|
||||||
المتحف الوطني في الرياض صفحات الأمس ترسم مسيرة الغد في قلب الرياض النابض يرقد المتحف الوطني على مساحة تبلغ بمجمل مبانيه 28.000 ألف متر مربع، روعي في تصميمه المعايير المطلوبة في إنشاء المتاحف العالمية، ليكون صرحًا حضاريًا على مستوى المملكة، يقدم عرضًا متحفيًا متطورًا يستخدم وسائل العرض الحديثة، ويخدم مستويات ثقافية متعددة، بدءًا بعامة الناس وطلاب المدارس، وانتهاءً بالباحثين وأساتذة الجامعات. في ردهاته، تتوزع ثماني قاعات رئيسة، تبدأ بقاعة الإنسان والكون، وقاعة الممالك العربية، وقاعة العصر الجاهلي، وكذلك قاعة البعثة النبوية، وقاعة الإسلام والجزيرة العربية، بالإضافة إلى قاعة الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية، وقاعة توحيد المملكة، وأخيرًا قاعة الحج والحرمين الشريفين. وعلى الرغم من المستوى العالمي الذي صممت به تجهيزات المتحف، إلا أن هناك «صدمة حضارية» تصيب الزائر بمجرد أن يدلف إلى القاعة الأولى، إذ تفوق تصوراته أن هذا المتحف موجود في الرياض عند رؤيته للمقتنيات الأثرية الخاصة بحضارات الممالك العربية التي تنطق بتاريخها المجيد، سيما أن الكثيرين لا يعرفون عن شبه الجزيرة العربية، إلا أنها أرض قاحلة. فيغوص الزائر للمتحف الوطني في الأعماق السحيقة لتاريخها، وصولًا للدولة السعودية الثالثة، حيث تأخذه قاعات العرض في رحلة عبر العصور، يعيش فيها التفاصيل اليومية في مدينة تيماء القديمة، ويتجول في قرية الفاو، وينبهر بالثراء الذي كان يعيشه سكان مدائن صالح، ويضطلع على تجارة التوابل والعطور واللبان بين مدن الجزيرة العربية، والمدن الأخرى المتاخمة لها. أما قاعة «الإنسان والكون» فتتحدث عن كوكب الأرض، حيث توضح المعروضات التغيرات التي تتم فيه، وتشرح وسائل العرض نظرية حركة الصفائح التكتونية التي تفسر تحرك القارات، وبشكل أكثر تفصيلًا الصفيحة العربية، وكذلك استعراض نشأة المعادن، والصخور بأنواعها، مع التبحر في الثروة المعدنية التي تحتضنها الأرض السعودية. كما تحتوي هذه القاعة على عينات لبعض الحيوانات المنقرضة التي استوطنت شبه الجزيرة العربية قديمًا، ومنها «الإكثيوسور»، وهو أحد الزواحف المائية التي انقرضت قبل نحو مئتي مليون سنة، ونماذج من فيلة «الماستودون» التي كانت تجوب شبه الجزيرة العربية منذ 15 مليون عام، إضافة إلى أدوات من العصر الحجري، والتي ترجع إلى ما قبل عشرة آلاف سنة مضت. يودعها الزائر ليستقبله موقع خصص لفجر التاريخ في الجزيرة العربية، يحوي آثارًا ضخمة من ألواح صخرية عليها نقوش لحضارات متعددة، تعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد، تذكر بالحضارات البائدة كقوم عاد وثمود. وفي قاعة «الممالك العربية»، تستعرض ثلاثة عصور من الحضارات العربية القديمة، التي سادت في شبه الجزيرة العربية، أمجادها، وهي الممالك العربية المبكرة، مثل حضارة: دلمون، ومدين، وقريّة، وتيماء، والممالك العربية المتوسطة، حيث ازدهرت مدن مثل: الحمراء، ودومة الجندل، وتيماء، وتاروت، والممالك العربية المتأخرة التي ظهرت في الأفلاج، ونجران، وعين زبيدة. أما قاعة «العصر الجاهلي»، فتمثل فترة الجاهلية من عام 400م إلى البعثة النبوية، إذ توضح أحوال القبائل العربية، والآثار، والعقائد، والحياة اليومية، والعادات والتقاليد، وأسواق العرب، وتطور الخط العربي. وأول ما يبرز فيها صور، ومنحوتات تبين الوضع الذي كان سائدًا في العصر الجاهلي، وبخاصة عبادات العرب الوثنية، وتناحر القبائل والإمبراطوريات المتحاربة. ومن أهم المعروضات في هذه القاعة «االآطام، جمع أطم» وهي الحصون التي يبنيها سكان المدينة لحماية أنفسهم وممتلكاتهم، بسبب الحروب التي كانت مستعرة بينهم. وكذلك نماذج من الآنية والأسلحة التي يعود تاريخها إلى الفترة بين القرنين الرابع والسادس الميلاديين، والتي نبغت فيها اللغة العربية وأصبحت بوتقة الثقافة العربية. بالإضافة إلى منحوتات صخرية، ومعروضات توضح حادثة الفيل، التي وقعت في عام مولد الرسول، صلى الله عليه وسلم، في عام 571م. بينما تستشرف قاعة «البعثة النبوية» الحقبة المعاصرة لميلاد النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى تاريخ هجرته إلى المدينة، وفيها لوحات مكتوبة باللغتين العربية والإنكليزية تبين نسب الرسول، صلى الله عليه وسلم، وآل بيته، وتستعرض سيرته الشريفة، من بداية