الكتب الأكثر مبيعًا في العالم
العربي لم ينجح أحد!
.الكتب الجيدة ليست تلك التي حققت أعلى المبيعات بالضرورة
بروكسل: فتيحة معروف
§ رواية هاري بوتر بيع منها في العالم 325 مليون نسخة
§ «مائة عام من العزلة» بيع منها في العالم 300 مليون نسخة
§ «11 دقيقة» بيع منها في العالم 75 مليون نسخة
§ «شفرة دافنتشي» بيع منها في العالم 75 مليون نسخة
لكل كتاب هويته ورسالته، فكتب تعيش فينا، وكتب نعيش فيها، كتب تهمس كلماتها على بُعد آلاف الأميال لتجيبنا عن الأسئلة الهاربة، وكتب تمر كالضيف العابر، وأخرى ننزع قبعاتنا إجلالاً لها، تجبرك على احترام بلاغتها اللامتناهية، وقدرتها على تجاوز الحدود والبحار. كل عام نعبرالقارات، نجوب أرجاءها ونحن جالسون في مكاننا، نطوي العالم المتباعد الخطى كلما طوينا صفحة كتاب، نجُوب ونطوف عوالم متعددة، بعضها يشبه عالم أحجيات جداتنا، وما أجمل أحجيات جداتنا، بداياتها معلومة ونهايتها مجهولة! كتب تكشف أن في داخلنا ما زال يقبع ذاك الطفل البريء منتظرًا حكاية منتصف الليل التي كلها خيال وخرافة.
روايات وملايين
«رواية هاري بوتر» لكاتبتها جي كي رولينغ، التي تعد من أكثر الكتب مبيعًا في العالم 325 مليون نسخة، وبلغت أرباح أجزائه 55 مليار دولار. الرواية تديرنا في عالم افتراضي، عن عالم السحر، والخيال الطفولي، الحافل بالمغامرات يستجلي من خلالها البطل الأسرار، فيكبر البطل وتنكشف له أحجية أكلة الموت والحب وسر الشقيق الخليط.
لكن علمتنا الحياة أن ليس كل ما يلمع ذهبًا، فالرواية لم تقدم سردًا تاريخيًا ولا علمًا نافعًا، لكن الإعلام الغربي صناعة مدروسة الأركان، تضيء النجم في ضوء النهار، لكن يبقى السؤال الملح هل ستحصل السلسلة البُوترية على جائزة نوبل للأداب؟ فحقهم في الكتابة لا يُبطل علينا حقنا في السؤال.
وللحق والعدل توجد روايات حققت أعلى المبيعات، زعزعت مشاعرنا، وأذرفت دموعنا، فاجأتنا، لم نُصدق الروعة التي تسابقت بها العبارات لتخاطب وُدنَا، وتحرك ذواتنا، روايات حققت النصر بغير عراك، تمشي كلماتها بأناقة الكعب العالي، كلمات علمتنا روعة الإحساس.
كما أن رواية الكاتب الكولومبي غابرييل غابرييا ماركيز في «مائة عام من العزلة» والتي احتلت المرتبة الثانية في أعلى المبيعات في العالم، 300 مليون نسخة، حصلت على جائزة نوبل سنة 1982، وبقيت تحقق أعلى المبيعات، خصوصًا بعد ترجمتها لثلاثين لغة، فالجيد حي، كلما قدم زاد أصالة ورقيًا.
في الرواية يمتد الزمان، لتقلص ضمن أوراقها وسطورها حكاية الأسرة «أوريليانو»، التي كانت الغواية القاسم المشترك في حياتهم، فيعبث بهم القدر كما يشاء، وتُلاحقهم اللعنة إلى آخر سليل منهم، فالسلالات التي حكم عليها القدر مئة عام من العزلة، لن تكون لها فرصة أخرى للعيش على وجه الأرض.
