اليوم الوطني:

الفاصل الأبرز في المشهد التنموي                                             

لا ينبغي التعامل بعد اليوم مع مناسبة اليوم الوطني على أنه مناسبة احتفالية فقط, يتم فيها استنفار الأقلام للكتابة عن الإنجازات التي تمت طوال العقود الماضية، أو استحضار التاريخ للاستفادة من استدلالاته في تأسيس الحاضر، وبناء المستقبل، ولا في استعراض المشهد التنموي الذي حققته أكثر من طفرة اقتصادية لتحفيز الهمم في بذل المزيد لاستكمال الخطط الموضوعة للأجيال القادمة. فالأيام الراهنة كلها للوطن والمرحلة تتطلب الالتفات إلى واقع جديد شديد التميز عناوينه تندرج تحت إضاءات كثيرة لعل أهمها: أن المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تبدو مطالبة أكثر من أي وقت مضى بحمل تبعات وطنية تتخطى الأفق المحلي إلى ما هو أبعد في المنظور الإقليمي والدولي، وهو أمر تستدعيه متطلبات الدور المنوط بالقيادة السعودية عربيًا وإسلاميًا، وما ينتج عنه من رصد للتطورات المتسارعة على أكثر من صعيد في هذا العالم المتحرك الذي يموج بالكثير من الأحداث المتسارعة. والرصد هنا لا يقتصر على ما يحدث، وإنما فتح ثغرات في جدار الاتجاهات التي تعزز من مكانة المملكة على المسرح الدولي.

فاليوم الوطني هو منصة انطلاق للوطن كله نحو مواقع جديدة أعلن عن تفاصيلها الملك عبدالله في أكثر من مناسبة عمادها النهوض بتبعات عظم المسؤولية الملقاة على كاهل هذا الوطن، قيادة، وحكومة، وشعبًا بترجمة الآمال إلى أعمال تظلل خريطة المملكة نماءً وتقدمًا، يعمُّ في إشاراته الخير كل شرائح المجتمع ويستظل في فيء ازدهاره الوطن بأكمله من أقصاه إلى أقصاه.

واليوم الوطني، أيضًا، في فكر خادم الحرمين الشريفين ليس إجازة رسمية فقط، بل هو مراجعة مرحلة مضت ودراسة ما أنجز فيها وإخضاعه لمبدأ الثوابت في التوجهات الوطنية للتأسيس عليها في تسريع خطط التنمية التي وضع أسسها الملك عبدالله، ويرعى الإشراف عليها بكثير من الدأب المتواصل للوصول إلى خواتمها الحضارية.

فلا يكفي أن يكون الاحتفاء باليوم الوطني إعلاميًا فقط، أو بمقالات تعبر عن أهمية المناسبة، أو بكتاب يتسابقون فيه بإبراز الأهمية التاريخية والوطنية لهذه المناسبة أو برامج تلفزيونية أعدت خصيصًا لهذه الاحتفالية السنوية. كل هذه التفاصيل جيدة، وهي تعبر عن معان كبيرة في مدلولاتها الوطنية، إلا أن الانتقال إلى مرتبة أعمق للزهو الوطني في هذه المناسبة أصبح مطلبًا ملحًا، والاقتراب إلى درجة الالتصاق بوجدان هذه الأمة من خلال تجييش كل قدرات المجتمع الإنساني في المملكة لتشكيل حقبة فريدة في بناء الوطن وتنميته ينسجم مع أحد العناوين البارزة التي وضعها خادم الحرمين الشريفين «لخارطة طريق» نهضوية للمملكة تقوم أطرها الأساسية على جعل الأهداف التنموية المستقبلية جزءًا من السياسات المرحلية البعيدة المدى تندرج تفاصيلها في مختلف القطاعات التعليمية، والصحية، والنقل، والمواصلات، والصناعة، والكهرباء، والمياه، والزراعة، والاقتصاد.

ولعل العنوان الأبرز في هذه المنظومة ذات الأبعاد الاستراتيجية هو ما اتسم به عهد الملك عبدالله، وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز من رؤية ذات آفاق أرحب لمستقبل واعد عماده إنشاء العديد من المدن الاقتصادية منها: مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ، ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل، ومدينة جازان الاقتصادية، ومدينة المعرفة الاقتصادية بالمدينة المنورة، إلى جانب مركز الملك عبدالله المالي بمدينة الرياض، وإعلان مطار المدينة المنورة مطارًا دوليًا، وتوسعة مطار الملك عبدالعزيز بجدة، وإنشاء مطار المدينة الاقتصادية برابغ. كما صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين على قيام الهيئة العامة للاستثمار بدراسة إقامة مدينتين اقتصاديتين متكاملتين في منطقتي تبوك والشرقية.

6 مدن اقتصادية تؤشر لبدء مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما توفره من فرص عمل للمواطنين، وبما تحققه من قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.. هذا هو عمق المشهد من مسيرة البناء والتنمية التي تستوجب الوقوف عندها إغناء معنى الاحتفال باليوم الوطني، ذلك أن ما يحدث اليوم في المملكة، هو إطلالة مميزة على مستقبل غير مسبوق في دلالاته الاقتصادية، رصيده المزيد من الازدهار والتقدم، يضاف إلى حساب الأجيال القادمة.

هذا هو اليوم الوطني الذي ينبغي أن يتمثل في وجدان الشعب السعودي الذي تصنع له قيادته مكانة مرموقة على منصة التقدم الحضاري محليًا وعالميًا.