معالم

جامع السلطان قابوس

تحفة فنية تتلألأ بالإبداع

الجامع يتصدر قائمة أهم رموز المعمار الإسلامي في العالمين العربي والإسلامي. 

• مسقط: أهلاً وسهلاً
 

§ استنبطت تصاميم جامع السلطان قابوس من الحضارات الأكثر حضورًا وتأثيرًا وفعالية

§ الشكل المعماري للجامع مبني على وجود خمس مآذن ترمز إلى أركان الإسلام الخمسة

§ السعة الإجمالية للجامع تصل إلى إمكانية احتواء 20 ألف مصلٍ ومصلية

§ سجادة الجامع دخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية بصفتها أكبر سجادة في العالم

أوكلت مهمة إقامة مسابقة معمارية لبناء الجامع إلى ديوان البلاط السلطاني بمسقط وتمت دعوة مستشارين عرب وعالميين للمشاركة في تقديم المخططات المعمارية لتصميم المشروع، وكان ذلك في عام 1993.
وقد جمع هذا المخطط، الذي رسى الاختيار عليه، بين أصالة العمارة الإسلامية ومقاييسها وبين العمارة الحديثة ومتطلبات البناء والتصميم العصرية والمستقبلية. وقد بدأ العمل في بناء الجامع منذ عام 1415هـ الموافق عام 1995م، واستمر العمل أكثر من ست سنوات، حيث انتهى في عام 1421هـ الموافق 2001م.
وتم افتتاح جامع السلطان قابوس في مسقط يوم الجمعة العاشر من شهر صفر 1422هـ الموافق الرابع من شهر مايو 2001م.

وقد استنبطت تصاميم جامع السلطان قابوس من الحضارات الأكثر حضورًا وتأثيرًا وفعالية في بلاد الشرق، فظهر ذلك جليًا في دقة تلك التصاميم وروعتها المتناهية وقدرتها العجيبة على استلهام روح الجمال والإبداع.

العمارة الداخلية
إن التصميم المعماري لجامع السلطان قابوس يمثل مجموعة الحضارات الإسلامية من خلال دمجها في تصميم الجامع بداية من حضارة الأندلس وشمال إفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية والشرق.
والشكل المعماري للجامع مبني على وجود خمس مآذن ترمز إلى أركان الإسلام الخمسة. وتتخلل الجدران البيضاء المهيبة مجموعة من الأقواس والكوات المفتوحة مع دعامات تستهل واجهة المصلّى الرئيس. هذه الدعامات لها وظيفة إنشائية، فضلاً عن أنها ملاقف للهواء على غرار عناصر الأبراج المناخية التقليدية والسائدة في العمارة المحلية.

قاعة المصلّى الرئيسة
يقع المصلّى الرئيس في شرق الصحن الغربي بقبته المركزية التي ترتفع 50 مترًا. والمنبر بارز ومبني في جدار القبلة من الرخام المنقوش على يمين المحراب. وقد وصل عدد قطع الفسيفساء المستخدمة في تزيين المصلّى الرئيس ما يقارب ثمانية ملايين قطعة، ومع إمكانية احتواء الصحن الخارجي لثمانية آلاف مصلٍ بالإضافة إلى الصحن الداخلي والأروقة، فإن السعة الإجمالية للجامع تصل إلى إمكانية احتواء 20 ألف مصلٍ ومصلية. وقد جهزت قاعة المصلّى الرئيسة بوحدة إنتاج تلفازي تضم خمس كاميرات، وأحدث أنظمة الصوت لنقل الفعاليات من شعائر صلاة وندوات ومحاضرات وتصويرها. وجدران قاعة المصلّى الرئيسة مكسوة بكاملها من الداخل برخام «البيانكوبي» الأبيض، و«البارديليو» الرمادي الغامق. وتتألف الجدران من خانات مؤطرة في أقواس صمّاء تشكّل كل منها جدارية من خزف القيشاني «الكاشي الإيراني» مشغولة بزخارف مورقة «نباتية» بنمط هندسي.
القاعة مصممة بمخطط مفتوح ذي أربعة أعمدة رئيسة حاملة لهيكل القبة الداخلي. وتمتد بمحاذاة كل من الجدار الشمالي والجنوبي بائكة «رواق» تنفتح على قاعة المصلّى بأقواس لها أزرار متعاقبة من الرخام الأبيض والرمادي، تشكّل فقرات مزررة على غرار الزخرفة في العمارة المملوكية.

