الخيال تحول إلى حقيقة

صيد السّمك في قلب الصحراء

سمك البلطي نجم البحيرة.. وسكان الرياض يحتفلون بهواية جديدة

الرياض: محمد الطريري


§       صورة نهري دجلة والنيل تنتقل إلى الرياض
§       أوزان بعض الأسماك تتجاوز 9 كيلو جرامات
§       البحيرة تلغي امتياز الصيد الخاص بجدة والدمام
§       مشهد الصنارة أصبح مألوفًا لسكان الرياض

لا يتردد الكثيرون للوهلة الأولى في اعتبار خبر إمكانية صيد الأسماك في مدينة الرياض نوعًا من الطرفة ، غير أن الخيال تحول إلى حقيقة عندما لم يعد الصيد امتيازًا خاصًا بالساحل الشرقي أو الغربي، وذلك في البحيرة التي تبلغ مساحتها 33 ألف متر مربع في متنزه سلام.

تستمر الدهشة عند رؤية الأسماك التي يتم اصطيادها في البحيرة، والتي تتجاوز أوزانها في بعض الأحيان 9 كيلو جرامات، الأمر الذي انعكس على الأعداد الغفيرة من ممارسي هواية الصيد في البحيرة العذبة ، التي تحتوي بشكل رئيس على «سمك البلطي»، وأنواع أخرى من الأسماك الملونة ، وبمجرد الوقوف على جسر البحيرة تقفز إلى الذهن صور الجسور المقامة على نهري دجلة والنيل.

وبعد أن كان مشهد الصنارة غير مألوف لسكان العاصمة الذين يتجاوز عددهم 4 ملايين نسمة، تحوّل بفعل البحيرة إلى منظر روتيني، يدفع الكثيرين من الهواة إلى التردد على متنزه سلام لغرض الصيد فقط، بعد أن يدفعوا 25 ريالًا، تمثل قيمة الرسوم الرمزية، وشاملة لأدوات الصيد، على الرغم من مساحة المتنزه الشاسعة، والتي تتيح خيارات ترويحية كثيرة.

تدخل البحيرة ضمن نطاق متنزه سلام الذي تبلغ مساحته 312 ألف متر مربع، وتم حفرها بأعماق مختلفة لا تتجاوز أعلى نقطة فيها خمسة أمتار، وتقدر كمية المياه التي تستوعبها بـ140 ألف متر مكعب، وجهزت أرضيتها بطبقات من الطين المرصوف، وطبقات أخرى من المواد العازلة لحفظ الماء.

ووضعت عدة احتياطات وتجهيزات تضمن حركة المياه في البحيرة بشكل دائم، وتحول دون نمو الحشرات والبعوض والطحالب، ويدخل ضمن هذه الاحتياطات توافر نوافير مياه مضاءة ليلًا، ومضخات لتوليد تيارات مائية دائمة، فضلًا عن زراعة النباتات التي تحدّ من انتشار الطحالب. كما قسمت البحيرة إلى منطقتين: إحداهما يتاح فيها ركوب القوارب، والأخرى تمثل تكوينًا طبيعيًا، حتى يستقطب مع المسطحات الخضراء في المتنزه الطيور المحلية والمهاجرة.

ولم يستوعب إلياس آدم، موظف في شركة، إمكانية صيد السمك في الرياض، إذ ارتسمت على وجهه علامات الدهشة لدى سماعه الخبر، حيث يقيم في الرياض منذ 24 سنة، ولم يخطر بباله أن فكّر بممارسة هذه الهواية في المدينة التي تشتهر ببيئتها الجافة، والتي يوجد فيها كل ما يتعلق بالبيئات الصحراوية، دون أن يكون لصيد الأسماك مكان فيها بطبيعة الحال.

ويشاركه زميله «عبدالله أبا الخيل» في الدهشة والفرح بالفرصة التي تتيحها البحيرة لممارسة هواية الصيد، دون الاضطرار إلى قطع 400 كيلو متر إلى الساحل الشرقي، وهو البيئة البحرية الأقرب لسكان الرياض. بينما تصل المسافة الفاصلة بينهم وبين الساحل الغربي إلى أكثر من 1000 كيلو متر، الأمر الذي كان يجعل من مجرد التفكير، سابقًا، بصيد السمك في الرياض نوعًا من العبث، قبل أن يتحول إلى واقع متكامل مع بحيرة متنزه سلام.

