الدرعية:

ماض اختزنته ذاكرة مدينة

شهدت المدينة العديد من الأحداث التاريخية التي غيرت مجرى الحياة في الجزيرة العربية.

 

 • الرياض: محمود زين العابدين


§       تم وضع خطة شاملة لتطوير الدرعية وتحويلها إلى مركز ثقافي وسياحي
§       حي طريف أحد أهم أحياء الدرعية
§       يرجع إنشاء المدينة إلى أكثر من 500 عام
§       يتميز النسيج العمراني لمدينة الدرعية بالتحصينات الضخمة

تتربع على ضفاف وادي حنيفة، وبالقرب من مدينة الرياض، مدينة تاريخية، يفوح من رحب فضاءاتها عبق التاريخ العريق، وتفتح أبواب قصورها وبيوتها الطينية التي آثرت أن تصمد لسنوات طويلة، لتبوح بأحداث تاريخية شهدتها تلك المدينة التي غيرت مجرى الحياة في الجزيرة العربية.. مدينة تخفق لها القلوب، وتهتز لها الأرواح، لما تختزنه ذاكرتها من أحداث، ومن أشخاص تركوا بصمات واضحة في حياة أمتهم.

 

تلك هي مدينة الدرعية التي كانت منطلق الدعوة الإصلاحية التي تعاهد على نشرها الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبدالوهاب. ولم تقتصر أهمية هذه المدينة على بعدها التاريخي والسياسي فحسب، بل في أهميتها العمرانية والمعمارية، إذ تتميز بنسيج عمراني كثيف، يحمل في طياته عبق التاريخ وأصالة الماضي العريق، جاعلاً من هذه المدينة متحفًا مفتوحًا للزائر والباحث، كي يتجول في أرجائه مستعيدًا بعض ذكريات الماضي، ومتعرفًا على حضارة صارت جزءًا مهمًا في تاريخ الجزيرة العربية.

نظرة تاريخية

يرجع إنشاء مدينة الدرعية إلى أكثر من 500 عام، وبالتحديد إلى سنة 850هـ/ 1446م، حين استقرت فيها أسرة مانع المريدي جد آل سعود، قادمة من بلدة الدرعية الواقعة بين القطيف وإبقيق. وقد أطلق على المنطقة التي قطنوها من وادي حنيفة اسم الدرعية، ويرجح أن يكون سكنها الأول في حيي غصيبة والمليبيد، وإن كان حي طريف هو الذي يضم معظم مبانيها وقصورها.

تعدّ الدرعية أشهر مدينة في نجد بوصفها عاصمة الدولة السعودية الأولى، ومنطلق الدعوة التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبدالوهاب والإمام محمد بن سعود. وقد تردد اسم الدرعية بكثرة في الوثائق العثمانية والأجنبية، كما شهدت الكثير من الأحداث التاريخية الحاسمة، فقد تعرضت إلى التخريب في أثناء هجوم قوات إبراهيم باشا، ولكن أعيدت بعض أبنيتها بعد استرداد الإمام تركي للحكم، وتُرك كثير من مبانيها كأطلال وآثار بعد انتقال العاصمة من الدرعية إلى الرياض.

الموقع

تقع مدينة الدرعية في الجنوب الشرقي لمحافظة الدرعية، ويحدها من الشرق مدينة الرياض، ومن الغرب وادي حنيفة والمناطق الجبلية، ومن الشمال طريق العمارية، ومن الجنوب حي عرقة، ويصل بينها وبين المحافظات الشمالية طريق صلبوخ الذي يفصلها عن مدينة الرياض.

وقد التصق بها النطاق العمراني الآن، فتلاشت المساحة التي كانت تفصلها عن مدينة الرياض، بعد الزحف العمراني الذي شهدته الرياض، حتى أصبحت الدرعية إحدى أحيائها، إلى أن تقرر في سنة 1412هـ أن تكون عاصمة لمحافظة الدرعية. وتتمتع باستقلال إداري ضمن إمارة منطقة الرياض.

النسيج العمراني للدرعية

يتميز النسيج العمراني لمدينة الدرعية بوجود التحصينات الضخمة، من خلال إحاطتها بسور مرتفع وبعدة أبراج، مثل برج فيصل، والبرج الدفاعي الجنوبي، إضافة إلى ضيق الشوارع، وانعدام النوافذ الخارجية، مع الاعتماد على النوافذ الصغيرة المثلثية الشكل للتهوية فقط. وهذا ناتج عن تعرضها الدائم للغزوات والهجوم.