الجدران
وجدران المصلّى الرئيس تتوج بشرفات يتأصل طرازها في عمارة القلاع العُمانية خاصة، ومسننات الشرفات في العمارة الإسلامية عمومًا، فيما يتميز جدار القبلة بكوة المحراب البارزة في نتوئها عند الواجهة كما هو التقليد في وضوح التعبير عن حائط القبلة في تصميم المساجد العُمانية، ما يضفي البعد الثلاثي لفضاء المحراب على حركة الواجهة.

القبة المركزية
يوجد في المصلّى الرئيس قبة مركزية بارتفاع 50 مترًا مزينة بالفسيفساء تتدلى منها ثريا تعد الأضخم حتى الآن، إذ ترتفع 14 مترًا، وبقطر 8 أمتار، وتزن 8 أطنان ويوجد بها 1122 شمعة. والقبة من الداخل محاطة بتصميمات مجسمة لها شكل مثلثات هندسية ضمن هيكل من الأضلاع والأعمدة الرخامية والمتقاطعة بأقواس مدببة مرصعة بجميع عناصرها بألواح من الخزف المصقول، وتأخذ الأضلاع الرخامية المقوسة والمعقودة هيكل القبة الكروي المزينة بالزجاج الملون. ويلف القبة شريط من الزخارف الكتابية يتضمن آيات قرآنية بخط الثلث بألوان جذابة. كما أن للقبة غشاء مخرمًا متشابكًا منمقة خطوطه بشعرية ذهبية، وتتجلى من خلال شفافية هيكل القبة الخارجية القبة الثانية المكسوة بقشرة من أحجار الفسيفساء الذهبية بأكملها.

المحراب
يتوسط جدار القبلة محراب يتميز بنقوشه الجميلة، ويعد أعلى محراب في سلطنة عُمان، إذ يبلغ ارتفاعه 14 مترًا وبعرض يقارب تسعة الأمتار. يعد المحراب عملاً فنيًا خالصًا منفردًا، وقد صمم بإطار مرتفع يضم كوتين بتقاسيم متراجعة في عمق الجدار بمقرنصات وعقود. ويترادف تكوين الكوة الداخلية مع نتوء هيكل المحراب خارج واجهة جدار القبلة. وقد تم تطعيم رسوم المحراب وزخارفه الإسلامية بأعمال خزف القيشاني التي تغلف الجدران، والمقرنصات، وطاسات المحراب «أعلى تكوير الكوات». ويحيط بإطار المحراب حاشية خط من الآيات القرآنية الكريمة، وثنية خزفية ناتئة على شكل حبل مفتول مصنوع من الخزف المطلي بالذهب، وتعتلي فتحات الجدران الجانبية شبابيك الزجاج الملون بزخارف مكملة في تصميمها لطبيعة زخارف الجدران ونمطها. ويعتلي المحراب من الخارج نصف قبة مماثلة في تكوينها لتشكيل القبة المركزية.

الأروقة الشمالية والجنوبية
تضم الأروقة الشمالية والجنوبية مجموعة من القاعات والردهات، إجمالي عددها 12 قاعة وردهة، صممت كل قاعة بكوّات تحمل طرازًا معماريًا فنيًا خاصًا يعود إلى حقبة تراثية مميزة. وانتقاء الأعمال الفنية في القاعات والردهات جاء ليمثل نماذج تطور أشكال الزخارف المعمارية وثقافتها وتعددها التي تنتمي لحضارات إسلامية مختلفة، والتي انتشرت بأنماط غنية من الأندلس إلى الصين، منها الزخرفة العُمانية، والعثمانية، والمملوكية، والمغربية، والمصرية الفرعونية، والبيزنطية، وزخرفة بلاد الحجاز، وزخرفة الفن الإسلامي المغولي، وزخرفة آسيا الوسطى، والزخرفة الإسلامية المعاصرة، والتي تضفي على المكان جماله وبهاءه بنقوشها الجميلة. ومن هنا يأتي تآلف الفنون والحضارات في مكان واحد، فمثلاً تحتوي الأروقة الشمالية على قاعة لفنون سلطنة عُمان والجزيرة العربية يتبعها قاعة الفن العثماني، ثم فن عمارة المماليك، يليها قاعة فن الزليج المغربي، ثم فنون بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة، وأخيرًا الفن البيزنطي.
وتبدو الأروقة كسور أمين يحرس عمارة الجامع، تحيط بها المآذن الأربع التي ترتفع إلى 45 مترًا في كل ركن من أركانه. ومن الرواق الجنوبي يقع المدخل الرئيس للجامع وصحنه لينتهي بالمئذنة الرئيسة، التي ترتفع 91 مترًا. وتشكّل الأروقة الشمالية والجنوبية الحلقة الانتقالية بين أماكن العبادة، ومرافق المجمع، ويمتد طول كل منها على مسافة داخلية بطول 221 مترًا وتسقف فضاءاتها سلسلة من القباب الهندسية في قمة كل قبة فتحة مربعة لفضاءة مع مجموعة من المصابيح.

