|
||||||||
كي لا يكونوا مصدر قلق لنا وإزعاج لغيرنا يتوقع بعض المسافرين أن الطائرة ملكهم الخاص، وأن مهمة المضيفة لا تتعدى كونها جليسة أطفال، وهنا تبدأ رحلة المعاناة لمسافرين يبحثون عن الهدوء الذي تعكره قنابل موقوتة من إزعاج الأطفال، وتتوالى بعدها محاولات تهدئة الشغب من الوالدين، ونظرات العتب من المسافرين. في رحلة على خطوط طيران أمريكية متجهة من ولاية لأخرى أصرّت طفلة ذات ثلاثة أعوام أن تجلس في حضن أمها رغم وجود مقعد خاص بها، حسب ما تفرضه قواعد الطيران الآمن, وحاول الأبوان الشابان إقناع طفلتهما العنيدة بالجلوس في مكانها دون فائدة, إذ جابهت الطفلة محاولاتهما بالصراخ والضرب. كل ذلك على مرأى ومسمع الركاب الآخرين الذين لم تَرُق لهم هذه المسرحية غير الهزلية. وبما أن غالبيتهم قد ارتبطوا بمواعيد، ولن يتسامحوا مع تأخير أكثر، فقد أمر طاقم الطائرة الأبوين بالنزول من الطائرة قبل إقلاعها والتوجه إلى المكتب الخاص بشركة الطيران لاسترداد ما دفعوه ثمنًا لثلاث تذاكر! في رحلة أخرى، أزعج طفل في الخامسة من عمره المسافرين بصراخه، بينما والدته مشغولة بمطالعة كتاب في يدها في الوقت الذي كان والده يعتذر إلى الركاب الجالسين بالقرب منه موضحًا لهم أن الولد يخاف من إقلاع الطائرة. حيث إنه أول مرة يسافر جوًا, ووعدهم بأنه سيهدأ حالما يستقر مسار الطائرة. ولكن ما إن انتهى الإقلاع وأضاءت إشارة فك الحزام حتى قفز الطفل «الخائف»، وصعد إلى ظهر مقعده ليهبط إلى حضن مسافر جالس في المقعد الذي خلفه, ثم ليتدحرج من حضنه إلى ممشى الطائرة جاذبًا حقيبة امرأة ثم هاربًا منها باتجاه كابينة الطائرة. أمسك أحد أفراد طاقم الطائرة بالطفل معيدًا إياه إلى والديه طالبًا منهما بلطف أن يسيطرا على الطفل بغية عدم إزعاج الركاب الآخرين وذلك بوضعه في المقعد الوسط بينهما, ولكنهما لم يحركا ساكنًا، بل بقي الطفل في المقعد المحاذي لممشى الطائرة, وما هي إلا دقائق حتى عاد الطفل إلى الصراخ فاستجاب الأب للضغط، وأرخى له حزام الأمان, فقام الطفل بالتلوّي والانحناء ليتمكّن من الهرب خارج مقعده ثم ليعود لمشاكسة المسافرين وإزعاج طاقم الطائرة, فما كان من الشاب الذي أمسكه أول مرة إلا أن أعاده إلى مقعده مثبتًّا إياه بحزام الأمان قائلاً له: لا تدعني أجعل هذه الطائرة تمرّ على جسد صبي! قد يرى بعض الآباء والأمهات الذين يتميزون ببرودة ولا مبالاة أنه لا مانع من أن يأخذ الطفل راحته في أثناء الطيران، بل قد يعدون أن الطائرة ملكهم الخاص, وأن المضيفة ما هي إلا جليسة أطفال, لكن الحقيقة التي تغيب عنهم أنه أمر مثير للحنق أن يخضع المسافرون لاستفزازات طفل غير منضبط, لذلك لا نتعجب إذا قرأنا تعليق أحد الركاب على أحد الخبرين أعلاه بقوله: «كثيرًا ما تحولت رحلتي على الطائرة إلى شيء أشبه بالمأساة فلا أستطيع القراءة ولا الاسترخاء بسبب صراخ طفل مصاحب لوالديه، وكم تمنيت لو أمكن إعطاؤهما «باراشوت» للنزول من الرحلة مع طفلهما», كما لا نستغرب إذا سمعنا تعليق أحد الركاب على عجز أبوين عن ضبط طفلهما, بنصحهما أن يحرصا على مشاهدة Super Nanny! قد تكون هذه الأمثلة غريبة بعض الشيء عن عالمنا العربي، حيث يتصف أكثرنا بالخجل، وعدم القدرة على التعبير عن ضيقهم بتصرفات الآخرين, لكن إذا كنا نتميز كعرب بحب الأطفال فلا يعني أننا لا