تحول الآن من هدف ممتع إلى وسيلة استمتاع منهكة

عيدكم مبارك

نرى أشكالاً وألوانًا من الفرح مع كل نزول لسهل أو ارتقاء لهضبة .

الرياض: أهلاً وسهلاً

  • «الحوامة» أهم طقس يمارسه الأطفال في العيد
  • «إما حلاوة ولاّ جواب.. ولاّ نكسّر هادا الباب..»
  • المباهاة هاجس أفسد على الكثيرين فرحتهم بالعيد
  • وجبات خاصة للعيد تتفنن النساء في صنعها

«عطونا عيدنا

عادت عليكم

في حال زينة

جعل الفقر ما يدخل عليكم

جعلكم تعودونه

ذا الزمان وكل زمان »

ترانيم فرح، يطلقها أطفال الحي، أهزوجة ترحيب، وبداية مراسم استقبال للضيف المنتظر. هن في لباس جديد، وخضاب أحمر على الكفين، وشعر منسدل، وهم بلباس أصيل البياض عنوانه مكون من «ثوب وشماغ». كل ذلك لتبدأ «الحوامة» أهم طقس يمارسه هؤلاء الأطفال، ليثبتوا فرحتهم بقدوم العيد.

 

ولأن نساء الحي يعرفن مسبقًا أن هناك وفدًا سيمارس «الحوامة» أمام بيوتهن، فهن على أتم استعداد لهذا الفوج اللطيف، يبتعن الحلوى والحمص الأحمر «القريض»، وقطعًا من البسكويت، أو يستعضن بالنقود من ريالات ورق أو معدن، وكان هذا لا يتسنى إلا لبعض العائلات الميسورة، كل ذاك لأنهن سيواجهن بوصلة غنائية نهايتها تقول: «إحنا نطول وإلا نقصر؟!» ومن اختار أن يجيب الأحبة الصغار بالقبول وهي «طولوا» سيحصل على ابتسامة عريضة يتبعها فتح للأكياس «وهي عبارة عن حقائب من قماش» كل صغير يحمل واحدة منها، ويأمل في ذلك اليوم أن تسكنها الحلوى والهدايا بما يعرف بـ«العيدية».

أما إن اختار أهل الدار الخيار الثاني, وهو «قصروا»، فالويل لهم من سخرية محبي العيدية سيهجونهم بقول غاضب «في عشاكم صاع ذبان» ويمضون باتجاه بيت آخر.

يشرق الصغار والكبار صباحًا مع تكبيرات المساجد وأصوات المهنئين، بعد الصلاة والاستماع للخطبة، يتوجه الجميع لإتمام الفرح خارج أسوار منازلهم يلتقون على موائد عامرة بالمودة، وبكل ما تجود به البيوت السعودية من أصناف يعشقها أهلها، وتتقنها نسوة يمزجن الطعام بالحب، لتتنافس الرائحة الزكية والمذاق الطيب بالقلوب النقية. وتتناغم الخيرات بالوجوه المستبشرة. فيحلّ العيد وقتها بكامل أناقته وجماله. يجيد أهله المتعة بيوم نهاره تهنئات وتبريكات، وليله سمر على أنغام العرضة وترانيم الرقصات الشعبية، ويتخلله زيارات تنعش العلاقات الاجتماعية وتعيد لها الحياة، فالكل يبحث عن الكل، ليقول له «عيدكم مبارك». هكذا كان العيد في نجد البهية، ولأن بلادنا مجموعة عادات وتقاليد تتفاوت، لكنها لا تختلف. نرى أشكالاً وألوانًا من الفرح مع كل نزول لسهل أو ارتقاء لهضبة.

وإن تحدثنا عن الحجاز فسنجد ما يُعرف بـ«الشاهينيّة».. وهي تجمّع الأطفال من الأولاد والبنات من الحارة نفسها.. ولغرض العيدية يمضون قارعين الأبواب في مسيرة مشتركة، ويصيحون كجوقة واحدة: «سيدي شاهين يا شربيت خرقة مرقة يا هل البيت، إما حلاوة ولاّ جواب.. ولاّ نكسّر هادا الباب..» تُعطيهم حينها صاحبة المنزل «صُررًا» بها حلوى اللوز المُغطاة بالسُكر.. والمسماة: حلاوة لوزيّة مع بعض الزبيب والحلاوة الحلقوم!.. أما إذا انصرفت عنهم و«لم تبالِ بهم».. ابتعدوا عدة أمتار عن باب المنزل «إمعانًا في المُباغتة بالهجوم».. ليُشيرون إلى المنزل، ويصرخون بصوت واحد: «كبريتة يا كبريتة.. ست البيت عفريتة!!».

ومن أجمل مظاهر العيد الحجازية أن بعد صلاة المشهد في الحرم تكون البيوت متأهبة، وقد سبق إعدادها من قبل السيدات فأمعن في نظافتها، وحرصن على أن تفوح منها رائحة البخور والمحبة سواء. ويدخل الرجال «للتعييد» ولا يحتاجون إلى طرق الأبواب، لأن باب «المجلس»، أو «القاع» الرئيس مفتوح.. وعلى الطاولة بالمنتصف دلة القهوة العربي، وبجانبها كميّة من «الكاكاو» البلدي وزجاجة عطر، يبقون لتناول القهوة، وأخذ نصيبهم من الحلوى والعطر، ثم يغادرون لبيوت أخرى تنتظرهم.