الرواية تجتاز مساحات الزمان والمكان، لتغوص في آفاق الإنسان المترعة بتجاربه ومعاناته الإنسانية، وإن تصحُ من خيال الرواية تجد نفسك أشبه ما كنت في الحياة: شائعة وشائكة، بسيطة ومعقدة، حلوة ومرة، في قصته مررنا بالمواقف نفسها، للحظة نشعر أننا نعرف الأشخاص، الحركات والأصوات، ولوهلة نرمي النظر للأعلى، نفكر في الموقف المتكرر بتفاصيله، ولكن لا ندري متى ولا كيف حصل، إنها ككل الأدب الرفيع جديرة أن تقرأ، وككل الحياة تستحق أن تُعاش.
فالرواية ليست تلك الكتاب السياسي، ولا الفكري ولا الفلسفي، إنها كل تلك الأشياء، إنها امرأة تتجول في الشارع، تستمع لأحاديث الأقبية تحت ضوء المزارع، وحتى تحت هول الحروب، الرواية هي منتهى السخرية من العالم الهش والرخيص وأسفار في الذاكرة والجسد.
وتستمر المشاعر في التدفق في الرائعة الروائية «11 دقيقة» لباولو كايلهو، والتي احتلت المرتبة الثالثة عالميًا، ببيع 75 مليون نسخة، في 150 دولة، وترجمت لـ62 لغة، بفضل بطلة الرواية «ماريا» تلك الشخصية التي حفرت جروحنا وذاكراتنا، ماريا تلك المومس المنبوذة، التي رحلت من البرازيل بحثًا عن الزواج والاستقرار، تلك المرأة الغائرة في جراحها المائلة كخيط الدخان، تعلمنا أن الحياة كحفنة الماء لا تستقر أبدًا في أيدينا، وأن من يسعد الآخرين لن يكون أبدًا سعيدًا، وأن المغامرة تجعل الحياة ممكنة، بدل أن نُعرقل دورة مرور الحياة، وحتى لا نكون مقبرة أحياء تمشي في الشارع العام، تلك الصور تدعونا ماريا لتجليها.
فالحياة علمتها أن تكون الشيء ونقيضه، كن الزمن واللا زمن، الخير والشر، الليل والنهار، كن الفشل والنجاح، كن وكن وكن، لكن لا تستكن... ماريا امرأة تعلمت من تجربة الحياة سر الحياة، ومن الحلم الحقيقة، ومن الحب سر الوجود، وأن الشك هو طريق الحقيقة.
الحقيقة الني كُشفت في الرواية التي صنفت الرابعة، والتي باعت 75 مليون نسخة بـ50 لغة، المثيرة للجدل والمحظورة كاثوليكيًا، لأنها حلت شفرة التاريخ، إنها «شفرة دافنتشي» لكاتبها «دان براون» الذي دخل خطورة المتعة والإثارة والسرية، وحرب الرموز الخطرة الدائرة بين الوثنية والمسيحية، طرح حقائق وليست حقيقة واحدة، حتى وصف الناقد البريطاني «مارك لوسون» الرواية بالهراء الخلاب، شفرة دافنتشي فاجأت العالم، مزجت بين تاريخ الفن والأساطير، كنائس أوروبا ولوحات ليوناردو دافنتشي.
داخل متحف اللوفر بباريس وفي أجواء بوليسية غامضة، تبدأ من جريمة قتل القيم سونير أمين المتحف، واحد من أبرز أعضاء جماعة «سيون» السرية تاركًا رسالة خلف لوحة ليوناردو دافنتشي لحفيدته «صوفيا» اختصاصية علم الشفرات، وخلال البحث عن حل اللغز تتضح الرسالة، وينفضح السر الذي حافظت عليه «جماعة سيون» الموجود ضمن وثائق البحر الميت ومخطوطاته وبروتوكولات حكماء صهيون، فيعلن الكاتب بوضوح تزييف رجال الفاتيكان لتاريخ المسيحية. صدور الرواية أثار جدلاً نخر أركان الكنائس، وأثار حساسية بين نشر الرواية كحرية تعبير أو منعها، لأنها تمس المليار ومليونين ونصف المليون مسيحي.
