من الرياض إلى باريس تعددت الأسماء والمنتج واحد
فقـع» السـعودية أغلى من الذهب»
.تبدأ أسعار الفقع من خمسة آلاف ريال بداية الموسم وتنخفض إلى 60 ريالاً في نهايته
الرياض: عماد درويش
تصوير: هشام شمّا
§ الأسود أجود الأنواع والأبيض أسوأها والأحمر نادر وغالي الثمن
§ البروتين والأكسجين والهيدروجين والماء أهم المكونات
§ يعالج التراخوما لكنه خطر على مرضى المعدة والأمعاء والحساسية
§ في فرنسا وإيطاليا يدربون الكلاب لمعرفة مكان اختباء الكمأة
وهب الله عز وجل البيئة الصحراوية السعودية سمات عدة منها نباتات لها مواسم معينة، كنبات الفقع الذي يظهر على سطح الأرض مع هطول المطر، ليصبح طعامًا ومصدرًا للكسب لدى بعض الناس من خلال جمعه، ثم بيعه بأغلى الأسعار.
أسماء الفقع
أبو صالح، أحد باعة الفقع في أكبر سوق للرياض للسلع التموينية، يقف وإلى جواره صندوقان من الفقع، وينادي معلنًا عن وجود الفقع من خيرات هذا العام يقول: نبات الفقع ناتج الرعد على الأرض في موسم المطر.
وتسمى الواحدة منه «فقعة»، أما في بلاد الشام فيسمى «الكمأة»، وهو الاسم القديم لهذا النبات، أما موسمه الحقيقي فمع نهاية فصل الشتاء والأمطار.
وهناك من يطلق عليه اسم «نبات الرعد» وهو نبات ينمو تحت سطح الأرض على عمق يتراوح بين 2سم إلى 50 سم، ولا توجد إشارات تدل عليه فوق سطح الأرض، فهو نبات ليس له أوراق أو أزهار تنبئ بوجوده.
ومن بين الأسماء المتداولة لهذا النبات الجميل: «بيضة الأرض، وشجرة الأرض، وبيضة البلد، والعسقل، وبيضة النعامة». ومن الناس من يقوم بخزنه للاستفادة منه بعد انتهاء الموسم فيبيعونه بأغلى الأثمان، خصوصًا إذا تمكنوا من جمع أنواع متعددة، لاسيما أن لهذا النبات عدة أحجام صغيرة وكبيرة ومتوسطة، فكبيره بحجم البرتقالة، وصغيره بحجم حبة البندق.
صعوبة وانتشار
أبو سعود، بائع آخر في السوق، يخبرنا أن الفقع: يحتاج إلى مجهود كبير للعثور عليه وجمعه، خصوصًا إذا كان مختبئًا وناميًا قرب جذور الأشجار الضخمة كشجر البلوط، وينمو على شكل مجموعات، حيث يتراوح عدد كل مجموعة 20 حبة، تكون كروية الشكل لحمية رخوة منتظمة، ويمكن أن تكون بلونين «البيج والأسود».
ويتعرف الجامعون لنبات الفقع على مكانه بشق الأرض التي تختبئ تحتها «الفقعة. كما يمكن أن تكون الحشرات المتطايرة حول المكان خير دليل على وجوده، أما أماكن انتشاره فهي السعودية، وبلاد الشام، ومصر، والعراق، والكويت، والمغرب، وتونس، والجزائر، حتى في أوروبا، وخصوصًا في فرنسا وإيطاليا التي تقوم بتدريب الكلاب لمعرفة مكان اختباء الكمأة.
أنواعه و ألوانه
وبحسب سعود الحربي، أحد المحترفين لجمع الفقع، فإن له عدة أنواع، منها ما يعرف باسم «الزبيدي» يميل إلى البياض، وحجمه كبير بحجم البرتقالة وربما أكبر.
ومن الأنواع نوع الخلاسي، وهو نبات أحمر اللون، وهو أصغر من الزبيدي ولكنه أغلى سعرًا وألذ طعمًا.
ومن أنواع الفقع الجبي وهو أسود اللون يميل إلى الحمرة، وهو صغير جدًا من حيث الحجم.
ومن الأنواع «الهوبر» ويكون أسود اللون من الخارج، أما من الداخل فأبيض ناصع البياض. ويتميز هذا النوع بأنه يظهر قبل ظهور الفقع الأصلي ليعلن عن قرب ظهور الفقع لكنه يصنف من أسوأ أنواع الفقع، ونادرًا ما يؤكل.
الفقع في أوروبا
ووفق بعض المراجع فإن انتشار الفقع في القارة الأوروبية، وبخاصة فرنسا، يعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي، ومنهم من يرجع الفضل في اكتشافه في أوروبا إلى الإسبان، أما الفقع المفضل في أوروبا فهو أبيض اللون، لكنه أدنى قيمة من سواه.
فوائده
الدكتور خالد بن علي المدني، أستاذ التغذية ومدير عام التغذية بوزارة الصحة في جدة، تحدث عن التركيبة الكيميائية لهذا النبات قال: «بينت الدراسات أن الفقع يحتوي على 9% من البروتين، و135% من النشويات، و1% من الدهون، و75% من حجمه ماء.