السجادة
من مقومات التصميم الداخلي للجامع السجادة العجمية التي تفرش بلاط المصلّى بقطعة واحدة. تبلغ أبعادها أكثر من 60* 70 مترًا، وتغطي مساحة 4263 مترًا مربعًا. والسجادة مؤلفة من 1700 مليون عقدة، وتزن 21 طنًا. إن رقة نسيجها الرفيع وتعقيده يعود إلى جودة عقدتها التي تصل إلى 40 عقدة في كل 6.5 سنتيمتر. واستهلكت صناعة السجادة وإنتاجها أربع سنوات استغرق منها 15 شهرًا لإعداد التصاميم، والخيوط، والصباغة، وإقامة ورش الحياكة الخاصة بها. أما عملية الحياكة فبلغت مدتها 27 شهرًا متواصلة تبعها فترة 5 أشهر في الإنهاء، والقطع، والغسيل التقليدي.
وعدد القطع المؤلفة للسجادة 57، إضافة إلى السجادة الخاصة بالمحراب والمتصلة بها. وتمت عملية تجميع التوصيل والحياكة لأطراف السجادة وحواشيها وضبطها داخل قاعة المصلّى، وتمت حياكة السجادة في محافظة مشهد «الواقعة شرق ولاية خراسان في إيران» على أيدي 600 امرأة محترفة تحت إشراف خبراء في تصميم السجاد ونسجه.
ويتألف النسيج من الصوف الرفيع الجودة بينما مدت الخيوط الطولية «السداة»، والعرضية «اللحمة» من غزل القطن، وقد غزلت خيوط السداة، وهي مبتلة زيادة في متانة حبك النسيج وقوة تحمله. ومركز السجادة دائرة تقسيمها الهندسي يعكس تصميم قبة مسجد الشيخ لطف الله في أصفهان وزخرفته. وقد تم تنسيق العناصر الهندسية وإعادة تصميمها بأبعاد تتناسب مع أبعاد قبة مصلّى الجامع، وأبعاد القاعة. وتم تقسيم حواشي السجادة لترافق التقسيمات المعمارية للمخطط داخل الأروقة، وحول الأعمدة المركزية والجانبية. أما باقي أجزاء السجادة فقد تميزت بمجموعة غنية من الزخارف المورقة المتأثرة بأسلوب الفن الصفوي الإيراني والمبنية على منظومة هندسية في الابتكار وتصرف التشكيل. وتضم كل زهرة مرسومة في تركيبها ونسيجها العديد من الأزهار، مضفية قيمة نادرة وفريدة إلى التصميم.
وقد جمعت هذه السجادة في تأليفها ونوعية تصميمها سجادة تبريز، وكاشان، وأصفهان الأصلية، واستخدم في نسجها 28 لونًا بدرجات متنوعة تم صناعة غالبيتها من الأصباغ النباتية والطبيعية، فالأحمر تم استئصاله من نبتة الفوة، والأزرق من النيلة، ولون القشدة «البيج، الأبيض المصفر» من قشر ثمرة الرمان، والجوز، وأوراق العنب. بقي أن نقول فيما يخص السجادة إنها دخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية بصفتها أكبر سجادة في العالم. وفيما يتعلق بالسجادة فإن ألواح السقف الخشبية نقشت بنقوش ناتئة، ومتراجعة تشكّل انعكاس ألوان السقف على أرضية السجادة بلونها البرتقالي.

