|
||||||||
تفترش الممرات فناءه الرحب في جلة متواضعة يطل على مآقي الناظرين، يروي لهم قصة الحسب والنسب لكل لبنة صنعها الطوب في كتلته، يعرب عن امتنانه لمن حالوا دون اندثاره، ومساعٍ لم تلتزم الصمت في مسؤوليتها تجاه إرث الأجداد، لتطلق سواعد الدولة في المملكة اثني عشر متحفًا ومحمية للآثار. وشاءت الرعاية الحكيمة أن يكون قصر المصمك أحد الحصون الحضارية لجملة من تفاصيل التراث، كانت العراقة جل سماته. القديم والجديد تزدان الرياض بموروثها التاريخي والثقافي لحضارة عريقة لم تخلع عبر الأزمان عن حلة التميز، لأنها وثاق يستمسك بأمجاد الماضي، ويمتد مع الحاضر قدمًا في خطوات تطبع آثارًا خالدة مفعمة بروح التواصل والاحترام لماضيها التليد. فالمدينة، ومنذ وقت طويل، تعدت بيوتها حدود الجدار الطيني الذي كان يسورها من كل اتجاه، وامتدت عاليًا في السماء واتساعًا عبر الصحراء، لتبقى دائمًا وعلى مر العصور حلقة من سلسلة الملحمة الصحراوية في الصراع مع الآخر وتحقيق الذات. هذه المعاني، إنما هي غيض من فيض المشاعر التي تغمر الراحل إلى تلك الردهات، فتنضح أركانها بأسرار العهد الذي مضى. أي الدروب تقلدت، ستدرك غايتك إليها، وتقذفك قفزات اللهفة لعناق طويل مع الأقاصيص والحكايات، والترنم بخفقان فؤادها الدافق، كل شرايين الشوق تهب المصمك الحياة، لأنها قلب الحاضرة العتيدة، وعصب للمنطقة التجارية العتيقة، بل ومعقل للبطولات المشرفة ونقطة انطلاقة لولادة المملكة العربية السعودية في حملة مؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود لاسترجاع الأمجاد القديمة. تاريخ المصمك تعني المصمك باللغة المحلية المكان الحصين ذا الجدار المتين، بني سنة 1865. والقصر- وكان في زمانه حصنًا وقلعة تحمي أمير الرياض وجيشها- ما زال يستقطب الكثير من الاهتمام، وخصوصًا من قبل الزوار، ومنذ بنائه لم تلمسه يد الترميم سوى في الثمانينيات من القرن العشرين. ففي عام 1400 للهجرة (ما يوافق عام 1980م)، قررت أمانة مدينة الرياض إعداد دراسة من أجل ترميم القصر وإصلاحه، ثم قامت وزارة التعليم وبالتنسيق مع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، بتنفيذ المشروع، لتحويل القصر إلى متحف وطني يجسد عملية تأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة، على يد الملك عبدالعزيز. وفي عام 1995، تم افتتاح القصر رسميًا. المبنى نفسه مربع الشكل تعلوه أربعة أبراج للمراقبة في كل ركن من أركانه الأربعة، جداره الخارجي سميك مكون من طوب الطين، يقوم على أساس يتألف من الطوب الصخري الكبير، وجدر القصر العالية تحيط من الداخل بصحنه الواسع الذي يغطي مساحة تصل إلى حوالي 4500 متر مربع. أما الصحن فقد زين بشكل جذاب للغاية بمختلف أنواع الأشجار. ففي الناحية الجنوبية، مثلاً، تنتشر أشجار النخيل. بينما الجهة الشمالية من الصحن، وكذلك الغربية منها، مزروعتان أيضًا، بأشجار أخرى. في حين تميزالركن الشرقي بصحراويته ليتحول في نهايته إلى درجات تعلو رويدًا، والفناء واسع للغاية، تفترشه ممرات للمشاة في كل مكان، تحفها من الجانبين صخور مناسبة. ومساحات الفناء هذه يمكن استعمالها لإقامة المعارض والعروض المسرحية، وذلك عندما تستدعي الحاجة. كما تحتضن القلعة بين جنباتها أبنية أخرى. فعندما يلج الزائر باب القصر، يناظرعلى يسار المدخل مسجدًا تراثي العمران، يعكس طبيعة المعمار في وقتها. فهو لا يتعدى كونه صالة عادية مستطيلة تنتشر فيه أعمدة تحمل سقفه. وثمة الرفوف التي كانت توضع فيها المصاحف. ويوجد في المصمك بئر داخل أراضيه،لا زالت تعمل حتى هذا اليوم. يستخرج منها الماء بالطريقة التقليدية، عن طريق المحالة (البكرة) المركبة على فوهة البئر، ثم يسحب الماء بحبل ودلو. وأما ديوان القصر أو مجلسه، فكائن في الناحية المقابلة للمدخل.ويعد أبرز ما في القصر على الإطلاق، وهو مستطيل الشكل على عادة الغرف تلك الأيام، يمكن الاستشراف منه على فناء القصر من خلال فتحات للتهوية في جداره.كما يحتضن العديد من المعروضات التي تشهد على أصالة القصر وعراقته،أمثال الصور والخرائط وبعض الأدوات التقليدية. وثمة خارطة مفصلة للسور الحامي الذي كان يحيط بالمدينة في أوقات كانت المدن عرضة لهجمات مفاجئة، وكذلك خارطة أخرى تصف الحملات العسكرية للملك عبدالعزيز، ومجموعة من الأسلحة التي استعملها في تلك الحملات. إلى المدخل نفسه، وهو باب خشبي جميل منقش من جذع النخيل، يقع في الجهة الغربية من القلعة، طوله يزيد على ثلاثة أمتار، أما عرضه فيبلغ حوالي المترين ونصف المتر، وفي وسطه باب صغير، بل مجرد فتحة لا تسمح سوى لمرور شخص واحد تسمى «الخوخة». شهدت هذه الفتحة الصراع الأكبر عندما كانت الأحداث تنكشف بين الملك عبدالعزيز وجنود القصر. ولا تزال رأس حربة مزروعة في جوف الباب موجودة حتى الآن كشاهد على المعركة الحامية الوطيس التي ألهبت الأجواء في تلك الليلة. جدر القصر سميكة للغاية تصل إلى المتر وربع المتر. ينتشر على سطوحها فتحات صغيرة لإطلاق النار عبرها نحو الخارج. ثم إن الأبراج الأربعة، وجميعها دائرية الشكل، تبلغ من الارتفاع 18 مترًا، ما يمكن سكان القصر من إدراك خطر العدو قبل وصوله. أما البرج الخامس فيختلف قليلًا عن أقرانه بشكله المربع، ليحمل المسمى من اسمه نصيبًا، فقد كان سكان القصر يسمونه بـ«المربع». المصمك لا يختلف في ذلك عن أحد البيوت الكبيرة في تلك الأيام، يحتضن العديد من الغرف الصغيرة تنتشر حول فنائه الرحب، المسمى بصحن القصر. ثلاث مجموعات تشكل جملة تلك الغرف, مجموعة مخصصة للحاكم وعائلته، يتصل بعضها ببعض اتصالًا جيدًا. ثم الغرف الخاصة بضيوف الحاكم. أما الثالثة فتستعمل «خزانة»، تحفظ فيها الأشياء الثمينة. |
||||||||