سياحة


هايد بارك

ساحة ريفية في قلب لندن
في هايد بارك لا أحد يحاسبك على الوقت الذي تمضيه، ولا المناظر التي تستمتع برؤيتها .

hajj_1

• لندن: علي صبحي

«هايد بارك» اسم لأكبر الحدائق وأروع المناظر الطبيعية في مدينة الضباب، تمتد هذه المساحة الريفية الجميلة في قلب لندن وتبدو غريبة عن طابعها المعماري، ترفع في فضائها أسماء وتواريخ ونُصُب تدل على حقب متفاوتة القدم من تاريخ هذه المدينة الكوزموبوليتية، تحمل في طياتها قصصًا وشواهد على الأحداث التي رافقت هذا المتنزه منذ تاريخ إنشائه حتى وقتنا هذا.

امتلك الـ«هايد بارك» الملك «هنري» الثامن عام 1536، وافتتحه الملك «شارلز» الأول للعامة سنة 1637، وفي أواخر القرن السابع عشر أمر الملك «وليام» الثالث بنصب 300 مشعل على طول امتداد الطريق الذي يربط بين ديوانه الجديد وبين مكان إقامته في قصر «سانت جايمس»، وكان هذا أول طريق مضاء في بريطانيا. وأصبح يطلق على هذا الطريق «روتين رو» وهي ترجمة لمعنى طريق الملك بالفرنسية أو «رو دو روا».
وفي عام 1630 حفرت الملكة «كارولين» البحيرة الكبيرة التي عرفت بـ«السيربانتين»، وقد سميت كذلك على اسم شكل الأفعى الملتوية، تتصل «السيربانتين» بـالـ«لونغ واتر» وتغذيهم المياه من نهر «التايمز».
وابتداء من عام 1855 بدأ المتنزه يستعمل في أحد جوانبه مكانًا للشأن العام.. وبعد عدة أحداث سياسية وصدامات مع الشرطة سمح في عام 1872 للعامة بالالتقاء والتجمع والخطابة في كل المواضيع دون تفريق، أو دون الحاجة إلى إذن من السلطات. تلك هي الزاوية الشمالية الشرقية للـ«هايد بارك» التي أطلق عليها مذ ذاك زاوية المتكلمين أو الخطباء إذا صح التعبير، أو «سبيكرز كورنر».

الاحتفالات الوطنية
ومنذ بدايات القرن التاسع عشر أصبح الـ«هايد بارك» يستعمل مكانًا تجرى فيه الاحتفالات الوطنية، فعلى سبيل الذكر لا الحصر قام الأمير «ريجنت» عام 1814 بتنظيم احتفال للألعاب النارية ابتهاجًا بنهاية حروب نابليون، وفي عام 1851 أقيم المعرض الملكي الكبير.
وفي عام 1977 أقيم معرض اليوبيل الفضي احتفالاً بجلوس الملكة «اليزابيث» الثانية على العرش، وكذلك أقيمت الكثير من المعارض الفنية والثقافية.

  • يسمح بالزيارة من ساعات الصباح الأولى حين تبدأ فرق الفروسية التابعة للحرس الملكي البريطاني الانطلاق في جولاتها الصباحية

  • جنوب المتنزه بحيرة تستريح فيها أسراب البط العائمة مسالمة، فيما يشبه الألفة والمودة بين البحيرة وبين ضفافها

  • منذ بدايات القرن التاسع عشر أصبح الـ «هايد بارك » يستعمل مكانًا تجرى فيه الاحتفالات الوطنية


الدخول مجاني
إذا أردت الهرب من صخب المدينة وزحمتها فقم بزيارة «هايد بارك»، والدخول عبر بواباته الكثيرة، وهنا لا أحد يحاسبك على الوقت الذي تمضيه، ولا المناظر التي تستمتع برؤيتها، فالدخول مجاني ويسمح بالزيارة من ساعات الصباح الأولى حين تبدأ فرق الفروسية التابعة للحرس الملكي البريطاني الانطلاق في جولاتها الصباحية على جياد في غاية الجمال، حيث تجد الرياضيين يمارسون الركض والتمارين مع إشراق الشمس، ويمكنك البقاء بالداخل حتى وقت مبكر من المساء.

زاوية المتكلمين
وإذا قادتك قدماك إلى الزاوية الشمالية الشرقية للـ«هايد بارك»، وهي زاوية المتكلمين أو «سبيكرز كورنر»، فسوف تستمع إلى موضوعات في شتى القضايا، فإذا سئمت من المواضيع السياسية التي تطرح، ووجهات النظر التي تتبادل حول مختلف القضايا، فما عليك سوى ترك كل ذلك والمشي صوب جنوب المتنزه حتى البحيرة، حيث أسراب البط العائمة تستريح على الضفة بالقرب من المياه مسالمة، هناك ما يشبه الألفة والمودة بين البحيرة وبين ضفافها.

نُصْب الأميرة ديانا
من أبرز معالم الهايد بارك، وأحدثها، نصب الأميرة ديانا، جميل وبسيط كبساطة الأميرة، حلقة دائرية من الأقنية تجري فيها المياه. خريرها هادئ، والأولاد يلعبون ويبعثون فرحتهم مع المياه السريعة.
على الضفاف يجد الناس أماكنهم، يفترشون الأرض، منهم من يقرأ، ومنهم من يركض، ومنهم من يتعارف، ومنهم من يتبادل أطراف الحديث، هذا المكان يتيح بعض المصادفة على عكس لندن الصارخة التي لا تتيح اللقاءات إلا بعد جهد.

نُصْب الأمير «ألبرت»
على مسافة ليست ببعيدة تجد نفسك أمام نُصْب كبير عند نهاية البارك، أضيء بشكل باهر من أربع زوايا. إنه نصب الأمير «ألبرت» الضخم، شيد هذا النصب عام 1872 تكريمًا للأمير «البرت» زوج الملكة فيكتوريا الذي توفي عن عمر 42 سنة، وقد حظي على مدار 10 سنوات من التشييد بانتباه الملكة شخصيًا ورعايتها.
والنُصْب عبارة عن قوس كبير يجلس تحته تمثال ذهبي للأمير، وأمامه فسحة أحاطت بها منحوتة كبيرة تبرز شخصيات فنية وأدبية. أما النحاتون والمهندسون فاحتلوا الجانبين الشرقي والغربي، وانفرد المهندسون بالجانب الشمالي من تلك الفسحة. كما رُكزت 8 منحوتات فيكتورية على الزوايا الداخلية والخارجية للنصب، وضمت أربعة منحوتات ترمز إلى القارات الأربع، وأربعة أخرى ترمز بدورها إلى أربع حرف مارسها الإنسان وبرع فيها وهي: الزراعة، التجارة، الهندسة والصناعة.
الإضاءة مسلطة إلى النصب كالأيدي تشير إلى الحدث، فالنصب متحدث دون أن يتكلم، كأنه كتاب تاريخ إنساني يقف على الباب الجنوبي الشرقي للمتنزه، يقرأ لك بعض الشعر والقصص قبل أن تتركه خارجًا عبر البوابة السوداء الكبيرة، تنظر إلى الوراء كأنك تعد نفسك بالعودة مجددًا، تقفز في الباص الهادر تجلس على مقعدك.. وتطلق العنان لذاكرتك.