من فوائد رحلتك إلى أوروبا
الإقلاع عن التدخين
.من يدرس قوانين حظر التدخين في الدول الأوروبية يشعر أنه دخل غابة من الأنظمة والتشريعات
بون: أسامة أمين
§ تفرض أوروبا مع مطلع هذا العام غرامات على التدخين في الأماكن العامة
§ تصل العقوبة في إسبانيا إلى حد أقصى قدره مليون يورو
§ هناك دول أوروبية حاولت التملص طويلاً من سن قوانين تحظر التدخين
§ اتحاد أصحاب الفنادق والمطاعم والمقاهي يشتكون من القانون
حتى في أوروبا ما زال بمقدورك الآن بدون شك أن تشعل سيجارتك، وتأخذ نفسًا عميقًا، وتغمض عينيك، وتجعل دخان سيجارتك يتغلغل في كل خلية من رئتيك، وتشعر بهذا الإحساس الذي تتحمل من أجله سعال طفلك الصغير، وأزمة التنفس التي تصيب زوجتك، ورائحة الملابس المحملة بالدخان، واللون الأصفر البديع لأسنانك.
الجديد في الأمر منذ مطلع هذا العام أنك ستفتح عينيك، وأنت تنفث دخانك، لتجد شرطيًا ينظر إليك بعيون ينبعث منها خليط من المعاني السلبية، ويطالبك بإطفاء السيجارة، ودفع الغرامة التي تتراوح مثلاً في إيطاليا بين 27.5 يورو و275 يورو، و40 يورو في النمسا، و68 يورو في فرنسا، و50 يورو و750 يورو في البرتغال، وفي أسكتلندا 50 جنيهًا إسترلينيًا أي حوالي 70 يورو، وفي بعض الولايات الألمانية 100 يورو، أما إسبانيا فتصل العقوبة إلى حد أقصى قدره مليون يورو، ولكنها عقوبة لم يتم تطبيقها حتى الآن، حذار أن تكون أول من سيدفع المليون!
طريق عسير لسن قانون حظر التدخين
هناك دول أوروبية حاولت التملص طويلاً من القيام بمبادرات لحث البرلمانات على سن قوانين تحظر التدخين، ومن بين هذه الدول ألمانيا التي اعترضت على قوانين فرضها الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن، رغم الإحصائيات التي تشير إلى أن 140 ألف شخص يموتون سنويًا فيها بسبب التدخين، وأن 3300 شخص إلى 4000 شخص يموتون سنويًا، أيضًا، بسبب التدخين السلبي، أي بسبب وجود أشخاص غير مدخنين في مكان يقوم أشخاص آخرون بالتدخين فيه، رغم أن سن بداية التدخين قد انخفضت في هذه الدولة إلى أقل من 12 سنة.
وسبب هذا السلوك الغريب هو ببساطة أن حوالي 5.5٪ من إجمالي الدخل القومي الألماني، يأتي من الضرائب الباهظة التي تفرضها حكومة برلين على مختلف منتجات التبغ، بحيث وصل سعر علبة السجائر إلى خمسة يورو، والتي يدفعها المدخنون من قوت أبنائهم.
والسبب الثاني هو أن لوبي شركات التبغ يتمتع بقوة هائلة، ومن ورائه اتحاد أصحاب الفنادق والمطاعم والمقاهي، الذي أعرب عن خوفه الشديد من أن يؤدي تطبيق هذا القانون إلى جلب الخسائر الباهظة لهذا القطاع الحيوي، بسبب امتناع المدخنين عن التردد على المقاهي التي ستحرمهم من التدخين، وستبقى أسرة المدخن في البيت تتناول طعامها هناك بدلاً من المطعم، حتى يستمتع المدخن بحرية إشعال السيجارة متى شاء، وبحرية نفخ الدخان في أنوف أطفاله وأهله، حتى يتناولوا الطعام بمذاق دخانه.
أما السبب الثالث الذي تشير إليه بعض المراجع، فهو أن رفض الحكومات الألمانية الحديثة لكل ما له علاقة بفترة الحكم النازي، جعلها تخشى تطبيق حظر التدخين، حتى لا يعقد أحد مقارنة بينها وبين الزعيم النازي أدولف هتلر الذي كان سبَّاقًا في هذا المجال، والذي كان يعد أن التدخين يشكل تهديدًا لقدرة المحارب على القيام بدوره بكفاءة، إضافة إلى التأثير السلبي للتدخين على الإنجاب، وعلى «نقاء العرق الألماني».
استثناءات لقوانين حظر التدخين
من يدرس قوانين حظر التدخين في الدول الأوروبية يشعر أنه دخل غابة من الأنظمة والتشريعات، ففي الدولة الواحدة تجد ما ينطبق على إحدى ولاياتها لا يسري في الأخرى، ففي حين تجد إجماعًا على عدم التدخين في المستشفيات، والمدارس، والجامعات، وغالبية المصالح الحكومية المخصصة للتعامل مع الجمهور، فإن الاختلافات تظهر بشدة في المطاعم، والمقاهي، والحانات. فهناك من يرى تطبيق منع التدخين دون أي استثناءات، ولكن هناك من يضع استثناءات كثيرة، من بينها ما يلي:
تخصيص أماكن منفصلة ومعزولة للمدخنين دون أي شروط إضافية.
تشترط ولايات ودول أخرى ألا يكون هناك أي انتقال للهواء بين أماكن المدخنين وغير المدخنين.
