المكتبة الوطنية بالمغرب
صرح حضاري وثقافي
تقوم المكتبة بجمع الرصيد الوثائقي الوطني، ومعالجته، وحفظه، ونشره، وكذلك المجموعات الوثائقية الأجنبية التي تمثل مختلف المعارف الإنسانية .
• الرباط: لحسن العسبي
تعد المكتبة الوطنية بالمغرب أضخم صرح ثقافي من نوعه في المغرب منذ الاستقلال عام 1956. دشنها العاهل المغربي محمد السادس أواسط أكتوبر الماضي، وقد شيدت على مساحة 20 ألف متر مربع، وقد استغرق إنجازها أكثر من أربع سنوات، بدعم من الاتحاد الأوروبي واليابان.
|
|
تقع المكتبة الوطنية المغربية بين شارعين يحملان اسم علمين بارزين من أعلام الفكر، والفلسفة، والأدب في التاريخين العربي والإسلامي، في شقيه الأندلسي والمغربي، وهما عالم الاجتماع والمؤرخ ابن خلدون، والمفكر، والفيلسوف، والفقيه العلامة الأندلسي ابن حزم.
عُرف الأول بكتابه الشهير «مقدمة ابن خلدون» الذي يعد مرجعًا حاسمًا في صياغة علم الاجتماع. اعتمد عليه كثيرًا الفيلسوف المفكر الفرنسي دوركايم، مؤسس علم الاجتماع الحديث، فيما عرف الثاني بكتابه في الأدبي الفلسفي عن الحب «طوق الحمامة».
حلم حضاري
تعد المكتبة الوطنية للمغرب اليوم إلى جانب مكتبة الإسكندرية بمصر، والمكتبة الوطنية في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا من أحدث المكتبات العلمية الرفيعة وأرقاها في كل القارة الأفريقية.
ووفق وزيرة الثقافة المغربية ثريا جبران، فإن إنشاء المكتبة الوطنية المغربية حلم حضاري وثقافي يجسد أحد مظاهر التطور والتحول والإصلاح في المغرب، كونه يمثل علامة فارقة على التوازي في التنمية بين المجالات الاجتماعية، والاقتصادية، والمعرفية، لأن الإنسان لا يتقدم فقط بالصناعة والاقتصاد، بل بالفكر أيضًا.
مشروع ثقافي
ضخامة هذا المشروع الثقافي تجعله مشروعًا مفتوحًا على المستقبل، يوازي ما يوجد في كبرى العواصم العالمية من مكتبات وطنية تستحق هذا الاسم علميًا وتقنيًا، مثل المكتبة الوطنية في مدريد، وبرلين، وباريس، ولندن، وواشنطن.
ومن نقاط قوة المكتبة الوطنية المغربية أنها تعتمد على تقنية ليس لها مثيل إلا في مكتبة الملك عبدالعزيز آل سعود بالرياض التي لها فرع مهم ومتميز في الدار البيضاء على شاطئ «عين الذئاب» عند ضفاف المحيط الأطلسي، لأن قيمة الصورة اليوم، والأرشيف الإلكتروني، وأشكال حفظ المخطوطات، والوصول إليها لدراستها واستغلالها علميًا، يعد علامة فارقة في تيسير الوصول إلى المعلومة، وتعميم المعرفة، ودعم البحث العلمي، وهذا ما تتوافر عليه بتقنيات حديثة المكتبة الوطنية بالمغرب.
تقنيات التواصل
تضم المكتبة 400 ألف كتاب، و200 ألف مجلة، و4 ملايين صحيفة، و73 ألف حامل خاص بالخرائط، و34 ألف مخطوط مغربي نادر، منها نسخة من القرآن الكريم مكتوبة على جلد الغزال بالذهب تعد الأقدم من نوعها في العالمين العربي والإسلامي، كما تضم قاعات للمطالعة تستوعب إحداها 800 قارئ دفعة واحدة، وإلى جوارها قاعات خاصة للباحثين الجامعيين وللأساتذة الباحثين، كما أن بها قاعة عرض ومدرج يتسع لـ290 مشاركًا مجهزة بأحدث تقنيات التواصل والترجمة.
حفظ المخطوطات
من أجمل ما أنجزته الحكومة اليابانية ضمن هذا المشروع الجزء الخاص بالإنارة، حيث إنها إنارة عالية الجودة، ومتنوعة، وتتبدل بتدرج مع مواقع المكتبة بشكل فني فاتن ومريح، ما يعكس إبداعًا عاليًا في تأثيث الفضاء الداخلي للمكتبة. كما شيد البرج العالي للمكتبة دون نوافذ، وخصص لحفظ المخطوطات، كونه بني بتقنية هندسية وعلمية حديثة، تسمح بحفظ تلك المخطوطات في درجة رطوبة خاصة، لا يمكن أن تسمح إطلاقًا بتلفها.
