من أجل أن تكون بيوتنا خالية من الملوثات:
السجاد خط الدفاع الأول
.الهواء يتخلص من ملوثاته بطرق عديدة
د.عبدالبديع حمزة زللي
أستاذ علم التلوث البيئي بجامعة طيبة
§ تركيزات الملوثات البيئية في بيوتنا تجاوزت تلك التركيزات المسجلة في هواء المدن
§ الهواء في داخل المباني, والمساكن يتخلص من ملوثاته بوساطة السجاد
§ ألياف السجاد تتصيد بسهولة بالغة أي ملوثات تصطدم بها
§ الأرض العارية لا تخدم في نظافة هواء المسكن
أصبح الإنسان في عصرنا الحديث لا يعاني الإجهاد, والتعب الذي كان يعانيه الإنسان في العصور السابقة جراء عمليات الكنس, والغسل, وأمور النظافة. فقد أخرجت لنا المصانع، وما زالت، أجهزة كثيرة متنوعة للكنس، والتنظيف، كما أنتجت وتنتج لنا كمًا هائلاً من مستحضرات التنظيف، والتعقيم، والتلميع، فلم نعد نبذل جهدًا كبيرًا لتحقيق أمور النظافة، إذ يكفي أن نضغط على زر تشغيل المكنسة الكهربائية كي نبدأ عملية التنظيف بكل يسر، وسهولة. ويكفي أن نوجه بخة واحدة أو أكثر من مستحضر لإزالة الملوثات، والبقع، والأوساخ المستعصية.
إن أجهزة النظافة ومستحضراتها هي من النعم العظيمة التي أنعم الله بها على جميع البشر في هذا العصر، ولكن سوء التعامل معها، أو استخدام الأنواع غير الآمنة منها قد عمل على تعرض الإنسان في بيئته المغلقة التي يعيش، ويسكن فيها إلى ملوثات كيميائية ضارة، ومؤذية، أو إلى كائنات حية دقيقة تضر بصحة الإنسان. ولقد أشارت بعض التقارير العلمية إلى أن تركيزات الملوثات البيئية في هواء بيئاتنا المغلقة، وخصوصًا في داخل المباني، والمساكن التي لم تصمم على نحو يسمح بالتهوية الجيدة قد تجاوزت تلك التركيزات المسجلة في هواء المدن بقدر يصل مداه من خمسة أضعاف إلى عشرة أضعاف. الأمر الذي جعل العلماء ينذرون بالخطر.
وقد جاءت في أوائل 1970 ملاحظات العلماء لتلفت الانتباه بشدة إلى خطورة التلوث في البيئات المغلقة المتمثلة في المباني التي نسكن، ونعمل، أو ندرس فيها. وجاء هذا التقرير، على وجه الخصوص، ليشير إلى المباني القديمة، والمباني التي أحكم غلق النوافذ، والأبواب فيها من أجل توفير الطاقة الكهربائية بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد أطلق على مثل هذه المنشآت، مباني المرض، أو مباني العلة sick buildings، أي المباني الممرضة. وكتب المتخصصون في مجال التلوث البيئي/ والمهتمون بالصحة عن كيفية السيطرة ووسائلها على تناذر المباني الممرضة. والمقصود هنا بالتناذر هو مجموعة أعراض تظهر في زمن واحد تشمل مدى واسعًا من التأثيرات الصحية, ومن ذلك ما يلي:
• أمراض الجهاز التنفسي.
• الدوار أو «الدوخة».
• إثارة العينين وتهيجها.
• إجهاد عصبي.
• توعك صحي.
ولقد بحث العلماء عن الأمور التي تعمل على ارتفاع تركيزات الملوثات البيئية في داخل المباني، فتوصل بعضهم إلى النتيجة التالية، والتي تظهر أسباب زيادة تركيز الملوثات في البيئات المغلقة، وهي كما يلي:
• 50% تقريبًا تأتي من مشكلات سوء التهوية.
• 15% تنسب إلى ملوثات الداخل التي تنبعث من المنتجات المتنوعة المستخدمة في البيوت، والتي تحتوي على الكيماويات، وخصوصًا المركبات العضوية التي تكون في الحالة الغازية.
• 10% تعود إلى الملوثات البيئية التي تدخل من خارج المباني إلى داخلها.
• 15% تعود إلى التلوث الأحيائي المكتشف في المباني.
• 10% تنسب إلى مصادر أخرى غير مباشرة.
