كانت المرآة أمنية كبيرة لإحداهن ذات زمن
المرايا.. حياتنا الأخرى
.لعل حاجتنا لأن نكون مرايا صادقة لبعضنا كبيرة في كل حين
الرياض: أهلًا وسهلًا
§ نحاول تجميل ما تحتضنه من صور فتبدو الأشياء بها أكثر انبهارًا
§ لا ندري كيف استطاعت المرايا خلع أثواب الحياء عنا
§ كل الأسرار وهبناها للمرآة ذات وحدة
§ مشروع مصادقة المرآة فكرة تجعل الأمور منسابة أكثر نحو المكاشفة
حدثتنا أمي كثيرًا عن حياتها، روت لنا قصص بيضاء وأخرى سمراء.. عن الفرح والعيد والنقاء.. وعن التعب والشقاء، و أيام الحاجة، وكيف كانت أيامها غنية بالرضا.. بالرغم من أنها تفتقد المطيبات اليومية.. صحبتنا في رحلة لرغبات تخطاها الزمن ولم تتحقق إلا بعد حين..عرفتنا إلى أكثر الأشياء التي رغبت فيها ولم تحصل عليها آنذاك.. ومن أعظمها كانت المرآة.
أخبرتنا بشيء من الحياء كيف كانت تسترق النظر إلى وجهها عبر مياه الينبوع الراكدة صباحًا، وضحكنا عميقًا.. على قصة انبهارها الكبير لمشاهدتها الأولى لملامحها.. فهي لم تتعرف على وجهها إلا بسن العاشرة، وبعد أن كان عالقًا بعدسة عينيها الدافئتين صور من حولها وما يحيط بها فقط، وجهل مخيف لتفاصيلها.
وكما أن التاريخ الإسلامي «الهجري» يرتبط في حسابه بالتقويم القمري ويعتمد عليه، فإن التاريخ الميلادي يرتبط بالتقويم الشمسي.
المرآة التي نراها الآن مبعثرة في كل الأمكنة.. كانت أمنية كبيرة لإحداهن ذات زمن..!! يا لتلك الآمال الضئيلة.. هي مجرد مرآة.
مرايا مزدوجة
عندما تضيق المساحات، وتشكي الزوايا الوحدة وغياب الوجوه، تحن عليها المرايا، فتبعث الحياة فيها من جديد. هي شيء من زجاج.. تنعكس على جوانبه علامات الجمال، وتستضيء بأركانه الأحلام، لكنه يشبه الماء.. يروي الشقوق المتصدعة ويملؤها صورًا.
ماذا قد يصيب المكان من أُنس، وحُسن مآب، وفضاء رحب بالمتغيرات عند حضور المرايا! وكيف ستصخب الأنحاء بكل تلك الرسوم المتراقصة بين إشراقه الشمس وإيلاج الغروب.
وكيف لنا أن نصف مفاتن مرايانا؟ من كونها واجهة تماثل كل شيء أمامها، وما لها من عاطفة تحاول بها تجميل ما تحتضنه من صور فتبدو الأشياء بها أكثر انبهارًا.
ازدواجية المرايا في العطاء شبيهة بتبادل الفوائد.. وتجاور المنح. فالمرآة، غالبًا، تأخذ الطمأنينة، وتهب وضوح الرؤيا، واتساع الأرجاء.
مشروع مصادقة المرآة فكرة تجعل الأمور منسابة أكثر نحو المكاشفة، في صورة رضا عال بما توحيه هذه الواقفة أمامنا، فهي بالتأكيد من سيخبرنا أن هناك آثار زمن حول عينينا، وهي، أيضًا، من سيطمئننا على سلامة ابتسامتنا، وهي بالتأكيد من سيضع النسبة الأكثر دقة لمدى جمال ما نحاول إبهار الآخرين به، ولعلها هي أول من وقفنا أمامه لتجربة الأشياء: اللباس، وبداية الكلام، ترتيب مقدمة الشعر، ومحاولة تقليد الكبار.
كل الأسرار وهبناها للمرآة ذات وحدة، وفي يوم ضعف شكونا لها، ولربما صببنا جام غضبنا عليها، وهي في سكون عجيب، وكأنها عراب يقول هل من مزيد.
لا ندري كيف استطاعت المرايا خلع أثواب الحياء عنا، ونزع جذور الخوف منا! ربما لأنها ترينا أنفسنا وتنزوي هي جانبًا.. أصبحت أكثر الصحبة.. صدقًا.
هل كل المرايا بذات الصدق؟
كما هي وجوه كل الأصحاب في الحياة ملونة ومختلفة.. فالمرايا لا تتوانى عن ممارسة البشرية هنا..فلكل مرآة روح.. وجسد.. وكلمات تخرج من بين ثناياها إما صدقًا أو تغريرًا.
فلا عجب إن رأينا مرآة مقعرة، وأخرى محدبة، ولا يجب أن نتفاجأ بمرآة مخادعة ترينا صغائر الأشياء بحجم الكرة الأرضية، و تحاول بعض منها العبث باشتياقنا فترينا القريب بعيدًا.. ولكن تبقى ملتصقة بصفة الرؤيا مهما تأرجحت بين الصدق والأكذوبة.
مرآة وردية
لا نحتاج سوى لون نحبه حتى نصبغ به وجه مرايانا، وبروازًا من الحب، حتى تبدو الحياة أكثر رحابة.
ولعل حاجتنا لأن نكون مرايا صادقة لبعضنا كبيرة في كل حين، ولا مانع من بعض الخداع اللائق..فلا جرم لو عكسنا كل تعب إلى راحة، وجميع الآلام إلى وخزات سعادة وفرح.