وقد حظيت عمارة مدينة الدرعية باهتمام الكثير من الباحثين، وكتبوا عنها وعن ثراء عمارتها، ومنهم وليام فيسي الذي يقول: يتميز الطراز المعماري وأساليب البناء الفنية في طريق المدينة الرئيسة بالدرعية وقلعتها الحصينة عن بقية المدن النجدية، فما من مستوطنة أخرى معاصرة لطريف في وسط شبه الجزيرة العربية، ربما باستثناء عنيزة، ضمنت مباني بمثل روعة الطريف.

وكانت قصور طريف قوية البنيان، وترتفع حول فناء مركزي، وكان منها ما هو من طابق واحد أو طابقين. ومن هذه القصور قصر ناصر، وقصر سعد بن سعود، وقصر عمر بن سعود، وقصور سلوى، وقصر ثنيان. وكانت الجدران الخارجية للقصور سميكة، وتخلو من الملامح، وكانت مادة البناء لبنات الطين المجففة. كما استخدم الحجر لبناء الأساسيات والمداميك السفلية، ولصنع الأروقة المقنطرة في المساجد.

وتتمركز المناطق السكنية في المناطق المرتفعة في غرب الوادي وشرقه، اللذين يضمان، أيضًا، أسوار الدرعية التاريخية. وتوجد منطقة الصناعات الحرفية والمستودعات في غرب الوادي، أما الأراضي الزراعية فتتمركز في المناطق المنخفضة في بطن وادي حنيفة والشعاب الرافدة له. واستواء المنطقة الواقعة في شمال الدرعية والممتدة حتى طريق العمارية يؤهلها لاستيعاب التنمية العمرانية المستقبلية، بينما تتسم المنطقة الواقعة في غرب وادي حنيفة بالوعورة، ووجود أودية فرعية رافدة ومغذية للوادي، ما يجعلها مهيأة لإقامة مرافق ذات طابع ترفيهي، إلى جانب أنها تمثل رئة تتنفس من خلالها المدينة هواء نقيًا غير ملوث. وتتناثر المزارع والاستراحات الزراعية على جانبي الوادي الذي يخترقه طريق زراعي يمتد من جوار سد العلب شمال الدرعية إلى منطقة عرقة وحي السفارات.

الأحياء التاريخية

تتكون مدينة الدرعية القديمة من عدة أحياء تاريخية أهمها:

حي الطريف: وهو الحي الرئيس في الدرعية، وبه منزل آل سعود، ويقع فوق الجبل الجنوبي الغربي من الدرعية، وهو محاط بسور محكم، يشرف على جميع الأحياء.

حي غصيبة: وهو العاصمة الأولى للدرعية حتى عام 1100هـ/1682م.

حي البجيري: ويقع على الضفة الشرقية من وادي حنيفة، وبه مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومدرسته، وبيته.

يعد حي طريف أحد أهم أحياء مدينة الدرعية، وتكمن أهميته في احتوائه على مجموعة من المعالم والمباني الأثرية في المنطقة، والتي لا يزال معظمها محافظًا على الشكل العام لها، على الرغم مما أصابها من هدم أو تخريب. لقد شيد العديد من قصور العائلة الحاكمة ذات الطراز المعماري القوي، وذلك في أوج الدولة السعودية الأولى أي في القرن الثاني عشر الهجري   (الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر الميلادي). ويمثل المسقط الرأسي لهذه القصور شكلًا يكاد يكون مربعًا، كما احتوت على فناء مركزي في وسطها. وتنوعت تصميماتها وارتفاعاتها، وكانت من بينها قصور من طابق واحد، مثل قصر ناصر الذي تم ترميمه، وأخرى من طابقين تم تشييدهما حول فناء داخلي مثل قصر سعد، وهناك قصور مؤلفة من ثلاثة طوابق أو أربعة، مثل قصور سلوى التي كان ارتفاعها أطول من عرضها. وكما هو الحال عليه في جميع الحضارات، فإن ازدهار الدولة السعودية الأولى قد انعكس بشكل واضح على تطور فن العمارة، وذلك باستخدام الحجر والطين كمواد بناء رئيسة.

ومن أهم ما يميز النمط العمراني للدرعية، واجهات المباني التي تعطي انطباعًا بالقوة والمنعة بسبب خلو واجهاتها الخارجية من النوافذ الواسعة، والاستعاضة عنها بفتحات مثلثية الشكل، لتقوم بعملية التهوية فقط، بالإضافة إلى سماكة جدرانها الخارجية التي منحتها المزيد من الصلابة والقوة. لتقف شاهدة على دقة المعماري وتمكنه من صنعته. كما تنتشر البوابات القابلة للإغلاق عند مداخل الطرق المؤدية إلى القصور أو البيوت. وقد بنيت بعض القصور للتحصين الدفاعي مثل قصر عمر بن سعود، وهو واحد من أجمل قصور الطريف وأفضلها حالة، ويطل على وادي حنيفة، ومن بين القصور التي بنيت لهدف دفاعي قصر ثنيان بن سعود.

