تكافح من أجل البقاء
البطاقات البريدية
منظومة ثقافية ترصد التسلسل الحضاري في العالم.
باريس: أهلاً وسهلاً
§ يرجع تاريخ البطاقات البريدية إلى أكثر من قرن من الزمن
§ البطاقات البريدية المصورة لها أهمية تاريخية وتعطيك معلومات عن تطور المدن
§ البطاقات البريدية أكثر حرية وتلقائية من الطوابع البريدية
§ يتم إرسال نحو 1.36 مليون بطاقة معايدة إلكترونية يوميًا
مع انتشار التقنية الحديثة، الاتصالات عبر الإنترنت والرسائل من خلال الهاتف الجوال،
بدأ العديد من المراقبين يتوقعون أن تصبح البطاقات البريدية التقليدية شيئًا من الماضي، مثلها مثل العديد من طرق الاتصال السابقة.
وبحسب توقعات بعضهم، فإن وسائل الاتصالات الحديثة قد تُلغى، ليس فقط الطوابع البريدية، وإنما حتى هواية جمع الطوابع، بسبب عدم إصدارات جديدة.
ويعد تطور التقنية وتسارع وتائر الحياة اليومية وسط انشغالات الناس الدائمة، أحد العوامل الرئيسة التي قد تضع حدًا لثقافة إرسال البطاقات، ولكن هناك عوامل أخرى مثل الاهتمام بقضايا البيئة التي بدأت تتصدر الأجندة السياسية في معظم دول العالم.
ويقوم الكثير من الناس، ولأسباب بيئية بحتة هذه الأيام، بإرسال بطاقاتهم البريدية عبر البريد الإلكتروني في أغلب المناسبات. وهذه الطريقة الجديدة في التهنئة تشق طريقها بقوة.
ولا يُعرف على وجه الدقة المصدر الأول للبطاقة البريدية في العصور الحديثة، فبعض المصادر تؤكد أن أول من صمم البطاقة هو الفنان الإنجليزي « إيغلي » وذلك سنة 1842، حيث طبع منها 100 نسخة أهداها لأصدقائه، بينما ترى مصادر أخرى أن بطاقة إيغلي تعود لسنة 1849، وأن الفنان الإنجليزي «جون هورسلي» هو الذي صمم بطاقات الميلاد في سنة 1846 بتكليف من السير هنري كول.
ولكن مع ذلك فإن العديد من المصادر يُرجع تاريخ البطاقات البريدية إلى أكثر من قرن من الزمن، خصوصًا في ألمانيا التي لم تستطع أي دولة أخرى في العالم أن تنافسها في الإنتاج التجاري للبطاقات، خصوصًا المصورة منها في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
والبطاقات البريدية المصورة وبصفة خاصة من أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لها أهمية تاريخية، وتعطيك معلومات عن تطور المدن، والقرى الأوروبية، ومحطات السكك الحديدية في المدن، والمسارح، والمباني الحكومية، ومعالم المدن السياحية.
وتختلف البطاقات عن الطوابع كون الأخيرة هي إصدارات رسمية، وبهذا فإن الصور التي تقدمها تكون عادة أكثر توافقًا مع الوضع السياسي أو الثقافي وأقل إثارة للجدل. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن أول طابع بريدي يُسمى «بيني بلاك» ظهر في إنجلترا عام 1840 في عهد الملكة فيكتوريا.
التاريخ يتجسد بالبطاقات
ويعد المهاجر من أصل ألماني لويس برانغ الأب الروحي لصناعة بطاقات التحية أو المعايدة، عندما أسس شركة لهذا الغرض في مدينة بوسطن الأمريكيةعام 1856.
وبعدها بعشر سنوات تمكن برانغ من تحسين بطاقاته عبر مزجها بالألوان. وفي عام 1870 بدأ إنتاج بطاقات أعياد الميلاد التي وجدت سوقًا رائجة في إنجلترا. وفي عام 1875 تمكن من إنتاج مجموعة متكاملة من بطاقات أعياد الميلاد للبيع في أمريكا.
