أثينا مدينة الغنى الثقافي
إحدى أقدم مدن أوروبا وتتميز بعراقتها وأساطيرها الإغريقية.

§       يزيد تاريخ المدينة على 5000 سنة
§       تضم مئات الجزر وآلاف الأماكن الأثرية
§       أشهر أطباقها الفيتا
§       عام 1985 أعلنت أثينا أول عاصمة ثقافية لأوروبا

فيها تشرق الشمس ساطعة لتبسط أشعتها على معالم أثرية تجسد الجمال والقوة في آن، سحرها الآخاذ يعانق غناها الثقافي، ليشكلا معًا مدينة من أجمل وأعرق المدن الأوروبية، مدينة حضنت الفلاسفة والعظماء، وسحرت الكُتّاب والشعراء.. إنها أثينا، جوهرة نادرة تتألق تحت سماء اليونان وتجذب الملايين.

تشتهر اليونان بجمالها الجذاب وطبيعتها الهادئة. فهي تتميز بمناخ متوسط، حار وجاف صيفًا، ودافئ وممطر شتاء. لكنَّ المناخ المعتدل ليس وحده ما تعتمد عليه البلاد لاجتذاب الزوار، فهذا البلد السياحي العريق يضم الكثير من الآثار القديمة، جنبًا إلى جنب مع مظاهر الحياة العصرية. وتجذب اليونان عشرات ملايين السياح سنويًا، ممن يقصدونها، سواء لمشاهدة المعالم السياحية التي يتمثل أشهرها في الأكروبولوس والكافيتوس والأغورا، فضلاً عن الآلاف من الأماكن الأثرية القديمة الأخرى، أو لزيارة المناطق السياحية الجديدة، والتي تتمثل في مئات الجزر اليونانية التي تتوزع في بحر إيجه، وتتميز بالطبيعة الخلابة. وفي أحضان اليونان، تطل العاصمة أثينا شامخة بسحرها الآخاذ.

يزيد تاريخ المدينة عن حوالي 5000 سنة، لتُعد بذلك إحدى أقدم مدن أوروبا. وهي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي لليونان على سهل أتيكا بين نهري إليسوس وكيفيسوس، محاطة من ثلاث جهات بقمم جبال هيميتوس، وبينتيليكون، وبارنس، وتطل من الجهة الرابعة على خليج زارونيش الواصل للبحر الأبيض المتوسط. وهي عاصمة للبلاد، ويزيد عدد سكانها على ثلاثة ملايين نسمة، واللغة اليونانية هي اللغة الأم والسائدة في البلاد. وتتمتع أثينا بتاريخ طويل وعريق وغني بالأساطير الإغريقية، فهي معروفة كمسقط رأس الديمقراطية، ومهد الحضارة الغربية، كما تُعدّ، أيضًا، مسقط الألعاب الأوليمبية قديمًا وحديثًا.

تكثر في أثينا الفنادق التي توفر للزائرين الراحة والخدمة المميزة. وإذا كنت من محبي الهدوء والاسترخاء، يمكنك العثور على العديد من الفنادق التي تنأى بنفسها عن ضوضاء وسط المدينة، وتطل على الأكروبولوس. وأثينا تحفل، أيضًا، بالفنادق التي تجمع بين العصرية من جهة والقدم من جهة.

حضور عربي

يشبه طعام أثينا أطعمة شرقي البحر الأبيض المتوسط، وهو يتكون عادة من لحم الضأن المطبوخ بطرق عدة، وكذلك أنواع كثيرة من السمك والمأكولات البحرية، كلها تُقدّم على الطريقة اليونانية المميزة. ومن الأطباق الشهيرة الفيتا، وهي جبن مصنوع من لبن الأغنام أو الماعز يُحضَر على الطريقة اليونانية ومذاقه لذيذ. ويوجد في أثينا العديد من المقاهي العربية التي أخذت أسماءها من أسماء المشاهير العرب والرموز أو المدن العربية القديمة. فهناك مقاهي الأهرامات، والباشا، ورمسيس، والنيل، وليالي الحلمية، وكليوباترا، وأم كلثوم، وسواها الكثير.

يمكنك التجول في أسواق أثينا لشراء كل ما طاب لك من ملابس، وعطور، وصناعات يدوية كالمجوهرات المرصعة، والمزينة بالنقوش، والنحاس الأصفر والأحمر، وغيرها من المصنوعات والمنتجات. وتقع أكثر مناطق التسويق رواجًا في القطاع الشمالي الغربي من المدينة. وفي أثناء تجولك في شوارع أثينا، تلاحظ أنها تختلف من حيث أسمائها، ولكنها تتفق في شيئين رئيسين هما المكتبات والمقاهي، التي تنتشر على طول الطريق بشكل متناسق.

