شجرة الأرز

صنعت لتاريخ لبنان عنوانًا

لقبت بالشجرة الخالدة وهي من أمتن الأنواع المنتشرة في العالم وأطولها عمرًا.

• لبنان: ربى الدرع

أعطت جبال لبنان شجرة الأرز أرضًا طيبة ومناخًا ملائمًا لحياة طويلة تمتد لآلاف السنين حتى لقبت بـ«الشجرة الخالدة»، وفي المقابل كانت الشجرة وفية للبنان فأعطته خشبًا متينًا حمل اسم البلد إلى أقطار العالم منذ القدم، فارتبط اسم لبنان والأرز ببعضهما بعضًا، حتى إذا ذكر أحدهما كان الآخر حاضرًا.

وضع لبنان الأرز على علمه وورد اسمه في النشيد الوطني، وأصبح شعار الجمهورية اللبنانية. وتعد منطقة الأرز إحدى أهم المناطق السياحية في لبنان، رغم أن فيه أكثر من بقعة ينتشر فيها شجر الأرز الذي يعد نوعه اللبناني من أمتن أنواع الأرز المنتشرة في العالم وأجودها وأكثرها شهرة وأطولها عمرًا.

وللوصول إلى منطقة الأرز، يمكن الاختيار بين طريقين: الطريق الأول ينطلق عبر الساحل من بيروت باتجاه منطقة «شكا» ثم صعودًا باتجاه بلدة «بشري» الجبلية، حيث يتفرع الطريق إلى خطين يوصلان إلى منطقة الأرز التي تبعد عن «بشري» نحو سبعة كيلو مترات. وهذا الطريق قديم ذات تعرجات ضيقة تمر عبر منطقة «قاديشا»، أما الخط الآخر، فهو طريق أكثر حداثة وتجهيزًا، يبقى سالكًا في معظم أيام السنة حتى خلال فصل الشتاء، حيث تتساقط الثلوج بغزارة، وبات مألوفًا لدى اللبنانيين، وارتبط مظهر الأرز المزين بالثلج بأذهانهم وهو أبعد وأطول نسبيًا، خصوصًا إذا كان الزائر قد انطلق من بيروت، لكنه أفضل إذا كان يزور البقاع قبلًا، وينطلق هذا الطريق من بلدة دير الأحمر «غرب مدينة بعلبك» عند السفوح الشرقية لـ«سلسلة جبال لبنان الغربية»، ويمر عبر هذه الجبال ليعطي لـ«متسلقها» مناظر جميلة وخلابة لسهل البقاع الملون بحقوله وأراضيه الزراعية الواسعة والملونة بحقول القمح الذهبية أو بساتين الأشجار المثمرة الخضراء.

وكلما اقترب الطريق من القمة ازداد الطقس برودة، وبات بالإمكان رؤية بقع الثلج التي تبقى في أشد أيام الصيف حرارة. فهذه المنطقة لا تعرف الصيف، كما يعرفه بقية سكان لبنان. فعندما تشتد الحرارة «تحت» يبقى الجو على الارتفاعات التي تفوق 3 آلاف متر فوق سطح البحر، باردًا لطيفًا وجافًا. أما في الشتاء فيبقى هذا الطريق مقطوعًا لنحو شهرين أو أكثر، ومع بلوغ قمة الطريق، ينفتح أمام الزائر مشهد رائع يمتد من غابة الأرز الخضراء وصولًا إلى محطة التزلج ووادي قاديشا ثم إلى البحر الأبيض المتوسط.

وفي الأرز تسترعي اهتمام الزائر مراكز الاستجمام التي تعمل على مدار السنة، صيفًا للزوار والمصطافين، وشتاء للزوار والمتزلجين. فهناك الفنادق والمطاعم الجاهزة لاستقبال الضيوف في أي موسم. ويلجأ إليها الهاربون من الحر والرطوبة صيفًا والراغبون في التزلج شتاء، إذ لا تبعد غابة الأرز أكثر من كيلو متر واحد عن هذا المركز الذي يرتفع نحو ألفي متر عن سطح البحر.

ويعد مركز التزلج في الأرز، أفضل المراكز اللبنانية للتزلج وأجملها على الإطلاق. فهو، إلى جانب المناظر الرائعة التي يوفرها للمتزلجين، يتميز بمدارجه المنظمة طبيعيًا وبموسم تزلج طويل يدوم نحو خمسة أشهر في السنة بين ديسمبر وأبريل، نظرًا لكثافة الثلج وبرودة الطقس.

التصنيف العلمي للأرز

أول تصنيف علمي للأرز في لبنان كان في عام 1992 عبر دراسة بيولوجية أجرتها جامعة «بوفييه» الفرنسية بالتعاون مع الإدارات اللبنانية المختصة. وقد خلصت الدراسة إلى أن الأرز ينتشر في 13 موقعًا في لبنان أبرزها أرز بشري، وأرز الباروك، وأرز أهدن، وأرز تنورين. وعدت الدراسة أن هذه المواقع تشكل مجتمعة أكبر تجمع لغابات الأرز اللبناني يختلف من منطقة لأخرى، ولو بشكل بسيط.

وأعلن مختبر كلية الزراعة في جامعة «بوفييه» نتائج التحاليل البيولوجية على جينات الأرز، وخلصت النتائج إلى تحديد أربعة أنواع بيولوجية للأرز في العالم موزعة كالآتي:

•أرز الهمالايا: لونه أزرق، ويعيش في جبال الهمالايا.

•أرز لبنان: ويحمل كل صفات الأرز ولا يوجد إلا في لبنان، ومن صفاته الأغصان الوارفة المتشعبة في العرض، والأوراق الصغيرة الحادة واللون الأخضر القاتم.

•أرز الأطلس: شكله مثلث، ويميل إلى الأخضر الفاتح، ويوجد في جبال الأطلس في المغرب، إضافة إلى بعض الأشجار في غابة أرز الباروك اللبنانية التي زرعها الفرنسيون خلال احتلالهم للبنان.

•أرز قبرص: يختلف عن كل الأصناف الأخرى، ولا خصائص معينة له، ولا يقاوم الأمراض.

ولأهمية مواصفات خشب الأرز، اتجه الفينيقيون والمصريون واليونانيون والرومانيون إلى استخدامه بكثافة، لجمال لونه، وسهولة صقله، وصلابة عوده، وعطر رائحته، وعدم فساده بالرطوبة والحرارة. ومن لبنان أخذ ملوك الدول المجاورة والبعيدة يطلبون خشب الأرز لبناء الأساطيل البحرية والهياكل والقصور.

ويتميز خشب الأرز اللبناني بأنه متين لماع بلون أحمر، وله رائحة طيبة، لكن طعمه المر يمنع عنه الحشرات، ويساهم في جعله غير قابل للفساد، وهو يتوالد بالبذور بعد أن يصبح عمره أربعين عامًا، ويعمر آلاف السنين.

ويفرز الأرز مادة حمضية تسمى «سيدريا»، وأخرى زيتية تسمى «سيدرلوم» كانت تستخدم قديمًا لدهن الأضرحة وحفظها. وقال الرحالة «غودار» أنه عثر في أحد المدافن، التي يتجاوز عمرها 500 عام، على كتب سليمة غمست في مادة «السيدرلوم»، كما كانت أوراق البردي تنجو من الفساد حين توضع معها مادة الـ«السيدريا». وقد استخدم الفراعنة القدماء صمغ الأرز في التحنيط. وفي المقابر الفرعونية عثر على نشارة الأرز، والتي كانت تستخدم للغاية نفسها.