ومن المعروف أن الهواء في داخل المباني، والمساكن يتخلص من بعض ملوثاته الكيميائية، والأحيائية بوساطة السجاد، والبساط الذي يوضع على الأرض. فمن فوائد السجاد الذي نضعه في أماكن جلوسنا، وغرف نومنا، أنه يعد كمرشح يعمل على ترشيح الهواء من الملوثات التي يتلوث بها في بيئاتنا المغلقة، فهو يعمل كفلتر تنحبس فيه الملوثات الكيميائية، والأحيائية، إلا أن هذا المرشح، أو الفلتر مثله كمثل جميع المرشحات. فمع مرور الزمن تتراكم فيه الملوثات، والشوائب حتى يمتلئ بها، والمرشحات عندما تمتلئ بما ينحجز فيها من شوائب، وملوثات، فهي لا يمكن أن تقوم بدورها بكفاءة جيدة ما لم نعمل على تنظيفها، وتخليصها من الملوثات، والشوائب التي تمتلئ بها.
ويشير أحد المسؤولين في وكالة حماية البيئة بالولايات المتحدة الأمريكية، والمسؤول عن مكتب شؤون المواصفات والمقاييس، إلى أن السجاد أو البساط يعد كبالوعة تبتلع ملوثات هواء المنازل، والمكاتب، ولكنه «السجاد» عندما يمتلئ بالملوثات فهو يتحول إلى مصدر يثير المشكلات الصحية، إذ يمكنه أن يسبب إثارة الحساسية، وخصوصًا لدى الأشخاص الذين لديهم قابلية الإصابة بهذه الأمراض، ويسبب كذلك اعتلالات صحية، ويزيد فرصة الإصابة بالأمراض الخطيرة. ولذا ينبغي علينا أن نقوم بشكل مستمر بتنظيفه، وغسله، أحيانًا، إن اقتضى الأمر، إذ إن إفراغه من الملوثات التي تنحبس فيه هي طريقة مثلى من الطرق المهمة التي تمنع، أو تسيطر على تلوث الهواء في المباني الممرضة، وتحمينا، بإذن الله، من مشكلاتها الصحية.
وقد يطرأ على ذهن أحدنا كيف يقوم السجاد أو البساط بتخليص الهواء من ملوثاته، وهذه الملوثات هي في الأصل عالقة في الهواء، وبعيدة عن موقع السجاد الذي يكون عادة على الأرض؟!
والإجابة عن هذا السؤال تتلخص في أن الملوثات الجسيمية أي الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء تترسب على سطح الأرض، فيكون السجاد أو البساط مستقبلًا لها، أما بقية الملوثات الأخرى الأقل في الحجم، والوزن، والتي تبقى عالقة في الهواء ولا تترسب، فإن السجاد يعمل كمصيدة تتصيد الملوثات. فالهواء يتحرك في الحجرات، أو الغرف بصفة دائمة، ومستمرة حتى وإن كنا لا نحس بهذه الحركة، وعندما يمر الهواء المحمل بهذه الملوثات على سطح السجاد، فإن ألياف السجاد أو وبرته تتصيد الملوثات، وتمسك بها، وتخلص هواء المساكن والمباني تدريجيًا منها.
ومن هنا، فإن ألياف السجاد أو وبره تعمل على زيادة مقدار السطح المعرض منه للهواء أضعافًا كثيرة، وتتصيد هذه الألياف بسهولة بالغة أي ملوثات تصطدم بها مهما صغُرَ حجمها، وتكون بذلك كمرشح أو فلتر ينقي الهواء من شوائبه، وملوثاته.
ولذا، فإن وجود السجاد، أو البساط في بيوتنا يخدمنا كثيرًا, ويعمل على تنقية هواء مساكننا من الملوثات الكيميائية، والأحيائية.
وربما يظن بعضنا أن وجود السجاد أو البساط في المنازل، والمباني مصدر انبعاث الكائنات الحية المجهرية، غير أن هذا الأمر لا يحدث إلا في حالة الإهمال التام للنظافة، وخصوصًا في المواطن الرطبة الممطرة. ونحن في الأحوال العادية نتعهد، دومًا، ويوميًا السجادة، أو البساط بالتنظيف بالمكانس الكهربائية.
ومن هذا المنطلق ينبغي علينا أن نسعى إلى فرش مساكننا بالسجاد، أو البساط، وألا نجعل الأرض عارية، حيث إن الأرض العارية لا تخدم في نظافة هواء المسكن مثلما يعمل الفلتر الطبيعي «السجاد أو البساط» إذا أحسنا استخدامه.
باستطاعتنا أن نتخلص من كل المشكلات متى تعهدنا السجاد بتنظيفه، وإفراغه من البقايا العضوية، والملوثات التي استقرت فيه على نحو منتظم. وكلنا نلجأ إلى المكانس الكهربائية للقيام بهذه المهمة. وهنا ينبغي علينا أن نوضح أن جميع أجهزة الكنس الكهربائية بمختلف أشكالها، وأنواعها غالية الثمن والرخيصة، كلها تستطيع أن تنجز مهمة تنظيف السجاد، والبساط على حد سواء، إذا تعاهدنا بتنظيفه بشكل منتظم، كتنظيف السجاد الذي يكون في أماكن جلوسنا، وغرف الطعام يوميًا على الأقل، وأسبوعيًا على الأقل لذلك الذي يكون في غرف استقبال الضيوف.
