا، في منطقة الباطن في بريدة بعدد نخيل يتجاوز المئتي ألف نخلة. والمشروع تابع لأوقاف الشيخ صالح الراجحي، وقد تم تأهيله للدخول في سباق موسوعة غينيس العالمية للأرقام القياسية. والمزرعة تسير وفق آلية منظمة طوال السنة بمنظومة عمل زراعي مقرونًا بعمل صناعي، وتضم أكثر من 20 صنفًا من أجود أنواع التمور، ويزيد إنتاجها على أربعة آلاف طن من التمور سنويًا. ومن المفارقات العجيبة أن يتكون نهر من الماء العذب نتيجة الري لهذا العدد الهائل من النخيل يتوسط المزرعة، عمل له مجرى يشبه مجاري مشروع الري والصرف في الأحساء. |
||||||||
|
||||||||