ويتقاطر محبو الصيد على البحيرة قبل مغيب الشمس بثلاث ساعات، وعلى الرغم من الزحام الذي يسببه اجتماعهم على الجسر المخصص لذلك، إلا أن الصمت سيد المكان، والنظرات متوجهة إلى الصنارات، والأمل متعلق بسمكة يزيد وزنها على 7 كيلو جرامات، ولكن هل يبتسم الحظ أم لا؟ الإجابة مرهونة باقتراب المغيب، والذي يعلن معه النتائج النهائية لعمليات الصيد، حيث «تُكرم الصنارة أو تهان».

وفي الوقت الذي تتوافر فيه كل مستلزمات الصيد في المتنزه، إلا أن بعض الصيادين يأتون بها معهم، حيث لا يوجد لديهم هدف في المتنزه غير الصيد. وهنا يشير عبدالله أحمد إلى بداية معرفته بخبر الصيد في البحيرة، فقد جلس ثلاث ساعات بانتظار قدوم الضيف السمكي عبر الصنارة، وفوجئ بصيده الثمين الذي يزن قرابة الكيلو ونصف الكيلو، لتنطلق بعدها رحلته مع الصنارة بشكل مستمر، وليس في الدمام أو جدة، بل في الرياض.

يذكر أحد الحراس الموجودين في منطقة البحيرة حادثة طريفة، عندما قام ربّ أسرة بصيد سمكة وفوجئ بحجمها الكبير، فتركها وهرب بعائلته، إذ لم يتوقع أن تحتوي البحيرة إلا على أسماك صغيرة. كما يذكر موقفًا لإحدى السيدات، والتي فوجئت أيضًا، عندما لم تتمكن من رفع الصنارة، نظرًا لحجم السمكة الكبير، قبل أن يساعدها الصيادون الآخرون.

وبالإمكان رؤية الأسماك بأحجامها وألوانها المختلفة، وهي في الماء في بعض مواقع البحيرة، حيث يقوم الأطفال والفتيات برمي قطع الأكل، لينطلق بعدها ماراثون سمكي يفترس كل ما يُرمى إليه.

ويشير فيصل الجبالي، مسؤول تنفيذي في متنزه سلام، إلى أن فكرة صيد السمك انطلقت من دافع إيجاد عنصر يثير الزائر للمتنزه، سيما أن السمك في بداية افتتاح المتنزه كان قليلًا، وصغيرًا جدًا، ولم يكن يوحي بأي نوع من أنواع الاستثمار، والتي كان في مقدمتها توفير بيئة لصيد الأسماك فيما بعد. غير أن التكاثر السريع لسمك البلطي، وإن كان مترافقًا مع نمو بطيء لهذا النوع من الأسماك، أثمر في النهاية عن فكرة فتح باب الصيد، والتخلص من الأعداد الزائدة من الأسماك في البحيرة، وفي الوقت نفسه الاستثمار في عنصر جاذب، وربما مفاجئ للكثيرين، إذ بالإمكان التعاقد مع أي مؤسسة لإزالة كميات السمك الزائدة، إلا أن هاجس توفير أفكار ترفيهية لزوار المتنزه كان هو المهم.

وتحتوي البحيرة على جزيرتين في جزئها الجنوبي الشرقي، تمثل بيئة حاضنة للأسماك، وتوفر لها الظروف الطبيعية لعملية التكاثر، إذ تملك أسماك البلطي إمكانية كبيرة للإنتاج، بسبب قدرتها على مقاومة زيادة الكثافة وقدرتها، أيضًا، على البقاء في تراكيز منخفضة للأكسجين الذائب في الماء، كما تتغذى على طيفٍ واسع من الأغذية الطبيعية والصناعية، وتتمتع بمقاومة عالية للأمراض والطفيليات، إضافة إلى أنها أسماك جيدة للاستهلاك المباشر، ولا تحوي عظامًا ضمن الأنسجة اللحمية.

وقد أقيم المتنزه، الذي يحتوي على البحيرة، على أرض مزرعة سلام، المشهورة بجودة نخيلها، والتي كانت ملكًا خاصًا تحتوي على قصر سكني، وعدد من المباني الخدمية، ونظرًا للموقع الاستراتيجي لهذه المزرعة، ولحاجة وسط المدينة للحدائق والمناطق المفتوحة, فقد تقرر منذ وقت مبكر نزع ملكيتها، تمهيدًا لتحويلها إلى متنزه عام يخدم سكان المدينة.