وللعيد في عسير جنوب المملكة رونقه الخاص، تتجسّد من خلاله العادات الاجتماعية الجميلة، حيث كانت الأسر تجتمع عند كبير الحي، يعايدون بعضهم بعضًا، ويتناولون وجبة الفطور الدسمة والمعدة عادة من البر الممزوج مع اللبن أو الحليب، والسمن البلدي الحار والعسل البلدي، بالإضافة إلى التمر. وقد يصاحب ذلك القرصان ولحم الحنيذ، أو وجبة المبثوثة. والناس كانوا فيما مضى يضعون الأطعمة في الشارع الرئيس حتى يأكل كل مار وعابر سبيل منها.

ويتميز العيد في جنوب المملكة بوجبات خاصة أهمها «الثريد»، أو الحيسية التي يعمل بداخلها أقراص الذرة أو الدخن مع الحليب المحلى بالسكر أو العسل والسمن، ويفرك معًا في إناء فخاري يسمى الحيسية، ومن الأطعمة، أيضًا، الحنيذ، وعادة ما تصنعه المرأة يوم العيد، وقد تعمل وجبة أخرى تسمى المفتوت بالمرق واللحم مع البر أو الذرة أو الدخن، وبعض الأسر تعمل الأرز مسلوقًا بالحليب والسكر أو العسل، وبعضهم يعمل «المرسة» المعدة من دقيق البر أو من الذرة الطرية الخضراء، وتغمر بالعسل البلدي والسمن والموز، ويوضع بجانبها السمك المجفف المالح. وهناك وجبة أخرى وهي المغش المعمول من اللحم الموضوع في الميفي أو التنور، ويؤكل مع أقراص الدخن أو البر. وهذه الوجبات الشعبية كانت تعد وتوضع في منزل كبير العائلة أو في أفنية المنازل، وبعد صلاة المشهد «العيد» يجتمع الأهل والجيران على سفرة يعدها أحد رجال القرية، وتقدّم هذه الوجبات، ثم يعايدون الجيران.

ومن اهتمام النساء بالعيد أنهن يحرصن على الحناء، حيث يقمن بوضعه من يوم 28 رمضان، كما يضعن الطيب، والفل، والكادي، والرياحين. ويكون هناك تنافس في فنون النقش، وأشكال الحناء، وألوانها ونقوشها. وتستخدم المسحوق والمكعس «زينة من أوراق الريحان»، وترتدي الثوب، والمنديل الأصفر. وكان الرجال يتعطرون بالجاوي، وكان رجال القرى يقضون الليل في الأمسيات والسمرات والرقصات الشعبية مثل الزحفة والخطوة، ويجتمع رجال القرى للإنشاد والاحتفال بليالي العيد. وكان الأطفال يمارسون الألعاب الشعبية كسباق الإبل.

وقد تتجمع الأسر في الجنوب في أثناء العيد إما في منازلها على شكل اجتماع أسري أو خارج المنزل في نزهة برية صحراوية أو جبلية أو سهلية أو ساحلية. وتجتمع الأسر، عادة، عند كبير الجماعة أو شيخ القبيلة يتبادلون الشعر قبل أن يتناولوا الطعام.

 

عيد بأي حال عدت يا عيد

بما مضى أم لأمـر فيك تجديد

رددنا هذا البيت كثيرًا، عندما بدأنا نغادر الماضي بكل يسره، وبساطته، وأفراحه الغامرة، لنلتقي الحاضر، ورفاهيته وكلفته الباهظة. كل شيء أصبح أقل بريقًا، وأكثر جهدًا، ضاعت ابتسامة الوجوه مع شدة البحث عن كل غريب ولافت للنظر، والانغماس في بهرجة اليوم دون إشعال ضوء سعادة به. لا شك أن المباهاة هاجس أفسد على الكثيرين فرحتهم بهذا اليوم.

تحولت أعيادنا الآن من هدف ممتع إلى وسيلة استمتاع منهكة. وامتدت من حارة صغيرة، يعرف أهلها بعضهم بعضًا إلى مدينة كبيرة تمتزج فيها العادات، وقد يختفي الكثير منها، ولا يبقى منها سوى لبس جديد ليس له نكهة خالصة تميزه عن أي لبس آخر، فنحن نلبس جديدًا كل يوم. ولربما لم يبق من روح العيد إلا لقاء قصير على مائدة أعدها أشخاص مهنتهم أن يقدّموا لنا الطعام، ومهنتنا أن ننهيه سريعًا، لنغادر بحثًا عن المتعة التي هي السمة الأساسية لهذا اليوم. لذا ابتكرنا زيارة الأماكن المخصصة لفعاليات العيد، والتي تبذل المؤسسات جهدها فيها، ليظهر العيد جميلًا بحاضره، معتدًا بتراثه.

فهنا مهرجان للفنون الشعبية يتضمن اجتماعًا لشعراء «القلطة والعرضة» وعروضًا للرقصات المتنوعة، وهناك مدن ترفيهية تعجّ بالعروض المسرحية للأطفال والمسابقات، يعلو بها ضجيج الألعاب الإلكترونية، والألعاب النارية التي تستحوذ على إعجاب فئة كبيرة، يسارعون لاقتناء المسموح منها والحرص على حضور العروض الخاصة بها.

وتنقضي ليالي العيد وأيامه، ولا ينقضي الشوق إليها، ولن ينتهي ترقب الهلال والغزل بإطلالته من بين الغيوم.. فهو إعلان اللقاء.

ويا ليلة العيد..

يا ليلة العيد آنستنا

وجددت الأمل فينا

هلالك هل لعنينا

فرحنا بيه وغنينا