برنامج تطوير الدرعية

تطل بلدة الدرعية على وادي حنيفة، وتقديرًا لأهميتها التاريخية بصفتها عاصمة الدولة السعودية الأولى ومنطلق دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، ونظرًا لاحتوائها على الكثير من العناصر التراثية ذات الأهمية الوطنية، فقد صدرت الموافقة الكريمة عام 1419هـ على البرنامج المقترح لتطوير الدرعية بتكوين لجنة تنفيذية عليا لتطوير مدينة الدرعية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض، وعضوية عدد من المسؤولين من الإدارات الحكومية ذات العلاقة. وكُلفت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بإعداد برنامج متكامل، وخطة شاملة لتطوير مدينة الدرعية، والإشراف على تنفيذ هذا البرنامج بالتعاون مع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، والقطاع الخاص.

أهداف البرنامج

يهدف برنامج تطوير الدرعية الذي تقوم به الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض إلى المحافظة على النسيج العمراني للمنطقة التاريخية الأثرية، وإعادة توظيفه بما يخدم الأنشطة المختلفة، وتوفير مقومات التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بالمنطقة، وإلى تشجيع الاعتماد على الخبرات المحلية في التنمية الاقتصادية، وتشجيع استثمارات القطاع الخاص في المشاركة في التنمية العمرانية.

عودة الحياة إلى مدينة الدرعية
شرعت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في تنفيذ مشروع إعمار الدرعية التاريخية، بهدف بث الحياة في هذه المدينة، التي لها مكانتها التاريخية، وإسهامها الحضاري. وروعي أن يعكس التصميم العمراني هذا البعد المميز للمدينة، لتتحول بأكملها إلى مركز ثقافي وسياحي بإعادة توظيف مبانيها وآثارها بما يتناسب مع أهميتها السياسية والتاريخية، وبما يجعلها حاضرة في الحياة اليومية للمدينة. ويركز التصميم العمراني في إعادة الخصائص العمرانية والبيئية للدرعية، مع توفير الاحتياجات والمتطلبات المعاصرة، وإعادة تشكيل الكتل العمرانية في المدينة، وربط أجزائها.

كما قامت بإعداد برنامج التطوير الثقافي والتراثي، ويتركز حول مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وحي طريف مقر آل سعود، ويعتمد على الآتي:

• ترميم المناطق التراثية بما يحافظ على قيمتها التاريخية والأثرية.
• إدماج المناطق التراثية والأثرية في البيئة المحيطة، وعدم عزلها، وذلك بوساطة احتضانها مجموعة من الأنشطة الثقافية والترويحية.
•  إيجاد بدائل مناسبة لتأهيل المباني التقليدية للاستخدامات العصرية.
• تكوين مجموعة من المؤسسات العلمية والبحثية التي تشكّل رافدًا لتنمية جوانب ثقافية وتراثية معينة، مثل معهد العمارة الطينية، والمجمع الحرفي وغيرهما.
كما أكدت الرؤية المستقبلية للمدينة أهمية أن يكون لها نشاط اقتصادي قوي.

الخطة المرحلية لتنشيط الدرعية

تقوم الخطة المرحلية على تحويل حي الطريف إلى متحف مفتوح، تشكل معالمه ومبانيه جزءًا من العرض المتحفي، كما يتم بموجبه شغل عدد من القصور التراثية في الحي بأنشطة عرض متحفي لمواضيع ثقافية، واجتماعية متعلقة بالدرعية، أو لأنشطة تفاعلية من واقع بيئة الدرعية وتاريخها من مصنوعات، وحرف قديمة. ويتضمن ذلك تهيئة الموقع وتزويده بالمرافق، والتجهيزات اللازمة لإنجاح العرض المتحفي. وتتكون الخطة المرحلية من ثلاث مراحل متتالية، حيث تتضمن المرحلة الأولى إصلاح الطرق والممرات في الحي، وتزويدها باللوحات التعريفية والإرشادية، وتوفير المرافق الخدمية للزوار، وإعداد فريق للتوجيه واستقبال الوفود الزائرة في الموقع، في حين تستكمل بقية عناصر العرض المتحفي في الموقع في المرحلتين الثانية والثالثة.