مهرجانات

 

الجنادرية 23:

نقش على ساعد الوطن

صور من الماضي والحاضر امتزجت في بوتقة الاحتواء الثقافي وتوطدت علاقة الزمان بالمكان.
 

استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي
تصوير: هشام شمّا

§ مهرجان الجنادرية يقام عادةً في ربيع كل عام تحت مظلة الحرس الوطني

§ الجنادرية موقع لروضة من رياض وادي السلى في صحراء الثمامة بمنطقة نجد

§ متحف الخطوط السعودية في الجنادرية الأكثر تألقًا وبهاء

§ دعوات لأن تكون الجنادرية تظاهرة على مدى العام

 

عندما تلج بوابة مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة تنتشي روحك بعبق الماضي، ورائحة الطين، وضوع كرب النخل تتفاعل كيميائيتها في بوتقة ذاتك، وتؤجج مخيالك بشتى الأطياف، والصور الجميلة المطمورة في ذاكرة النسيان، وتذكي ذلك الحزن اللذيذ المفعم بالحنين إلى الطفولة، والقرية، والأجداد، والجدات, ما تلبث بعدها حتى يندلق في قلبك شهد حب الوطن بكل مفرداته المضيئة, تلذع حلاوته سويداء مهجتك، وتحرك فيك مكامن الإبداع، وملكاته حتى لو لم تكن في الأصل مبدعًا عندها حتمًا ستسكبها شعرًا أو نثرًا.

صور من الماضي والحاضر، والتراثي والحداثي، والكلمات المحلقة، والأنغام الشجية، وضجيج أدوات الحرفيين، وأصوات السواني كلها امتزجت في بوتقة الاحتواء الثقافي، وتوطدت علاقة الزمان بالمكان، وتوشجت أواصر القربى بين القديم والحديث، ليأتي مهرجان الجنادرية الوطني الثالث والعشرين للتراث والثقافة كنموذج محدد بالزمان والمكان ليمثل ترابط وطن عظيم شاسع المكان لا يحده زمان، وسمة الإصرار على الترابط الوطني تجدها دائمًا ماثلةً، في وجدان المحاور وعقله، والمثقف، والحرفي، والشاعر، والمغني، والراقص في منظومة إبداعات المهرجان الذي أبهج الصحراء.
وتتوق الأنفس في كل عام وتتلهف لقدوم سيد المحافل الثقافية، وأبرزها على الإطلاق، ليس في المملكة العربية السعودية راعية هذه التظاهرة فحسب، وإنما على نطاق العالم العربي والإسلامي عامة إنه مهرجان الجنادرية الوطني للتراث والثقافة الذي يقام عادةً في ربيع كل عام تحت مظلة الحرس الوطني السعودي، وبرعاية خاصة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس الحرس الوطني منذ عام 1407هـ، 1985م، ويتضمن فعاليات عدة أهمها سباق الهجن، أي الجمال، كونها الرياضة الشعبية الأهم. ويجري السباق على مضامير صممت على أحدث الطرق، وأعدت لهذا الغرض شبيهة بمضامير سباق الخيل، وتتسابق فيها حمر النعم باستخدام رجال آليين «الركب الآلي» توضع على ظهور الجمال بدل الإنسان، ويصل وزنها بين 2 إلى 3 كيلو جرامات فقط، وتنطلق الهجن بسرعات تصل إلى 65 كيلو مترًا في الساعة. ويتضمن المهرجان، أيضًا، سباقًا للفروسية والتحمل، فضلاً عن الشعر الشعبي بحضور لفيف من أبرز شعراء الخليج، ناهيك من الفنون، والألعاب، والأزياء، والسوق الشعبية التي تذكر حاضرنا بماضينا، والجنادرية أصلاً موقع لروضة من رياض وادي السلى في صحراء الثمامة بمنطقة نجد، وقريبة جدًا من مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية.

العروض التراثية

ومن أبرز ما تقام في مهرجان الجنادرية، وتلاقي إقبالاً منقطع النظير من الزوار هي، بلا شك، العروض التراثية لإمارات المناطق، حيث تشرف كل إمارة من إمارات المملكة على بناء قرية صغيرة تحاكي المنطقة ذاتها من ناحية الأسلوب العمراني القديم، وإبراز عادات المنطقة التراثية وتقاليدها من ملابس، وأثاث، وأدوات، وصناعات حرفية، وأطباق شهية مشهورة. كما يتضمن المهرجان معرضًا للكتب، ومركزًا للوثائق والصور، ولم يغفل إعطاء فرصة للفئة الغالية فئة المعاقين لإبراز مواهبهم وإبداعاتهم، كما حصل ذلك، فعلًا، في مهرجان هذا العام عندما استدعي لفيف من المعاقين للمشاركة في أوبريت الافتتاح الرائع، وفي لمسة أبوية حانية توجه خادم الحرمين إلى مسرح العرض، وتفضّل بالسلام على المشاركين من المعاقين والأطفال.

