في منطقة قصر الحكم
أسواق حاضرة في ذاكرة المكان
.المعيقلية، أوشقير، مركز التعميرالتجاري، التطوير غير ملامحها
• الرياض: نوف سلطان الغشيان
• تصوير: هشام شما
حرصًا على الأمس الوقور من أن يضيع في خضم الجديد، ولإضفاء ومضة مشرقة في مرآة اليوم المتحضر، امتدت يد التطوير، وبمزيد من العناية الفائقة، لتمسح على محتويات منطقة قصر الحكم، ترميم قديم.. وبناء جديد، حتى تحتفظ برونق خاص لا يمكن لقاصدها إلا أن يتلمسه في كل ما يلوح له.. قرب منه وجوده أو كان بحاسة بصره أقرب.
قصر الحكم، الثميري، سوق الزل، وأخيرًا مبنى الإمارة وما يحيط به من أسواق.
|
|
هذا المبنى أخذ في شكله الطابع القديم لقصر الحكم، فكان مزيجًا يحكي لناظره الكثير من الزمن القديم، حرس على الأبواب، ووشوشات من أحاجي القدم ارتسمت على هذه الأسواق القائمة حوله، المعيقلية، أوشيقر، ومركز التعمير التجاري
تشعر أن هناك نسمة ندى تفوح بشذى الأمطار على جدر بيوت الطين، كأنك تجتر الماضي من أرفف النسيان لتتذكر هذه الأسماء من حديث الجدات اللاتي كانت هذه الأسواق قبلة تسوقهن في ذاك الوقت، بل لتتذكر إلحاحك على مرافقتهن للسوق.. لا يهم أي سوق المهم أنها سوق تغدق فيه عليك جدتك من الحلوى والبالونات التي لها رونقها الخاص وتغليفها الخاص، فهي تأتي معلقة على ورقة كبيرة لكل بالونة منها رقم خاص بها، هذه الأرقام موجودة على ورقة ذات خانات كل رقم له خانة، وعندها يحلو الكشط لتظهر هذه الأرقام، وصاحب الحظ السعيد هو من تكون من نصيبه البالونة الكبيرة، وهكذا تقل الحظوظ كلما قل حجم البالونة.. يوميات أطفال لا تزال مرتسمة في جذور الذاكرة.
من هذه الأسماء التي تجعل أمس الأيام حاضرًا في ذكريات الآن «سوق المعيقيلية»، هذه السوق التي كانت بسيطة لا تحفل بأي مسحة من جانب التطور، حتى أهلها أيضًا لم يكن ليدور في أقصى تصور مخيلتهم أن تتغير ملامحها يومًا، أصبحت اليوم، بعد أن انصب كثير من الاهتمام على هذه المنطقة، مقسمة إلى 4 أبراج تحوي في داخلها مقومات المركز الحديث أرضيات الرخام وكبر المساحة، وعددًا من الأدوار، فرغم بساطة بضاعتها الموجودة في محلاتها إلا أن هذا لم يقلل من روعة المكان، فغدت كأنها مزيج غريب.. مذكرة أن الأمس حري بأن يكون له مكان جميل يليق به.
أما مركز التعمير فلا تسأل عن تصميمه الذي يذكرك بدهاليز القرى العتيقة، ممرات واسعة شبه مغطاة وأنوارها مخبأة في علب الفوانيس.. عالية.. مثبتة عمدانها على الأرض تكاد تنطق بحديث السمار، فإذا ما توسع محيط نظرك وأشركت معها التمازج الحادث بين الأزرق، والوردي، والبني على الجدر التي تزينها من الأعلى شرف تذكرك بزمن مضى كانت الشرف فيه أحلى طرق التواصل.. عندها ستختصر الزمان عودًا للخلف تتوقف فيه في أي زمن تستأنسه، فتتلمس في كل هذا الخليط كثيرًا من الدفء الذي يأخذك لأبعد من سوق فتظنه ممرًا يصفه راوٍ في روايته تارة وتارة يذهب بك بعيدًا إلى حيث الأفنية الحلم التي تقرأ على مسامعك كثيرًا من الهدوء الذي قد تثريه ألوان، وإضاءات، وممر.