أسطورة وتاريخ

تحكي الأسطورة أنه بعد انتصار أثينا على بوسيدون، وتمجيدًا لهذا الانتصار تم بناء الأكروبولوس، وفي القرن الخامس قبل الميلاد، عرفت أثينا قمة ازدهارها كمدينة مستقلة. ويرجع ذلك إلى رؤية رجل الدولة بركليز (429- 416ق.م) واهتمامه بالتشييد الذي خلف هذا الكم من المباني الكلاسيكية العظيمة كالبارثنون، والاركثيون، وهيفستيون، ومعبد سونيون، الذي يعد رمز اليونان القديمة. ويُعد ميلاد الديمقراطية وازدهار الدراما المسرحية، وتأسيس سقراط لمبادئ الفلسفة الغربية دليلاً ماديًا على مواكبة ازدهار المدينة مع إنجازتها الفكرية.

شُيدّت أثينا حول التلال الصخرية للأكروبولوس، وكانت عاصمة دولة أتيكا الموحدة قبل عام 700 ق.م. وسكانها من الأيونيين. والمدينة عند نشأتها كانت عبارة عن بيوت من الطين والقش وشوارعها غير مرصوفة. وكانت في عصرها أصغر حجمًا من المدن القديمة، فلم تكن تتعدى مساحة قرية صغيرة، إلا أنها كانت دولة تُدار بطريقة ديمقراطية بوساطة مجلس الجماهير، وكان ينتخبه أهلها بالاقتراع، وكانت تُدار فيه المناقشات وتُتخذ القرارات بالتصويت.

اهتمت أثينا بفن المسرح وكان لها مسرحها في الهواء الطلق، وكانت مركزًا للحضارة الميسينية في العصر البرونزي الأخير. وفي عهد حاكمها بركليس صارت مدينة الفنون والثقافة، وظلت مدرسة للثقافة حتى 529 ق.م، حيث ظهرت فيها التراجيديات والكوميديات الإغريقية الشهيرة. وقد هاجمها الفرس عام 490ق.م. وانتصرت عليهم برًا في معركة ماراثون، وبحرًا في سلاميس عام 480 ق.م.

أُعلنت أثينا عام 1985 كأول عاصمة ثقافية لأوروبا، أضيف الأكروبولوس عام 1987، ومعبد دافني عام 1990 في أثينا لقائمة اليونسكو للتراث العالمي. وأُقيمت في أثينا أول ألعاب أوليمبية في العصر الحديث عام 1896، وبعدها بحوالي قرن أُجريت الألعاب الأوليمبية الصيفية لعام 2004 فيها أيضًا.

يعتمد اقتصاد المدينة على السياحة والبناء وقطاع المصارف وشركات التأمين. ومن أهم الصناعات المنسوجات، والجلود، والمواد الغذائية، والورق، والمطبوعات. وتوجد في أثينا حوالي نصف الشركات الصناعية في اليونان، وموقعها على الطرف الجنوبي الشرقي لأوروبا أكسبها أهمية تجارية مع دول الشرق اﻷوسط والشرق عمومًا. كما ساهمت اﻷلعاب اﻷوليمبية الصيفية عام 2004، التي أقيمت فيها، في تحسين البنية التحتية، وخصوصًا تلك المتعلقة بالمواصلات العامة. فقد تم افتتاح مطار دولي جديد للمدينة عام 2001، وهو مطار الفثيريوس فانزيلوس الدولي الجديد، ويرمز هذا المطار إلى عهد جديد للنقل الجوي اليوناني، ويُعد أحد أفضل مطارات العالم، وحاز المركز السادس على المستوى العالمي، والثاني بين مطارات أوروبا، ويقع على بعد 25 كيلومترًا شمال غرب العاصمة أثينا، وقد ساهم هذا المطار في زيادة تدفق السياح إلى اليونان بدرجة كبيرة.

كما تم تدشين أول خط قطارات تحت الأرض «مترو» قبل بداية اﻷلعاب مباشرة، أضف إلى ذلك افتتاح العديد من الملاعب والصالات الرياضية. ولا بد من الإشارة إلى أن أثينا هي نقطة تقاطع طريقين سريعين رئيسين، يربطان البلاد من شمالها إلى جنوبها وإلى غربها، ويقع ميناء أثينا في منطقة بيراوس جنوب المدينة.

تزخر أثينا بالعديد من المعالم الأثرية والثروة الثقافية، ومنها الأكروبولوس، الذي يُعد أشهر معالم أثينا واليونان قاطبة، بني في القرن الخامس قبل الميلاد، ويشكِّل مركز أثينا التاريخي، ويضم ملعبًا رياضيًا قديمًا بني بالرخام، ومسرحًا أثريًا. ويمكن التجول حول الحديقة الأثرية التي تحيط به، وهي الجزء المحصن من المدينة الإغريقية القديمة، حيث ولدت أثينا.