الكتب الخُدج
ليست كل الكتب تكتب لتوقظ عقولنا الغافية، بل ستُصادفنا كتب مدفوعة الأجر، مسموعة الكلمة، قبل ولادتها احتفي بحفل العقيقة، وحدد المدعوون للحفل، لأنها ولدت قبل الأوان، إنها الكتب الخُدج. كلماتها كاذبة لعينة، تلسعنا برودتها كالثلج، شديدة الولاء للذي يدفع أكثر، تُذكرنا بالليل البهيم، رسالتها قاسية كجلدات السوط، أشعل شمعتها الإعلام الغربي وما أدراك ما الإعلام الغربي، صناعة الحفر، تحفر حفرة لتدفن الأفكار العظيمة.
لكن يمضي شتاء الكتب مسافرًا متأبطًا شره تحت إبطه، لتحل أشعة الشمس مذوبة الثلوج الباقية، لتبقى الحقيقة ساطعة، وتحترق الأوراق التي كتبت فيها، لأنها أرق من ورق السولفان، لكن من وُجهت أقلامهم لتسُد الطريق أمام تدفق مشاعرنا، والمرح بديننا، وكتم أحاسيسنا، والاستئثار بحقها في التفسير، لن نسمح لهم أن يحتالوا علينا، ولا نجعل أنانيتهم تدمر ذواتنا، فمن لا يُراعي لا يَستحق أن يُراعَى، كلمات أعلنت إفلاسها مهما كانت عباراتها منمقة.
كتب وفنجان شاي
تعددت الكتب التي حققت أرقامًا قياسية في العالم، لكنها تُحتسى مع فنجان الشاي عصرًا «كيف تصبح مديرًا عامًا بأسرع وأنجح الطرق» «في قلب العاصفة» لجورج تنيت «وداعًا للعمل وتحيا الإجازة» و«البوشيزمية: أخطاء بوش اللغوية» ككل الكتب التي ارتبطت بالتسلية واللغة البسيطة، وقلما ارتبطت بالجودة، جاهلين أن الكتاب هو الرفيق الذي لا يفارق، واللذة التي تصغر أمامها كل أمور الحياة، الكتاب الذي يُسعدنا بتصفحه ويُشقينا بابتعاده، نغماته تحاكي هذيل الطيور، وحفيف الأشجار، وأرق من نسائم الأسحار، وأسرع امتزاجًا بالنفوس، واستيلاء على العقول، وأخدًا بمجامع القلوب، الكتاب هو الذي يخلد للقرون.
وهل ستُخلد كتبهم ستة عشر قرنًا كـ«كليلة ودمنة» لابن المقفع؟ وهل أغرتنا لغتهم، وأرهفنا إحساسهم؟ وهل تعرضوا لأحاديث الحب بحلوه ومره، سره وجهره، طريقته ومذهبه كما هو «طوق الحمامة في الألفة والآلاف» لابن حزم؟ وهل شممنا فيها عبق النبوة والحكمة كما في «الصحيحين» و«النسائي» و«الترمذي»؟ وهل سيخاطبنا أحدهم كالجاحظ في «البخلاء» فنتعلم علم الأدب والكلام، السياسة والتاريخ، النبات والحيوان، الأخلاق والنساء؟
فالكتب الجيدة ليست تلك التي حققت أعلى المبيعات بالضرورة، بل روائع المؤلفات هي التي تصنع أفكارها أجنحة حرة، تطير بها، تتجاوز الحدود لتحلق لأعلى القمم، فنسمع صدى الكلمات تدوي في الآفاق وتطرق عنان الفضاء، يسابق صداها ندى الفجر في مصافحة الورق ليسطع شعاعها على الألباب.
تلك الكلمات التي لا تهزأ ولا تسخر من مخالفة الغير، التي لا ترضى أن تكون ناقدة لأن في مقدورها أن تكون مبدعة، ولا ترضى أن تكون تابعة، لأن في مقدورها أن تصل لبراعة ديستوفسكي، ولا ترضى أن تكون خادمة، لأن في مقدورها أن تنظم شعرًا تتغنى به، وتنسج من كيانها الفاني قصة حية أو شخصية خالدة، ولتهب للكون روحًا، وللأفكار أجنحة، وللخيال غنى، وللأشياء زهوًا وحياة، والتي تدهشنا قدرتها على تعليمنا أشياء كثيرة حول العالم.
وقبل الوداع.. لابد أن نعرف أن: أندر من الكتاب الجيد القارئ الجيد.