كما يحتوي على بعض المعادن مثل الفسفور، والصوديوم، والكالسيوم، والبوتاسيوم، لكنه بالرغم من ذلك ليس مزودًا جيدًا للطاقة. أما فيما يخص الفيتامينات فإنه يحتوي على فيتامين «ب» بقدر كبير، إضافة إلى احتوائه على كمية من النيتروجين، والكربون، والأكسجين، والهيدروجين.
وهذا ما يفسر التشابه في طعمها مع اللحم، حيث إن مذاقها يشبه كلى الضأن إضافة إلى رائحته الزكية التي تغري بتناوله، أما الطب القديم فعدَّها رديئة للمعدة، خصوصًا أنها باردة رطبة، بل إن بعضهم ذهب إلى أن الإدمان عليها يصيب بالسكتة، والفالج، ووجع المعدة، وعسر البول.
أما الرطب من الفقع فهو أقل ضررًا من اليابسة. ويرى بعض الأطباء في العهد القديم أن تناولها يجب أن يكون بعد سلقها بالماء، والملح، والزعتر، وتؤكل بالزيت والتوابل.
علاج للأمراض
ويؤكد الأطباء في ذاك الزمن أن الفقع علاج جيد للعين وآلامها، كما أن أكله يقوي البصر. أما الطب الحديث فأكد أن الفقع علاج ناجع لمرضى التراخوما في العين، إذ إنه يحد من تكون الخلايا الليمفاوية في الملتحمة.
وبالنسبة لاستعمالات الفقع فيذكر الدكتور جابر موسى، من كلية الصيدلة بجامعة الملك سعود بالرياض، بأنها داخلية وخارجية.
أما الاستعمالات الداخلية فهي تستخدم لتقوية الأظفار الهشة، وتشقق الشفتين واضطراب الرؤيا، كما تستعمل كغذاء، إذ تصل قيمته الغذائية إلى20% من وزنها، خصوصًا أنها تحتوي على البروتين إذا تم تناولها على شكل شوربة، ولكن يجب أن تؤكل جيدًا، ويحذر أكلها نيئة، نظرًا لخطورتها، حيث تؤدي إلى الإصابة بعسر الهضم. كما يحذر من تناولها من قبل الأشخاص المصابين بمشاكل في المعدة والأمعاء، والحساسية.
أما الاستعمالات الخارجية فالفقع علاج جيد لتراخوما العين وقد أثبت ذلك البحث الطبي.
نصائح
ولمحبي الفقع نقدم باقة من النصائح المهمة للحفاظ على سلامتهم في أثناء تناولها، إذ لا ينصح بتناول المرطبات الباردة، وبخاصة المياه الغازية بعد تناولها لما تشكل من خطورة صحية على المعدة بالذات، ويجب تنظيفها من التراب العالق عليها بشكل جيد قبل تناولها، كما نحذر مرضى الحساسية من تناولها وبعض المصابين بالأمراض الجلدية.
الفقع و التراث
وللفقع في التراث القديم مكانة خاصة، حيث ورد عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قوله: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين»، وذلك عندما بلغه أن قومًا امتنعوا عن أكلها وقالوا: إنها جدري الأرض.
وكثيرًا ما تستخدم الكمأة في الطب الشعبي، حيث ورد عنها في كتب الطب الشعبي القديم قولهم: الاكتحال بها نافع من ظلمة البصر والرمد الحار، وماؤها أصلح الأدوية للعين إذا عُجِن به الإثمد واكتحل به، ويقوي أجفانها ويزيد الروح الباصرة قوة وحدَّة، ويدفع عنها نزول النوازل. وهو ما أثبتته الدراسات الطبية الحديثة من نفع ماء الكمأة في علاج الرمد الحبيبي للعين (التراخوما) ومنع مضاعفاته من الحدوث.
هدايا
وفي النهاية تبقى المكافأة الكبرى في شكل وجبة أو وجبات شهية منعشة، أو حصيلة جيدة من المال بعد بيع الفقع المجموع في الأسواق.
وتدر الأنواع الجيدة والأحجام المطلوبة قدرًا وافرًا من المال، إذ قد يصل في بعض الأوقات ثمن الصندوق الذي يحتوي على نحو ثلاثة كيلوجرامات من الفقع الجيد في أوائل الموسم إلى خمسة آلاف ريال.
ويقل متوسط السعر بالطبع عن ذلك، خصوصًا عند بلوغ موسم الحصاد ذروته. وقد يقل السعر إلى 50 ريالاً، أو 60 ريالاً مع قلة الجودة ووفرة الكمأة في الأسواق.
ويتم إعداد وجبات شهية من الفقع.
ويكاد يكون هناك إجماع بين أهالي شبه الجزيرة العربية على حب الفقع والحرص على تناوله. وعادة يتم تنظيف الدرنات جيدًا بعد استخراجها من التربة قبل طبخها، ثم تغلى في الماء، وتقطع إلى شرائح تخلط مع الأرز والخبز والسمن، أو تسلق وتتبل وتملح وتؤكل. وتؤكل مسلوقة مع شحم الغنم أو الإبل كما يصنع منها حساء جيد وتزين بها الموائد.