نضيق ذرعًا بسلوك طفل مدلل مزعج, خصوصًا لدى سفرنا بالطائرة, وهي التي تعد مكانًا مريحًا هادئًا قدر الإمكان. تدريب الطفل على أن يكون منضبطًا اجتماعيًا لا يمكن أن يبدأ من الطائرة, بل لا بد من تعليمه الانضباط في البيت, فالحرية المنضبطة هي أفضل ما نعلّمه لأولادنا, وإذا كانت العملية التربوية تبدأ من اليوم الأول في عمر الطفل, فإن حدود حرية الحركة تبدأ مع قيامه بالزحف, ولا تنتهي مع خطوات الطفل الأولى, بل يجب متابعته الدائمة ومراقبته كي لا يؤذي نفسه، ولا يسيء لأثاث المنزل، أو ديكوراته، أو أي ممتلكات شخصية لأحد والديه أو إخوته, وعندما يتعدّى حدوده فيجب تأديبه بطريقة ملائمة لسنّه. وشخصيًا أرى أن الطفل يجب أن يرتدع باللهجة الحازمة والنظرة الصارمة, لأننا يجب أن نتذكر أن فضول الطفل يدل على ذكائه أحيانًا فلا تكون العقوبة مبالغًا بها، بحيث توقف الطفل عند محطة الفضول الأخيرة. إذًا تربية الطفل على الانضباط يجب أن تبدأ في المنزل كي لا نضطر إلى تعليم أولادنا حدود حريتهم أمام الناس, فلا شيء يؤذي الطفل، في شعوره الذي يتحوّل إلى لا شعور مستقبلاً، كما تؤذيه عملية تأديبه أمام الآخرين, ولا شيء يهز صورة الأب مثل قيامه بتربية ابنه أمام الناس، وعندما يتعلّم الطفل أن ثمة أشياء مسموحة وأشياء ممنوعة داخل المنزل, فلن يفعل شيئًا قبل أن يسألنا عن المسموح والممنوع في الحركة وغيرها لدى اصطحابه خارجه. لا يختلف الوضع في الطائرة مع الطفل عن وضعه في أي مكان آخر خارج المنزل, فينبغي أن يعلم أن ثمة حدودًا لحركته وتصرفاته أيضًا, وإنها مسؤولياتنا كآباء وأمهات أن نعتني بأطفالنا، ونطلب منهم الجلوس في مقاعدهم مع تثبيت الحزام, كما أنه يجب أن نحضر معنا ما نشغل به أطفالنا في أثناء السفر. قد يُلقي السفر مع الطفل الصغير شيئًا من الرعب في قلوب الأمهات، خصوصًا إذا كانت تجربة السفر مع الطفل تتم للمرة الأولى, وقد يشكّل عبئًا على الآباء الذين غالبًا ما يرغبون في سفر مريح خال من المنغصات، لذا لا بد من تحضير الطفل الصغير الذي لم يسبق له السفر. من المهم دائمًا التخطيط للسفر وإحضار كل ما يلزم الطفل في أثناء السفر من أدوية، وحفاضات، وملابس ضرورية، وزجاجات حليب، وأطعمة خفيفة، وألعاب يسمح باستعمالها في أثناء السفر, وذلك بغية إشغال الطفل, علمًا بأن بعض الطائرات قد تكون مجهزة بشاشة للألعاب ولا بد من مشاركة الطفل في أثناء لعبه، كي لا يشعر بالملل السريع. وفي حال كان الأطفال أكثر من واحد فيجب أن يتفق مرافقوهم على أن يلتزم كل منهم بعدد محدد من الأطفال, ولا مانع إذا كانت الرحلة سوف تمتد لساعات من السماح للطفل بالتجول, لكن تحت مراقبة الأهل, لأنه ليس من عادة طفل طبيعي أن يبقى ثابتًا في مقعده أكثر من ساعتين على الأكثر. يمكن أن نشرك الأطفال الأكبر سنًا ببعض الألعاب الأخرى كحل كلمات متقاطعة، أو سودوكو، أو ما شابه, مستعملين طاولة الطعام الملحقة, لكن لا داعي لأن نتباهى بأطفالنا أمام الآخرين بأناشيد نطلب منهم أن يلقوها أمام الركاب أو بإعادة جدول الضرب مثلاً, ليس لأن بعض المسافرين محرومون من الأطفال فقط, بل لأن بعضهم قد يكون هاربًا من «زعيق» أطفاله, ولأن بعضهم الآخر قد لا يرغب في المزيد من الاهتزازات الدماغية المصاحبة لزقزقة نشاز حتى لو كانت صادرة عن عصافير الجنة! |
||||||||
|
||||||||