وفي بداية 1890 وصلت شهرة بطاقات لويس برانغ ذروتها، لكن سرعان ما بدأت بطاقات المعايدة تعاني ركودًا داخل أمريكا، خصوصًا بين الفترة الممتدة من عام 1890 إلى 1906.
وبعد عام 1906 بدأت صناعة البطاقات تتحسن بشكل ملحوظ، وظهرت آنذاك أهم شركات صناعة البطاقات الأمريكية والعالمية مثل «هولمارك»، و«أمريكان غريتنغز» اللتين لا تزالان تمثلان أهم ناشري البطاقات في العالم.
وبعد الحرب العالمية الأولى بدأت صناعة البطاقات تدخل منافسة قوية، خصوصًا مع تحسن طرق الطباعة وإدخال تحسينات وابتكارات تقنية جديدة على عمليات تلوين البطاقات وتزيينها.
واستمر النمو بشكل جيد حتى الحرب العالمية الثانية، واستمرت بطاقات المعايدة تنمو بشكل جيد. وفي الخمسينيات ظهرت تصميمات حديثة تبتعد عن التقليدية، خصوصًا تلك التي تجسد الفلانتين أو الحب. وخلال الستينيات بطاقات تقليدية تحاكي عصر التلفاز، والفرق الموسيقية الشهيرة مثل البيتلز.
وعادت في حقبة السبعينيات البطاقات التقليدية التي تحمل كلمات رومانسية وشحنات عاطفية. وفي بداية الثمانينيات عندما بدأت تظهر تشكيلات واسعة من بطاقات التحية التي لا ترتبط بمناسبات معينة مثل الأعياد والعطلات، بل بطاقات تعكس الحياة العادية للناس. كما أصبحت بطاقة فلانتين دي أو عيد الحب من أكثر البطاقات انتشارًا.
وقد استمر الحال على ذلك المنوال عندما بدأ الحاسب والهاتف الجوال مع نهاية التسعينيات بالانتشار بشكل واضح، وبدأت تظهر من خلالهما الإيميلات، وبطاقات المعايدة الإلكترونية، والرسائل النصية والمصورة الجوالة، وبدأ ملايين البشر اللجوء إلى البطاقات الإلكترونية والإيميل ، لأنها توفر الوقت، والمال، والجهد، ناهيك من أنها الأقل سعرًا وكلفة، إلا أنها الأسرع وصولًا مقارنة بالبطاقات الورقية البريدية فهي تستغرق الوقت والمال الكثيرين.
معايدة إلكترونية
مع اختلاف وجهات النظر في مسألة المعايدة الإلكترونية إلا أنها آخذة في الانتشار بعد انتشار التقنية، بل وتدخلها في كل تفاصيل الحياة، عوضًا عن طرق الأبواب والذهاب شخصيًا من بيتٍ لآخر أضحت المسألة مجرد «كليك» أو كبسة زر وتصل التهنئة لأي مكان في العالم.
وبحسب « كريتنغز كاردز اسوسيييشن Greeting Cards Association» الأمريكية فإنه يتم إرسال نحو 1.36 مليون بطاقة معايدة إلكترونية يوميًا، أو ما يعادل 500 مليون بطاقة تحية أو معايدة سنويًا.
رسائل الجوال لا ينافسها أحد
عندما أرسلت أول رسالة جوال قصيرة في ديسمبر «كانون الأول» من عام 1992 لم يكن يخطر ببال مخترعها أنها ستصبح أكثر وسائل الاتصال انتشارًا وأكثرها شعبية في عالمنا المعاصر، ويعد الهاتف الجوال ،حاليًا، أكثر وسائل الاتصالات انتشارًا. وبحسب بيانات مؤسسة «انتليجنس وايرلس» فإن نسبة انتشار الجوال تمثل أكثر من 50٪ في العالم، أو نحو 3 مليارات شخص يستخدمون الجوال أو ما يمثل نصف عدد سكان الكرة الأرضية.