وتشترط غيرها أن تكون المساحة المخصصة للمدخنين أقل من المخصصة لغير المدخنين.
وتشترط أخرى ألا تتسبب هذه الأماكن المخصصة للمدخنين في الإضرار بصحة أي شخص آخر، بما في ذلك العاملون، وبالتالي لا يتم تقديم أي طلبات للمدخنين داخل الأماكن المخصصة لهم.
تشترط بعض الدول والولايات أن تكون مساحة المطعم أو المقهى أكثر من 100 متر مربع للسماح بإنشاء غرف للمدخنين.
وتشترط أخرى ألا يتم استعمال هذه الأماكن المخصصة للمدخنين في أثناء أوقات الذروة لتناول طعام الغداء «من الساعة 12 ظهرًا إلى الثانية عصرًا»، وطعام العشاء «من الساعة السابعة إلى الساعة التاسعة مساء».
تسمح أخرى بالتدخين في الشرفات والفنادق التابعة للمقاهي والمطاعم.
تسمح بعضها بالتدخين في غرف الفنادق المخصصة لسكن المدخنين فقط، مع منع التدخين في المطاعم والمقاهي الواقعة داخل الفندق.
وهناك من يسمح بالتدخين في بعض المقاهي الواقعة داخل المطارات ومحطات القطارات، والمخصصة للمدخنين فقط.
السماح بالتدخين في خيمات الاحتفالات التي تأخذ طابعًا مؤقتًا لا يستمر أكثر من ثلاثة أسابيع.
حلول عجيبة
من شاهد مسرحية «مدرسة المشاغبين» يتذكر بالتأكيد مشهد الخرطوم الطويل الذي يربط بين الفصل الذي يدرس فيه عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي، وبين خارج المدرسة، حيث يقوم القهوجي بوضع سيجارة في طرف الخرطوم، ليقوم الطلاب المشاغبون بشفط الدخان، وهم بعيدون عن موضع السيجارة، بحيث يمكن إطلاق اسم «التدخين عن بعد» على هذه العملية الهذلية.
وما كنا نعده مزاحًا ساذجًا آنذاك، يبدو أنه أصبح نموذجًا لمحاولي الاحتيال على قانون منع التدخين، فقد نشر العدد الأخير من مجلة «فيو» الألمانية، صورة صاحب مقهى يجلس بجسمه في الداخل، ولكن رأسه وكفيه يخرجون من فتحات في جدران المقهى، ليقوم بالتدخين، وحتى لا يشعر بالبرد فهناك إطار بلاستيكي أحمر أنيق يلف حول عنقه وكفيه، يحول دول وصول البرد إليها، ويعلن أن هناك إقبالاً على ابتكاره هذا.
ومن يعرف كبائن الهاتف التي بدأت تختفي في ظل انتشار الهاتف الجوال، فسيستغرب من أنها بدأت تعود تدريجيًا، لأن أحد الخبثاء فكر في احتسابها غرفًا منفصلة للتدخين، تجعل مستخدمها يمكنه الوقوف داخلها، دون التعرض لأي عقوبة، وحتى يلقى اختراعه الإقبال المطلوب، ويربح من ورائه المال، أضاف إلى هذه الكبائن أجهزة فلتر لتنقية الهواء، ومكانًا للجلوس، وركنًا لتثبيت طفاية السجائر، للتخلص من رماد السجائر، ومن أعقابها. والطريف فيها أنها شفافة، بحيث تتيح الفرصة لغير المدخنين ليتفرجوا على المدخن وهو مستعد لتحمل كل هذا العناء من أجل هذه السيجارة.
لا سبيل للهرب
وحتى لا يحسب المدخن الذي ينوي السفر إلى أوروبا أن كل ما يجب عليه، هو أن يبحث عن قارة أخرى يمارس فيها عادة التدخين، فإليه قائمة ببعض دول العالم خارج أوروبا، والحد الأقصى للغرامة في كل منها:
نيويورك: 1350 دولارًا.
البرازيل: 2000 يورو إلى 40000 يورو.
الأرجنتين: 109 يورو إلى 435 يورو.
بوتسوانا: 120 دولارًا.
اليابان: 14 دولارًا إلى 125 دولارًا.
إيران: 1000 يورو.
نيروبي: 550 يورو، بل وتصل العقوبة إلى الحبس لمدة لا تزيد على ستة أشهر.
سنغافورة: 500 يورو.
بنجلاديش: 12.5 يورو، بل وتصل العقوبة إلى الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر.
أستراليا: 120 يورو.
نصيحة
إذا كنت تنوي القيام بزيارة سريعة إلى الخارج فاحتسبها فترة صيام عن التدخين، مثلما تتحمل في رمضان، إما إذا كنت تنوي البقاء طويلاً، فالأفضل أن تقلع عن التدخين. فألمانيا مثلاً صدرت فيها أحكام نهائية من المحكمة العليا، أي أنها أحكام لا يمكن نقضها، تفرض على المستأجر المدخن تحمُّل جميع تكاليف تبديل كل محتويات الشقة المستأجرة، إذا كانت مفروشة، بل وتبديل ورق الحائط، إذا علقت بها رائحة الدخان، إضافة إلى ارتفاع سعر علبة السجائر إلى أكثر من خمسة يورو.
فهل تستحق هذه المتعة كل هذه المشاق؟ بالتأكيد لا.. أليس كذلك؟