صناعة سياحية


الكاري
الطبق المفضل لدى الإنكليز
أكثر من 9000 مطعم تقدم هذه الوجبة في بريطانيا .

hajj_1

• لندن: أهلاً وسهلاً

«دعنا نتناول الكاري»، كانت الجملة الشهيرة التي يرددها الإنجليز في السبعينيات من القرن الماضي بعد انتشار المطاعم الآسيوية في جميع أنحاء بريطانيا. والتي كانت تقدم وجباتها من هذه الأطباق لتناسب الذوق البريطاني، حتى إن أسماء بعض المطاعم جاءت لتعكس هذا اللون الثقافي البريطاني الآسيوي. بعضها أصبحت تحمل أسماء مثل (This and That ) «هذا وذاك»، أحد أشهر المطاعم في الشوارع الخلفية الشعبية في مدينة مانشستر في شمال إنجلترا. وسمي المطعم كذلك بسبب الجواب الذي كان يعطيه الزبون الإنجليزي عندما يسأله صاحب المطعم عما يريده من مأكولات.

الكاري ليس مجرد طبق طعام، بل إنه ثقافة متكاملة، لا يجمع في مكوناته ومذاقه المواد المختلفة فقط، وإنما يلخص علاقات اقتصادية وثقافية كانت تربط بريطانيا بالهند ولا زالت، جوهرة التاج البريطاني كما كان يطلق عليها.
وأصبح طبق الكاري يعكس هذه العلاقة بين البريطانيين والآسيويين، كل منهم يحاول أن يستخدمه على الصعيد الاجتماعي كمادة مداعبة للآخر، هارديب سينغ كولي، الناقد الأدبي والمعلق التلفازي البريطاني الهندي الأصل، الذي ترعرع في اسكتلندا، قال لوالده أخيرًا قبل شروعه في عمل برنامج عن الهند في الذكرى الستين لاستقلالها إنه ينوي إعداد بعض الأطباق البريطانية خلال تجوله في الهند. ورد والده بعد صمت طويل على الجانب الآخر من خط الهاتف «كما روى كولي القصة في برنامجه» إنه لو كانت هناك أطعمة بريطانية جيدة لما انتعشت المأكولات الهندية في بريطانيا، وأصبح هناك أكثر من تسعة آلاف مطعم تقدم أطباق الكاري بأنواعها.
ربما هذا من أسباب تبني المطبخ البريطاني طبق الكاري الذي أصبح يتناسب مع الذوق المحلي، ليصبح أحد الأطباق الوطنية، وذلك ليس فقط بسبب فقر المطبخ الإنجليزي، كما هو شائع. فالكسكسي دخل المطبخ الفرنسي الرفيع وأصبح أحد الأطباق الوطنية، وكذلك الحال بالنسبة للمعكرونة في ليبيا التي أصبحت من الأطباق الوطنية في المطبخ الليبي بسبب علاقتها الخاصة مع إيطاليا. وهذا ينطبق، أيضًا، على الكثير من الأطباق العربية التي يقال إن أصلها تركي، أو يوناني، أو عربي، والتي تبدلت وتغيرت في هذه البلدان لتناسب الذوق المحلي.
وهذا الحال بالنسبة للمطاعم الآسيوية التي قدمت هي الأخرى أطباقًا لتناسب الذوق البريطاني، وهذه لا تعكس بالضرورة ما يتناوله سكان شبه القارة الهندية «الهند وباكستان وبنغلاديش» من مأكولات في بيوتهم، لكن هذه تطورت مع الزمن، ويقال إن بعضها طهي أولاً في بعض المدن البريطانية وأخذت أسماء لا صلة لها بأسماء الأطباق الهندية، ولا زالت غير معروفة في شبه القارة الهندية التي من المفروض أن تكون قد جاءت منها مثل طبق الدجاج بصلصة الماسالا (Chicken Tekka Masala ) الذي يقال إنه قدم أول مرة في مدينة غلاسكو في اسكتلندا بشمال بريطانيا. وتقول بعض الروايات إن المطعم كان يقدم قطع الدجاج المحمر على الشيش بعد نقعها بخلطة الكاري (Tekka )، وعندما اعترض أحد الزبائن قائلاً إن الطبق جاف جدًا أضاف المطعم خلطة من بهارات جراما ماسالا إلى صلصة طماطم الكاتشب، أما