وعلى الرغم من الفوائد العظيمة، والمنافع الكثيرة التي نجنيها من هذه الأجهزة الحديثة، إلا أنه، وكما سبق أن أشرنا إليه، أن سوء استخدام المكانس الكهربائية قد يعمل على تحويل هذه الأجهزة من نعمة ننعم بعطائها الخير إلى نقمة ينبعث منها الشر والأذى، وربما تكون سببًا في الوفاة مباشرة، أو الإصابة بأمراض خطيرة في المستقبل، لا قدر الله. فكيف تتحول المكانس الكهربائية من نعمة إلى نقمة؟
من المعروف أن جميع مكانس الشفط الكهربائية بمختلف أشكالها، وأنواعها تعمل على سحب الهواء من داخل السجاد بأداة خاصة قد تكون مزودة بفرشاة تتحرك آليًا، أو بفرشاة ثابتة، أو من دون، فيحمل الهواء المسحوب معه الملوثات الجسيمية، والغبار، وبقايا الأطعمة، والحشرات الدقيقة التي تسمى عثة الفراش إلى كيس قماشي، أو ورقي يكون في داخل المكنسة يستقبل النفايات، والقاذورات. وتختلف أنواع المكانس الكهربائية من حيث نوعية كيس النفايات، فبعضها يكون ورقيًا يستخدم لمرة واحدة، يُرمى في سلة الزبالة بعد أن يمتلئ بالنفايات، وبعضها الآخر وهو الأكثر انتشارًا مصنوع من قماش يسمح بإعادة استخدامه، وقد يكون بعضه مزودًا بمرشح أو فلتر يعمل على ترشيح الهواء الخارج منها، حيث يعمل على إبقاء الجسيمات الدقيقة التي يصل قطرها إلى 0.3 ميكرون في داخل الكيس، ولا يترك لها مجالًا للعودة إلى هواء الغرفة.
وهناك أنواع من المكانس الكهربائية قليلة الانتشار، لا توجد فيها أكياس للنفايات، وإنما تستقبل الغبار، والنفايات في وعاء شفاف يُملأ بالماء، ويمر الهواء المسحوب من السجاد، أو الفراش، أو الستائر، وهو يحمل، ما نقله منها، على الماء أولًا، حيث يعمل الماء كمرشح أو منقٍّ للهواء من الملوثات والشوائب.
إن المكانس الكهربائية المزودة بفرشاة تدور وتتحرك آليًا هي من أفضلها، فالفرشاة المتحركة تقوم بإزالة الأوساخ، والغبار بسرعة كبيرة، وتقوم، أيضًا، بتمشيط ألياف السجاد أو وبره، وتهيئته ليعمل كمرشح ومنقٍّ جيد للهواء.
ومن المعروف أن المكانس المزودة بكيس النفايات القماشي هي الأكثر انتشارًا، والأكثر إحداثًا للمشكلات الصحية عندما لا نتعامل معها التعامل السليم الصحيح، وذلك بسلوك السلوكيات الخاطئة التي تجعل من هذه المكانس مصدرًا للمشكلات الصحية، فتتحول أجهزة الكنس الكهربائية من نعمة إلى نقمة.
فما هذه السلوكيات الخاطئة؟ وكيف نتجنب مشكلاتها؟
تتمثل السلوكيات الخاطئة في عدد من الأمور. نلخصها في الآتي مع ذكر طرق تجنّب مشكلاتها، وهي كما يلي:
- ترك النفايات زمنًا طويلًا في داخل كيس النفايات
- سحب البلل
- عدم التهوية الجيدة في أثناء الكنس
- الجلوس أمام مخرج الهواء
- عدم تعهد تنظيف الكيس بشكل منتظم
- استخدام المكانس لإزالة مسحوق المبيدات
ونكون هنا قد ألقينا الضوء على علاقة السجاد وأجهزة التنظيف الكهربائية بتحسين جودة هواء بيئاتنا المغلقة التي نعيش، ونسكن فيها. وعرفنا الفضل الكبير، والفوائد العظيمة التي نجنيها من هذه المستلزمات التي تلازمنا في حياتنا اليومية. أما المشكلات الصحية الشائعة التي قد تنسب إليها، فهي لا تعود إليها، وإنما السبب الحقيقي وراء هذه المشكلات هو السلوكيات الخاطئة التي يُقدم عليها بعضنا فيما يخص التعامل غير السليم مع هذه المستلزمات.