وتنمو سوق الرسائل الجوالة هي الأخرى بشكل مذهل، وطبقًا للأرقام التي قدمتها مؤسسة «انفورما» فإن سوق الرسائل الجوالة بلغت نحو 80 مليار دولار منها 60 مليار دولار من الرسائل القصيرة «SMS» وحدها، وتمثل الرسائل القصيرة نحو 75٪ إلى80٪ من إجمالي الإيرادات المالية غير الصوتية.
وتوقع مختصون في مجال الاتصالات أن تواصل الرسائل القصيرة SMS نموها في عام 2008، لتصل إلى 2.3 تريليون رسالة قصيرة مبعوثة عبر الأسواق الرئيسة حول العالم، متوقعين أن يرتفع هذا الرقم إلى نحو 3.1 تريليون رسالة بحلول عام 2010.
البطاقات التقليدية ترفض التنحي
وعلى الرغم من انفتاح آفاق الاتصالات على مداها وتنوع وسائلها من إيميلات ورسائل جوالة لم تستطع كل هذه الوسائل المستحدثة في التواصل أن تجعل البطاقات البريدية تتخلى عن مكانتها أو تفقد دورها، فلا تزال هناك مليارات من البطاقات المطبوعة يتبادلها سكان الكرة الأرضية سنويًًا تزن مئات الأطنان من الحب والتمنيات والرغبات، وتشغل الملايين من موظفي البريد، وعددًا مماثلًا من أصحاب المكتبات والأكشاك السياحية، وقلما تخلو مكتبة في العالم من ركن تُعرض فيه بطاقات بريدية بمختلف الأشكال والألوان وتلبي جميع الأذواق والرغبات. وبحسب جمعية «كريتنغز كاردز اسوسيييشن» فإنه يوجد في الولايات المتحدة وحدها نحو 100 ألف محل لبيع البطاقات التقليدية، فضلاً عن 3 آلاف ناشر لتلك البطاقات.
ولحماية موقعها على خريطة البطاقات العالمية بدأت شركات البطاقات الورقية أو التقليدية بهجوم مضاد، وبدأت بتقديم تعابير اجتماعية جاهزة مجانًا بما فيها البطاقات البريدية والبطاقات المزودة بعبارات عاطفية التي يمكن إرسالها عبر المواقع الإلكترونية.
كما بدأت هذه الشركات إجراء تغييرات تقليص الوقت للحصول على بطاقات جديدة من المخازن وتجديد أغطية البطاقات بحيث يتم إظهار محتواها أكثر على الغلاف. هذا فضلاً عن قيامها بإنتاج بطاقات بمختلف الأحجام ولجميع المناسبات والأحداث، وتجاري الأحاسيس البشرية مثل التجارب المسلية للحياة اليومية، والشخصيات الغريبة الأطوال، والألعاب الساخرة.
وعلى الرغم من تقلص البطاقات الورقية فإنها تظل أكثر انتشارًا من البطاقات الإلكترونية طبقًا لبيانات جمعية «كريتنغز كاردز اسوسيييشن» الأمريكية، فتسعون بالمائة من سكان الولايات المتحدة لا يزالون يشترون بطاقات ورقية، ومعدل ما يشتريه كل بيت في أمريكا نحو 30 بطاقة سنوية.
ووفقًا لكريتنغز كاردز اسوسيييشن فإن مختلف البطاقات التقليدية تبيع سنويًا بأمريكا نحو 7 مليارات بطاقة بقيمة 7.5 مليارات دولار منها مليارا دولار بأعياد الميلاد وحدها. وإذا ما تم إضافة أوروبا وكندا ومختلف دول العالم فإن الرقم قد يتجاوز نحو 33 مليار بطاقة سنويًا ترسل بشكل تقليدي عبر البريد.