الآن فقد أصبح من أشهر أطباق الكاري في معظم المطاعم الآسيوية. إلا أن هذه الأطباق خضعت مع الزمن لبعض التحسينات من قبل الطهاة، وبدأت تتكيف مع الوصفات الأصلية، وأصبح يتناولها أهلها على أنها أطباق هندية. أما الآن فإن هذه الطريقة الجديدة في طهي الأطباق الهندية بدأت تستميل أبناء الجيل الثاني من المهاجرين. ويقال إن بعض أطباق الكاري الإنجليزية أصبحت مشهورة في الهند وباكستان وبنغلاديش، وإنها أفضل بكثير من التي تقدم في تلك البلدان.
كلمة كاري (Curry ) الإنجليزية مشتقة من كلمة (Kari ) والتي تعني مرقة في لغة التاميل في جنوب الهند، وهذه تطلق على أي نوع من أنواع المرقة. الفرق ليس فقط في الكلمة أو لفظها، إذ أصبحت الكلمة الإنجليزية تعني طبق طعام محددًا. وما يعرف الآن بالكاري هو طبق طعام إنجليزي بنكهات من التوابل الهندية أي التي جلبها الإنجليز معهم من المستعمرة.
عندما تتناول الطعام عند أصدقاء من شبه القارة الهندية فستعرف الفرق بين ما يقدم في المطاعم وما يقدم في البيوت. الأطباق التي تقدم في المطاعم الهندية تختلف عما يقدم في البيوت، في طريقة التحضير، والمكونات، وأنواع التوابل المستخدمة. إذ تدخل التوابل الطازجة بدلاً من الخلطات الجافة الجاهزة التي جلبها معهم الإنجليز من الهند في تحضير الوجبات في البيوت، كما أن قليلاً من التوابل تستخدم في إعداد الوجبة. المطاعم المنتشرة في بريطانيا من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها تقدم، رغم تنوع قوائم الطعام فيها، القليل جدًا من الخضراوات.
معظم وجبات الكاري تطهى مع اللحوم أو الدجاج، والقليل منها يقدم بالسمك، وهذه يدخل في تحضيرها خلطات من التوابل الجاهزة والمتشابهة. ولو زرت الأماكن التي تسكنها أقليات آسيوية في بريطانيا وتجولت في أسواقها لتعرفت على أنواع كثيرة من الخضراوات والفواكه، وأشياء ومكونات أخرى من الأطعمة والبقوليات وغيرها التي لا تجدها نهائيًا في معظم المطاعم الهندية في بريطانيا. وما يقدم فقط هو الباذنجان، والبامية، والسبانخ، ومن الحبوب العدس.
ولكن عند البحث على مطعم جيد لتناول أطباق الكاري، خصوصًا في الأماكن التي يقطنها أقليات آسيوية عليك أن تعرف إذا كان يتردد على المطعم زبائن من الآسيويين أو فقط من الإنجليز، أو الأقليات غير الآسيوية التي تقطن بريطانيا. المؤشر هو إقبال أهل المنطقة على هذا المطعم أو ذاك هو دليل على جودة الأطباق التي يقدمها.
هناك العديد من الكتب الإنجليزية التي تؤرخ وتقدم الطبخ الهندي ويرجع تاريخ بعضها إلى منتصف القرن الثامن عشر. وفي بداية القرن العشرين كان هناك عدد محدود من المطاعم التي تقدم المأكولات الهندية التي تعوَّد تناولها من عملوا في الجهاز البريطاني في إدارة المستعمرة الهندية. وحسب الوثائق الموجودة افتتح أشهر هذه المطاعم في شارع ريجنت ستريت في قلب لندن عام 1926.

  • الكاري ثقافة متكاملة، يلخص علاقات اقتصادية وثقافية ربطت، ولا زالت، بريطانيا بالهند

  • بعض أطباق الكاري الإنجليزية أصبحت مشهورة في الهند وباكستان وبنغلاديش، وأنها أفضل بكثير من التي تقدم في تلك البلدان

  • العدد الكبير لمطاعم الكاري، يفوق أي مطاعم أخرى، ما جعلها أكبر من صناعة بناء السفن في بريطانيا