الثريات
صممت مجموعة من الثريات وعددها 35 ثريا خصيصًا للمصلّى الرئيس مصنوعة من كريستال سواروفسكي، ومعادن مطلية بالذهب. أما الثريا المركزية، فتتدلى من قمة القبة المركزية، بقوام يبلغ طوله 14 مترًا، وقطر 8 أمتار، وهي تشمل 1122 مصباحًا، وتزن 8 أطنان، وتتدلى الثريات حول قاعة المصلّى من سقف الأروقة، وكذلك عند جدار القبلة والمدخل الشرقي. أما ثريات مصلّى النساء فعددها تسع، وهي متأثرة بالمدرسة العثمانية ومصنوعة من الكريستال التركي.

المرافق الموجودة بالجامع
يوجد بجامع السلطان قابوس مصلّى للنساء مزخرف بالأحجار المصقولة والمنقوشة والمحفورة يدويًا يتسع لأكثر من ثماني مئة مصلية. ويقع مصلّى النساء خلف المصلّى الرئيس عبر الصحن الداخلي ليشكل امتدادًا للمصلّى الرئيس، والمصلّى مجهز بشاشة عرض لمشاهدة خطبة الجمعة والمحاضرات من قاعة المصلّى الرئيسة. كما توجد قاعة للمحاضرات والفعاليات الثقافية المختلفة سعتها 300 شخص تقع غرب الرواق، ومكتبة تضم 20 ألف مرجع في شتى العلوم والثقافات الإسلامية والإنسانية، وهي تقع في الجانب الشرقي من الرواق ومجهزة بأحدث التقنيات السمعية والبصرية وشبكة المعلومات العالمية «الإنترنت». وهذه المكتبة مهيأة لاستقبال الدارسين والباحثين، بينما تم تصميم أماكن الوضوء في الوسط حول باحات وقاعات خاصة لها يسهل الوصول إليها على طول خلفية الرواق المحاذية للصحن الخارجي. ويحتل موقع الجامع مسافة ألف متر على طول شارع السلطان قابوس وبعمق 885 مترًا من الشمال إلى الجنوب. وقد تم البناء على مساحة إجمالية بما فيها الشوارع والتشجير قدرها 416 ألف متر مربع، أما عن مساحة أرضية الجامع, فهي تغطي ما يقرب من 40 ألف متر مربع.

الحدائق
وضعت هندسة الحدائق في حديقة صممت شرق الجامع بما يقترن بمبدأ تصميم الحديقة الإسلامية، حيث بنيت مقصورة بصحن، وأروقة، وإيوان في وسطها بركة رخامية بمجرى مائي «فلج» يربط المقصورة مع وسط الحديقة. وقد صمم على الصحن الداخلي مظلة متحركة لتمتد حين تدعو الضرورة إلى توفير الظل داخل الفضاء المكشوف.

تفرد وتميز
يعد هذا الإنجاز المعماري الضخم على جميع المستويات، إضافة حقيقية للتراث المعماري الإسلامي، حيث جاء بناء هذا الجامع ليتصدر قائمة أهم رموز المعمار الإسلامي في العالمين العربي والإسلامي، وليمثل فنون المعمار الإسلامي تمثيلاً صادقًا يجسّد أبعاده ومراميه. جامع السلطان قابوس يتميز بتفرده، إذ لا يوجد هناك نموذج هندسي آخر مشابه له، لذلك فهو صرح فريد من نوعه، ويتميز بأنه مكسو بالحجارة المحفورة يدويًا من الخارج، ما يضفي عليه طابع الديمومة والرسوخ، ومن ينظر إليه يحسبه وكأنه مبنى شامخ من مئات السنين. وقد روعي في المواد المستخدمة في البناء أن تكون مواد طبيعية حتى يظلّ هذا الصرح خالدًا لآلاف السنين. وقد تمت كتابة الآيات القرآنية على أركان الجامع المختلفة، وهي تزيد على 1564 مترًا طوليًا، ومعظم الخطوط خطّها خطّاط عُماني. وقد أضفت تلك الآيات القرآنية المكتوبة بخط الثلث أجواء روحانية وجمالية خاصة لهذا الصرح الإسلامي الأكبر في عُمان.