ميزانية إنشاء المكتبة |
تكلف إنشاء المكتبة الوطنية للمغرب ميزانية ضخمة تجاوزت 45 مليون دولار «نحو 375 مليون درهم مغربي»، وبنيت على مساحة خمسة هكتارات، وتضم برجًا عاليًا من ستة طوابق، تتعانق فيه بشكل هندسي جميل الحروف العربية، والأمازيغية، واللاتينية، دلالة على تعدد المرجعيات الثقافية للمغاربة، وانفتاحهم على المنجز الكوني في مجال العلوم والمعارف. |
|
الوثائق النادرة
يتم الدخول إلى المكتبة من خلال مدخل رئيس يحتوي على مكتب استقبال، وتوجيه، ومراقبة المنخرطين، وزوار المكتبة، بالإضافة إلى فضاء خاص بالمعاقين يمنح كل الخدمات لهذه الفئة من المواطنين ذوي الاحتياجات الخاصة، وفضاء آخر خاص بالدوريات، وجناح خاص بالملصقات، والخرائط، وبطاقات البريد القديمة، وفضاء للحوامل السمعية، والبصرية، والرقمية، والمصغرات الفيلمية، وفضاء لولوج المطبوعات، وجناح للمخطوطات والكتب والوثائق النادرة، يضم أماكن للعرض، والبحث، وفضاء خاصًا بالباحثين، ومخازن للحفاظ على التراث الوثائقي والثقافي، ومصالح إدارية لمعالجة الوثائق.
المعالم التاريخية
تقع المكتبة في مكان غير بعيد عن أهم المعالم التاريخية والثقافية بالعاصمة المغربية الرباط مثل: قصبة الأوداية، وأطلال شالة الرومانية والإسلامية، وصومعة حسان التي تشبه صومعة الكتبية بمراكش، وصومعة الخيرالدا بإسبانيا، وأقواس باب الرواح...
كما أنها قريبة جدًا من مؤسسات علمية وجامعية، فالوصول إليها ميسر بانسيابية على الأقدام، من خلال مختلف الطرق والمسالك المؤدية إليها. وتحيط بالمكتبة مجموعة من الحدائق والمساحات الخضراء، ما سيمنحها رونقًا حضاريًا متميزًا.
الوثائق الوطنية
وستتولى المكتبة الوطنية المغربية القيام بمجموعة من المهام تتمثل في جمع الرصيد الوثائقي الوطني، ومعالجته، وحفظه، ونشره، وكذا المجموعات الوثائقية الأجنبية التي تمثل مختلف معارف الإنسانية، كما ستضطلع بمهمة التكفل بتلقي الإيداع القانوني وتدبيره طبقًا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري العمل بها، بالإضافة إلى إعداد الببليوغرافيا الوطنية ونشرها، واقتناء الوثائق الوطنية والأجنبية من مخطوطات، ومطبوعات، وأختام، وبطاقات، وخرائط، ومقطوعات موسيقية، وصور فوتوغرافية، ووثائق صوتية، وبصرية، وسمعية، ومعلوماتية، ونقود، وميداليات عن طريق الشراء، أو الهبات، أو التبادل.
الملكية الفكرية
ستعمل المكتبة على عرض مجموعاتها الوثائقية أمام الجمهور مع مراعاة الأحكام التشريعية المتعلقة بالملكية الفكرية، وتوفير الخدمات المتعلقة بالمعلومات الببليوغرافية، ولا سيما عن طريق استعمال التقنيات الحديثة لتيسير سبل الاطلاع على الوثائق الموجودة في مختلف المكتبات الأخرى الوطنية والأجنبية، واقتراح برامج على الصعيد الوطني وتنفيذها لمعالجة التراث المخطوط، والحفاظ عليه، والتعريف به. والقيام في نطاق المهام المسندة إليها بأعمال الاستشارة والمساعدة التقنية والتكوين.
مكتبة الملك عبدالعزيز
حسب مصادر من وزارة الثقافة المغربية، فإن كل الإمكانات المتوافرة، ستسمح لأكثر من 3 آلاف زائر يوميًا بالاستفادة من خدمات هذه المكتبة الوطنية المغربية التي ستؤدي دورًا مهمًا في تغيير مجالات البحث والمعرفة عند المغاربة، خصوصًا أن تجربة مكتبة الملك عبدالعزيز آل سعود بالدار البيضاء تقدم الدليل العملي على ذلك، حيث كانت إلى عهد قريب أهم مكتبة علمية من نوعها، تسجل زيارة عدد كبير من الباحثين والطلبة المغاربة والعرب والأجانب يوميًا، ما حدا بالعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى التفضل بزيادة حجم المكتبة من 7 آلاف متر مربع إلى 14 ألف متر مربع، مجهزة بأحدث التقنيات الحديثة.