:يكفي التعلق بطائرة ورقية منها للوصول إلى دول مجاورة
حقل.. الطبيعة البكر
.مدينة البحر، والجبل، والصحراء
حقل: فهد عواض
§ جبل «اللوز» يشهق بالجمال ويزفر بالثلج
§ نسيم الصبح في حقل.. نافذة من الجنة
§ من ألوانها الشعبية «الدحية والرفيحي والهجيني»
§ منفذ الدرة فيها أشهرها تاريخيًا وجغرافيًا واقتصاديًا
تغادر فراشها عدة مرات، تدقق النظر في ساعتها الملقاة إلى جانبها، تفتح نافذة غرفتها في كل جولة تقطعها من سريرها حتى الجدار المقابل لها، وما إن أزاحت الشمس طرف السحب عن وجهها، حتى قفزت «ثريا» إلى عباءتها والتفت بها، تأبطت حماسها، وعانقت شوقها لمدينة طالما قالوا لها إنها ولدت بها.. أمرت السائق أن يتوجه إلى حيث يبدأ مارثون الدهشة، حيث تلاقح المفارقات، إلى محافظة تنزوي بالركن الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية على خليج العقبة.. إلى حقل.. مدينة البحر، والجبل، والصحراء.
تعد الرحلة من الرياض إلى حقل سفرًا مهيبًا، خصوصًا إذا كانت الرحلة برية. لكنها بلا شك ممتعة، فتكثر بين المناطق الواقعة على طرفي الطريق المحطات الواجب الوقوف بها، وتتعدد الحكايات المكتوبة على جدرانها.
تتهيأ ثريا عند الوصول إلى الواجهة الشمالية، لاستقبال كل مكان له صلة قرابة بمدينتها، فهذه تبوك المجاورة لحقل بمسافة 240 كم تطل من بعيد، بكل هدوئها، وتشرق مسافات البياض التي بينهما، وكأنها أعلام سلام تشير إلى القادمين، فهنا جبل «اللوز» يشهق بالجمال، ويزفر بالثلج في الفصل البارد.. وهناك مرتفعات تجعل الوافد إلى حقل يستحضر التعويذات الشتوية لعله يتقي صقيعًا قد يختبئ بين جنبات مدينة يسكنها الغموض والهدوء ليلًا.. لكن المفاجأة التي باغتت ثريا هي الكم الهائل من اللطف الذي استقبلتها حقل به، فلم تكن سوى مكان جميل، يحمل الدفء، ويرتدي قلائد مضيئة تزين قمم جبالها، كهتاف ترحيب بمن يزورها.
نسيم الصبح في محافظة خجولة كحقل.. نافذة من الجنة، فهي لا تعرف من البرد سوى لذيذ نهاره، وعذب مسائه، وفي الصيف تتماهى النسانس بالرقص على أطراف الاعتدال بمعية الهبائب الساحلية المتفردة، لذا لم تجد ثريا بدًا من ممارسة هواية مشاكسة الأشياء التي تحبها، سارت في شوارعها، وراقبت المارة، وبدأت بالتحدث إلى الجميع، كانت تريد نقطة انطلاق، لموكب أسئلتها الذي بدأ ينهمر على أرصفة المكان، وجوانب الزمان. أشاروا عليها بالتوجه إلى «قلعة الملك عبدالعزيز» المشيدة عام 1359هـ التي بدأت من حولها الحركة المعمارية بالنهوض والتفت المساكن حولها، وكانت في بداية الحكم السعودي قلعة حماية للبوابة الشمالية للبلاد، وأصبحت الآن مجمعًا للدوائر الحكومية في هذه المحافظة.
قيل لها إن حقل كانت تسمى بميناء تيماء قديمًا، وتعرفت إلى سكان المكان، حدثوها عن عاداتهم التي ما زالوا يمارسون معظمها، ورأت بهم اعتزازًا ببداوتهم، وحبًا لتقاليدهم المرتبطة بالتاريخ، جربت ثريا التسلل إلى تفاصيل حياتهم، ومحاكاة اهتماماتهم، فعثرت على أصالة تتضح بحفاوة استقبالهم، وكرم احتوائهم.
فمن يكون في ضيافة أهل حقل لابد أن يتذوق القهوة العربية، ويتناول «الفتة» و«المنسف».
ومن يبتسم له الوقت، ويشارك أهلها عرسًا أو حفلًا ما سيتمايل حتمًا على إيقاع «الدحية، والرفيحي، والهجيني».
خرجت بشوق إلى أنحاء مجاورة، حتى وصلت إلى سور من نخيل يحتضنه رمل أحمر، لينزلق الجميع نحو ساحل يعزف لحنًا شجيًا، ويردد موال البحر الساكن على شعب مرجانية، تسلب فؤاد الغواصين والبحارة، السماء صافية، تلوح بها النوارس، وعجائب الأضداد.
فهناك بالقرب.. جبل يراقص الصحراء.. وهنا بحر يداعب بموجه النخيل.
ملامح ثريا لازلت تكتنز الدهشة، ونبض فرحتها بالمكان تسارع كثيرًا عند مصافحتها إطلالة حقل الرزينة على دول الجوار، مصر، وفلسطين، والأردن على مرمى حجر من هذا المكان.. يكفي فقط التعلق بطائرة ورقية للوصل إلى كل منهم.
شواطئ بكر، تشبه معنى حقل «المكان الذي لم يزرع به قط»، شواطئ هانئة، وسماء باسمة، سواحل اقتنصت المصطافين، وبعثرتهم على ضفافها كشاطئ الشريح، وأم عنم، والسلطانية، وبئر الماشي، وجزيرة الوصل.. وعند وصولها إلى كورنيش السبهان تجاذبت ثريا الحديث مع الحلم، ورسمت على صدر الأمكنة مشاريع حكومية مستقبلية، قد تجعل من حقل أسطورة المنتجعات، وإمبراطورية السياحة الداخلية.
لم تستطع ثريا مغادرة المكان دون تأمل للمعابر القديمة وقد ركلتها حوافر القوافل المتجه نحو مكة من كل البلدان المجاورة، ومنفذ الدرة من أعظمها تاريخيًا، وجغرافيًا، واقتصاديًا بالنسبة للضفة الشمالية السعودية.