نشأته في بني سعد، ثم خروجه متاجرًا بأموال خديجة مع غلامها ميسرة، وزواجه منها. كما توضح هذه القاعة عمارة قريش للكعبة بعد أن تهدمت بعض جدرانها بفعل السيول، وتحكيمه عليه الصلاة والسلام في قضية وضع الحجر الأسود في مكانه، وغيرها من القضايا إلى حين بعثته، صلى الله عليه وسلم. وبحسب «مايك توماس»، زائر أميركي من ولاية فيرجينيا، فإن عنصر المفاجأة كان حاضرًا بشكل لم يتوقعه، لقد ذهل بالحضارات التي شهدتها شبه الجزيرة العربية، مثل حضارات الممالك العربية القديمة، والمقتنيات المعروضة عن تلك العصور. وفي نهاية القاعة جسر على جداره لوحة من السيراميك المزين برسوم تجريدية تروي أبرز أحداث هجرة النبي، صلى الله عليه وسلم، منذ خروجه من مكة إلى غار ثور، ومرورًا بالساحل ومحاولة الكفار اللحاق به، وقصة سراقة بن مالك المشهورة. وكذلك مرور النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، رضي الله عنه، بخيمة أم معبد، ووصوله إلى قباء، وتأسيس مسجدها قبل أن ينتقل إلى المدينة. وبعبور هذا الجسر ينتقل الزائر إلى قاعة «الإسلام والجزيرة العربية»، التي تحتضن تفاصيل الفترة الممتدة من وصول النبي، صلى الله عليه وسلم، مهاجرًا إلى المدينة، إلى ما قبل قيام الدولة السعودية الأولى، إذ تشتمل على عهود صدر الإسلام، والخلفاء الراشدين، والدولة الأموية، والعباسية، وفترة الدويلات المستقلة، ثم العهد المملوكي والعثماني. كما تحتوي على آثار من مدينة الربذة، ونماذج من الأسلحة الإسلامية، والمسكوكات، والكتابة في العهود الإسلامية المختلفة، وكذلك معروضات عن الفنون، والعلوم، والأجهزة الطبية الدقيقة، إضافة إلى قطع أثرية، ومجسمات تبرز النواحي المعمارية في الربذة، وقصور المدينة، وميناء عثّر والمابيات، وكلها مدن مهمة في شبه الجزيرة العربية في العهد العباسي. وفيما يتعلق بقاعة «الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية»، فتجسد فترة الدولة السعودية الأولى في عهد الإمام محمد بن سعود، وتطور مدينة الدرعية، والحياة الاجتماعية فيها، حتى نهايتها على يد القوات الغازية، ثم الدولة السعودية الثانية التي نشأت على يد الإمام تركي بن عبدالله في مدينة الرياض. لتتابع القصة روايتها عبر قاعة «توحيد المملكة»، وما تحمله في جعبتها عن الدولة السعودية التي أسسها الملك عبد العزيز، رحمه الله، بداية من استرداده لمدينة الرياض عام 1319هـ، إذ تبدأ القاعة بنشاط الملك عبدالعزيز في توطين القبائل البدوية من خلال هجرة حديثة. وتحتوي القاعة على معروضات عن الحياة اليومية في الرياض، ولوحات توضح معارك توحيد المملكة. وكذلك لوحة تشير إلى الإعلان عن قيام المملكة العربية السعودية عام 1351هـ، الموافق عام 1932م، بعد أن تم للملك توحيد جميع المدن، حيث دانت له، واعترفت به ملكًا عليها. ومن جهة أخرى، تقدم القاعة عرضًا وثائقيًا لاكتشاف النفط في السعودية، وتصديره للخارج، وبعض المعدات التي استخدمت في التنقيب عن النفط في تلك الفترة. وأما ختام التجوال في المتحف فتعلنه قاعة «الحج والحرمين الشريفين»،التي تسرد تاريخ الحرمين الشريفين، ورحلة الحج عبر القرون، وأول ما تطالع به زائرها، مجسم لمكة المكرمة، والمشاعر المقدسة. كما تضم نماذج أثرية لصناعة كسوة الكعبة المشرفة، وآثارًا حجرية، ومشغولات نحاسية من عمارات المسجد الحرام القديمة، إضافة إلى أحد أبواب الكعبة الأثرية. مساحة التأمل تزداد إجلالًا أمام نقوش الألواح الصخرية التي تعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد، ولهذا لم يتردد الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، من البقاء في جنبات المتحف بعد ما أخبره أعضاء المراسم الملكية بانتهاء الوقت المخصص للزيارة . أما ولي العهد الإسباني الأمير فيليب دوبوربون، فقد كان مشدوهًا بفخامة العروض التي قدمها المتحف، ولم يكن من السهل عليه إنهاء الزيارة في الوقت المحدد لها، واصفًا الموقف كمن يأخذ الحلوى من فم طفل. وقد شهد المتحف زيارات عالية المستوى من رؤساء الدول، والوفود الرسمية، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، وأبرزها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، بالإضافة إلى الرئيس الصيني هوجين تاو، والمستشار الألماني جيرهارد شرودر، وكذلك سلطان بروناي حسن البلقية، وأخيرًا، الملكة الإسبانية صوفيا. |
||||||