النشاط الثقافي

وهذا العام تم تكريم الشيخ عبدالعزيز التويجري، رحمه الله، كشخصية العام الثقافية ذات الدور البارز في إنجاح المهرجان خلال دوراته الماضية.
وهذه السنة حلت دولة تركيا كضيف شرف للمهرجان في تقليد يقام لأول مرة ضمن إطار أنشطة المهرجان، وتأتي الأنشطة الثقافية كواحدة من أهم الأنشطة في مهرجان الجنادرية الذي يفتح أبوابه على مختلف الأطياف الثقافية العربية حتى غير العربية. وقد تعددت محاور هذه الأنشطة طوال الدورات الماضية للمهرجان، حيث أقيمت الندوات، والمحاضرات الدينية، والأمسيات الشعرية للفصيح والشعبي، والقصة القصيرة، لتغطي الكثير من الموضوعات المهمة على الساحة الثقافية، والموروث الثقافي، والإبداع الأدبي، وأثره في السلوك والأنماط الفكرية العربية، فضلاً عن النشاطات النسائية التي فرضت وجودها، وزاحمت النسق الفحولي بكل جدارة. كما أديرت عدة ندوات تعكس الهم العربي والعالمي في حراك ثقافي خلاب، اتسمت بمعايير أدبية راقية، وأدوات نقدية متزنة تبرهن برمتها على مدى الجهد الكبير، والحس الثقافي الواعي الذي بذله القائمون على هذه التظاهرة الثقافية الكبرى، والمهرجان لا يزال يحتفظ بنكهته المتميزة، وأجوائه المبهرة حتى بعد مرور اثنين وعشرين عامًا منذ بداية انطلاقته، خصوصًا أن القائمين عليه يعملون بكل همة ونشاط لتطويره، واستحداث مبان، ونشاطات، وأفكار جديدة جريئة في كل عام، لتضفي عليه المزيد والمزيد من الإبداع والتميز حتى بات كنوع من «الكرنفالات» التي تضاهي أشهر الكرنفالات العالمية وأقدمها، والتي تجعلك تتمنى من القائمين على مهرجان الجنادرية أن يعملوا ليمتد المهرجان أو بعضه طوال العام، وفق آليات خاصة حتى لو اضطر الزائر إلى دفع رسوم دخول رمزية، تشد من عضد ميزانية المهرجان، وتسهم في تنظيمه، ليكون ملاذًا لنا من ربقة الحضارة الحديثة، وانعتاقًا مؤقتًا بين الفينة والأخرى من دوامتها، خصوصًا بعد اضمحلال تراثنا القديم، وانحسار عاداتنا الأصيلة تحت وطأة الحداثة.

متحف الخطوط السعودية

وتحرص قطاعات الدولة من وزارات، ومؤسسات مدنية وعسكرية، فضلاً عن القطاعات الخاصة، بالمساهمة في مهرجان الجنادرية، وإبراز دورها في منظومة التنمية، وحرصها على التطوير، ومواكبة العصر، ويتجلى ذلك النهج المتميز في دور الخطوط الجوية العربية السعودية التي دأبت على الظهور في المهرجان كعروس فائقة الجمال، وسط حشد من الوصيفات لا تقبل إلا أن تكون الأكثر تألقًا وبهاء منذ ابتداء اشتراكها في المهرجان حتى اليوم، ويشهد على ذلك الكل بما فيهم القائمون على مهرجان الجنادرية. ويقول سعادة اللواء سعد مطلق أبوثنين، قائد معسكر الجنادرية، في معرض إجابته عن أحد الأسئلة: إن متحف الخطوط السعودية من المواقع التي نفخر بها في المهرجان، ونحرص على دعوة كبار المسؤولين والضيوف الأكابر للتجوال فيه، والاطلاع على معروضاته المبهرة حقًا، خصوصًا معرض هذا العام الذي شمل في معروضاته كل ما هو جديد ولافت مثل برنامج الخدمة الذهبية، وهو برنامج خدمي متطور، يشمل العديد من الخدمات التي تم تطويرها، وتحسينها، وفق معايير عالية لتقديمها للمسافرين من أبرزها: تجهيز الطائرات السعودية الجديدة بدرجاتها «الأولى، الأفق، الضيافة» بأحدث ما توصل إليه العلم من تقنيات متطورة سمعية وبصرية رقمية عالية الجودة كاستمتاع المسافر باستخدام نظام جديد يتيح له متابعة عمليات الإقلاع، والهبوط الفعلية، ومشاهد الطبيعية ومناظرها التي، عادة، ما تحلق الطائرة فوقها مباشرة عبر كاميرات مثبتة على جسم الطائرة، هذا فضلاً عن الخدمات الأخرى مثل: وجبات الطعام المقدمة على متن رحلات «السعودية»، والتي حازت جوائز عالمية لاحتوائها على تشكيلة منتقاة من أجود المكونات الغذائية في العالم.
كما جذب الصندوق الأسود العديد من الزوار، خصوصًا من الشباب الذين أبدوا رغبتهم في معرفة كل شيء عنه، واستمعوا لشرح مفصل من قبل القائمين على المتحف الذين أجابوا عن كل استفساراتهم، كما اطلع الزوار على الخدمات المتنوعة التي توفرها الخطوط السعودية لعملائها سواء الخدمات الأرضية أو الجوية، والتذاكر الإلكترونية، ومكائن الإصدار الذاتي للتذاكر ولبطاقات صعود الطائرة، بالإضافة إلى خدمات الشحن الجوي، والتمويل، ووسائل الترفيه السمعية والبصرية داخل الطائرة.
ومن أجمل المعروضات التي حظيت بإعجاب الزوار نموذج لطائرة داكوتا، ويمثل أول طائرة استخدمتها السعودية منذ أكثر من 60 عامًا، ويبلغ طولها الحقيقي 19.50 متر، وعرضها مع الأجنحة 29 مترًا، وتعمل بمحركين من طراز برات آند وتني واسب، وقد وضع المغفور له، بإذن الله، الملك عبدالعزيز النواة الأولى في تأسيس صناعة النقل الجوي في المملكة العربية السعودية عندما أهدي طائرة داكوتا، والتي كانت بمنزلة اللبنة الأولى لتأسيس أسطول الخطوط السعودية عام 1945.