وبسبب العدد الكبير لمطاعم الكاري، التي يفوق عددها عدد أي مطاعم أخرى، فإن هذا القطاع في الاقتصاد البريطاني مهم جدًا، إذ يؤمن وظائف لأكثر من 50 ألف عامل، إضافة إلى 150 ألف عامل في وظائف متصلة بشكل غير مباشر بهذه الصناعة، ما جعلها أكبر من صناعة بناء السفن في بريطانيا.
الهجرة من دول أوروبا الشرقية التي دخلت الاتحاد الأوروبي حديثًا ضيقت الخناق على عدد عقود العمل التي تمنحها بريطانيا للمهاجرين من شبه القارة الهندية، الأمر الذي أغضب أصحاب المطاعم الهندية والعاملين في هذا المجال بسبب النقص في عدد العاملين الذي تعانيه صناعة الكاري بسبب اختيار أبناء الجيل الثاني والثالث وظائف مختلفة عن آبائهم، وابتعادهم عن العمل كندل وطهاة. وقامت مجموعة كبيرة من أصحاب المطاعم بالضغط على وزارة الداخلية للسماح لهم بجلب طهاة من بنغلاديش، والهند، وباكستان بسبب النقص الذي يواجهونه قائلين إنه ليس بوسعهم الاعتماد على عمالة من أوروبا الشرقية في إدارة مطاعمهم.
وبالرغم من شهرة طبق الكاري إلا أنه لا توجد وصفة دقيقة لتحضيره. وأبناء شبه القارة الهندية يستخدمون تعبير ماسالا لخلطة البهارات المختلفة والتي تدخل فيها العديد من التوابل مثل الثوم، والكركم، والكمون، والكزبرة، والبهارات الحلوة، والفلفل الحار، وحب الهال، والقرفة وغيرها. معظم خلطات البهارات التي تباع تجاريًا في السوق وتستخدم في طهي الكاري في المطاعم تميل إلى اللون الأصفر لاستخدام كميات كبيرة من الكركم فيها، خصوصًا بعد أن تعود الناس اللون الأصفر المائل إلى الاحمرار أحيانًا في تحضير الأطباق. وهذه أصبحت تحضر كخلطة تضاف إلى العديد من الأطباق التي تدخل بمجملها تحت اسم طبق الكاري. أما في الدول الآسيوية التي تشتهر بأطباق الكاري فإن أكثر من 20 نوعًا من البهارات والأعشاب الطازجة المختلفة تدخل في تحضير الخلطة، والتي تختلف من منطقة إلى منطقة وتحضر هذه بشكل يومي في البيوت والمطاعم. وهذه هي الطريقة الأصلية في تحضير المأكولات الهندية في البيوت، وهذه تختلف تمامًا عن أطباق الكاري التي تطهى وتقدم في المطاعم الآسيوية الموجودة في بريطانيا، والتي تدار في معظمها من قبل المهاجرين البنغاليين. ومع ازدياد الإقبال على المطاعم الهندية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي أصبحت عملية تحضير الخلطات الأصلية غير مجدية ماليًا للمطاعم، وهي الفترة التي شهدت انتعاش مسحوق الكاري الجاف في طهي الأطباق المختلفة.
أسماء أطباق الكاري أصبحت معروفة لدى عامة الناس، مثل البرياني، والذي يعد من أشهر الأطباق الهندية في منطقة الخليج، وهناك قائمة طويلة من الأطباق التي يعتقد أن أسماءها خضعت لبعض التعديلات مثل الكورما، والبونا، والجلفرازي، والدوبيازا، والروغان غوش، والباسندا. وهذه تقدم عادة مع اللحم أو مع الدجاج. ومن أطباق الكاري التي اشتهرت في الثمانينيات من القرن الماضي فهناك الكراي أو الكراهي (Karai ) والبالتي (Balti )، والذي يعتقد أن الطبق واسمه هو من اختراع المطاعم الآسيوية في مدينة بيرمنغهام بوسط إنجلترا. ولا أحد يعرف أصل كلمة بالتي (Balti )، إذ إن هناك العديد من النظريات حول أصلها. بعضهم يقول إنها جاءت من اسم طائفة مسلمة تعيش في منطقة التبت، وبعضهم الآخر يقول إن أصلها يعود إلى شكل الوعاء «الطبق» الذي يقدم فيه الطعام. ولا توجد أي وثائق تثبت وجود هذه الأكلة قبل عام 1984. ويعتقد أن المطاعم الآسيوية في المدينة قدمت الطبق لأول مرة هناك مستخدمة خلطات من التوابل من منطقة البنجاب.