فإذا ما قرأت معي كل هذه المشاعر.. حتمًا ستشعر بغبطة لسكان هذا المركز، حيث يتبع لكل شقة مساحة صغيرة تكفيك ليكون لك كرسي مرح.. وكرسي ضيوف.. وآخر أجملهم.. كرسي استرخاء تقرأ فيه حياة أخرى إذا جالت عيناك في هذا القوس المتنوع من أنماط الحياة، أمامك «أوشيقر إمارة الرياض المعيقلية»، أتصور كيف يكون هدوء الليل أمام هذا المزيج الذي يتكلم الصمت.. ويروي الماضي.. وأكثر.
أما الشمس إذا ما طلعت فلها أيضًا نصيب من ثرثرة الليل، فهذه الثرثرة تصبح أوضح ليس في مشاعرك فحسب، بل في أذنيك عندما تقترب من «أوشيقر» سوق طابقاها الاثنان في طابق واحد من غيره، تستقبلك في مطالعه الأولى ما تسميه دكاكين إن أردت أن ترتقي بوصفها، فهي أعلى من «كشك» وأقل من «دكان» تستطيل عامة وتمتلئ بأرفف خشب تحتضن ما يمكن من معروضاته، بينما تفترش بقية محتوياته الأكبر حجمًا، والتي يصغر عنها حجم الرف الخشبي وتحتويها الأكياس الكبيرة المنتصبة المساحة الخارجية القريبة من حدود هذا الدكان وكأنها العلامات المرحبة بزوارها.
محتوياتها تكثر حتى تثير العجب من أشياء لا تتلاءم مع بعضها، وأشياء هي أضداد لبعضها بعضًا فترى معطر الجو.. ومبيد الحشرات، كريم اليدين ومزيل الدهون، شامبو.. وقهوة، مطهر أرضيات وكرات «المرة»، والأجذب للكل على الإطلاق أنواع الحلوى والشوكولاته التي ترتص أشكالًا وألوانًا.. سنكرز، باونتي، بل وتكون الاهتمامات أجمل، إذ ترى هناك أنواعًا من «الفش فاش» الذي ودعته مع أيام طفولتك وعلب «حلاوة بقر» التي ارتبطت مع منازعات الصغار في أثناء لعبهم عند عتبات البيوت.
وإن لم تتعطل خطواتك كثيرًا وواصلت السير إلى الداخل فسترى دكاكين أكثر تخصصًا.. أكبر حجمًا.. تتخصص في العطور والتجميل، وأخرى في العود، والزعفران، والعطور الشرقية، وثالثة في العطارة والزيوت قد تجد بجوارها دكانًا للقرطاسيات وأدوات المدرسة فلا شيء يضير..!!
لذا، لا تسل عن رواد هذه السوق: فهم الأطفال، والكبار، والصغار، والرجال، والنساء كل حسب حاجته، واهتماماته، تقف عندها في الدكاكين أم مع البائعات الجوالات وهن يبعن: القدور والسفر والبراقع..!! أو قد تستوقفك الشيخوخة الحزينة في مسنة تجلس على الأرض تبيع «البيوز» و«البيز» هو قطعة قماش مختلفة الخامات مربعة الشكل تستخدم للإمساك بالأشياء الساخنة في المطبخ، أو لصب القهوة، تقرأ في ارتعاشة يديها عقوق الدنيا. أما إذا تعبت من التسوق ولا شك اجتاحك العطش فهناك أروع برودة قد تأخذها قارورة ماء أو علبة عصير من كسر الثلج التي يفيض بها «الطشت» الممتلئ بعلب العصير، والمشروبات الغازية، وقوارير المياه المعدنية، فالطشت يشهد استخدامًا آخر هنا.
لذا، ترى مثالاً آخر من البيع والشراء، فهو أمتع من كل ذكرياتك التي اجتاحتك أو متعتك، أو خيالك الذي جمح بك قبل قليل، فهو يقوم على « المكاسرة» ما يجعلك تشعر أنك قد تزيد ريالاً أو تنقص اثنين حتى تشتري ما تريد.
قد لا تعني الريالين كثيرًا.. ولكن الكثير هنا ليس فقط ابتهاجك بدنو الأسعار في ظل الغلاء الحاصل، بل هو استمتاعك، أيضًا، بكل أنواع البساطة التي قد تعيشها في زمان كل سماته تكتسي التكلف.