من معالم المدينة الشهيرة، أيضًا، تل الكافتيوس، ثاني أشهر مكان أثري في أثينا بعد الأكروبولوس. وتشاهد من فوقه كل أثينا ومناظر المدينة الطبيعية، ويصل ارتفاع التل إلى نحو ألف قدم. وفي المساء يظهر وكأنه شكل دائري مضيء، أما في النهار، فيظهر على أنه تل أبيض وأخضر، ويخترق تلفريك الجبل ليصل إلى قمة التل خلال دقيقتين. وثمة سلالم حول التل للوصول للقمة.

أمَّا منطقة الأغورا السياحية القديمة فتقع في وسط أثينا، ويعني اسم أغورا في اللغة العربية السوق، كان الأغورا في العصور القديمة مركز المدينة العظيم.ويعد كيراميكوس أهم مدخل في أسوار المدينة العظيمة، وهو صرح كبير تحيطه الأسوار السميكة بأربعة أبراج في الأركان، وبوابتين في الداخل، والمبنى أشبه بالمحكمة الكبيرة، ومزود بساحة مرصوفة فيها نافورة ورخام مستدير. وكانت منطقة كيراميكوس ملتقى ثلاث طرق رئيسة، الطريق الذي يؤدي إلى الأكاديمية «الجامعة»، وشارع المقابر والذي يؤدي إلى ميناء بيريوس «غرب أثينا»، والطريق إلى إليسيس.

تمتاز أثينا، أيضًا، بمبنى البرلمان أو فيريوس في واجهة ميدان سيندغما، وهو مبنى مربع كبير تتسلقه السلالم الكبيرة من جميع الجهات، بُني عام 1835 على نفقة الملك لودفيج، وهو معرض للضوء والشمس على مدى واجهتيه الشاسعتين على الشارعين العامين العريضين وسط المدينة.وقد تعرّض هذا القصر التاريخي للتدمير الداخلي عام 1910، وتم بجواره بناء قبر الجندي المجهول، وبساتين شاسعة مفتوحة للجميع طوال اليوم.

بوابة أوروبا

تعد أثينا بوابة للتجارة، ويبعد ميناء بيريوس ستة أميال من وسط أثينا، وهو موقع أسطول السفن البحرية، التي تأخذ الزوار باتجاه الجزر اليونانية كافة. ويُعد الميناء أحد الموانئ الرئيسة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وقد ازدان في الآونة الأخيرة بالحدائق المزينة بالأزهار والمقاهي الكثيرة. ويحوي الميناء، أيضًا، آثارًا متعددة ترجع للعصور القديمة متضمنة الأسوار العالية، والمتاحف، والتاريخ البحري للمدينة. كما اهتم مجلس المدينة في السنوات القليلة الماضية بتجديد الشواطئ، وإنشاء المسارح المكشوفة. ويحوي ميناء المدينة ميناء دائريًا يزدحم باليخوت الجميلة والمراكب الشراعية والمطاعم، وفي الصباح يتحول إلى قرية لصيد السمك، وازدحام الصيادين، وهم يصلحون شباكهم في منظر رائع تحت أشعة الشمس، ويستغرق الوصول إليه من وسط المدينة حوالي 20 دقيقة.

وبعد التمتع بزيارة هذه الأماكن الأثرية الرائعة، لا بد من زيارة غاليري غازون، وهو فضاء جذاب يضمّ كل أشكال الفن التي يمكن تخيلها. ومن أجل التمتع بمنظر ساحلي، يمكن التوجه إلى أغيوس موسماس، وهي جزء من الريفيرا الأثينية، والجلوس في مقهى مطل على الماء ومراقبة العالم الآخر. ولا ننسى زيارة الملعب الأولمبي الذي يتسع لثمانين ألفًا، وهو من المفاخر المعمارية للعصر الحديث في هذه المدينة، بالإضافة إلى المطاعم والمقاهي اليونانية لتتذوق المأكولات والأطباق اللذيذة التي لا تختلف كثيرًا عن أطباقنا الشرق أوسطية.

تنقلك الكلمات والأسطر إلى تلك العاصمة اليونانية الساحرة، وتكشف لك عن أسرار جمالها وعراقتها... فكم من كتب ومقالات تغنّت بأثينا وسحرها وثقافتها وثروتها الفكرية والأثرية، ولكن تذوق جمال أثينا بالعين المجردة يبقى أفضل وسيلة للتعرف إلى إحدى أجمل العواصم الأوروبية، إلى لوحة طبيعية من لوحات الخالق الرائعة، إلى كنز فكري وثقافي ثمين.